الجودة بين أداء الحكومة.. وأداء المواطن
بقلم : د. محمود عيسي
الحكومة بمفهومها الأدائي العام ليست رئيس الحكومة أو الوزراء فقط. ينطبق ذلك علي كل الدول الكبيرة منها والصغيرة.
فأي حكومة تدير من خلال مئات المؤسسات والهيئات والمصالح والمعاهد في جميع القطاعات الاقتصادية والصناعية والخدمية والاستثمارية أو المشتركة بين الدولة والقطاع الخاص وغيرها من الجهات.
وجودة الأداء الحكومي في جميع المجالات والأنشطة هي المحصلة النهائية لجودة أداء هذه المئات الكثيرة من الجهات. وبرغم ما تتمتع به هذه الجهات من شخصيات اعتبارية فإن قوامها يعتمد علي ملايين من المواطنين علي درجات مختلفة من المستوي القيادي والوظيفي والتي تحقق لكل جهة مهمتها وأهدافها وخططها الحالية والمستقبلية.
ولكون جودة الاداء الحكومي ترتبط بشكل مباشر بجودة أداء هذه الهيئات فإنها ترتبط بجودة أداء هؤلاء الملايين من الموظفين في إطار رؤية وخطط وبرامج تضعها الحكومة علي المستوي الاستراتيجي تتابع تنفيذها بهذه الجهات علي المستوي التفصيلي. كما لا تقتصر جودة الاداء الحكومي علي جودة أداء هؤلاء العاملين في دواوينها وهيئاتها فقط بل تعتمد علي المتعاملين مع هذه الجهات من صناع وتجار وموزعين وغيرهم من الفئات لأنهم مؤثرون في أدائها سلبا وإيجابا.
وعلي مدي اختلاف هذه الجهات الحكومية العديدة في نوع الخدمات التي تؤديها واختلاف نوع المستفيدين منها فإنه يبقي أن هؤلاء العاملين برغم أنهم أدوات الحكومة في تحقيق مستهدفاتها ومعدلاتها في النمو وتحسين الخدمات فأنهم في واقع الامر هم مقدمو خدمة في جهاتهم التي يعملون بها وهم في نفس الوقت مستفيدون من خدمات تؤديها جهات أخري داخل اطار نفس الحكومة, وبالتالي فإذا اشتكي أحد العاملين فيها من ضعف خدمة تقدم له من جهة أخري من هذه الجهات فقد يشكو آخرون من خدمات الجهة التي يعمل بها هو نفسه.
من ذلك نستطيع أن نستنتج أن جودة الاداء للحكومة تعتمد علي جودة أداء المواطن حتي بالنسبة للمواطن الذي لا يعمل في أي جهة حكومية فإن أداءه أيضا يرتبط بأداء الحكومة علي ضوء ايجابيته في التعامل مع الممتلكات العامة والخدمات التي تقدمها الحكومة فإذا لم يرشد في استهلاك السلع أو المياه أو الكهرباء أو التعامل الجيد مع ممتلكات الدولة التي هي ممتلكاته في المواصلات وفي الشارع وفي الدواوين وغيرها الكثير, فإن أداءه أيضا له مردود علي أداء الحكومة سلبا أو ايجابا. وجودة أداء المواطن في كل المواقع خاصة الانتاجي منها وفي جميع القطاعات عائدها معدلات نمو أعلي وإنتاجية أكبر وربحية أكثر علي المستوي القومي. وجودة أداء المواطن تحسن من استجابة هذه الهيئات في تنفيذ إستراتيجيات الدولة, كل في مجاله, لأن جودة أداء المواطن تعني أنه يعمل في اطار نظام ومنظومة عمل يسهل التعامل معها وتستجيب لوسائل التحسين والتطوير المستمر. كما أن مشاركة المواطن في كل الهيئات والمصالح التي تديرها الدولة في حل مشاكلها أو علي الأقل الا يكون هو أحد مشاكلها, فإن ذلك يضيف لجودة أداء المؤسسة.
وعلي الجانب الآخر فإنه من مقومات وعناصر جودة الأداء الحكومي أن يكون هناك حوار دائم مع المواطن في مشاكله وبما يظهر اهتماما بهذه المشاكل لأن هذا الاهتمام هو أحد عناصر جودة الأداء الحكومي. وبرغم مسئولية الحكومة عن إدارة هذه الجهات واختيار قيادتها وهؤلاء المواطنين العاملين بالجهات التابعة لها فإن التشريعات والقوانين الخاصة بالعاملين فيها بالقطع لها دور في التأثير علي هذه الادارة وعلي الاداء. والمواطن أيا كان موقعه دائما ما يشكو إما من واقع وأسباب حقيقية في كثير من الاحوال أو لأسباب مبالغ فيها أو غير حقيقية في أحيان أخري.
والمواطن يبحث دائما عن العائد المباشر أو الذي يراه فقط وهو في ذلك نلتمس له العذر لكنه في نفس الوقت لا يبحث عن عوائده غير المباشرة والتي قد تكون أكبر مما يراه وأكثر تأثيرا عليه. فجودة الاداء الحكومي لا تقتصر علي ادارة هذه الجهات, ولكنها مسئولة عن المشروعات الكبري التي تؤمن المواطن وتحل مشاكله اليومية والمرحلية والمستقبلية والتي تتطلب اعلام المواطن بأهمية هذه المشروعات والعائد عليه في كل هذه المراحل الزمنية خصوصا في المشروعات القومية الكبري والأمثلة كثيرة فعندما يشكو المواطن مثلا من وسائل الانتقال والزحام وجب إعلامه بالذي كان سيعانيه لو لم تتم شبكة مترو الانفاق والطرق الدائرية والمحورية والتوسعات فيها بين المدن الكبري ومئات الكباري التي تم إنشاؤها علي نقط الاختناقات, كما وجب إعلامه أيضا ما الذي كان من الممكن أن يحدث لو لم يتم انشاء أكثر من مائة مدينة صناعية جديدة كبري خلال ثلاثين عاما, وماذا كان من الممكن أن يحدث في معدلات البطالة في غياب هذه المدن الصناعية وما الذي كان سيحدث بدون ملايين الأطنان من إنتاجها سنويا كفاية وسعرا وما الذي كان من الممكن أن يحدث في وفرة الكهرباء بدون عشرات المحطات الكبري التي أنشئت لهذا الغرض وقضية الدعم للسلع الأساسية ماذا كان من الممكن أن يحدث اذا لم يتوافر دعمها بعشرات المليارات سنويا.
والخلاصة ان جودة الأداء الحكومي لا يمكن فصلها عن جودة أداء المواطن بل يوجد خط واصل ودائم بينهما يصب في جودة أداء الحكومة. كما أن تحقيق جودة أداء المواطن هو في نفس الوقت مسئولية الحكومة في العمل الدائم علي تحسين جودة أداء هذا المواطن في كل القطاعات.
رئيس المعهد القومي للجودة
ساحة النقاش