توريث الوظائف الجامعية والقضائية
د.سعد الدين الهلالي
المقصود بقضية "توريث الوظائف الجامعية والقضائية" هو تمكين أبناء هيئة التدريس الجامعي والسلك القضائي من التعيين الوظيفي في جهة عمل آبائهم بالشكل القانوني. وقد تفجرت هذه القضية علي الساحة المصرية في أواخر القرن العشرين الميلادي. بعد كشف وسائل الإعلام عنها. مما لم يعد للفقهاء عذر أن يسكتوا عن بيان حكمها. وبالنظر الفقهي تبين أن سبب الخلاف يرجع إلي تكييف عمل لجان الاختبارات والمقابلات الشفوية. أهي لجان تزكية لترتيب المتقدمين. أم هي لجان شهادة تعطي كل متقدم الدرجة المناسبة له. وعند التعارض تكون القرعة. فضلاً عن قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد. ولأجل هذا اختلف الفقه في قضية "توريث الوظائف الجامعية والقضائية" علي ثلاثة اتجاهات. الأول: يري الجواز من باب التزكية. والثاني: يري المنع من باب الأمانة في الشهادة. والثالث: يري الجمع بين الجواز والمنع بتخصيص عدد من الوظائف لأبناء أعضاء هيئة التدريس والسلك القضائي بنظام الكوتا. مراعاة للمصالح ودرءاً للمفاسد. وقد استند كل اتجاه من تلك الاتجاهات إلي حجج وأدلة. ما يجعلها اتجاهات محتملة الصواب عند أصحابها. ولما كان الاجتهاد حقاً مكفولاً لأهله فإن ذلك يقتضي احترام تلك الأوجه في الفقه. وعلي المتلقي أن يستبين منها ويختار أحدها لاستحالة الجمع بين المتعارضين في الزمن الواحد للشخص الواحد. مع كون الحق لا يتعداها غالباً. ويكون الاختيار بمعيار الضمير والقلب في البحث عن الأصلح زماناً ومكاناً. عملاً بما أخرجه الإمام أحمد عن وابصة. أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال له: "استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك". كما أخرج الإمام أحمد برجال ثقات عن أبي ثعلبة الخشني أنه سأل النبي - صلي الله عليه وسلم - عما يحل لي وما يحرم؟ فقال - صلي الله عليه وسلم: "البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب. والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب. وإن أفتاك المفتون". وعلي ضوء اختيار الناس من تلك الاتجاهات الفقهية المحتملة في هذه القضية أو غيرها من القضايا الخلافية يجوز لولي الأمر أن ينقل المسألة من ساحة الفقه إلي ساحة الإمارة والقضاء فيختار أحد تلك الأوجه ليحسم الجدل الفقهي ويجتمع الناس عليه وجوباً. عملاً بقوله تعالي: "ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" "النساء: 59" وليس معني اختيار ولي الأمر لأحد الاتجاهات الفقهية المحتملة الصواب أن ما عداها يكون باطلاً في ذاته. بل هي أيضاً محتملة الصواب فقهاً لا قضاءً. بمعني أنه يجوز لولي الأمر أن ينتقل من اتجاه فقهي إلي اتجاه فقهي آخر إذا بدا له ما يستلزم ذلك من المصالح.
ومساهمة مني في الاستقراء العام لاختيار الناس بين أوجه هذه القضية أري أن نشأة الابن في بيت أهل العلم أو رجال القضاء تحسب له من جهة اكتسابه ميزات قد لا تتوفر لغيره. كما تحسب عليه من جهة أنه الأولي باختيار معيار المساواة والكفاءة في تولي الوظائف وليس معيار النسب. إذ لو كان معيار النسب له تأثير في التعيين لما كان الأب من رجال العلم أو القضاء. فإذا كان الأب قد وصل إلي منصبه بكفاءته وموهبته فكذلك يجب أن يكون الابن. خاصة وأن فرصته في تحصيل الكفاءة أوفر من حظ أبيه بحكم النشأة. وبهذا يترجح عندي ما ذهب إليه أكثر الفقهاء المعاصرين القائلين بمنع توريث الوظائف الجامعية والقضائية بالمعني الاصطلاحي. مع ثقتي بأن أبناء رجال العلم والقضاء قادرون علي تحصيل الكفاءة الوظيفية بذواتهم لا بأنسابهم. ويحرم علي الآباء ملاحقة لجان التعيين بما لهم من حظوة الزمالة من أجل أبنائهم علي حساب دفن المواهب المستحقة من عامة المتقدمين. وعلي الآباء أن يستحضروا قول الله عز وجل: "لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير" "الممتحنة: 3". وللآباء أن يقولوا لأبنائهم إذا ضغطوا عليهم ما قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - لابنته فاطمة: "يافاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً".
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 172 مشاهدة
نشرت فى 19 أغسطس 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,831