مشكلات إصلاح جهاز الخدمة المدنية
بقلم:د.إيمان مرعي
يعد جهازالخدمة المدنية أداة الحكومة الرئيسية في الحكم والادارة, والتي تستطيع من خلالها أن تصل للمجتمع, كما تتوقف عليه درجة النجاح من خلال ما يلقاه من دعم وتأييد من المواطنين, وعندما لايعبر النظام الإداري عن الأوضاع القائمة فإنه يكون في هذه الحالة بحاجة إلي إصلاح.
إن الحديث عن موضوع الإصلاح الإداري ليس جديدا, فقد ارتبط بالمحاولات المستمرة لتطوير الجهاز الإداري. ويمكن إرجاع المحاولات الأولي لإصلاح الجهاز البيروقراطي إلي الخمسينيات من القرن العشرين, ممثلة في تقرير الخبير الأمريكي بول سنكر الذي استعانت به الحكومة المصرية عالم1951. وقد اشتمل التقرير علي مجموعة من التوصيات والتي تضمنت محاور تشريعية وتنظيمية لإصلاح الجهاز الحكومي المصري. وتوالت محاولات الإصلاح والتي جاءت مركزة في أغلبها علي الجانب التشريعي للجهاز البيروقراطي, بالإضافة إلي الجانب المؤسسي الذي تمثل في إنشاء كيانات مهمتها الإشراف علي تطوير مستوي الخدمة المدنية ورفع الكفاية الإنتاجية, مثل إنشاء الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة عام1964.
وبنظرة سريعة علي برامج الإصلاح الاداري خلال القرن العشرين يتضح أن فترة الخمسينيات تمثل فترة الاستشارات الإدارية, وتمت فيها الاستعانة بمجموعة من الخبراء الأجانب لتقديم مقترحاتهم لتطوير الخدمة العامة من خلال تحسين أوضاع العاملين, وتوفير التدريب الملائم لهم, وبالتالي كان توجه الإصلاح قاصرا نوعا ما خلال تلك الفترة.
وتمثل فترة الستينيات مرحلة التوسع في الجهاز الإداري للدولة نتيجة التوسع في الأنشطة التي تقوم بها الحكومة, وكان التركيز فيها علي القيادات الإدارية, وأساليب الرقابة وتقييم الأداء. واتسمت فترة السبعينيات بحدوث مجموعة من التحولات السياسية والاقتصادية, حيث شملت الخطة الخمسية للتنمية الإدارية والإصلاح الإداري والتي صاغها الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة عام1975 ستة عناصر: المحور التنظيمي, وإدارة الأفراد, وتنمية القيادات وتطوير إجراءات العمل والقوانين واللوائح. ويؤخذ علي هذه الخطة عدم اتساقها مع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة ككل.
وفي الثمانينيات تم الربط بين إصلاح الجهاز الحكومي وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة. كما تم التركيز علي عدة محاور, أهمها: تطوير الخدمات ذات الصلة بالجمهور, وتبسيط الإجراءات, وتطوير نظام اختيار القيادات, وتعديل نظم الحوافز والمكافآت ونظم ترتيب الوظائف.
وبالنسبة لخطط الإصلاح الإداري في فترة التسعينيات فقد احتوت علي عدد كبير من عناصر الإصلاح سواء البشرية أو المادية لضمان أسلوب أفضل في تقديم الخدمة العامة. وتمثلت آليات الإصلاح في: هيكل حكومي أصغر, وتحجيم الهيكل البيروقراطي, وتحسين الخدمات العامة المقدمة, وتحسين بيئة العمل وأحوال الموظفين, ونشر وتطوير الاستخدام التقني في مجال أداء الأعمال الحكومية, وتحديد معايير واضحة للأداء والمساءلة.
ورغم المحاولات المستمرة لإصلاح وتطوير الجهاز البيروقراطي فإنه يمكن الزعم أن المشاكل التي عاني منها الجهاز الإداري منذ خمسينيات القرن العشرين هي ذاتها ما يعاني منها في الوقت الحالي, بل أصبحت بشكل أكثر حدة وانتشارا ممثلة في: التقديس الزائد للسلطة, وسيادة القيم المقيدة للإبداع, ومقاومة التغيير, بالإضافة إلي انتشار الرشوة والمحسوبية واللامبالاة في خدمة المواطن والتغاضي عن الأخطاء. مثل هذه الاستمرارية في المشكلات تقودنا إلي نتيجة منطقية ممثلة في محدودية تأثير سياسات وبرامج الإصلاح في تحقيق المستهدف منها.
ويمكن إرجاع ذلك إلي مجموعة من العناصر ــ سواء علي مستوي التصميم أو التنفيذ أو حتي المتابعة والتقييم ــ التي تعمل متضافرة للحد من تأثيرها, وتتمثل هذه العوامل فيما يلي: غياب المنظور التكاملي لسياسات وبرامج الإصلاح الإداري, وعدم وجود برامج فعالة لإدارة التغيير, والاعتماد علي قيادات إدارية غير مؤهلة لتبني النسق الفكري والسلوكي الذي تتضمنه برامج الإصلاح, فضلا عن عدم كفاية الموارد المادية أو البشرية لتنفيذ ومتابعة برامج الإصلاح, وغياب استخدام آليات فعالة لتقويم نتائج الإصلاح بشكل كمي وكيفي.
كما أن محاولات الإصلاح الإداري لم تتبلور في ضوء أهداف واستراتيجيات محددة ولكنها كانت في الغالب ردود فعل لمشاكل يعاني منها الجهاز الإداري أو محاولات لنقل تجربة أو مدخل جديد لم يعد له جيدا أو يدرس, ومحاولة تعميمه علي كل الجهات. كذلك فإن محاولات الإصلاح الإداري لم تتبلور في صورة خطة عامة للدولة محددة الملامح والمراحل وبشكل يتكامل مع الخطط الأخري للدولة مثل الخطة الخمسية أو مع خطة الإصلاح الاقتصادي. أيضا اتسمت جهود الإصلاح المتتالية بالتضارب وعدم الاستمرارية, فما إن يبدأ مسئول في وضع أسس لسياسة أو استراتيجية للإصلاح حتي يقوم المسئول الذي يخلفه بتغيير السياسات السابقة تماما دون عناء تقييم التجربة السابقة والاستفادة من الخبرات المكتسبة واستكمال المناسب منها, مما أدي في كثير من الأحيان إلي صعوبة التوصل إلي حلول جذرية والنظرة الجزئية للمشاكل وعدم الأخذ في الاعتبار البعد الزمني لها, واللجوء إلي الحلول الوسط لإرضاء جماعات الضغط المختلفة, والتطبيق المبتسر لعملية الإصلاح.
إذن يمكن القول إن جهود التطوير والإصلاح لابد أن تعيد هيكلة المنظومة الإدارية الحكومية ككل, وتحسن أحوال العاملين بالدولة ماديا ومهنيا, وتيسر علي المواطنين تعاملاتهم اليومية مع مؤسسات الدولة, وتقضي علي الفساد الإداري والذي يعد السبب الرئيسي للتعقيدات البيروقراطية. فإذا كان هدف الإصلاح تطوير العمالة فلا يعني هذا أن التطوير سيتم منفردا دون الارتباط بالعوامل الأخري كالتنظيم وأساليب العمل والإجراءات والعادات المستمدة من المجتمع. وكلما اتسعت قاعدة التأييد لجهود الإصلاح كلما زادت مقومات نجاحها في تحقيقها للأهداف.
ساحة النقاش