قانون الرؤية يغتال حقوق الآباء!
أجرى المواجهة - عبدالرءوف خليفة:
عندما تدخل المشرع بإجراء تعديلات على قانون الرؤية رقم 25 لسنة 1929 والمعدل بالقانون 100 لسنة 1985، وقرار وزير العدل 1087 لسنة 2000 ـ كان يبغى ضبط إيقاع حياة الأبناء.
وكذلك وتحصينهم من مغبة آثار تخلفها نزاعات الطلاق، لم تستطع التعديلات ـ اشاعة مناخ الاستقرار في العلاقة التي يجب أن تسود.. علي خلفية انحيازها للأم( الطرف الحاضن) وافرز استغلالا سيئا لقوة موقفها الداعم بقوة القانون وانفرادها بتربية الابناء, وتشكيل هويتهم في مشهد صارخ لغياب الأب الذي أصبح دوره بلا وجود في الرقابة والتوجيه برغم كونه صاحب الولاية المالية الاصلية بقوة القانون.
لم يبتعد الابناء عن مثالب الوضع القائم الذي جعلهم في مرمي الخطر, وفريسة للاصابة بامراض نفسية واجتماعية بالغة الأثر تحول دون تمتعهم بحياة مستقرة وهانئة.
اكثر من سبعة ملايين حالة رؤية تجلس علي شفا جرف هار.. تحصد ثمار تعديلات القانون, وتكابد واقعا أليما وتحيط بها من كل صوب وحدب.. نزاعات لاتنتهي وابتزاز مادي ومعنوي للآباء في مقابل رؤية ابنائهم.
وبرغم خروج أصوات عاقلة.. تحاول اصلاح ما أفسده تطبيق بعض نصوص القانون علي أرض الواقع ـ إلا ان هذه الاصوات صمتت عن الكلام في منتصف الطريق ولم تواصل المشوار.
من القضية نقترب ونحقق في ابعادها والواقع الذي يكابده أطراف الرؤية.
يرسم الدكتور حسام الشنشوري رئيس جمعية أبناء الطلاق صورة لواقع مؤلم يكابده الآباء في سبيل رؤية ابنائهم قائلا: لقد تحولت عملية الرؤية لمصدر ازعاج أمام ابتزاز شديد يخضع له الآباء جراء طلب الأم الحاضنة لاموال في مقابل الانتظام في رؤية الابناء, ووصل الأمر الي ان بعض الامهات يطلبن راتبا شهريا اذا ما أراد الأب الحصول علي قسط أوفر من الرؤية.. أن يريد الخروج مع ابنائه في اماكن ترفيهية أو يصطحبهم للغداء أو غير ذلك.
نملك حالات صارخة باتت تشكل عبئا قاسيا علي كاهل الآباء.. في ظل ممارسات غير منطقية تمارسها الأم الحاضنة للحصول علي مكاسب مالية, ومنها حالة احدي الحاضنات التي طلبت من طليقها, في مقابل رؤية ابنائه بشكل مستمر واصطحابهم معه ـ اعادة تأثيث الشقة التي تقيم فيها بمبلغ مالي كبير لايستطيع الأب تدبيره وعليه حرمته من رؤية أبنائه.
تطبيق القانون علي النحو السائد أفرز مظاهرة قصور وضعف لم يعد للآباء قدرة علي تحملها, وقد طرحناها في قنوات شرعية عديدة, ولم يستجب أحد للمبادرة بعلاج أوجه القصور الموجودة والتي ترتبت عليها أضرار بالغة للابن والأب.
اختزال العلاقة
وتساءل رئيس جمعية ابناء الطلاق قائلا: كيف يمكن اختزال العلاقة بين الأب والابن في فترة رؤية لاتتجاوز90 يوما بواقع3 ساعات اسبوعيا في الوقت الذي يقضي فيه مع الطرف الحاضن15 سنة مع الأبناء. وكيف يمكن حرمان الاجداد والاقارب للأب من رؤيته أو التعرف عليه بشكل طبيعي؟ كيف يحدث ذلك والقانون ليس به التزام بتنفيذ ساعات الرؤية المحددة التي تتم في اماكن غير مناسبة تحقق الدفء العائلي الذي يحتاج إليه الطفل.. وكيف يستقيم الأمر والقانون الحالي لم ينظم سفر الطفل مع الطرف الحاضن خارج البلاد. مما يعرض حق الرؤية للضياع.
المشكلة تكمن في تعقيد مسأله الرؤية في ضوء ما يطرحه الدكتور محمد نجيب عوضين استاذ الشريعة والقانون ووكيل حقوق القاهرة بقوله. ان الخلل الذي يحدث جاء نتيجة تدخل المشرع مرات عديدة لتغيير معايير موضوع الحضانة, وميل الكفة فيه مرة لمصلحة الزوج وأخري لمصلحة الزوجة.. مما نتجت عنه آثار سلبية بالغة أصابت الطرفين ونالت من الصغار.
التعديلات الأخيرة التي ادخلت علي قانون عام2004 اسهمت في تعقيد الموقف وأخلت بحوزيته الحقيقية ولم تتعامل معها بوجهة نظر منطقية يقبلها الطرفان لكنها حادت عن كل ذلك, وانحازت الي الأم علي حساب الأب واعتبرته التعديلات شخصية مريبة وغير مرغوب فيه وهذا شيء لايتصوره عقل.
لقد أعطي تغيير القانون الحق للقاضي بعد رفعه سن الحضانة للولد والبنت إلي15 سنة في سؤال الأولاد للاستمرار في وضعهم السابق من عدمه, وغالبا ما ينحاز الابناء للاستمرار مع الأم ليحرم الأب نهائيا من أولاده رغم كونه صاحب الولاية المالية بقوة القانون.
الرؤية فرع من قضية الحضانة ـ والكلام مازال علي لسان الدكتور محمد نجيب عوضين ـ فإذا ما قامت مسألة الحضانة علي قواعد عادلة وسليمة تراعي مصلحة الصغير, خاصة في ظل تحول طرفي الزواج الي العداء الشديد ومحاولة كل منهما التنكيل بالآخر.
لقد استحسن الفقهاء بعد سن التمييز والعقل لدي الصغار ان تكون سلطة الأب الأعلي كونها مرحلة التربية وتكوين الشخصية.
ولو دققنا النظر مليا في الوضع القائم لوجدنا أن معظم القوانين التي دخلت بالتعديل علي المباديء العامة للشريعة الاسلامية في هذا المجال قامت بترجيح موقف الزوجة, وتلك رؤية لم تراع الحقوق الفطرية والطبيعية لدور الاب من قوامة ورعاية, ونظرت هذه المباديء للتعديلات نظرة غير منطقية كونها تجبر الآباء علي رؤية ابنائهم في اماكن غير صالحة لتحقيق أهم عناصر الحياة وهي الدفء الأبوي ولساعات لاتتجاوز3 ساعات في الاسبوع.
وحسب قول الدكتور محمد نجيب عوضين إنه لايمكن للوضع السائد تحقيق الاستقامة للرؤية دون العودة للشريعة الاسلامية الراجحة فيما له الحق في الحضانة وغرس المباديء والقيم الاخلاقية والتسامح بين الزوجين عند الطلاق, حفاظا علي ثمرة الزواج وتوفير الرعاية الصحية لهما.
نحن في حاجة للأخذ في الاعتبار تشديد قواعد الاجراءات والجزاءات التي تطبق علي المخالف لهذه المباديء سواء كان الأب أو الأم.. كون ذلك يعيد للامور نصابها الطبيعي الذي يجب ان يسود بين الطرفين.
واقع مختلف
ولدي الدكتور حسام الشنشوري رئيس جمعية ابناء الطلاق اقتراحات محددة بشأن تعديل المادة20 من القانون رقم25 لسنة1929 المتعلقة بحق الرؤية وقرار وزير العدل رقم1087 لسنة2000 الخاص بشأن تحديد اماكن الرؤية والمنظم لبعض الأمور, اذ يري استبدال الرؤية لفظا وموضوعا بحق الاستضافة للطرف غير الحاضن مدة لاتقل عن6 ساعات ولاتزيد علي24 ساعة اسبوعيا حسب سن الصغير وظروفه وملابسات كل حالة, وفي الاوقات نفسها خلال الاعياد الدينية وأسبوع أثناء اجازة نصف العام وشهر أثناء الاجازة الصيفية.
علي ان تتم الاستضافة عن طريق تسلم الطرف غير الحاضن للطفلة بالاماكن العامة وبالتوقيع علي دفاتر مخصصة لهذا الشأن وكذلك بتسليمه بالطريقة نفسها.
ويعد من الضروري تغليظ العقوبة الخاصة بعدم تنفيذ حكم الاستضافة كأن تكون بغرامة500 جنيه كحد أدني وحد أقصي3000 جنيه أو الحبس3 أشهر للطرف غير الحاضن في حالة عدم التزامه بمواعيد تسليم الطفل والحكم بغرامة كحد أدني500 جنيه وبحد أقصي2000 جنيه أو إسقاط الحضانة لفترة مؤقتة في حالة عدم التزام الطرف الحاضن.
ترصد الدكتورة عزة كريم استاذ علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية آثارا اجتماعية بالغة تصيب الابناء نتيجة خضوعهم لقانون الرؤية الحالي.. قائلة.. التعديلات التي تم ادخالها علي القانون ازاحت الدور الحيوي والمهم الذي يتعين علي الاب القيام به وانحازت للأم بصورة سافرة بعدما اتاحت لهم فرصة الاختيار في استمرار الحياة مع الطرف الذي يختارونه, وغالبا ماينحاز الابناء الي الأم الحاضنة.
ساعدت التعديلات التي ادخلت علي القانون ـ الأم للتحايل ومنع الأب من رؤية ابنائه في مواعيد ثابتة.. مما ينتج عنه تباعد في مشاعر الأبوة وعدم اقبال الابناء علي رؤية آبائهم.
كما ان الاماكن التي حددها القانون للرؤية.. اماكن تفتقد الي المناخ الذي يساعد الأب والابن علي توليد مشاعر طيبة وتحقيق الألفة في العلاقة ويجد الابن علاقته بأبيه علاقة هامشية غير ذات قيمة. فلا الأب يستطيع التوجيه وتعديل السلوك أو حتي فتح الطريق أمامه للتعرف علي أقاربه فتنقطع صلة الرحم بينه وبينهم.
إن وجود الابن بين أقاربه يجعله انسانا طبيعيا خاليا من العقد النفسية ويدفع به الي التعايش بصورة سوية, وليت الامهات يعرفن خطورة إبعاد الابن عن أقاربه وانعزاله عنهم: فالحصاد سيكون خطيرا يعصف باستقرار حياته وليس هناك أقوي من احساس الانسان بالوحدة وأنه لايوجد حوله بشر مخلصون له.
أثبتت الدراسات بما لايدع مجالا للشك ان انحراف أبناء الطلاق يأتي نتيجة غياب الأب وإحكام الرقابة والتوجيه وتقويم السلوك, لان الأم تحاول ان تنفرد بعيدا عن الأب بمسئولية تربية الابناء وهي لن تستطيع تحقيق التوازن وترسيم شخصيتهم وإكسابهم انماط السلوك القويم.
الابناء ـ خاصة في مرحلة الشباب ـ لايمكن لهم الحياة السوية في ظل غياب الأب ومهما اعطتهم الأم كل وقتها وجهودها فلن تفلح في احتواء وتوجيه سلوكهم وتلك هي المشكلة الاخطر.
مخاطر محققة
لايمكن ان تستقيم العلاقة بين الأب وابنه في ظل وضع الرؤية السائد, وعلينا دور انساني في هذا الصدد اتصوره ـ والكلام للدكتورة عزة كريم.. بأنه لابد ان يتحول قانون الرؤية الي الاستضافة.. حتي يتمكن الأب من رؤية ابنائه في مناخ اسري مليء بالدفء والحنان ـ يعينه علي ممارسة دوره كأب, وهذا لايتحقق إلا اذا منح القانون الأب فرصة لاستضافة ابنائه لمدة يوم كامل كل أسبوع وفي إجازة نصف العام مدة اسبوع وفي الصيف شهر.. هذه الفترة من الوقت يستطيع الأب تعديل وتقويم سلوك الابناء خلالها وطبع السلوك القويم لديهم.. لانه مهما كانت قوة شخصية الأم فلن تستطيع القيام بدور الأب في الرقابة وتعديل الاتجاهات.
وتحقيقا للالتزام لابد من وضع عقوبات رادعة تحول دون خضوع طرفي الرؤية لعملية ابتزاز بأن تصل العقوبة للأب الي السجن والأم بالحرمان من الحضانة أو توقيع جزاء مالي عليها.. هنا يتحقق الانضباط للطرفين وتتوقف المهازل التي تحدث كل يوم بين طرفي الحضانة ونصون مستقبل الابناء بإيجاد بيئة سوية يستطيعون الحياة فيها.
اذا كانت هناك آثار اجتماعية أفرزها قانون الرؤية الحالي.. فانه في المقابل قد بزغت آثار نفسية عصيبة يحصدها الابناء تحددها الدكتورة نهلة ناجي استاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس قائلة ان ضيق الوقت الذي يري فيه الآباء الابناء لايكفي لإشباع عاطفة الابوة, ومن ثم شعور الابن باحتواء الأب له.. مما يولد لديه الإحساس بالغربة وعدم القدرة علي التواصل معه, ولذلك فان الاحتكاك المباشر يوجد اجواء طيبة ويجعل الابناء في حالة تفاعل تجاه المواقف, ويكون الأب قريبا من مشكلاتهم وعلي اطلاع بما يحدث وقادر علي التأثير فيهم ويمكنهم التعايش في وسط نمط من العلاقات الاجتماعية السوية.
وتقول خبيرة الطب النفسي ان تربية الأم وحدها غير قادرة علي إيجاد شخصية متزنة نفسيا.. خاصة اذا كان الابن رجلا كونه لاتستطيع عبر حياته في كنف الأم بعيدا عن أبيه ـ اكتساب عادات الرجال وذلك ما يجعل منه شخصا مشوشا.
من حق الطفل ان يري اباه ويعيش معه أطول فترة ممكنة ويتعايش مع افكاره ويكتسب ثقافته, ولكن الطفل في ظل قانون الرؤية الحالي يدفعهم رفض الوضع وعدم تقبل الرؤية بل ويذهب إليها احيانا علي مضض وفي احيان أخري يرفضها... نتيجة خضوعه لتأثيرات نفسية قوية.
التوازن النفسي لن يتحقق للابناء( والكلام مازال علي لسان الدكتورة نهلة ناجي) إلا اذا حققنا للطفل أجواء صحية سوية, وهذا لن يتحقق إلا اذا تعايش الطفل مع والده فترة من الوقت, والقانون الحالي لايوفر للطفل الوقت الكافي الذي يجعله يتعايش مع والده. أطفال الطلاق في خطر ودائما مايكونون عرضة لتأثيرات نفسية عصيبة قد تؤثر في طريقة حياتهم والتعامل مع الآخرين وتعصف بمستقبلهم.
ساحة النقاش