كيف عبر الفن التشكيلي عن ثورة يوليو؟
نجوى العشرى
شهدت حركة الفن التشكيلي في الستينيات فترة ازدهار حتي قال عنها النقاد مرحلة العصر الذهبي للفن التشكيلي والمقصود بالستينيات طبقا هو عصر ثورة يوليو
حتي انطلقت فيها كل الفنون والاداب ووجدت الرعاية الكاملة من الدولة آي من ثورة يوليو وظهر ذلك واضحا في ابداع الفنان التشكيلي بوجه خاص حيث أنه قبل ذلك لم يكن يجد هذه الرعاية والعناية.
وبمناسبة الإحتفال بأعياد ثورة يوليو أعدت مجلة' بورتريه' ملفا خاصا عن ثورة يوليو بعنوان' الكفاح والإبداع' تضمنت مقالة للناقد محمد كمال بعنوان' بعد أن إنتزع ناصر القناة من القراصنة ليبني السد العالي: ثورة في بيت أبي.. وكبرياء في قلب الصورة' تناول فيها ذكريات طفولته ونشأته رابطا الأحداث الكبري التي مرت بها مصر ومن أهمها قرار تأميم قناة السويس لبناء السد العالي. وهو يري أن علاقة الفن بالجماهير بدأت مع ثورة1919, عندما إكتتب الشعب المصري كله في تمثال نهضة مصر للمثال العظيم محمود مختار ليزاح عنه الستار رسميا في20 مايو1928, وكان هذا الدفء الجماهيري هو ما أكسب أعمال مختار رباطا عتيدا بالروح الجمعية جعلها تستمد منها سمات الهوية وحماة المجابهة مثل: حارس الحقول, وعلي ضفاف النيل, وكاتمة الأسرار, ورياح الخماسين وغيرها. ونلمح نفس الحس الملحمي عند محمد ناجي الذي بدأه1919 بعنوان' نهضة مصر' أيضا وهو العمل الذي جمع فيه رموز الأمة مثل إين رشد ولطفي السيد ومصطفي عبدالرازق وهدي شعراوي ومحمود سعيد وغيرهم.
ويعتقد أن جماعتي' الفن المعاصر' و'الفن الحديث' قد شكلتا صرح الوعي الفني الملتحم بقيمة الوطن, لذا فليس مدهشا أن يمتد نشاطهما الإبداعي القومي بعد ثورة يوليو, وبدأ الحلم الوطني الكبير قد جذب معظم الفنانين للألتفاف حوله, وبدأت الحركة التشكيلية المصرية تسير في سباق جمعي لتظهر مفردات في العمل الفني لم تكن حاضرة بهذه النظامية والولاء المتدفق. فرأينا في لوحات عويس ضروبا من فئات الشعب العامل مثل الفلاح والصياد والحلاق والخياطة والجندي والزعيم. وذلك في لوحات' وردية الليل' و'الصياد والسمك' و'الجبهة الشعبية' والزعيم وتأميم القناة' و'القيلولة' ونلحظ ذلك الوعي القومي في عملي الجزار' الميثاق' و'السد العالي'. كذلك ظهرت النزعة التعبيرية الرمزية عند السجيني موشية بقيم الكفاح والصمود, وتجلت الواقعية الإجتماعية عند جاذبية سري وتحية حليم ومحمد مصطفي وإنجي أفلاطون والغول أحمد. كما كان تأميم قناة السويس محرضا لكثير من التيارات الفنية واقعية محمد صبري وبيكار وأبو العينين وملحمية عزالدين نجيب وتجربية مصطفي عبدالمعطي وسعيد العدوي ومحمود عبدالله وأعضاء جماعة التجريبيين, والتجريدية الشعبية لسعد الخادم وعفت ناجي وحروفيات عمر النجدي ويوسف سيدة وشعبيات كمال بكنور وسيد عبدالرسول وصالح رضا وعلي دسوقي وسعد كامل, وإستلهامات الطبيعة في مائيات شفيق رزق وبخيت فراج وزيتيات كامل مصطفي وزهور ووجوه صبري راغب. ورغم فجيعة يونيو1967 إلا أن الروح المصرية سرعان ما إستعادت عزمها بعد معركة' رأس العش' وضرب المدمرة' إيلات' ليظهر مركز الفن والحياة بتأسيس وإدارة الفنان حامد سعيد الذي تبني الدعوة لوصل الفن بالحياة من أجل ترقية الحس الشعبي, وعلي أثر هذا ظهر فنانون يعرفون معني الملحمة الوطنية مثل أحمد نوار وعصمت داوستاشي وفتحي أحمد وفرغلي عبدالحفيظ وعبدالرحمن النشار وزينب السجيني ومحمد رزق وغيرهم ممن عاشوا فرحة إنتصار أكتوبر1973 مثل السيد عبده سليم ومحمد العلاوي وصلاح عناني وسيف الإسلام صقر ومحمد عبلة ومصطفي مشعل ورضا عبد السلام وغيرهم.
أما الناقد طارق سمير فيكتب بعنوان' فن الجزار ثورة شعب' فيقول إن المتتبع للمراحل الفنية لعبدالهادي الجزار يكتشف أن أعماله تمثل وثيقة رأسية راصدة للزمن والحراك الإجتماعي للمجتمع المصري عبر رؤية فنان لملامح عصره. فثورة يوليو حركت الراكد وأثارت الساكن, فتحولت فيه رسومات الجزار من تصوير مسوخ تنتظر أقدارها الي عظماء يصنعون قدر الشعب, زمن يبني فيه عمال مصر هرما جديدا كل يوم كما يظهر في لوحة' إعادة بناء بورسعيد', وبعد زيارته للسد العالي يرسم مجموعة لوحات عن السد العالي وعمليات البناء نفسها. ولعل ملامح التجريد في بناء الجسد عبر الأسطح هي من الملامح التي تؤكد أن الجزار هو فنان مختلف من مرحلة الي أخري تبشر بالتجريد في أعمال الجزار. إن إنجاز الجزار الي التعبير عن النهضة الإصلاحية التي واكبت الثورة بمبادئها المعلنة. فجاءت لوحة' لوحة الميثاق', فالجزار لم يكن بمعزل عن الشعب في حركة الطموح من السد العالي الي مشروع بناء المفاعل النووي المصري في أنشاص. فشخوص الجزار وملابسها, موضوعاته وأحلامه, هي أحلام مصر ورؤية الجزار للواقع لاتري السلبي فقط ولاتري الجميل فقط. إنما هي مزيج بين هذا وذاك.
ساحة النقاش