نحو نسيج وطني قومي آمن كيف؟
بقلم د‏.‏ محمد حسن رسمي


يوم ولدنا جئنا إلي الدنيا محملين باقدار كتبت علينا حينها جميعنا ليس لنا يد فيها‏,‏ أقدارنا فيها ما فيها الحلو والمر‏,‏ وإن اختلفت الرؤية وتباينت لمعني الحلو والمر من وجهة نظر الجميع‏.‏

 

ولد الانسان علي الارض الامريكية أو الصومالية أو المصرية فهذا قدر‏.‏ ولد غنيا أو فقيرا أو مستورا فهذا قدر‏.‏ ولد مسلما أو يهوديا أو مسيحيا فهذا قدر‏.‏ ولد جميلا أو قبيحا أو عاديا فهذا قدر‏.‏ ولد أبيض أو أسود أو قمحيا فهذا قدر‏.‏ ولد ذكيا أو غبيا أو عاديا فهذا قدر‏.‏ ولد قوي الجسد أو ضعيفا أو عاديا فهذا قدر‏.‏ ولد رجلا أو امرأة فهذا قدر‏.‏ جئنا جميعا بهذه الاقدار لا يد لنا فيها وعلي الاقل في مراحل الطفولة ومع تقدم العمر وتطور مراحل الادراك والنضج والاكتمال قد يمكن لبعضنا أن يغيرها‏(‏ أي الاقدار‏)‏ كيفما شاء‏.‏ ورغم أي من هذه الأقدار فقد خص الخالق العظيم الانسان ـ كل إنسان ـ ببصمة منفردة وعقل منفرد يعني صفة وقدرة منفردة لو اكتشفها واستطاع تنميتها وتوظيفها لتميز فيها عن الآخرين‏.‏ أقصد أن قيمة الانسان ليس بقيمة أو واقع أقدار جاء بها‏,‏ ولكن بقيمة تطويعه للأقدار وتنميته للقدرات لصالح نفسه والآخرين في مجتمع واحد له حق فيه وعليه حقوق‏.‏ فالاقدار من عند الله والاوطان للجميع أقصد أن قيمة الانسان فقط في جودة قيمة ما يعطيه لنفسه وللآخرين ولمجتمعه مقارنة بالآخرين بصرف النظر عن قيمة فاتورة الاقدار القادم بها الي الدنيا يوم أن جاء‏.‏
إيمانا فطريا بما سبق واستنادا عليه عاش المجتمع المصري منذ قدم التاريخ نسيجا حريريا ناعما رقيقا دافئا ذا ألوان متناسقة متداخلة ترسم لوحة واحدة‏(‏ وطنية قومية‏)‏ رائعة الجمال‏.‏ كل فرد من أفراده يمثل خيطا رفيعا بلونه الخاص وبتكامل وتداخل الخيوط والألوان تكون النسيج‏.‏ المسلم السني والشيعي والمسيحي واليهودي وغيرهم يتشاركون يتحابون يتعايشون في كل مكان يدا واحدة‏,‏ روحا واحدة جسداواحدا باسم الوطن يتكلمون وباسم مصر فخورون وباسمها يحاربون‏,‏ أديانهم تعيش داخلهم هادئة وإنسانيتهم الراقية المعتدلة تعيش خارجهم في نطاق الاسرة الواحدة‏.‏ تصنيف العامل والفلاح والوجهاء والياقة الزرقاء والبيضاء لا يعيها أحد ولا تعني أحدا فكلهم مصري يظللهم العلم المصري‏.‏ الرجل والمرأة والشباب والشيوخ والحقوق الضائعة والبحث عن المساواة مفاهيم مستحدثة أحدثت شروخا أكثر مما شفتها لان الحب والاحترام والتكامل وقانون السماء هو قانون ضبط إيقاع العلاقات بينهم‏,‏ فهم خيوط مطلوبة ومتجانسة في نسيج وطني واحد‏.‏ الفقراء والاغنياء والصفوة والعظماء والبسطاء كلهم أخوة يجمعهم التراحم والتعاطف ولا خلاف علي الأدوار‏,‏ فكلها مطلوبة لتجويد متانة النسيج‏.‏ الجيش والشرطة والقضاء والعلماء ورجال الاعمال وبقية المهن كلهم من الوطن ولأجل الوطن يعيشون لا تميز ولا امتياز‏.‏
الوطن يحتاج كل الأيادي‏,‏ يحتاج كل الادوار يحتاج كل الجهود والهمم وبصرف النظر عن تباين الالوان واختلاف الأدوار‏,‏ المهم القدرة علي العطاء والاخلاص والانتماء والتوحد لتحقيق هدف واحد يلتف حوله الجميع‏.‏ إنني أتصور أن هناك ثوابت يجب أن يتفق عليها الجميع ليس بسبب قناعتي بها فقط ولكن بسبب قناعة معظم العقلاء من المثقفين علي مستوي العالم نحو مفهوم الوطن الواحد وكيفية دفعه لكي يكون عظيما‏:‏
ــ الدين لله والوطن للجميع‏.‏
ــ لا للفتاوي الاجتهادية ففيها ضرب للثوابت وتخريب في منظومة القيم وبالذات المرتبطة بالعقائد والكتب السماوية والمنغمس فيها مشكوك في نواياه تجاه مصلحة الوطن‏.‏
ــ في التوحد والترابط والتكامل قوة وفي الفرقة والتناحر والتفكك ضعف‏.‏
ــ موارد الوطن للجميع وموارد الجميع متاحة عندما يحتاجها الوطن‏.‏
ــ عندما توفر الدولة للفرد الحد الأدني من حقوق الانسان يبدأ الحديث عن الولاء والعطاء والانتماء غير ذلك وجب اجبارا تحقق ديمقراطية الظلم والعدل علي الجميع فهي البديل الحتمي‏.‏
ــ هيبة الدولة تبدأ من قوتها‏,‏ وقوة الفرد تنطلق من بدء إحساسه بالطمأنينة والامان وبالاخيرتين يتحقق العطاء‏,‏ ومن بعده الانتماء المؤدي حتما الي جودة النسيج الوطني‏.‏ وبدون راحة بال الفرد‏,‏ يتفرغ الفرد الي تلطيخ لون النسيج وربما الي تمزيقه‏.‏ إنه الثمن المدفوع لو فرغت حياة الانسان من الأمل أو ملئت بالاحباط‏.‏
ــ الوطن يسع الجميع ولكل فرد فيه دور ولا فرق بين الأدوار لأنها كلها مطلوبة لتعظيم أهدافه‏,‏ والتمييز بين الأفراد يستند فقط إلي العطاء والإخلاص أو هكذا يكون التقييم ومن بعده عدالة التوزيع‏,‏ وبدون ذلك تتسع الهوة وتتزايد الفرقة والتفرقة وتتباعد الخيوط فتظهر الثقوب لتخترقها الحشرات والمتسللون والمتصيدون‏.‏
ــ الوطن وطن الجميع والفرص فيه لمن يستحقها وديمقراطية الفرص إجبارية ولا شيء اسمه أهل الثقة ولا ذوو الواسطة‏,‏ فكلاهما باب واسع للفساد وضرب للانتماء والعطاء في مقتل وبالتالي جودة النسيج‏.‏
ــ الهوة بين الطبقات مرفوضة بل ممنوعة والفجوة بين الأجيال في الزمن الواحد مكروهة واتساع المسافة بين سعر المنتجات والخدمات الضرورية والأساسية اللازمة الضامنة للحد الادني من حقوق الانسان‏(‏ للسلعة الواحدة‏)‏ استنادا علي سعر الجودة تعمق تمزيق النسيج مهما كانت المبررات والدوافع‏.‏
آخر الحديث‏:‏ قوة الوطن في التكامل وليس في التناحر وقمة الارتقاء هي الحرص علي إنكار الذات لأجل تحقيق هدف سام يسعد الوطن‏,‏ وقيمة الذات من قيمة الوطن‏,‏ فهل قليل علينا أن نكون؟
العميد الأسبق لكلية الحاسبات ـ جامعة القاهرة

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 51/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
17 تصويتات / 109 مشاهدة
نشرت فى 20 أكتوبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,795,105