رمضان في أدبنا الحديث والمعاصر(2)
كتب:د. علي جمعة
بلغ تأثير شهر رمضان الكريم علي الأدب الإسلامي بعدا عميقا يتخطي حد الكتابات الفردية التي عرضنا بعضا منها في المقال السابق.
وقد ظهر ذلك في العديد من أبيات الشعر التي عبرت عن مدي تأثر الحياة الاجتماعية والثقافية للمسلمين بشهر رمضان, وقد جمع هذه الأشعار الأستاذ حسن عبد الوهاب في كتاب له بعنوان رمضان, صادر عن المكتبة الثقافية لوزارة الثقافة والإرشاد, كما جمعها كذلك الأستاذ علي الجندي, العميد السابق لكلية دار العلوم في محاضرة ألقاها بجامعة القاهرة في بداية شهر رمضان من عام1378 هـ الموافق شهر مارس1959 م, وقد طبعتها إدارة الجامعة بعد ذلك في كتيب صغير.
وتنوعت أشعار الشعراء العرب احتفالا بهلال رمضان, مثل قصيدة طويلة كتبها الشاعر محمد الأخضر السائحي الجزائري يرحب فيها بهلال رمضان وبداية شهر الصوم, وبدأ القصيدة قائلا للهلال:
املأ الدنيا شعاعا أيها النور الحبيب
قد طغي اليأس عليها وهو كالليل رهيب
ثم ختمها بقوله:
هو عهد قد تقضي كله بر وجود
يوم كان الصوم معني للتسامي والصعود
ولم تقف الأشعار عند حد الاحتفال بشهر رمضان وهلاله, بل امتدت لتصف مظاهره المختلفة ولعل من أهمها الحلوي التي اعتاد الصائم أكلها بعد الفطور لاسترداد عافيته وجهده, ويأتي في مقدمة أصناف الحلوي الكنافة, التي قال فيها أبو الحسين الجزار المصري وهو من المكثرين في وصفها ــ:
سقي الله أكناف الكنافة بالقطر وجاد عليها سكر دائم الدر
ويقول فيها أيضا شهاب الدين الهائم:
إليك اشتياقي يا كنافة زائد ومالي غناء عنك كلا ولا صبر
فلا زلت أكلي كل يوم وليلة ولا زال منهلا بجرعائك القطر
وتأتي القطائف في المرتبة الثانية من حيث تناول الشعراء المسلمين, فيقول فيها ابن نباته المصري:
وقطايف رقت جسوما مثل ما غلظت قلوبا فهي لي أحساب
تحلو فما تغلو ويشهد قطرها الفياض أن ندي علي سحاب
كما وصفها زين القضاة السكندري فيقول:
لله در قطائف محشوة من فستق رعت النواظر واليدا
شبهتها لما بدت في صحنها بحقاق عاج قد حشين زبرجدا
بينما ينجح أبي هلال العسكري في وصفها بدقة فيقول:
كثيفة الحشو ولكنها رقيقة الجلد هوانيه
رشت بماء الورد أعطافها منشورة الطوي ومطويه
ألا أن تناول الشعراء لرمضان لم يقتصر علي الحلويات, فمنهم من تناول أشياء أخري كالفانوس الذي كان من وسائل التنبيه لموعد السحور حتي عرف في البداية بفانوس السحور, وكان يعلق علي منار المساجد, ويقول في وصفه ابي الحجاج يوسف بن علي وهو أول من نظم فيه-:
ونجم من الفانوس يشرق ضوؤهولكنه دون الكواكب لا يسري
ولم أر نجما قط قبل طلوعه إذا غاب ينهي الصائمين عن الفطر
وعندما سمع بقية الشعراء بأبيات الحجاج, تسابقوا في وصف الفانوس, فقال الرشيد أبو عبد الله:
أحبب بفانوس غدا صاعدا وضوؤه دان من العين
يقضي بصوم وبفطر معا فقد حوي وصف الهلالين
وقد ذهب بعض الشعراء للتشهير بالمفطرين في شهر رمضان, نذكر منها بعض الأبيات لأمير الزجل محمد العطار حيث قال:
يا خاسر الدين يا فاطر نهار رمضان طاوع إلهك وخالف النفس والشيطان
دا الصوم هو الصون ومنه صحة الأبدان لك فرحتين, فرحتك وقت ما تفطر
والثانية شوف فرحتك في يوم لقا الديان.
أما قدوم العيد, فقد تناوله العديد من الشعراء الجامحين بنوع من الشعر الماجن مثل ما قاله أبي نواس, واحمد بن يزيد, وأبو علي البصير, بل أن أمير الشعراء احمد بك شوقي قد اقتفي أثر هؤلاء الجامحين في بعض أشعاره, ولكن بعيدا عن هؤلاء, نذكر بعض أبيات الزجل الجميلة التي قالها الشيخ محمد النجار في العيد ووداع رمضان:
العيد أتي والصوم روح ويقول لك الله يا صايم
تعيش لأمثاله وتفرح ويعيش لك الخير الدايم
ويقول:
يا خسارة أوقات الطاعات تمر والعاصي غفلان
يا خسارتك يابو الحسنات ياللي الإله سماك رمضان
ثم يختم قوله:
يا ناس أهو العيد أقبل قابلوه بقي بكحكه وخلقه
واللي يكون صومه يقبل يشكر إلهه اللي خلقه
يشكر إلهه اللي أعطاه صحة وله جاد بالعافية
ولمثل هذا العيد أبقاه ودي تهاني به وافية
ساحة النقاش