أطفال الشلل الدماغي..منســـــيون
تحقيق:عبير فؤاد أحمد
الاحصائيات الأخيرة كشفت عن ارتفاع معدلات إصابة الأطفال بالشلل الدماغي من8 إلي10 حالات بين كل ألف طفل بمصر, بينما يتراوح المعدل العالمي من0,5 إلي2 لكل ألف طفل سنويا.
وهو ما يشير إلي أننا سجلنا5 أضعاف المعدلات العالمية وهذا مؤشر خطير يضاف إليه ارتفاع تكاليف العلاج الدوائي والتأهيلي والطويل التي لا يتحملها أهالي هؤلاء الأطفال خاصة أنهم من البسطاء ومحدودي الدخل.
والمأساة التي تعيشها هذه الأسر لخصها تقرير لمستشفي الأطفال بجامعة المنصورة عن انطباعات أولياء الأمور عن خدمات الشلل الدماغي والذي أظهر أن المرض ليس مشكلة المريض بل مأساة تعيشها الأسرة بأكملها حينما يولد لها طفل مصاب بشلل دماغي ولا تعرف كيفية التعامل معه فقد أكدت ذلك إجابات50% من الأهالي بعد معرفتهم بما هو المطلوب لرعاية طفلها, كما رصد التقرير بعضا من معاناة الأسر في رعاية مريضها والتي تكشف الإجابات عنها فنحو47% أكدوا محاربتهم للحصول علي احتياجات أطفالهم, فيما أشار46% منهم إلي طول الفترة في إنجاز طلبهم, واشتكي30% من الانتظار طويلا في المستشفي, كما كشف التقرير عن مفاجأة مؤسفة وهي أن32% من الإجابات أكدت عدم معرفة الأهل بماهية الخدمات المتاحة من الأساس.
البحث عن العلاج
عند الحديث عن المعاناة, تقف الكلمات عاجزة عن وصف الحالة, فاستيعاب المنظر لم يكن بالأمر اليسير, فمثلا أحمد الذي تلاشت آماله في معالجة ابنه المصاب بالشلل الدماغي بعد توقف قرارات العلاج علي نفقة الدولة, والبداية كما يقول عندما شخصت طبيبة التوليد حالة زوجتي بحدوث تكلس في المشيمة في أثناء الحمل وحينما قللت الطبيبة من أهميته, وقالت إنه بتقدم الحمل سيعالج وحده ولكن تبين لي فيما بعد أن كلامها لم يكن صحيحاحيث ولد ابني يعاني من الشلل الدماغي إصابة الابن مأساة تعيشها أسرة أحمد بأكملها خاصة أنها الحالة الأولي في العائلة كلها.
واصفا حال الابن الذي يبقي ممددا علي السرير طوال الوقت لايستطيع الحركة فأتناوب أنا وإخوته علي حمله وتحريك جسده من جانب إلي آخر كما انه لايستطيع الوقوف بمفرده إلا إذا أمسكناه ولا يتكلم سوي بعض الكلمات غير المفهومة. إلي أن وصل عمره الآن إلي ثماني سنوات لم أترك خلالها طبيبا إلا وقرعت بابه أملا في شفائه رغم ضيق الحال.
قصة أحمد وابنه ليست الوحيدة فهناك من عانوا نفس المعاناة, ومنهم هبة ابنة الثلاثة أعوام التي واجهها المرض والمعاناة ذاتها وخيبة الأمل مع التأمين الصحي.
تقول الأم الشابة: بعد أربعة شهور من ولادة هبة لم نلاحظ أي تطور طبيعي في حركتها, وعندما قمنا بعرضها علي الأطباء, أجابونا بأن وضعها صعب فهي مصابة بالشلل الدماغي وعلاجها مكلف, ولكننا لم نيأس وقمنا بعرضها علي أطباء آخرين وبدأنا العلاج. والسبب وراء الإصابة كما فهمت هو الولادة المبكرة والآن تعاني من ضعف في الجهة اليسري أي القدم واليد علما بأن ابنتي تفكر وتتحدث إلينا, وبالعلاج أصبحت تمشي مع وجود عرجة خفيفة. وتكمل: أنا ووالدها لم نفقد الأمل في شفائها ونصرف علي الأدوية التي لايوفرها التأمين الصحي من حسابنا الخاص ولكن إلي متي نستطيع الاستكمال؟ متسائلة عن دور الحكومة تجاه مرضي الشلل الدماغي أليسوا فئة من المجتمع ويستحقون كل الدعم والرعاية والمساندة كما تفعل الحكومة وتتبني حملات لمرضي الكبد وحتي الإقلاع عن التدخين؟!
للأزمة أبعاد أخري ترويها والدة طفل مريض بقولها: تفتقر جمعيات التأهيل لإعداد الفنيين فلا يجلس مع الطفل الا عشر دقائق فقط نظرا لارتفاع عدد المرضي لحوالي50 حالة في اليوم. وبالتالي يقدم للطفل تمارين بسيطة ليست بشكل مكثف ودوري لتأتي النتيجة علي عكس ما تتوقع وتدهور الحالة أكثر. وهو ما لجأت لتفاديه بإلحاق ابني بأحد مراكز التأهيل الخاصة وبالفعل وجدت تحسنا للحالة بزيادة فترة الجلسات إلي ست ساعات يوميا إلا أن هذه المراكز تحتاج مبالغ مالية مغالي فيها..
دور الدولة
يري الدكتور احمد رءوف رئيس الجمعية المصرية للأمراض العصبية والنفسية للأطفال أن المشكلة تكمن في الشلل الدماغي وفي العلاج الطويل الذي يحتاجه الطفل ليس فقط الدواء العلاجي ولكن احتياجه إلي تأهيل لمده طويلة ممثل في العلاج الطبيعي والعلاج المائي والعلاج الكهربائي في بعض الأحيان, وأحيانا يحتاج المريض إلي تنميه مهارات وتخاطب وتعديل سلوك وغيره من جلسات التأهيل.
وهو ما يضع الشلل الدماغي كمشكلة طبية واجتماعية واقتصادية خطيرة علي المجتمع المصري.
ويضيف أنه تم في الفترة الأخيرة وقف قرارات العلاج علي نفقة الدولة وتم تحويل الكثير من هؤلاء الأطفال إلي مستشفيات التأمين الصحي التي لا يتوافر بها أقسام متخصصة وبالتالي لا تقدم العلاج ولا تصرف منه إلا القليل. كما توقفت عن صرف بعض العلاجات الهامة والمفيدة جدا لعلاج بعض الأطفال المصابين بالشلل التيبسي التام. وهو ما جعل عائلاتهم تطلق صرخة مطالبة للحكومة بعدما تعثر عليهم شكوي حالهم.
ويوضح الدكتور أحمد رءوف أن ارتفاع معدلات الإصابة يرجع إلي الولادات المبكرة وناقصي الوزن والمبتسرين والتي تعد سببا مهما في حدوث الإصابة, حيث إن أوعية الطفل الدماغية لا تستطيع التحكم في تدفق الدم إلي الدماغ متسببة في نقص الأوكسجين وهذه الفئة تشكل جزءا كبيرا من ذوي الشلل الدماغي في هذا العصر خاصة مع تطور الأساليب للإبقاء علي حياتهم.
كما ينبه إلي عدة عوامل أخري في زيادة الإصابة وترتبط بالعدوي الفيروسية والبكتيرية التي تصيب الأم خلال أسابيع الحمل الأولي مثال الحصبة الألمانية أو مرض التوكسوبلازما أو الهربس. او تعرض الأم للإشعاع, كذلك صعوبة الولادة أو الولادة قبل الميعاد.
موضحا أن بعض الحالات قد يتوقع إصابة الطفل بالشلل الدماغي منذ ولادته أو قبل الولادة نتيجة للولادة المبكرة أو ملاحظة تشوهات بالدماغ خلال الكشف بالأشعة الصوتية أثناء الحمل أو بسبب مرض وراثي معروف لدي الطبيب.
والبعض الآخر لا يظهر فيه المرض إلا بعد6 شهور او حتي العام الأول من الولادة. وهنا يقع علي الأم ملاحظة الأعراض الأولية علي الطفل بما يمكن من التشخيص المبكر للمرض والبدء بالعلاج. وتتوجب سرعة مراجعة الطبيب المتخصص في حالة لاحظت أن طفلها يعاني من التوتر أو التأخر في الحركات العشوائية الطبيعية كالجلوس أو تغيير وضعية النوم كذلك الوقوف أو المشي المستمر علي أطراف أصابع القدم أو عدم التكافؤ في الحركة بين الجهة اليمني واليسري. وفي حالة عدم انتظام نومه وصعوبة البلع. ومن الحالات التي تستدعي القلق بقاء كف الطفل مغلقا بقوة.
نسب متزايدة
وبحسب وصف الدكتور خالد فتحي مدرس واستشاري أعصاب الأطفال بمستشفي الأطفال جامعة المنصورة: أطفال الشلل الدماغي مفرق دمهم بين وزارة الصحة والتعليم والتضامن الاجتماعي كل منهم يرمي بالمسئولية علي الآخر. وينتهي المطاف بالمريض أسيرا لوزارة الصحة التي تحيله إلي هيئة التأمين الصحي ومستشفياتها التي لا تتوافر بها الإمكانيات ولا الكوادر المدربة للتعامل مع هؤلاء المرضي ولا حتي الأدوية التي يحتاجونها.
ويطالب الدولة بإنشاء هيئة متخصصة للتعامل هؤلاء الأطفال المرضي خاصة مع تزايد اعداد المصابين بنسبة تصل إلي14%. بحسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن نسب انتشار الإصابة بالشلل الكلي أو الجزئي الدماغي علي مستوي الجمهورية من باقي الإعاقات المختلفة حيث يصيب9.77% لمن هم أقل من5 سنوات. و5.9% للأطفال في عمر5 سنوات إلي أقل من10 وتعود الإصابة للارتفاع ثانية من عمر10 سنوات إلي أقل من15 سنة بنسبة8.66%.
أسباب المرض
من جانبه يوضح الدكتور حاتم عبدالرحمن مدير المعهد القومي للجهاز العصبي والحركي أن الشلل الدماغي أكثر الأسباب للإعاقة الحركية والذهنية عند الأطفال سواء ذكورا أو إناثا وهناك حوالي طفل أو اثنين من كل ألف طفل يصاب بالشلل الدماغي التيبسي في مختلف البيئات.وهو حالة دائمة ولكن أحيانا العواقب المصاحبة لمريض الشلل الدماغي تكون أقل أو قابلة للتحسن.
ويتخذ الشلل الدماغي أنماطا مختلفة مع أن كل شخص مصاب به ينفرد عن غيره إلا أنه يندرج تحت أحد أنماط الشلل المخي, ويعتمد التصنيف علي نوع الخلل الموجود في الحركات, منقسما إلي ثلاثة أنواع أساسية هي التيبس والحركات اللاإرادية وعدم التوازن.
خطط العلاج
وعن العلاج يوضح الدكتور حاتم انه من المعروف أن أي ضرر يحدث بالمخ لا يمكن تعويضه. لذا فالهدف من العلاج ليس القضاء علي المرض نهائيا ولكن مساعدة الطفل في الحصول علي أفضل استقلالية في أعمال الحياة اليومية كالأكل وتنظيف الوجه والجسم والذهاب إلي الحمام. بجانب مساعدته علي الحركة أو الجلوس المريح بدون اعوجاج بجانب الوقاية من حدوث التشوهات العظمية وعلاجها.
وحول الجدل الذي أثير مؤخرا عن الحقن العضلي الموضعي بمادة البتيولينم توكسين أ يوضح انه بدء استخدام هذه المادة في مصر كوسيلة علاجية منذ عام1994 استنادا إلي العديد من الأبحاث الطبية المنشورة في الدوريات العلمية العالمية والمحلية والتي أجريت بمشاركة عدد من مختلف الجامعات المصرية. متضمنة ما يفوق300 طفل بمختلف الحالات المرضية التي يستخدم فيها البتيولينم توكسين ولم تذكر تقارير المضاعفات بهذه الأبحاث أي حالة وفاة ناتجة عن استخدام العقار.
وفي هذا الصدد تم علاج365 طفلا منهم244 طفلا بالحقن المتكرر بقسم جراحة المخ والأعصاب بجامعة عين شمس ومستشفيات المؤسسة العلاجية التابعة لوزارة الصحة في الفترة من سبتمبر2003 وحتي نوفمبر2008 ذكرت فيها قائمة الأعراض الجانبية والمضاعفات الم بسيط بموضع الحقن أو تجمع دموي بسيط أو ضعف مؤقت بالعضلات ولكنها لم تسجل أي أعراض تنفسية أو حالات وفاة.
وهو ما جعل المتخصصين يوصون باستخدام ذلك النظام العلاجي في مصر وعدم توقفه طالما أنه يتم في إطار طبي سليم ومقنن وبأيدي أطباء متخصصين ومدربين وطبقا لتوصياتFDA وWHO. وذلك بالإشارة لنتائجه المؤثرة في تحسين و تطوير المهارات الحركية للأطفال المصابين بالخذل التيبسي الناتج عن أمراض الجهاز العصبي المركزي.
ساحة النقاش