دعامة جديدة تذوب في الشرايين
تحقيق:رياض توفيق
سباق محموم بين معاقل البحوث الطبية لانتهاء متاعب القلب البشري دعامة جديدة تذوب في الشرايين بعد تركيبها وتختفي تماما ويبقي الشريان مفتوحا.
و دعامات من معادن جديدة تظهر فوق شاشة القسطرة حتي يتابعها الطبيب لوضعها في المكان الضيق تماما.. دعامات حديثة تحمل أدوية تمنع عودة الضيق وتمنع حدوث تجلط.. وبالونات جديدة تحمل عقاقير وأدوية وتتسلل عبرالشرايين إلي مواقع الضيق فتفتحها دون حاجة إلي وضع دعامات.. وقساطر أسطورية تندفع خلال الشرايين لتصل إلي صمامات القلب فتستبدلها بصمامات سليمة بدلا من جراحات فتح الصدر التي كانت العلاج الوحيد لاستبدال الصمامات.
هذه ليست أحلام الساعين إلي الشفاء من متاعب القلب وأمراضه, ولكنها حقائق مذهلة خرجت إلي الوجود وطرحت في أكبر مؤتمر للقلب في فرنسا منذ أيام.
لقد كان ضيق شرايين الجسم والقلب والرقبة والكلي وأيضا الأطراف, من الأمراض المدمرة للإنسان بكل آلامها وأزماتها.. وحتي عام1985 كان العلاج عن طريق الجراحة هو الحل الوحيد لإصلاح ضيق الشرايين, حتي تم اختراع البالونة والتي يمكن من خلالها توسيع الشريان من داخل جداره, ولكن كان يعيبها ـ كما يشرح د. عادل الاتربي استاذ القلب بعين شمس ـ عودة الضيق في أكثر من40% من المرضي.. ومن هنا أخرجت معامل البحوث الطبية الدعامة, وهي جسم معدني يتم تركيبه علي البالونة ويمكن من خلالها تثبيت الدعامة داخل الشريان الضيق, مما يقلل من نسبة عودة الضيق إلي20% فقط.. ولكن الأبحاث الطبية لم تتوقف عند هذه النسبة.. فقد اتجهت الأبحاث إلي إنتاج نوعيات جديدة من الدعامات يتم تغليفها ببعض الأدوية والتي تقلل من نسبة عودة الضيق وأطلق عليها اسم الدعامات الدوائية.
ورغم ذلك, فإن الأبحاث لم تتوقف, فقد ظهرت تحذيرات من استخدام هذه الدعامات نظرا لحدوث بعض المضاعفات والجلطات داخل هذه الدعامات ـ كما يضيف د. عادل الاتربي ـ مما يسبب ذعرا في الأوساط الطبية.. رغم ما عرف من أسباب هذه الجلطات عندما يوقف المريض استخدام أدوية السيولة والتي يجب أن يستمر في تناولها لمدة عام كامل بعد تركيب هذه الدعامات الدوائية.. كما أن هذه الدعامات أدي وجودها داخل الشرايين إلي عدم إمكانية اجراء جراحات لنفس الشريان.
لذلك اتجهت الأبحاث لإنتاج نوعية جديدة من الدعامات يطلق عليها الجيل الثالث من الدعامات الدوائية تم فيها تطوير المادة المستخدمة للدعامة إلي مادة البوليسكريت بدلا من الكوبلت وتتميز هذه المادة بقدرتها علي التكييف مع الانحناءات الحادة للشرايين, وكذلك تتميز بأنها تذوب تلقائيا وتماما داخل الشرايين في خلال3 أشهر من تركيبها, مما يمنح المريض فرصة توسيع الشريان وتركيب دعامة دوائية أخري في نفس الشريان, ومنع عودة الضيق.. وفي الوقت نفسه تسمح للمريض بإجراء أي جراحات في المستقبل, وكذلك تقلل من احتياج المريض لاستخدام أدوية السيولة لمدة طويلة, مما يقلل من احتمالية حدوث مضاعفات كنزيف المخ والمعدة, وكذلك إمكانية عمل إشاعات الرنين المغناطيسي دون أي مشاكل.
ولقد تم بالفعل إنتاج هذا الجيل الثالث من الدعامات التي تذوب تلقائيا وتم تجربتها ليس فقط في المعامل, ولكن داخل شرايين المرضي بنجاح تام, وتم عرض هذه النتائج بمؤتمر الجمعية الأمريكية لأمراض القلب.
الضيق لن يعود
ومازالت الآمال تحبط بإنتاج أنواع أخري ساحرة من الدعامات تكاد تجمع من الإمكانات ما يتيح لها إنهاء كل متاعب القلب البشري.. وأخرجت معاقل البحث الطبي ـ كما يشرح د. سمير صالح وفا, أستاذ القلب بعين شمس, دعامة أخري تمحو كل عيوب الدعامة الحالية.. إذ إن الدعامة القديمة تتعرض لخطر عودة الضيق بنسبة تتراوح بين40 إلي50% حتي الدعامة الدوائية أو الذكية التي يتغنون بها الآن, فإنها تحمل خطر عودة الضيق إلي10%, كما أنها لا تظهر علي شاشة جهاز القسطرة عند وضعها داخل الشرايين, مما يصيب الطبيب بالحيرة فيما إذا كانت وقعت في مكان الضيق تماما أم بعيدا عنه.
ولتجنب كل هذه العيوب, ظهرت دعامة ثالثة يسمونها الدعامة الحديثة, مصنوعة من البلاتين مع الكوبلت, من مميزاتها أنها تمكن الطبيب من رؤية الدعامة في أثناء عمل القسطرة, وتظهر أثناء تركيبها بصورة واضحة, مما تساعد في وضعها في مكان الضيق بصورة دقيقة جدا, بجانب سهولة دخولها أثناء التركيب, كما أنها تحمل أنواعا جديدة من الأدوية تمنع عودة الضيق مرة أخري بنسب أقل من5%, كما أن نسبة التجلط داخل الدعامة أقل.
ودعا المؤتمر إلي استخدام الدعامات كبديل للجراحة في مرضي ضيق الشريان التاجي الرئيسي الدي كان يتحتم إجراء جراحة له.
عودة البالونة
ولم تقف الآمال عند بوابة الدعامات فقط, فإن استخدام البالونة سوف يعود بقوة دون حاجة للدعامات ـ كما يضيف د. سمير وفا ـ فقد طرح في المؤتمر العالمي الفرنسي نوع جديد من البالونات مغطاة بعقاقير دوائية تمنع تكاثر الخلايا في المناطق المبطنة بجوار الشريان التاجي, وعندما تدخل البالونة إلي موقع الضيق داخل شريان القلب ويتم نفخها لتوسيع الشريان, فإن الأدوية التي تحملها البالونة تتسرب إلي خلايا الشريان وتمنع حدوث ضيق مرة أخري.. وهذه الصيحة الخطيرة في تطوير البالونة سوف يؤدي إلي العودة إلي استخدامها بشكل كثيف, حيث إنها سوف تغني تماما عن استخدام الدعامات, كما أنها ـ كما طرح في المؤتمر ـ سوف تستخدم في الشرايين الصغيرة التي يقل اتساعها عن2,5 مللي أو الضيق داخل شريان متفرع أو الضيق داخل الدعامة.
القسطرة الأسطورية
وإذا كانت الدعامات تحتل الآن اهتمامات عالم الطب بعد هذا التطور المذهل, فإن القسطرة الطبية أصبحت أسطورية بعد أن حققت نجاحات في التشخيص, وكذلك في حمل البالونات والدعامات بمختلف أنواعها داخل شرايين الجسم للقضاء علي الضيق والجلطات التي تعوق سير الدم.
ولكن القسطرة لم تقف عند هذا الحد من العمل, وإنما حققت معجزات تتحدث عنها مؤتمرات القلب والشرايين العالمية في إنقاذ صمامات القلب التي كانت تتعرض لجراحات قد تعرض حياة الإنسان للخطر.
ولقد تم عمل أكثر من خمسة آلاف حالة لتركيب صمام الأورطي عن طريق القسطرة التداخلية بدون جراحة ـ كما يشرح د. محمد صبحي أستاذ القلب بطب الإسكندرية ـ ويتم استخدام هذه الصمامات في مرضي ضيق الصمام الأورطي المتكلس الذي يستحيل فيه الجراحة من حيث خطورة سن المريض وحالة عضلة القلب والرئتين.. ويتم توسيع الصمام الأصلي أولا ثم بوضع الصمام باستخدام جهاز سرعة النبضات وقد حقق هذا الأسلوب نجاحا بنسبة98%.. وأيضا يتم الآن استخدام القسطرة في تركيب الصمام المترالي, وذلك في حالة ارتجاع الصمام نتيحة تضخم عضلة القلب.
والجديد أيضا ـ كما يضيف د. صبحي ـ استخدام قسطرة جديدة لقياس الضغوط داخل الشرايين التي بها ضيق لمعرفة ما إذا كان المريض يحتاج إلي تركيب دعامة أم لا, وقد تم تركيب واستخدام هذه القسطرة في معظم المراكز المتخصصة في العالم.
ومن الجديد أيضا ـ كما يضيف د. أحمد خشبة أستاذ القلب بعين شمس ـ استعمال تقنيات جديدة في أثناء اجراء القسطرة التقليدية مثل تصوير الشرايين التاجية من الداخل بالموجات فوق الصوتية عند تركيب الدعامة, خاصة الدوائية منها, بتأكيد وضع الدعامة المناسبة بالمقاس السليم بالضغط المناسب.. إذ تتيح لنا هذه التقنية أن نري الشريان التاجي من الداخل بصورة دقيقة توفر دقة وضع الدعامات والحد من آثارها الجانبية.
وكذلك توفر هذه التقنية تحليل مكونات الإصابات داخل الشريان التاجي للتفرقة بين الإصابات المتكلسة والالتهاب الذي قد يسبب الأزمات القلبية الوشيكة.
ساحة النقاش