رغم ريادة مصر في زراعة القطن وصناعة الأقمشة والملابس الجاهزة، إلا أن الملابس المستوردة الرديئة غزت السوق المصري مؤخراً لرخص ثمنها، فأصبحت منافساً خطيراً للصناعة المحلية، التي أصبحت علي وشك الانهيار، والنتيجة إغراق السوق بالملابس المستوردة الرديئة والرخيصة الثمن. لقد تحولت مصر إلي سوق مفتوحة للمنتجات مجهولة المصدر، مما تسبب في القضاء علي المنتج الوطني الذي نجح لسنوات في منافسة المنتج الأجنبي، واقتحمت الملابس المستوردة السوق المصري بصورة أساسية عن طريق البالات التي تباع في أسواق الملابس الجاهزة مثل وكالة البلح وسوق العتبة والموسكي وبورسعيد والقنطرة والإسكندرية. وتلقي هذه الملابس رواجاً لرخص أسعارها بغض النظر عن أضرارها الصحية نتيجة سوء خاماتها أو عيوب تصنيعها، أو ربما بما تحمله من أمراض، منقولة معها من بلاد المنشأ. ويبقي السؤال: كيف غزت الملابس المستوردة السوق المصري؟ وما نتيجة هذا الإغراق علي صناعتنا الوطنية من الملابس والمنسوجات؟.. وكيف يمكن مواجهة موجات تهريب تلك الملابس إلي السوق؟.. ثم ما هي استفادة المستهلك أو ضرره من الملابس؟ »الوفد« قامت بجولة في الأسواق لبحث قضية إغراق السوق بالملابس الجاهزة مجهولة المصدر ورديئة الصنع.. أحمد عيسي، أحد تجار الجملة بسوق وكالة البلح، قال: بلدنا هي الدولة الوحيدة التي تدعم فيها الواردات وتحمل علينا فوائد تصل إلي 14٪، فهذا ليس دعماً، بل تعويض عن الضرائب. ومحمد محمود عيسي - بائع ملابس بسوق الوكالة: أغلب البضائع الموجودة في الأسواق الشعبية مستوردة من الصين، وبكميات ضخمة وأسعار تقل كثيراً عن نظيرتها المصرية، والمستوردة من البلاد الأوروبية، فتتراوح الأسعار بين 15 و20 جنيهاً حسب نوع القطعة المباعة، سواء كانت قميصاً أو جاكيت أو غير ذلك من الملابس. إقبال كبير أبو عمر - بائع ملابس حريمي بسوق الوكالة - قال: هناك إقبال شديد من المواطنين علي الشراء، والأسعار تتراوح بين 7.5 و40 جنيهاً، حسب النوع والخامة، يختلف الأمر كثيراً في أسواق المستورد الشعبي عن أسواق المستورد الراقية، حيث لم تختلف الأسعار كثيراً رغم أنها تحمل لقب المستورد، حيث تراوحت الأسعار للملابس الرجالي بين 35 و160 جنيهاً حسب النوع والخامة. ضارة بالصحة هبة عمار - ربة منزل ولديها ولدان - قالت: الملابس الرديئة المستوردة من الخارج ضارة بالصحة وهي أكبر غلطة يرتكبها التجار لعدة أسباب في مقدمتها أنها ملابس مستعملة وهنا تكمن الخطورة، فنحن لا نعرف من الذين استخدموا هذه الملابس، ومن يضمن سلامتهم من الأمراض، فضلاً عن جهل وغموض الجهة المصدرة لهذه الملابس، لذا نطالب بإعادة النظر في استيراد هذه الملابس. حملات علي الأسواق اللواء الدكتور محمد أبو شادي - رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التجارة والصناعة - قال: القطاع مسئول عن تأمين الأسواق الداخلية وضبط كل السلع أو البضائع مجهولة المصدر أو المهربة بمجرد دخولها إلي الأسواق، ويتم عمل حملات مستمرة لضبط الأسواق والقضاء علي البضائع الرديئة مجهولة المصدر، حيث بلغ عدد القضايا حوالي 3 آلاف قضية ملابس مجهولة المصدر، والقانون الذي يستند إليه هو القانون رقم 113 لسنة 1994 الخاص بحظر تداول السلع مجهولة المصدر أو غير المطابقة للمواصفات، ويتضمن عقوبة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 500 جنيه، أو بإحدي هاتين العقوبتين، وفي جميع الأحوال تضبط الكميات موضوع المخالفة ويحكم بمصادرتها، ويتم اتخاذ جميع الإجراءات القانونية مع المخالفين، ولكن في الحقيقة فإن التجار يستطيعون التحايل علي القانون، من خلال إحضار فواتير مجهولة المصدر من تجار آخرين تقبل بها النيابة، ويستردون بضاعتهم، بينما في حالة الشك في مدي مطابقة سلعة للمواصفات القياسية المصرية، يتم إرسال عينة منها إلي الهيئة العامة للمواصفات والجودة ومصلحة الكيمياء لتحديد صلاحية السلعة من عدمه، سواء من حيث الصحة أو جودة الخامة. لذلك علي المواطنين الشراء من أماكن معلومة وأن يتمسك كل مواطن بحقه في الحصول علي الفاتورة، وإذا تعرض للغش يقوم بالاتصال فوراً علي الخط الساخن رقم 19805، أو اللجوء إلي إدارة الشكاوي بالقطاع، التي تقوم بفحص هذه الشكاوي يومياً والاتصال بأصحابها كما يجب الحذر من شراء مختلف السلع عبر أجهزة التليفون أو وسائل الإعلام المختلفة. مشكلة التهريب الدكتور يحيي الزنانيري - نائب أول رئيس شعبة الملابس الجاهزة بالاتحاد العام للغرف التجارية ورئيس جمعية منتجي الملابس الجاهزة - أكد: الاستيراد وحده ليس ضد الصناعة المصرية ولكن تهريب البضائع بدون رسوم جمركية وإغراق الأسواق يجعل المنافسة غير متكافئة مع الصناعة المصرية، خاصة أن حوالي 50٪ من السوق المصري به بضائع مستوردة، أغلبها مهربة، مما يؤثر علي الصناعة المصرية ويضعها في مأزق كبير، ونحاول حالياً العمل علي تطوير الصناعة المحلية للملابس الجاهزة، وتقليل التكلفة والارتقاء بالجودة، حيث إن الرسوم الجمركية تقدر حالياً بـ 30٪، ويضاف إليها 10٪ ضريبة مبيعات، طبقاً لقواعد الاستيراد، وعلي ذلك يتم تحديد سعر البيع استرشادياً للمستهلك، حتي يمكن تغطية مصاريف الاستيراد. وقال: البالات أو الملابس المستعملة بعضها يهرب حيث تكون في صورة إعانات لجهات معينة، ويستولي عليها التجار ويقومون ببيعها، لذلك من الضروري حماية الصناعة المصرية وتشجيعها من خلال خفض الرسوم الجمركية علي مستلزمات الإنتاج، وإحكام الرقابة علي منافذ التهريب وضبط المتلاعبين. تفعيل الرقابة محمد المرشدي - رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات المصرية - قال: يجب تفعيل دور أجهزة الرقابة علي الصادرات والواردات لإحكام الرقابة علي المنافذ الجمركية، لمنع عمليات التهريب، خاصة الذين يجيدون التلاعب والنفاذ من ثغرات القوانين.. فضلاً عن تطبيق مواصفات الجودة بكل دقة علي جميع الواردات للسوق المصري، وهنا تأتي أهمية فرض رسوم حماية وإغراق علي السلع المستوردة للسوق، للحفاظ علي الصناعة الوطنية. الملابس الجاهزة تنهار الدكتور عبدالعزيز شروف - رئيس قسم بحوث صناعة الملابس والتريكو بالمركز القومي للبحوث - قال: صناعة الملابس الجاهزة بمصر تحتضر، بسبب سياسة الإغراق التي تمارسها بعض الدول، ويساعدها علي تنفيذها المستهلكون المصريون، لاتباعهم سياسات تسويقية خاطئة تعتمد علي الأرخص دون النظر للجودة. ويجب استخدام النسب المئوية المرتفعة من الألياف الطبيعية كالقطن والصوف والكتان والحرير، بدلاً من استخدام الألياف المركبة التي هي في الأصل مواد كيماوية، مثل البوليستر والبولي ايثلين والإكريليك وما شابه ذلك والمنسوجات المصرية هي الأفضل علي مستوي العالم، ومن ثم يجب أن يكون مأكلنا وملبسنا من أرضنا، وأن نحافظ علي زراعة القطن، باعتباره ثروة قومية وصناعة استراتيجية بالدرجة الأولي، وأن يتم فتح المصانع المتوقفة، ونأتي بعمالة مدربة لإنقاذ الصناعة المحلية. فلسفة الإغراق الدكتور حمدي عبدالعظيم - الخبير الاقتصادي وعميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية - قال: الإغراق عبارة عن بيع منتج بأقل من سعر التكلفة الفعلية له، أو أقل من السعر المباع به في الدولة المصدر منها لفترة معينة، بهدف التأثير علي الصناعة المحلية بمصر، وتضطر المصانع المتواجدة بها إلي الإغلاق لعجزها عن تحمل الأعباء المالية وسداد الديون الناتجة عن ضعف القوة الشرائية، الأمر الذي يؤدي إلي الاستغناء عن العمال، وبالتالي زيادة البطالة بالدولة. وأضاف: من المهم جداً محاربة ظاهرة التهريب، خاصة في قطاع الملابس الجاهزة المستوردة، والتي غزت السوق المحلية في غياب الرقابة والمواصفات القياسية ومعايير الجودة المطلوبة وتباع بأسعار رخيصة للغاية نظراً لتهربها من الجمارك والضرائب، ولذلك فهي تضرب الصناعة الوطنية، وتمثل تهديداً مباشراً لها، وفي الوقت ذاته يقبل عليها المستهلك لرخص أسعارها، نظراً لضعف الدخول، والقانون الدولي لا يستطيع منع أي دولة من وقف عمليات الاستيراد والتصدير، ولا يجوز أن نكون سلة مهملات العالم التي تقبل المستعمل والمهمل وغير السليم من المنتجات الرخيصة والمتبرع بها. منع البيع الدكتورة سعاد الديب - رئيس الجمعية الإعلامية للتنمية وحماية المستهلك - قالت: جهاز حماية المستهلك يقوم عند إبلاغه بوجود سلعة مغشوشة أو رديئة أو غير مطابقة للمواصفات بتطبيق قانون حماية المستهلك، وفي هذه الحالة قد نضطر لمنع بيع هذه السلع في الأسواق حماية للمستهلك المصري. أمراض جلدية الدكتور عاطف يواقيم باسيلي - خبير الأمراض الجلدية بمستشفي الحوض المرصود، قال: الملابس المستوردة وخصوصاً الرديئة الصنع بها نسبة مرتفعة من البوليستر، مما يجعلها تؤدي إلي ظهور أمراض جلدية عديدة مثل حمو النيل »الطفح الجلدي« والفطريات والحساسية المفرطة وما شابه ذلك، وكذلك إضافة بعض الكيماويات التي تظهر الألوان بمظهر جميل، لكنها تؤدي إلي الإضرار بمستعملي هذه الملابس ضرراً جسيماً.
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,796,842
ساحة النقاش