حوارات معاصرة
الفتوحات الإسلامية بين الحقيقة والافتراء
بقلم : د. محمد عادل عبدالعزيز
تباينت آراء الباحثين في العصر الحديث حول حركة الفتوحات الإسلامية فبينما دار رأي فريق من المستشرقين في أنها كانت بدافع اقتصادي استهدف الاستيلاء علي خبرات البلاد المفتوحة.
مبررا بذلك حركة الاستعمار التي شنها الغرب علي أرض الإسلام, دار رأي فريق آخر في أن الفتوحات الإسلامية كانت اندفاعة دينية استهدفت نشر الإسلام ولو بحد السيف وليس بدافع اقتصادي, وقد كان طبيعيا أن يصعد الغرب اتهاماته للإسلام نتيجة هذا الدفاع الخاطيء من بعض المسلمين فادعي أن الإسلام دين عنف وإرهاب, وللأسف أن معظم من كتبوا في هذه القضية لم يعتمدوا علي النصوص أو الوثائق التاريخية بقدر ما اعتمدوا علي الظن, والظن لايغني من الحق شيئا, ولهذا افتقرت كتابات الفريقين إلي الدليل العلمي.
ونحن حينما نحاول دراسة كتابات الفريق الذي لايري في الفتوحات الإسلامية إلا أنها اندفاعة دينية استهدفت نشر الإسلام ولو بحد السيف, نجد أنفسنا مضطرين إلي أن نحتكم إلي الشريعة الإسلامية لنقف علي حقيقة الأمر فنجد:
أولا: يحصر القرآن الكريم أسباب القتال في الإسلام في أمرين فقط ليس من بينهما نشر الإسلام, فيقول سبحانه في سورة البقرة:(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين).
بل أكثر من هذا ينهانا القرآن الكريم صراحة عن إكراه الناس علي الإسلام, فيقول سبحانه في سورة البقرة:(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).
ويقول سبحانه في سورة يونس:(أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين).
ثانيا: لانجد في السنة الشريفة أي نص يدعو إلي قتال الكفار لكفرهم, أما قوله ـ( صلي الله عليه وسلم) ـ( أمرت أن أقاتل الناس حتي يشهدوا أن لا إله إلا الله) فالمراد منه مشركو العرب لعدوانهم علي المسلمين وإلا تعارض نص الحديث مع النص القرآني(لا إكراه في الدين), كما أنه عمليا لم يخرج رسول الله من الجزيرة العربية لقتال الناس, فهل تكاسل الرسول( صلي الله عليه وسلم) عن تنفيذ الأمر الإلهي وهو رسول الله! ؟ ثم إذا كانت الفتوحات الإسلامية من أجل نشر الدعوة, فلماذا قبل المسلمون الجزية ممن رفض الإسلام!؟, كما أننا لم نجد في غزوات رسول الله( صلي الله عليه وسلم) غزوة واحدة رفع فيها السيف من أجل نشر الدعوة الإسلامية, بل كانت كلها ردا علي عدوان المشركين, حتي فتح مكة,الذي كان يمكن أن نبرر بوجود قبلة المسلمين في تلك المدينة المكرمة, ولكننا لانجد شيئا من هذا, بل كان فتح مكة أيضا ردا للعدوان بعد أن نقضت قريش العهد, واعتدت علي خزاعة حليفة المسلمين.
لذلك حاول البعض تخفيف لهجتهم وادعوا أن الفتوحات الإسلامية كانت من أجل إقرار الحق ونشر العدل, أو من أجل كسر الحواجز التي وقفت عائقا أمام حركة الدعاة, وهنا نقول لهؤلاء: هل انحصرت هذه الادعاءات في المنطقة التي فتحها المسلمون فقط, وأن البلاد التي لم يمتد إليها الفتح الإسلامي كانت تنعم بإقرار الحق ونشر العدل وعدم وجود الحواجز أمام الدعاة!؟
أما المستشرقون الذين لم يروا في الفتوحات الإسلامية إلا الاستيلاء علي خيرات البلاد المفتوحة, وقد اعتمدوا فيما قالوا علي الهجرات التي خرجت من شبه الجزيرة العربية منذ العصور القديمة وربطوا بينها وبين حركة الفتوحات الإسلامية والتي اعتبروها حلقة في سلسلة طويلة من الهجرات, لكنهم لم يفسروا لنا لماذا في هذه المرة استولوا علي الحكم في تلك البلاد!؟
إن كل ما اعتمد عليه المستشرقون في إقرار هذا الرأي ثلاثة نصوص تاريخية: النص الأول للبلاذري: يذكر فيه أن أبابكر( كتب إلي أهل مكة والطائف واليمن وجميع العرب بنجد والحجاز يستنفرهم للجهاد ويرغبهم فيه وفي غنائم الروم).
والنص الثاني للبلاذري أيضا: وهي جملة وجهها رستم القائد الفارسي إلي المغيرة نائب سعد بن أبي وقاص قال فيها(قد علمت أنه لم يحملكم علي ما أنتم فيه إلا ضيق المعاش وشدة الجهد ونحن نعطيكم ما تتشبعون به ونصرفكم ببعض ماتحبون).
أما النص الثالث للطبري: فقد جاء في خطبة ألقاها خالد بن الوليد في المسلمين قال فيها:(وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله والدعاء إلي الله عز وجل, ولو لم يكن إلا المعاش لكان الرأي أن نقارع علي هذا الريف).
في الواقع أن النصوص التاريخية التي استند عليها أصحاب نظرية الدافع الاقتصادي لا تدعم هذه النظرية بقدر ماتؤكد أن حركة الفتوحات الإسلامية ليست هجرة جماعية طلبا لسعة العيش وإنما كانت ردا لعدوان المعتدين.
والتفسير التاريخي لحركة الفتوح الإسلامية يبدأ من صلح الحديبية في العام السادس من الهجرة وماترتب عليه بعد أن أصبح رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ شخصية اعتبارية في الحجاز رأي الرسول ــ صلي الله عليه وسلم ــ أنه قد حان الوقت ليخرج بالدعوة الإسلامية خارج الحجاز تحقيقا لمبدأ عالمية الدعوة الإسلامية. ولم يترتب علي كتب الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ الي ملوك ورؤساء الدول أي مشاكل تستحق من الرسول وقفة حاسمة إلا ما حدث في منطقة الشام. فقد أشفق النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ علي عاقبة السكوت علي كلتا الفعلتين التي قتل فيهما رسله الي الشام ورأي أن يقتص لأصحابه, حتي لاتضعف هيبة الإسلام.
ولما بويع أبو بكر الصديق بالخلافة, بدأ عمله بإنفاذ بعث اسامة بن زيد لغزو أطراف الشام الجنوبية تحقيقا لما أمر به الرسول, فخرج اسامة في أول ربيع الثاني سنة إحدي عشرة علي رأس الحملة التي أعدت في حياة الرسول, ولم يتخلف عنه سوي عمر بن الخطاب الذي رأي أبو بكر إبقاءه بجواره لكن هرقل قد سير لمهاجمتهم عدة جيوش كثيفة فتبادل القواد الرأي, وأشار عليهم عمرو بن العاص بجمع قواتهم, كما أرسل اليهم أبو بكر كتابا قال فيه: اجتمعوا عسكرا واحدا وألقوا زحف المشركين بزحفكم فأنتم أعوان الله, والله ناصر من نصره وخاذل من كفره.
وقد شطر انتصار المسلمين المسلمين علي الروم في الشام الإمبراطورية الرومانية الي شطرين: الإمبراطورية الأم في آسيا الصغري وما وراءها, والولايات التابعة لها: مصر وما وراءها في إفريقية. ولم يعد هناك مايصل شطري الامبراطورية إلا البحر. لذلك كان علي الدولة الرومانية أن تحاول استنقاذ إمبراطوريتها عن طريق البحر, وبالفعل أبحرت القوات البيزنطية من الاسكندرية17 هـ/836 م بقيادة قسطنطين بن هرقل ـ مما يدل علي الأهمية الكبري التي علقها هرقل علي تلك الحملة وألقت هذه الحملة مرساها في أنطاكية ونجحت في الاستيلاء عليها وانضمت الي القبائل العربية المتمردة من أهل الجزيرة.
لذلك انتهز عمرو بن العاص فرصة المؤتمر الحربي الذي عقده عمر بن الخطاب في الجابية( وهي مرتفعات الجولان الحالية) في18 هـ/639 م أثناء حضور عمر بن الخطاب الي الشام ليتسلم بيت المقدس من بطريركها صفورنيوس, وعرض عمرو بن العاص علي المؤتمر الدور الذي ساهمت به قوات الروم في مصر في خلق المتاعب التي واجهت المسلمين بالشام,
وأنه يجب علي المسلمين ألا يضيعوا الوقت, بل يوقعوا بالروم قبل أن يستحفل الأمر, خاصة أن المسلمين كانوا حتي هذا الوقت لايملكون سفينة واحدة, وكان لابد أن يجبروا عدوهم علي أن تكون حربا برية وليست بحرية.
كما كان فتح مصر بعد الشام ضرورة, فقد أدرك قادة المسلمين بالشام أن مصر ليست قاعدة يمكن أن تقضي علي الفتوحات في الشام فحسب بل إنها ذات مركز استراتيجي يهييء موقعه الجغرافي للبيزنطيين القيام بحملة انتقامية علي المدينة المنورة. وهكذا كانت الفتوحات الإسلامية سلسلة من المعارك اضطر إليها المسلمون اضطرارا, وكانت كلها ردا لعدوان المعتدين.
ساحة النقاش