المعجزة.. دروس وعبر
بقلم:المستشار: مصطفي فرغلي الشقيري
سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير[ الإسراء:1] إن هذه الرحلة المباركة التي أعدها الله لنبيه ومصطفاه محمد صلي الله عليه وسلم تسرية وسلوي.
فلقد أحدقت به الأزمات وأحاطت به المحن إحاطة السوار بالمعصم, من ظلم العشيرة وجفوة الأقارب واضطهاد الدعوة الوليد والكيد لها بكل وسائل الشر التي عرفها البشر.
وموت الناصر والمعين فلقد ماتت زوجته السيدة خديجة أم المؤمنين التي كانت فيضا من الحنان وبلسما شافيا لجراحه فكانت تحنو عليه وتهدئ من روعة وتشيع في قلبه الطمأنينة وكانت معوانا علي متاعب الرسالة وأعبائها منذ بدأ الوحي, فكانت خديجة في سويداء قلب محمد صلي الله عليه وسلم وكان هذا الحب رافدا من روافد القوة والصبر واحتمال الأذي من أهل مكة كانت الظلال التي يفيء إليها من هجير الظلم والقسوة التي قوبل بها من قومه وعشيرته.
وقبل ذلك مات عمه الذي كان ردءا له وناصرا ومعينا, كان أبو طالب مهابا في قومه فكان يقف بجوار ابن أخيه يدافع من العصبية لا ايمانا بالدعوة والرسالة, وبين عشية أو ضحاها يفقده الرسول صلي الله عليه وسلم.
لكن اليأس لم يتسرب إلي نفسه المطمئنة فأخذ يغذ السير إلي الطائف عله يجد من أهلها النصير والمعين فوجد من أهل الطائف صدودا وسخرية واستهزاء به وبدعوته, وفي غمرة الأسي والحزن أوي إلي ربه قائلا اللهم إني أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني علي الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلي من تكلني إلي بعيد يتجهمني أم إلي عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك, لك العتبي حتي ترضي ولاحول ولاقوة إلا بالله
وكانت هذه الضراعة والشكاية( برقية) من الحبيب إلي حبيبه ومولاه, وكان الجواب سريعا فكانت المواساة رحلة قدسية ربانية هي رحلة الأسراء والمعراج, والحديث عن الإسراء والمعراج لايكون بسرد الأحداث والآيات التي شاهدها رسول الله صلي الله عليه وسلم فهي معلومة للجميع إنما الأجدي أن نستخلص الدروس والعبر من هذه الرحلة المباركة.
1 ـ أن المحسنة تعقبها منحة وأن الفرج يأتي من رحم الضيق والشدة.
2 ـ تثبيتا لصاحب الرسالة والدعوة في أطوارها الأولي( طور المحنة) ولا تثريب علي كاتب هذه السطور أن يقول إن الإسراء والمعراج كان بمثابة رحلة ترفيهية لمحمد صلي الله عليه وسلم وهو في مسيرة الدعوة أزالت عن جبينه غبار الأحزان التي ألمت به بوفاة عمه أبي طالب وزوجته البارة السيدة خديجة وأحداث الطائف المؤلمة حيث شاهد موكب الأنبياء الكرام وكان يرافقه أمين الوحي جبريل ويعرف الأنبياء بمحمد صلي الله عليه وسلم.
3 ـ كانت الرحلة بمثابة تكريم إلهي لصاحب الرسالة الخاتمة محمد صلي الله عليه وسلم حيث رأي من آيات ربه الكبري.
4 ـ جمع الله الأنبياء في المسجد الأقصي وقام خاتمهم محمد صلي الله عليه وسلم بإمامتهم في الصلاة إن هذا الموكب النبوي الكريم الممتد عبر آفاق الأزمنة الغابرة والأمكنة المتعددة والأجناس المختلفة بايع محمدا صلي الله عليه وسلم إماما عليهم, بل علي البشرية كلها لأن كل نبي يمثل قومه وأمته وكأني بهم يبايعون أمته في شخصه صلي الله عليه وسلم علي إمامة البشرية وقيادتها لأن الرسالة الاسلامية هي جماع كل الرسالات السابقة.
إن انعقاد البيعة والإمامة لمحمد صلي الله عليه وسلم ولأمته في المسجد الأقصي المبارك أكسبه قداسة عند المسلمين, وهو ميراث النبوات السابقة الذي آل إلي خاتمهم محمد صلي الله عليه وسلم فكان قبلة المسلمين الأولي في الوقت الذي كانت رحلة الاسراء إليه كان المسجد الأقصي تحت سيطرة الرومان إلا أنه كان في شعور المسلمين الأوائل فهو مسري نبيهم وعاصمة النبوات.
وظل يرزح تحت بطش الرومان حتي قام عمر بن الخطاب بفتح بيت المقدس وتحرير المسجد الأقصي, وما حوله وعادت عاصمة الإسراء والمعراج, ولكن الحقد الصليبي المتأصل في نفوس الأوروبيين جعلهم يغتصبون بيت المقدس في هجمة شرسة وظل المسجد الأقصي تحت سيطرتهم مائة عام حتي قام البطل المسلم صلاح الدين بتحريره, فأصبح في حوزة المسلمين حتي الحملة الصليبية الأخيرة التي كانت الصهيونية في طليعتها فأحكمت سيطرتها علي فلسطين ومقدسات المسلمين بما فيها المسجد الأقصي المبارك الأمر الذي يتعين معه علي المسلمين أن يهبوا جميعا لاسترداد بيت المقدس والمسجد الأقصي مسري نبيهم وعاصمة النبوات وإلا كانوا آثمين؟
ساحة النقاش