المنظور النفسي في مسرح جويدة
كتب : محـمــد هـــزاع


علي تلك الخشبة الصغيرة كانت التراجيديا حيث بكي الانسان نفسه‏,‏ وكانت الكوميديا حيث ضحك عليها‏,‏ علي تلك الخشبة أحب الانسان ذاته وكرهها‏. هناك صاغ الانسان خيالاته وأحلامه‏,‏ عاش واقعه بآماله وصراعاته‏.

 

من هنا كانت عبقرية المسرح وكانت مأساته‏,‏ ولكي يتم فهمه يجب أن ينظر اليه عبر مستويات تشريحية تنظيرية متعددة‏,‏ تبدأ بالفهم النفسي لآليات الارسال والتلقي في إطار سيكولوجي وسيسيولوجي‏.‏
حول اشكاليات المسرح وتعدد مستوياته ونصوصه‏,‏ جاءت رسالة الباحثة مروة نزار عبيد التي أعدتها وقدمتها لمعهد البحوث والدراسات العربية قسم البحوث والدراسات الأدبية بالقاهرة بعنوان سيكولوجيا المسرح في التراجيديا وسيكودراما النص ـ دراسة تطبيقية في مسرح الشاعر فاروق جويدة للحصول علي درجة الماجستير في الدراسات اللغوية والأدبية باشراف د‏.‏ احمد زكي‏.‏
وتأتي أهمية البحث في سياق الاستخدام للمنهج السيكودرامي وصهره في بوتقة النقد المسرحي واستخلاص تقنياته التي استمدها من المادة الدرامية في صورتها الخام الأولية لتحقيق التطهير العلاجي بكل مافيه من توازن وتنفيس وتفريغ واستنارة‏,‏ وقد حاولت الدراسة أن تكشف عبر الأداة النفسية‏,‏ المشكلات التي تواجه المسرح مع متلقيه وطرائق التلقي في المدارس المسرحية جميعها‏.‏ وجاءت فروض البحث حول أربعة عناصر أساسية‏,‏ العنصر الأول‏,‏ إحياء المسرح الجويدي للتراجيديا بنبلها وأصالتها ومكوناتها الحيوية وطاقاتها التطهيرية‏.‏ والثاني‏,‏ ابتكارية المسرح الجويدي في استخدامه لتقنيات التغريبية في تعميق الطاقة التطهيرية واستخدامه لها يتناقض مع خلفياتها الأيديولوجية في فهم فطري وتمييز تلقائي لطبيعة الفروق فيما بينهما‏,‏ والثالث الاستنارة الكامنة في التطهير الذي يثبته المنهج السيكودرامي لكل من مبدع النص ومتلقيه‏,‏ والعنصر الرابع يعتبر الشخصية المسرحية وعاء سيكودرامي هو أكثر امتاعا وتفاعلية كلما اتسعت فيه الفراغات الاسقاطية‏.‏ تقول الباحثة مروة عبيد إن الدراسات العربية التي تصدت للنص المسرحي من منظور نفسي دراسات قليلة جدا‏,‏ أما الدراسات التي تناولت مسرح الشاعر فاروق جويدة فلقد دارت في مداراتها الأيديولوجية‏,‏ وحاولت جاهدة فرض هذه الايديولوجيات علي النص ونقدت أي خروج له عنها وابتعدت عن قراءة مفرداته الابداعية وتوصيف ملامحه الابتكارية واكتشاف المستقبلي من طاقاته‏.‏ تتكون الرسالة من خمسة فصول ومجموعة من المباحث تأتي عناوين فصولها ترتيبا‏,‏ اشكاليات التلقي في المسرح‏,‏ التراجيديا فاروق جويدة بطل المثيوس‏,‏ ثياب بريختية وإضاءات فرويدية‏,‏ رصاصة السيف‏,‏ الخديوي أحلام الحاكم وسيكولوجية الأنثي والدونجوان وسيكودراما النص الجويدي‏.‏ وتحت عنوان فاروق جويدة بطل المثيوس‏,‏ والمثيوس كما أبدع في وصفه د‏.‏ انطوان معلوف‏,‏ هو ذاك البطل المأسوي الذي لايضع علي وجهه قناعا‏,‏ ولايلعب دورا علي مسرح الحياة بل يرفض الفن والمخادعة والتكلف‏,‏ ويبقي وحيدا سافر الوجه في مجتمع من الأقنعة‏.‏
ان المأساة الفردية الشخصية تمنح إنسانها المبدع الألم بصورته الخام الأولية فيعيد انتاجه خلقا متفردا فينا ويوزعه علينا بصورة مقننة جمالية‏.‏ وتزعم الباحثة أنه حينما تكتسي المأساة بسمرة العربي وحينما تملك فصاحة كلماته وشفافية لغته ودفق شعره فلن تكون سواه لن تكون سوي فاروق جويدة كلمة وإحساسا ونبضا وصدقا‏.‏ ثم تشير الي أن نقطة فارقة في حياة الشاعر‏,‏ إذ أن ماشهده ذاك الصغير كان أكبر من النداهة والغولة العجوز‏,‏ كان الموت بوجهه الخفي الشاحب المخيف رآه الشاعر وهو يختطف خمسة من اخوته‏..‏ في الصباح ابتسامة طفل صغير وفي المساء بكاء وحداد‏,‏ نحيب وعويل‏,‏ وسواد حالك طويل‏,‏ فإن حاول أن يفر من ذلك كله ويهرع ككل الأطفال ليبحث عن أمنه في صدر أمه‏,‏ رماه حزنها في بئر من الفراغ والخوف والفزع المرير‏.‏ إن هذه المرحلة المؤلمة في عمر الشاعر قد أوجدت لديه ذاك الوعي المأساوي المبكر بفكرة الأقدار وجدلية الحياة والموت ـ وتري الباحثة أن البطولة الجويدية لاتندرج في إطارها التقليدي الظاهري‏,‏ إطار القوة والشراسة والاندفاع بل هي مصنوعة من مفهوم قيمي له منطقه ومنطلقه الخاص المتوائم مع طبيعة المجتمع وحاجاته الحداثية‏,‏ كما تري أن البعد الصوفي في فسيفساء المثيوس الجويدي‏,‏ هو يعد له حضوره وخاصة في تشكيله الابداعي والنفسي وهو جزء من ذاكرته الطفلة الخصبة‏,‏ ففي حلقات الذكر الشاذلية أنشد جويدة في طفولته الأشعار الصوفية وأخذ عن مشايخها العهد‏.‏ وتحت عنوان سيكودراما الأنا والاسقاط الذاتي والاجتماعي والسياسي في النص الجويدي‏,‏ تقول الباحثة‏...‏ إن فاروق جويدة ينتمي الي طبقة ريفية وسطي‏,‏ إلا أن البعد الحضاري الجمعي المصري هو الأغلب عنده وهو مايعطيه نكهته الطامحة الي البرجوازية أو مايسميه هو‏(‏ باشتراكية الغني‏).‏ إن الرؤية الناقدة للمبدع من خلال طبقته الاجتماعية يجب ألا تكون رؤية جامدة ثابتة‏,‏ فجويدة كابن الطبقة الوسطي هو محمل بطموحات تلك الطبقة في تحقيق الحلم البرجوازي‏,‏ وهو أيضا حلقة وصل بين طبقتين ومن هنا فهو الاكثر فهما وتعبيرا وقربا من الطبقتين معا‏,‏ الأمر الذي أتاح له تحقيق حلمه في أن يكون شاعر الانسان من دون اي تصنيف أو قولبة بعينها‏,‏ وان النص الجويدي نص متنوع متعدد المشارب‏,‏ يحرص علي تنوع متلقيه‏,‏ وتشير الباحثة الي أن للدين والعرف سطوته وصلابته‏,‏ إلا أن الشاعر قد فرض طوقه وأوجد لابداعه مداخله ومخارجه‏.‏ وكما حاولت الذات الجويدية‏,‏ ومازالت تحاول الفرار من قهر التصنيف السياسي فاوجدت فلسفتها النقدية الخاصة‏.‏

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 243 مشاهدة
نشرت فى 3 أكتوبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,795,984