نصف مباني مصر في خطـر
تحقيق:وجيه الصقار
تزايدت في الفترة الأخيرة, حالات انهيار المباني في مصر آخرها أمس في البحيرة, ونتيجة لعوامل كثيرة أولها الافتقار إلي أعمال الصيانة.
ففي مصر نحو12 مليون مبني سكني وإداري يعاني منها50% عدم الرعاية فنيا نتيجة الافتقار لأعمال الصيانة, كما أن هناك أكثر من200 ألف مخالفة لعدم تنفيذ قرارات التنكيس لتلك المباني, والتي أصبحت آيلة للسقوط, وظهر ذلك من قبل في زلزال1992, ولضعف شريحة كبيرة من الثروة العقارية فإنها وبسببها تساقط أو تهدم627 مبني فضلا عن الشروخ والتصدعات لعشرات الآلاف من المباني مازال الكثير منها يتعرض للانهيار, في حين يقوم المقاولون بتنفيذ البناء وتغيير معالمه دون الرجوع للمهندس.
يري المهندس الاستشاري أحمد حلمي, أن هناك عوامل كثيرة ساهمت في تهديد المباني المصرية ففي فترة الثمانينيات ظهرت عمليات التلاعب في تراخيص البناء, وانتشرت فئات من ضعاف النفوس في الادارات المحلية, ونتج عنها مبان مخالفة للاشتراطات الفنية والتنظيمية, مع تجاوز حدود الارتفاعات المقررة لها, دون اعتماد علي هيكل إنشائي سليم, يتحمل تلك الأحمال الكبيرة لتلك الارتفاعات, كما تمت عملية تعليات لمبان قائمة غير معدة علي مستوي التأسيس والهيكل لأعمال التعلية فوقها مثلما حدث في برج ميدان هليوبوليس ذي الأربعة عشر طابقا والذي تم إضافة8 أدوار إليه مع أنه حاصل علي ترخيص بستة أدوار فقط مما نتج عنه الانهيار الكلي وخلف وراءه أكبر من70 ضحية.
وأضاف أنه من الأسباب الأساسية لتصدع المباني هو سوء حالة التربة التي يقام عليها المبني فالتأسيس علي تربة طفلية يشكل أخطر ظروف التأسيس لأن هذه التربة لديها القدرة علي التمدد والانكماش متأثرة بالرطوبة المعرضة لها, وهي تربة متحركة في نفس الوقت, وفي حالة التأسيس عليها يحدث الهبوط والشروخ والتصدع للهيكل الإنشائي, لذلك فإن هناك ضرورة لعملية إحلال للتربة بحفر الموقع لعمق يحدده تقرير التربة الفني, ثم يبدأ الردم برمال متدرجة مع الدمك علي طبقات متقاربة والرش بالماء الغزير لاتمام الدمك.
ثم تختبر التربة قبل البناء. وقد ينشأ عن سوء عملية الدمك تصدعات وهبوط في الأساسات, كما أن هناك أيضا مشكلة التأسيس علي أنقاض ومناطق ردم أو أراض تم حفرها منذ فترة ولم يتم البناء عليها حينها, وهنا لا يصح التأسيس عليها لأن التربة المزالة تسببت في تمدد التربة أسفلها فقلت كثافتها مما يستوجب إزالة هذه التربة أيضا وعمل إحلال لها بموجب التقارير الفنية من مهندسي التربة.
الخلطة الخرسانية
وأضاف المهندس الاستشاري أن من أسباب انهيارات المباني أيضا يكون في تكوين الخلطة الخرسانية والتقصير في خلطها, فالخلطة لابد أن تتكون من نسب محددة من الأسمنت والرمل والمواد المالئة كالسن أو الزلط إضافة للماء وأي خطأ في تكوين هذه النسب أو في خلطها يقلل القدرة الخرسانية في تحمل إجهادات الأحمال فوقها, وتعتبر من الحالات الخطيرة التي تتعرض للانهيار, وفي السياق نفسه فإن عدم دقة التصميم الإنشائي ذاته وعدم الالتزام بالمعايير التصميمية أو الكود الإنشائي, وعمل حسابات خاطئة للأحمال, فتكون الخطورة حتمية, وكلما زادت درجة الخطأ كان الانهيار قريبا وسريعا وحتميا بعد تشغيل المباني أو تعرضه لأي هزة أرضية أو حتي بعد تحميله بالأساسيات مثل الأثاث والمنقولات وأشغال العاملين أو السكان.
ويضيف المهندس الاستشاري جمال حافظ متولي, أنه من الأهمية أيضا الاهتمام بمواصفات المواد الإنشائية المكونة للمبني وهيكله الإنشائي لخطورتها علي سلامة البناء, فقد رأينا في الثمانينيات من القرن الماضي, كيف أن بعض فاسدي الذمم استورد كميات من الأسمنت من رومانيا غير مطابقة للمواصفات وتحتوي علي نسبة كبيرة من تراب المناجم في الوقت الذي كانت توجد فيه كميات كافية من الأسمنت المحلي في السوق المصرية, وكان هذا الأسمنت المستورد هو السبب الرئيسي في انهيار الكثير من المباني التي تعرضت للزلزال لاحقا, ومنها عمارة هليوبوليس الشهيرة.
كما أن هناك شريحة لا يستهان بها من المباني تتعرض لخطورة حقيقية نتيجة الاستخدام الخاطيء, وعلي رأسها المباني السكنية التي تحولت إلي مبان إدارية, نظرا لتزايد النشاط الاقتصادي منذ الثمانينيات واحتياج المستخدمين لمسطحات إدارية للأنشطة المختلفة كانت غير متوفرة في السوق العقارية, فظهرت عمليات تحويل جانب كبير من هذه المباني السكنية إلي الاستخدام الاداري وبدون ترخيص يسمح بذلك النشاط, ذلك لأن النشاط الاداري له متطلبات عديدة تختلف عن متطلبات النشاط السكني, علي المستوي الفني والهندسي كمنشأة وإنشاء, أما علي مستوي المتطلبات والاستخدام في حد ذاته فتصميم الهيكل الإنشائي من أساسات وأعمدة وبلاطات مسلحة يختلف في حالتي السكني والاداري, فالأحمال التي تصمم عليها المباني الإدارية أكبر بالقطع من الأحمال في السكني, فالحمل الميت في المبني الاداري ويشكل أوزان العناصر الإنشائية ذاتها, يكون أكبر من نظيره في المبني السكني, وكذلك ما يسمي بالحمل الحي, وهو يمثل أوزان المنقولات وعدد المستخدمين ذاتهم وأية أحمال متغيرة أخري يتعرض لها المبني.
الأحمال
وأشار إلي أن إخضاع المبني السكني لأحمال تصميمه أكبر بكثير من الأحمال المصممة عليها, يعرضه لأخطار لاسيما عند تعرضه لقوي ديناميكية متحركة كالحركة الأرضية في الزلازل وغيرها, لذلك نلاحظ كثيرا من مظاهر سوء الاستخدام لتلك المسطحات عندما تتحول فراغات بعض المباني الادارية إلي مخازن تخدم ذات النشاط الاداري فنجد الأسقف الخرسانية يتم تحميلها بأضعاف قدرتها علي الأحمال فوقها ببضائع ذات أوزان كبيرة مما يعرضها لخطر الانهيار المفاجيء تحت ضغوط هذه الأوزان, وهذه المشكلة منتشرة في حالات كثيرة.
ويؤكد المهندس الاستشاري أحمد حلمي, أن هناك اختلافا بين الانهيار الكلي والجزئي للمبني ذلك لأن الأخير يمكن إخضاعه للعلاج الفني الهندسي حسب حالته فيمكن الاصلاح والترميم في معظم الحالات ويتحكم في ذلك تكلفة الاصلاح والترميم وجدواه الاقتصادية فقد يكون الأوفر هو هدم المبني كلية وإعادة بنائه, فإذا كانت المعالجة جزئية يتم إعادة بنائها مع ربطه بهيكل المبني, في مقابل المباني التي تخضع لاشراف هندسي كامل وسليم فلا يمكن أن تنهار كليا أو جزئيا حتي مع حدوث الزلازل, ومع استمرار الصيانة المقررة فنيا فاذا كان المبني خرسانيا فيعتمد عمره علي جودة الخرسانة وقوة تحملها, وحماية الحديد من الرطوبة والمياه ولا يكون كل ذلك إلا برقابة كاملة قبل الإنشاء وإقرار من مهندس استشاري مشرف علي أعمال البناء, والحقيقة أنه لا يوجد اشراف فني فعلي, وتترك عمليات البناء للمقاول نفسه, كما تترك عمليات التعديل المعماري والإنشائي لمقاولين غير مؤهلين ودون إشراف هندسي مما يحدث عنه انهيارات كارثية كما حدث في عمارة شبرا عندما أزال المقاول حائطا إنشائيا حاملا بغرض توسيع الفراغ المعماري, فانهار الهيكل الإنشائي للبناء نتيجة الجهل, وعدم استشارة مهندس إنشائي متخصص في مثل تلك الأحوال, فالحقيقة أن أي تعديل يجب أن تكون له رخصة لهذا التعديل المعماري والموافقة الفنية من الادارات الهندسية للتراخيص وتختلف الطبع ـ والكلام للمهندس.
اشتراطات تصميم المبني السكني وكود إنشائه عن المبني الاداري فالأحمال تختلف بين الاستخدامين فالأحمال الحية في المبني الاداري تمثل أضعاف قيمتها في المبني السكني, فضلا عن استخدام الاداري وانشطته للفراغات المصممة للسكني كمخازن لبضائع يفوق وزنها ماهو مصمم للبلاطة الخرسانية, محل التحميل مما يعرضها للانهيار بالكامل, إلا أنه يمكن القول إن المبني الذي حدثت فيه تغييرات في التنفيذ أو التعديل لايكون منا مثل حالة شبرا, عكس الذي التزم بناؤه بالتصميم المعد والذي يكون آمنا وبعد عمل جسات فعلية لعمق20 مترا تحت مستوي الأرض وفق الارتفاع الذي سيكون عليه, ولكن أكبر مشكلاتها عدم وجود تقرير فني حقيقي لأبحاث التربة, مما يعد مع درجة من حالات النصب والاحتيال مما يعرض المبني للهبوط أو الميل أو الانهيار.
ساحة النقاش