دور الوقف في نهضة الأمة
بقلم:د‏.‏أحمد عمر هاشم


إن الناظر الي جهود سلف هذه الأمة في المحافظة علي نهوضها وعلي تقدمها‏,‏ وفي حمايتها من عاديات الزمن‏,‏ يري أنهم كانوا يتسابقون علي صنائع المعروف اقتداء برسولهم عليه أفضل الصلاة وأتم السلام‏.

 

حيث كان يصل الرحم ويحمل الكل ويكسب المعدوم ويقري الضيف ويعين علي نوائب الزمن‏,‏ كما جاء في الحديث الصحيح في الموقف الأول الذي صافح الوحي الالهي فيه قلبه الشريف بأول آية في كتاب الله تعالي‏:‏ اقرأ باسم ربك الذي خلق وعندما عاد الي السيدة خديجة رضي الله عنها وأخبرها الخبر قائلا‏:‏ زملوني‏,‏ زملوني لقد خشيت علي نفسي‏,‏ فأجابته السيدة خديجة رضي الله عنها من أول وهلة قائلة‏:‏ كلا والله لا يخزيك الله أبدا‏,‏ انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم ويقري الضيف وتعين علي نوائب الحق‏.‏
ولطالما حث رسول الله صلي الله عليه وسلم المسلمين علي صنائع المعروف ومن أهمها‏:‏ الوقف سواء كان وقفا لعقار من الأرض أو الحديقة مثلا أو نحو ذلك من الزروع التي ينتفع الناس بها كما في قوله صلي الله عليه وسلم‏:‏
ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو انسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة‏.‏
وفي رواية للحديث‏:‏ إلا كان له به صدقة إلي يوم القيامة‏.‏
وكان سلف هذه الأمة يسألون رسولهم صلوات الله وسلامه عليه عن أفضل الطاعات وأعظم القربات التي يتقربون بها إلي الله سبحانه وتعالي‏,‏ وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يجيب كل سائل بما يليق بالحال والزمان والمكان‏.‏
وكان يحثهم علي التعاون فيما بينهم ويقول‏:‏
مثل المؤمنين في توادهم وتزاحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي‏.‏
وقد أمر القرآن الكريم بالتعاون علي البر والتقوي حيث قالل الله تعالي‏:‏ وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان‏.‏
ومن أهم مجالات التعاون الوقف الذي كان يحرص المسلمون عليه‏,‏ فيقفون كثيرا من أموالهم وغفاواتهم علي القفراء والمساكين‏,‏ والمرضي والمحتاجين‏,‏ ويقفون الأوقاف علي المساجد وطلاب العلم وأهل القرآن‏,‏ إلي غير ذلك من وجوه الوقف التي تنتفع بها المجتمعات والأفراد‏.‏
وكان الوقف يمثل مصدرا هاما من مصادر المجتمع في اعانة المرضي والمحتاجين‏,‏ وفي حل كثير من مشكلات المجتمع‏.‏
إلا أن الملاحظ في هذه العصور الأخيرة ان الوقف قل عن ذي قبل‏,‏ وتراجع بشكل غريب‏,‏ مع أن المجتمعات الان في أمس الحاجة إليه اكثر من أي وقت مضي‏,‏ خاصة بعد أن تكاثرت البشرية‏,‏ وتكاثرت معها المشكلات والأمراض والجهل والأمية والفقر والغلاء والبطالة‏,‏ وأطلت مشكلات الفقر والجهل والمرض وغير ذلك بشكل ملحوظ يستوجب علينا أن ندعو الي تنشيط الوقف وأن ننادي أصحاب الأموال ورجال الأعمال إلي بذل أقصي ما في الوسع للنهوض بالوقف والاقبال عليه وتنمية موارده‏,‏ وتطوير آلياته واستخداماته‏,‏ ليصبح أمانا لكل قطاعات الحياة‏.‏
والوقف شعيرة من شعائر الإسلام تنهض بالتكافل الاجتماعي ومساعدة المحتاجين‏,‏ وبذل المال الذي جعلنا الله تعالي خلفاء عليه حيث قال سبحانه‏:‏
وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فنحن خلفاء علي المال استخلفنا الله عليه لصرفه في الوجوه المشروعة ونؤتي المحتاجين منه‏,‏ لزنه مال الله أتانا إياه كما قال الله تعالي‏:‏ ووأتوهم من مال الله الذي آتاكم‏.‏
وقد أوقف رسول الله صلي الله عليه وسلم الأرض التي عنده قبل وفاته‏,‏ وأمر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أرضه بخيبر أو يحبسها أي يوقفها عندما سأله عمر عن ذلك‏.‏
ونري خالد بن الوليد احتبس اسلحته وأدراعه واعتاده في سبيل الله‏,‏ ولقد عرفت أمة الإسلام الوقف من تعاليم دينها ورأت فيه تطبيقا عمليا للتكافل الاجتماعي والتعاون علي البر والتقوي‏.‏
والوقف هو حبس العين والتصدق بمنفعتها‏,‏ وعند الشافعية والحنابلة يعرفون الوقف بأنه حبس الأصل وتسبيل المنافع‏.‏
ولأهمية الوقف في الإسلام عرفت الأمة عبر عصورها منزلته حتي انها أطلقت اسمه علي المؤسسة الدينية بل أطلقت باسمه اسم وزارات في كثير من بلاد الإسلام وهي‏:‏ وزارات الأوقاف‏,‏ ليكون الحرص البالغ علي تنفيذ مال الوقف وعلي ادارته علي أكمل وجه‏.‏
والوقف داخل في عموم الأمر بالتعاون علي البر والتقوي فقد قال الله تعالي‏:‏
وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الاثم والعدوان‏.‏
وفي قول رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ إذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له رواه مسلم‏.‏
وأيضا حديث ابن عمرو رضي الله عنهما قال‏:‏ أصاب عمر بخيبر أرضا‏,‏ فأتي النبي صلي الله عليه وسلم فقال‏:‏ أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه فكيف تأمرني به؟ قال‏:‏ إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق عمر أنه لايباع أصلها‏,‏ ولا يوهب ولا يورث‏,‏ بل في الفقراء والقربي والرقاب‏,‏ وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل‏,‏ ولاجناح علي من وليها ان يأكل منها بالمعروف‏,‏ أو يطعم صديقا غير منمول فيه رواه البخاري ومسلم‏.‏
ولقد سارع الصحابة الي الوقف كما صنع خالد ابن الوليد حيث أوقف أدراعه واعتاده في سبيل الله‏,‏ والاعتاد‏:‏ هي يعده الرجل من المركوب والسلاح وآلة الجهاد‏.‏
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم عمر علي الصدقة‏,‏ فسبل‏:‏ منع ابن جميل‏,‏ وخالد بن الوليد‏,‏ والعباس عم رسول الله صلي الله عليه وسلم‏,‏ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ ما ينقم ابن جميل الا انه كان فقيرا فأغناه الله‏,‏ وأما خالد فإنهكم تظلمون خالدا‏,‏ قد احتبس ادرعه واعتاده في سبيل الله‏,‏ وأما العباسي فهي علي ومثلها معها رواه البخاري ومسلم‏.‏
قال النوري رحمه الله‏:‏ وفيه دليل علي صحة وقف المنقول وبه قالت الأمة بأسرها إلا أبا حنيفة وبعض الكوفيين‏.‏
ومما يدل علي وقف المنقول والحيوان كالفرس والجمل ونحو ذلك ما روي عن أم معقل جاءت الي النبي صلي الله عليه وسلم وفقالت‏:‏
يارسول الله‏:‏ إن ابا معقل جعل ناضحة ـ ناقة ـ في سبيل الله واني أريد الحج أفأركبه؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ اركبيه فإن الحج والعمرة في سبيل الله‏.‏
وللوقف دوره في نهضة الأمة‏,‏ حيث يعمل علي تنمية مشروعات الخير التي تدعم رسالة العلم والتعليم وتصون الفقراء والمحتاجين‏,‏ وترعي المرضي والمعاقين وتنشيء مؤسسات الخير وصنائع المعروف‏,‏ وتواجه مشكلات الجهل والفقر والمرض‏,‏ ومن أجل ذلك فإننا نناشد أهل الخير ورجال الأعمال ألا يهملوا مشروعات الوقف فحسبهم ان الذي يقفونه هو صدقه يجري ثوابها لهم الي يوم القيامة‏.‏
‏*‏ عضو مجمع البحوث الإسلامية
 

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 157 مشاهدة
نشرت فى 7 أغسطس 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,831