د. مبروك عطية يكتب: الإسلام وعلاج العمى «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج» ٥/ ١١/ ٢٠١٠ |
فرق كبير بين أن تكون مجرد حاج وبين أن تكون فى الحج، ففى الكتاب العزيز يقول الله- تعالى- «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج». جاء التعبير هنا أيضاً بـ«فى»، فالحج ظرف يحتوى الحجيج متى أحرموا من ميقاتهم وخلعوا ملابسهم، وارتدوا ملابس الإحرام فقد صار كل واحد منهم محرماً ملبياً يقول: «لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك».. ويحرم عليه أن يرتدى المخيط، وأن يأخذ شيئاً عن عمد من شعره أو من أظفاره، وأن يضع طيباً، وأن يباشر امرأته وأن يعقد عقد نكاح، وغير ذلك مثل الصيد، وهو كما قال الله- عز وجل- «فى الحج» أى صار الدعاء والاستغفار والانشغال بأعمال الحج من طواف وسعى، ووقوف بعرفة ورمى الجمرات وعاء له، وليس عليه جناح أن يبتغى فضلاً من ربه، كالذى يحج وهو يخدم الحجيج، وغير ذلك ولا بأس بأن يسأل ليعرف، لكن الحرج كله على من يسأل ليجادل. وشأن الذين لا يدركون معنى (فى) شأن مَنْ لا يدرك الفرق بين كونه فى البيت وبين كونه خارجه كالذى يثير القضايا والمشكلات من أول خطوة، وكالذى تشغله المكاتب، والفنادق، والركاب، وكالذى لا يمسك لسانه. ومن مفاسد ما رأيته فى الحج، والذى رأيته دليلاً على عدم استشعار معنى (فى) ما يأتى: ١- الاستخفاف والمزاح، ومن ذلك قول بعض الهواة من الدعاة حين سأله سائل، وقدّم له بقوله «إنى أحبك» فابتسم وقال له: ما دمت تحبنى فسوف أسقط عنك الطواف، ابسط يا عم، فقد أرحتك من الزحام. ٢- العراك القائم بين الحجيج وبين الشركات التى حملتهم إلى الحج، أية خدمة هذه؟ أين الحقيبة؟ يا أولاد كذا. ٣- اللجاجة واللغو، والكلام فى موضوعات شتى، لا صلة لها بالحج وإقامة شعائره. ٤- المزاحمة والتقاتل عند الجمرات، وعند الطواف، خصوصاً عند الحجر الأسود. ٥- الشقاق الذى يحدث كل عام حول الرمى، ووقته، وغير ذلك. ٦- أجهزة المحمول، واستعمالها أثناء الطواف، فهناك من يهاتف أهله قائلاً: أنا الآن فى الشوط الرابع أو الخامس. ٧- وصف النساء، ومغازلتهن، وقد يعجب قارئ هذه السطور ولكن على لسان زوجة حاجة تقول: كنت إلى جوار زوجى يوم عرفة، وهو يحاول التعرف على امرأة سورية، والتقى بها مرات فى الحج، وخطبها، وتواعدا على الزواج، وحين كلمته قال لى إنه لا ينوى الزواج بها، ولكنها أعجبته فقط، وما هى إلا نزوة وتنتهى. فهل ترى مثل هذا الرجل فى الحج، فضلاً عن أن يرى نفسه فيه، مستغرقاً فى ذكر الله، لذلك قال عليه الصلاة والسلام «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه». ولن يحظى الحاج بهذا الفضل العظيم، والثواب الكبير إلّا إذا كان فى الحج، ولن يكون فى الحج إلا إذا استشعر معناه، وأنه من أجله سافر، ومن أجله غرم، واغترب، وقد ضمن الشرع لهذا الحاج أن يكون فيه، حيث فرّغه إليه بل ذكره به كلما نظر إلى ثيابه، فقد تجرد من ثوب الدنيا ودخل فى ثياب الحج، وحدد له ميقاتاً زمانياً معلوماً يجعله مشغولاً به، فالحج عرفة، والطواف صلاة إلا أنه يجوز فيه الكلام، والكلام فيه بالسلام، وذكر الله الواحد العلام، وكذلك أحاطه بلقب عليه أن يحرص عليه، وهو ضيف الرحمن، فما عسى أن يكون حاله وهو ضيف على الرحمن الرحيم، ألا يلزم الأدب الذى يعود عليه بالغفران منتهى ما يطمع فيه العاقل! |
ساحة النقاش