تجنب اللغو في القول
كتبت:راوية الصاوي
لغو الكلام آفة مذمومة وصفة ممقوته لمن يتخذها طبعا ويعين بها سلوكا, فاللغو يراد به الكلام الباطل. أو الكلام الذي لا تنعقد عليه نية المتكلم من الهذر الضار والثرثرة الجوفاء.
وتلك هي النظرية الإسلامية لمن يتذكر لنعمة البيان فان شوهه حقيقتها ويستلب حقها. فان هذه النعمه من اجل النعم التي أسبغها الله علي الإنسان وكرمه بها علي سائر الخلق يقول تعالي الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان. يشرح الدكتور رشاد خليل أستاذ أصول الفقه ذلك فيقول: لقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم في هذا الجانب من جوانب شخصيته العظيمة نموذجا فريدا يندر أن يحاكي أو يتكرر ولا غرو في ذلك فهذا المعلم الأول والأخلاقي الأول. فحدد معالم التحدث ووضع المعايير ليكون للكلمة مكانتها وللحديث طرائقه التي توصل إلي الغايات المنشودة من استقامة السلوك وحصانة التعبير أو رعاية الحرمات, واجتناب المحرمات والسلامة من الأوزار وسفاسف الأمور. وما كان هذا التوجه والتنبه تطبيقا للوصل السماو وأخذا بما رسمه من نهج في أدب التحدث من تقدير نعمة البيان وإجلال لفضلها في تأليف القلوب وتطهيرا النفوس من براثن الاحقاد وكبوات اللسان يقول تعالي: قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون. والذين هم للزكاة فاعلون ويقول عز وجل: وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما كما يقول سبحانه: وإذا سمعوا اللغو اعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين وأخذا بما تحويه هذه الآيات من معاني التأدب في القول والايجابية في التعامل الحياتي, فان الرسول صلي الله عليه وسلم يؤكد في أقواله وأفعاله عليها ويشدد علي العمل بها, فيقول:لا يستقيم إيمان عبد حتي يستقيم قلبه. ولا يستقيم قلبه حتي يستقيم لسانه ويقول: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. وفي لفت النظر إلي ما يترتب علي اللغو من مفاسد وشرور علي نفسه يقول صلي الله عليه وسلم إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك بها المجلس فيهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض. وان المرء ليزل عن لسانه اشد مما يزل علي قدميه.
فإذا تكلم المرء فليقل خيرا وليعود لسانه الجميل من القول, فان التعبير الحسن عما يجول في النفس أدب عال اخذ الله تعالي به اهل الديانات جميعا, يقول صلي الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيرا أو ليصمت.
ولقد نبه الرسول صلي الله عليه وسلم إلي من اتخذ اللغو شهوة غالبة متناوش غيره بالحديث, ويتصيد الشبهات التي تدعم جانبه, والعبارات التي تروج حجته, فيكون حب الانتصار عنده اهم من إظهار الحق, وتبرز لديه طبائع العناد والأثرة, لا يبقي معها مكان لتبين حق أو تقرير حقيقة فقال صلي الله عليه وسلم أن ابغض الرجال إلي الله الألد الخصم كما قال: ما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه إلا أوتولا الجدل وينبغي أن نشير في هذا المقام إلي ظاهرة الجدال التي شاعت في عصرنا الحاضر فقد تنوعت أساليبها وتعددت صورها من الجدال في الدين والجدال في السياسة, والجدال في العلوم والآداب وتصدي له نفر من الأدعياء البلغاء مما يفسد به الدين, ويفسد السياسة والعلوم والآداب ولعل السبب في الانهيار العمران والتخريب الفقهي والانقسام الطائفي هو هذا الجدل الملعون في حقائق الدين وشئون الحياة, ولقد حدث أن واحدا من أولئك الأعراب وفد إلي النبي صلي الله عليه وسلم شارة حسنة فجعل النبي لا يتكلم بكلام إلا كلفته نفسه أن يأتي بكلام يعلو كلام النبي صلي الله عليه وسلم فلما انصرف قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن الله لا يحب هذا وأضرابه يلوون ألسنتهم للناس لي البقر بلسانهم المرعي, وكذلك يلوي الله ألسنتهم ووجوهم في النار.
ساحة النقاش