الزوجة ضحيتها غالبا: الإهانة الزوجية
كتبت-سلوي فتحي:
هل يختلف وقع إهانة الزوجة لزوجها عن وقع إهانة الزوج لزوجته؟ وماذا يجب أن يفعل كل منهما عندما يتعرض احدهما للإهانة من الآخر؟ وهل مقدر للزوجة أن تتحمل عبء الإهانة الزوجية دائما؟!
في البداية يؤكد د. يسري عبد المحسن أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة أن مبدأ الإهانة مرفوض في الحياة الزوجية بين الطرفين, لأن العلاقة الزوجية قائمة علي الاحترام المتبادل وتقدير المشاعر المتبادلة بين الطرفين والتضحية والاحتمال وتقديم التنازلات وليس علي التراشق بالألفاظ والعنف اللفظي والتجريح بالتقليل من الشأن وعدم الاحترام وعدم التقدير.. وأكثر شيء يهين الزوجة هو الطعن في شرفها أو كرامتها وعزة نفسها وأنوثتها,أما أكثر شيء يهين الرجل( الزوج) فهو معايرته بعدم قدرته الجسدية أو عدم قدرته علي تحمل المسئولية لبيته والإنفاق عليه, فالرجل الشرقي لا يحتمل إطلاقا الإهانة من زوجته وإذا حدث ذلك تكون الخسائر أفدح في كل شيء ولذا يجب التحلي بالعقلانية والهدوء وقت نشوء الأزمة والتوقف عن الكلام عندما تتصاعد الأزمة ومحاولة البحث عن أسباب هذا التصعيد بالحوار والمناقشة بدون انفعال فإذا لم يكن هناك استعداد لتقديم التنازلات والمغفرة والتسامح والمودة تتحول الحياة الزوجية إلي جحيم وتبوء بالفشل عاجلا أم آجلا.
وتشير د. فاطمة الشناوي خبيرة العلاقات الزوجية والطب النفسي إلي أن إهانة الشخص والتقليل من شأنه يمكن أن يحدث بالنظرة أو بالكلمة أو بالإشارة أو العنف وتقول إن الإهانة شئ جارح للشخص وعندما يهين أحد الزوجين الآخر ويرد له الإهانة فلا ينصلح الموقف بالإهانة بل إن تكرارها يمكن أن يؤدي إلي الطلاق العاطفي أو الفعلي.
والمعتاد في مجتمعنا الذكوري أن الرجل هو الذي يهين زوجته, أو هو الذي يبدأ بالإهانة لان في الموروث الثقافي الرجل لايهان والزوجة لابد أن تتحمل واذا اهانت زوجها فهذه الطامة الكبري.
وتشدد خبيرة العلاقات الزوجية علي أنه يجب علي الطرف المخطئ أن يبادر بالاعتذار ويعد بألا يكرر الإهانة مرة أخري علي الاطلاق حتي لا تتحول الاهانة الي درجة من درجات العنف ورد فعل مماثل من الطرف المهان وتصعيد الموقف وقد يصل الي حد العنف او القتل.
ولم تنس د. فاطمة أن تلفت نظر الازواج والزوجات الي ان يتجنبوا الشجار أمام الابناء, وخاصة الاطفال منهم, فليس من التربية السليمة للنشء أن يشهدوا مثل هذه المواقف.
ويحلل د. إلهامي عبد العزيز أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس طبيعة العلاقة الزوجية وما يشوبها من مواقف طارئة ويقول: كل من الزوج والزوجة يري نفسه من خلال الآخر, فالرجل حتي لو كانت صورته سلبية لدي زملائه في العمل أو غيرهم ولكنها إيجابية لدي زوجته فإنه في هذه الحالة سيكون أكثر قدرة علي التوافق وتكون لديه قدرة اكبر من حيث الصحة النفسية والشيء نفسه بالنسبة للزوجة فالإنسان يري صورته من خلال من يحبهم أو المقربين له فإذا كانت إيجابية كان شعوره بالسعادة والرضا والتفاؤل, واذا كانت سلبية أصبح الأمر عكس ذلك وهذا هو المبدأ العام بالنسبة للزوج أو الزوجة.
وعند المقارنة بين الزوجين نجد أن المجتمع وثقافته وأسلوب التنشئة الاجتماعية يعطي وزنا أكبر للرجل مقارنة بالمرأة التي لابد أن تعتبر زوجها سي السيد والزوج يعتبرها أمينة,فالتنشئة الاجتماعية تكيل بمكيالين,فهي تعطي للزوج حرية أكبر في نقد زوجته بل تعطيه درجة من درجات التطاول عليها مما يجعلها ترفض هذا الأسلوب وتتمرد عليه.. ولعل المرأة في هذا الجانب هي الجاني والضحية في نفس الوقت, فالأم تطلب من ابنها أن يكون سي السيد علي زوجته ولكن الزوجة تريد أن تكون الند للزوج و هنا تكون الزوجة ضحية للأم.. ولكن من المبادئ الأساسية لإقامة علاقة زوجية سليمة ألا يلعب احد الزوجين دور الضحية حتي لو لقي نوعا من الثناء من الآخرين.. ولذا يجب من البداية رسم حدود في التعامل بين الزوجين, فالسكوت علي الإهانة من الطرف المهان يجعله شريكا في استمرارها.
ويعترف أستاذ علم النفس بأن المرأة هي الضحية دائما في مسألة الإهانة الزوجية لأن السياق الاجتماعي يعطي هذا الحق للرجل بشكل عام سواء الأب أو الأخ أو الزوج وهذا نشهده في كثير من الطبقات الاجتماعية, حيث تطيع الأنثي شقيقها حتي لو كان أصغر منها وهذا أحد أشكال التخلف الحضاري,لذا يجب توعية الآباء والأمهات بضرورة المساواة بين الذكر والأنثي في التنشئة الاجتماعية وأن يقتصر تمييز احدهما عن الآخر وفق عوامل موضوعية وليست بناء علي النوع.
ويعلل د. رشاد عبد اللطيف أستاذ تنظيم المجتمع ونائب رئيس جامعة حلوان ما يحدث من إهانات بين الزوجين بعدة أسباب أولها عدم وجود الاحترام المتبادل بينهما بالاضافة الي تراكم المشاكل السابقة والتي لم تحسم إلا من خلال الإهانة في كل مرة وايضا لغياب القدوة بالنسبة للزوجين, فليس هناك كبير يلجآن إليه أو يتدخل هو من تلقاء نفسه لفض المشكلة, هذا بجانب غياب الوازع الديني.
ويؤكد أستاذ تنظيم المجتمع انه ليس هناك فرق بين الإهانة من الزوجة لزوجها والعكس ولكن القيم الشرقية هي التي جعلت بينها فرقا وأدت إلي التضخيم وجعلت الاساءة للزوج جريمة كبيرة جدا باعتباره رب الأسرة والقيم التي توجد في المجتمع تشجع علي ضرب الزوجة والنتيجة حياة مليئة بالنكد والبرود العاطفي والنقاط والثغرات التي تفرق اكثر مما تجمع وبالتالي تكون حياتهما قائمة علي الضغينة والنكد الأسري.
وينصح د. رشاد أي زوجين تصدر إهانة من أي منهما للآخر أن يبتعدا عن بعضهما لفترة بسيطة حتي يراجع كل منهما نفسه ثم يلجآن إلي الأهل وإذا لم يوجد فهناك مكاتب للاستشارات الأسرية ومكاتب تدعيم الأسرة وكلها تقدم خدماتها للأسرة بأسلوب علمي متخصص وأهم من ذلك كله ما أوصت به كافة الأديان السماوية كظم الغيط والعفو عند المقدرة.
ويختتم أستاذ تنظيم المجتمع نصائحه بعمل تمرين رياضي يجري في أثناء موقف الإهانة وفي لحظته وهو أن كلا من الطرفين يرجع خطوة للخلف ويأخذ نفسا عميقا وهذا النفس العميق يجدد الدورة الدموية والرجوع للخلف يجنب الأذي اذا حاول احد الطرفين ضرب الآخر فتجيء الضربة في الهواء فتفرغ الشحنة السالبة ولا يلحق الضرر بالطرف الآخر.
ومسك الختام دائما رأي الدين, فكما يقول د. عبد الهادي عبد القادر استاذ ورئيس قسم الحديث بكلية اصول الدين بجامعة الأزهر إن المنهج الخلقي ان تكون الاسرة قائمة علي الرفق والتراحم والود المتبادل بين أفراد الأسرة فاذا تجاوز احد الزوجين حدوده فالقياس ان يقابل الطرف الآخر بالصفح والصبر والتحلي بمكارم الاخلاق ومحاسن الصفات وكما قال الرسول صلي الله عليه وسلم: اذا اراد الله بأهل بلد خيرا ادخل عليهم الرفق.. وقال أيضا: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي والخطاب هنا موجه للزوج والزوجة فيجب علي الزوج أن يكون خيرا بأهله ويجب علي الزوجة أن تكون خيرة بأهلها.
ويحذر د. عبد الهادي من أن مقابلة الاساءة بالإساءة تجعل الحياة جحيما لا يظن وتتحول الأسرة من وحدة استقرار إلي وحدة تنافر ولا يظنن أحد الزوجين أنه إذا ضغط أو آذي الآخر أنه سيكون قد أخذ حقه أو فرض سيادته وإنما سيكون هو نفسه في قمة الضيق والإرهاب العصبي فإذا ضايق أحد الطرفين الآخر في الصباح فيظل طوال النهار في ضيق وفي نكد أما إذا كان الأمر بالعكس بأن يقابل الزوج الزوجة بالحلم أو قابلت الزوجة إساءة زوجها بالحلم فإن الإنسان يظل سعيدا طوال وقته ويجني ثمرة الحلم والاستقرار في البيت وفي حياة أسرته, فالشرع يوصي بتبادل الود والرحمة حتي تستقر الأسرة وتصبح مكان استقرار ومكان ود وسعادة.
ساحة النقاش