authentication required

الأدب الإسلامي في ديوان الشعراوي
بقلم: د‏.‏ حلمي محمد القاعود


يمثل الجانب الأدبي في إنتاج الشيخ محمد متولي الشعراوي‏1911‏ ـ‏1998‏ م‏,‏ ملمحا مهما من ملامح حياته الدعوية والإنسانية‏,‏ وهو جانب مجهول إلي حد كبير‏,‏ وخاصة ما يتعلق بشعره ونثره‏,

 

‏ وقد هيأ الله لتحقيق هذا الجانب الدكتور صابر عبدالدايم ـ وهو شاعر وباحث أكاديمي ـ بالعكوف علي أوراق الشعراوي والصحف والمجلات التي كان يكتب فيها‏,‏ والمظان التي توجد فيها أوراقه ومخطوطاته التي لم يتح لها النشر‏,‏ فأنجز ـ جمعا وتحقيقا ودراسة ـ ديوان الشعراوي‏,‏ الذي صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام‏2009‏ م حاملا قصائده المتنوعة‏,‏ إلي جانب كتابات نثرية له‏,‏ مسبوقة بدراسة مستفيضة تتناول حياة الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي‏,‏ وتدرس أدبه وشعره‏,‏ وتلقي أضواء علي جوانب عديدة تتعلق بالشيخ الجليل‏.‏
والشيخ الشعراوي ابن المرحلة التي سبقت‏1952‏ في نشأته وتكوينه‏,‏ وهي مرحلة حافلة بالحركة والنشاط والحيوية في المجالات المختلفة‏,‏ وكان الشعراوي طالبا ومدرسا في المعاهد الأزهرية‏,‏ وخاصة في المعهد الأحمدي بطنطا نموذجا لشباب هذه المرحلة في العلم والعمل‏,‏ والمشاركة في النشاط العام‏,‏ ومواجهة الاستعمار الانجليزي‏,‏ وكان متيما بحزب الوفد‏,‏ وطموحا لتطوير التعليم الأزهري بما يحقق أهداف الأزهر الشريف في الدعوة الإسلامية وبناء الأجيال علي أسس من قيم الدين الحنيف‏.‏
والشيخ الشعراوي ممن ينظرون إلي الواقع والحياة وأنشطتها‏,‏ ومن بينها الأدب‏,‏ بتصور إسلامي لا يزيغ‏,‏ ولذا جاءت كتاباته وأشعاره‏,‏ تحمل هذا التصور‏,‏ وتفخر به‏,‏ وتدافع عنه‏,‏ وهو ما نراه مطبقا بامتياز في أشعاره المتنوعة التي قالها في مناسبات شتي‏.‏
وقد بدأ الشيخ بكتابة الزجل والشعر العامي‏,‏ ثم انتقل إلي الفصحي ويحكي الشعراوي أنه تأثر في صغره بفلاح يقول موالا علي الساقية‏,‏ جاء فيه‏:‏
تبرم علي مين واحنا الكل برامين
من خبط الباب بنعرف اللي برا مين
فكان هذا الموال أول علاقة لأذنه بالموسيقي الشعرية‏,‏ وصار يتتبع الفلاح وكان اسمه عثمان‏,‏ وسأله‏:‏ من أين تأتي بهذا الكلام؟ فقال لا أعرف إنها أشياء لا تعلم فوجد الشعراوي نفسه يكتب الزجل والشعر العامي ليمتع الناس‏.‏
ويقول عن الأدب الإسلامي‏:‏ وقد فطنا ونحن في الزقازيق أيام كان طالبا للأدب الإسلامي منذ أكثر من ستين عاما وقت حديث الشعراوي قبل خمسة عشر عاما تقريبا وقلنا للشعراء مجالهم ومشاربهم المتعددة‏,‏ ونحن نخاف أن يجرفنا ميلنا للأدب إلي المهاوي التي يصل إليها التعبير الأدبي المتحرر بدافع حب الأدب‏.‏ فنحن نحب أن ندرك المعاني الإسلامية ونعطيها النص الذي يعبر عنها‏.‏
والشعراوي ناثرا أقوي منه شاعرا‏,‏ وهو أقرب إلي مدرسة البيان في النثر الحديث‏,‏ وأقرب تحديدا إلي نثر سيد قطب‏,‏ وخاصة من خلال كتابيه التصوير الفني في القرآن الكريم‏.‏ وتفسيره الشهير الفريد في ظلال القرآن‏,‏ وللأسف فإن معظم نثر الشعراوي لم يكن مكتوبا‏,‏ ولكنه كان شفاهيا‏,‏ مما يعني أنه كان مختلطا بكثير من الشروح التي تغلب عليها العامية لإفهام عامة المستمعين أو المخاطبين‏.‏ ولكن القليل من كتاباته التي دونها بخط يده تشير إلي انتمائه البياني‏,‏ كما أن عملية الفصل والغربلة بين عباراته الفصيحة‏,‏ والأخري العامية في خواطره حول القرآن الكريم‏,‏ التي كان يلقيها عبر التليفزيون ستضعه في مدرسة البيان بامتياز‏.‏
لقد تنوعت أسعار الشعراوي بين الوطنيات والمدائح والوجدانيات والملكيات والأزهريات والحجازيات وغيرها‏..‏ وكلها تنبض بروح الإخلاص والوفاء والعاطفة القوية‏,‏ والطموح إلي مثل عليا تخص المسلم والمجتمع والشعب المصري‏.‏
وقد كان الشعراوي حريصا علي استلهام القرآن الكريم في قصائده وأشعاره‏,‏ ومنها قوله‏:‏
تحر إلي الرزق أسبابه ولا تشغلن بعدها بالكا
فإنك تجهل عنوان ورزقك يعرف عنوانكا
وقد استلهمه من قوله تعالي‏:‏ ومن يتق الله يجعل له مخرجا‏.(‏ سورة الطلاق‏:2)‏
والشعراوي يدرك قيمة الجمال‏,‏ وأثره في خلق الله ويعلم موقف بعض المتزمتين من هذه المسألة حيث يقفون موقف المعارضة‏,‏ ولكنه يقول من منظور إسلامي يدرك قيمة الجمال‏:‏
ومن لم يزلزله الجمال فناقص تكوينه وسوي خلق الله من يهوي ويأذن دينه
وللشعراوي مطولات إسلامية تدل علي قدرته الشعرية علي النظم‏,‏ والنفس الطويل القائم علي مخزون لغوي وثقافي كبير‏,‏ وقصيدته الباكورة التي تناولت الإسراء والمعراج خير نموذج‏.‏
يقول فيها‏:‏
يا ليلة‏(‏ المعراج‏)‏ و‏(‏ الإسراء‏)‏ وحي الجلال وفتنة الشعراء
وقد لقيت هذه القصيدة وقت ظهورها كثيرا من المدح والتقريظ‏,‏ من جانب الصحف والأدباء والكتاب وزملاء الشعراوي في الأزهر الشريف‏.‏ ونختم ببعض ما قاله في شهر رمضان الكريم‏,‏ وقدم له قائلا‏:‏ دواء النفس‏,‏ وأدب الحس‏,‏ يخلق رحمة الأغنياء بالفقراء‏,‏ ويكبح الجوارح عن إتيان المعاصي‏,‏ ومجيء القبائح‏..‏ ثم يقول في مطلعها‏:‏
يا طبيب النفوس أهلا وسهلا أنت فقت الشهور زهوا ودلا
أنت للداء داؤه حيث حلا إنما الذل في صيامك أحلي
تكبح النفس عن ورود المعاصي وتعل القلوب تقوي وعدلا‏...‏
رحم الله الشعراوي وجزاه علي ما قدم لدينه وأمته وشعبه‏.‏

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 142 مشاهدة
نشرت فى 9 سبتمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,686,515