التعليم العالي المصري بعيون دولية
بقلم : معتز خورشيد


بدعوة من الحكومة المصرية أعد فريق بحثي من خبراء البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية دراسة مستقلة ــ صدرت في النصف الأول من عام‏2010‏ ــ لتقييم نظام التعليم العالمي المصري واسداء المشورة بشأن تطويره في المستقبل‏,

 

‏ وقد تصدي التقرير بدرجة عالية من الشفافية والوضوح للقضايا التي تعاني منها منظومة التعليم العالي المصرية واختلالاتها الوظيفية المتراكمة‏,‏ ومن ثم متطلبات إصلاحها وتحديثها‏.‏
إذ يؤكد التقرير ــ في ملخصه التنفيذي ــ أن نظام التعليم العالي المصري لايخدم الاحتياجات الراهنة‏,‏ وإن لم يحدث اصلاح واسع النطاق فسوف يحول دون تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي في مصر‏.‏ ويضيف التقرير أن النهج الاصلاحي الجاري اتباعه يركز بصفة رئيسية علي التغيرات الاجرائية‏,‏ ومن ثم فإنه يتعين إيلاء المزيد من العناية للاصلاحات الهيكلية وتغيير الثقافة المؤسسية وزيادة قدرة النظام علي المساهمة في تحقيق الأهداف الانمائية علي المستوي القومي‏.‏
ويفرق التقرير ــ بشكل عام ــ بين الضغوط التي تنشأ من مناخ التعليم العالي الجديد بالألفية الثالثة‏,‏ والاختلالات الوظيفية المتراكمة التي يتعين التصدي لها من قبل متخذ القرار التعليمي المصري‏,‏ ومن ثم يقترح حزمة السياسات والاجراءات المطلوبة لتحديث منظومة التعليم العالي المصرية وتصحيح مسارها‏.‏ إذ تشهد منظومة التعليم العالي ضغوطا تنشأ من حاجة مصر إلي مواكبة التطورات الحديثة في الألفية الثالثة من خلال ما يلي‏:‏
‏*‏ تحسين قدراتها التنافسية للتفاعل مع النقلة النوعية في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار البحثي من خلال تكثيف استثماراتها في تنمية رأس المال البشري والمعرفي‏.‏
‏*‏ مواجهة الطلب المتزايد علي التعليم العالي من خلال زيادة عرض الخدمات التعليمية وتنويعها للطلاب وفق متطلبات سوق العمل‏.‏
‏*‏ الحد من التفاوتات الاجتماعية الناجمة عن تباين فرص العمل‏.‏
ويتطلب التوجه الأول ضرورة صياغة مشروع قومي تنموي للانتقال إلي مجتمعات الحداثة والاقتصاد المعرفي في ظل خطة استراتيجية حاكمة للمسار المستقبلي لمصر‏.,‏ وهو مشروع يحتاج بالأساس إلي تعبئة الجهود الوطنية ويتطلب قناعة كافة شرائح المجتمع المصري بحتميته‏.‏
أما التوجه الثاني فيتطلب اعادة هيكلة منظومة التعليم العالي لمواجهة الزيادة المتوقعة في الطلب علي خدماتها كنتيجة للزيادة السكانية وتعاظم أهمية التعليم في الألفية الثالثة من ناحية‏,‏ وأخذا في الاعتبار بالتوجه العالمي لديمقراطية التعليم العالي من حيث عدالة توزيع خدماته واتاحتها لشرائح المجتمع دون استثناء‏,‏ من ناحية أخري‏,‏ ويواكب هذه الزيادة في الطلب علي خدمات التعليم العالي ضرورة أن تتسم منظومته بدرجة عالية من المرونة والتنوع في برامجها الأكاديمية وأنظمتها التعليمية وهياكلها المؤسسية لمقابلة الطبيعية الديناميكية لأسواق العمل بالألفية الثالثة‏.‏
وأخيرا يؤكد التوجه الثالث علي الحد من التفاوتات الاجتماعية الناشئة عن الاختلافات في فرص التعليم‏.‏ وفي اعتقادي أن الحكومة ــ بمسئولياتها المباشرة عن التعليم العام واشرافها علي التعليم ــ لابد وأن تضع السياسات والتوجهات التي تحد من هذا التباين من خلال ضمان اتاحة فرص التعليم العالي لمن لديه القدرة العلمية والكفاءة الأكاديمية بصرف النظر عن قدراته المالية‏.‏
أما الاختلالات في هيكل التعليم العالي ووظائفه المجتمعية‏,‏ فقد حددها التقرير في أربع نقاط تتمثل في الآتي‏:‏
‏1‏ ـ قلة المجالات المتاحة للطلاب وفرص الوصول إليها‏.‏ إذ أن الجامعات الحكومية تتسم بشمولها لمعظم التخصصات العلمية دون النظر إلي التميز النسبي والقدرة التنافسية لكل منها‏.‏ غير أن هذا التعدد يتركز في غالب الأحيان في التحصصات التقليدية التي تراجع الطلب عليها في أسواق العمل بالألفية الثالثة‏,‏ أما الجامعات الخاصة والأهلية ــ التي كان من المفروض أن تتوجه إلي استكمال التخصصات العلمية للجامعات الحكومية وفق احتياجات أسواق العمل ــ قد وقعت في فخ تكرار البرامج الدراسية التي تقدمها الجامعات الحكومية‏.‏
‏2‏ ـ رداءة نوعية المدخلات والعمليات التعليمية‏.‏ إن أي استراتيجية لتعزيز قدرات التعليم العالي لابد وأن تتعثر في ظل تدني المستوي العالمي لخريجي المرحلة الثانوية وسوء تنظيم العملية التعليمية وأساليب ادارتها وتخطيطها المستقبلي‏,‏ ومن ثم فإن تطوير وتحديث أساليب حوكمة الجامعات وتحسين مستويات جودة مدخلاتها يمثل أحد العوامل الحاكمة لتحقيق الأهداف القومية في مجال تنمية الموارد البشرية‏.‏
‏3‏ ــ اختلال التوازن بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل‏.‏ أفادت الدراسات المتعمقة في تحليل قوي العرض والطلب بأسواق العمل‏,‏ أن ارتفاع مستويات البطالة لاينتج بالضرورة من النقص في فرص العمل المتاحة‏.(‏ أي الطلب علي خريجي التعليم العالي‏),‏ بل أيضا لقصور مؤسسات التعليم العالي المصرية في توفير الخريج القادر علي التفاعل مع معطيات مجتمعات المعرفة والمنتافسة مع أقرانه من حيث مستوي مهاراته وقدراته المهنية‏,‏ ومن المؤكد أيضا أن منظومة التعليم العالي المصري تعاني من اختلال من التوازن بين المعروض في خريجي الجامعات ومخرجات التعليم الفني والمهني‏,‏ مما ينتج عنه عدم توفير القدر الكافي من المهارات العلمية المتصلة باحتياجات سوق العمل‏.‏ وواقع الأمر‏,‏ أن هناك حاجة ماسة إلي توافر قواعد معلومات تنتج مؤشرات تحليلية في التوقيت المناسب عن العرض والطلب في سوق العمل‏.‏
‏4‏ ــ عدم كفاية تطوير القدرات البحثية الجامعية وربطها مع نظم البحث والابتكار الوطنية‏.‏ وهي قضية متعددة الأبعاد تبدأ بالحاجة الي التوسع في نشر ثقافة البحث العلمي في الجامعات وقطاعات الانتاج السلعي والخدمي‏,‏ وبضرورة إجراء اصلاحات هيكلية في منظومة البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر‏,‏ وتنتهي بحتمية تطوير القدرات والمهارات البحثية‏.‏ وحيث أن العاملين في مجالات البحث العلمي من الجامعات يمثلون نحو‏73%‏ من جملة قوة العمل البحثية في مصر‏,‏ فعلي منظومة العمل الجامعي أن تتصدي لهذا الاختلال الوظيفي‏.‏
ولمواجهة الضغوط الناشئة عن النظام التعليمي العالمي الجديد بالألفية الثالثة والاختلالات الوظيفية التي يعاني منها هيكل التعليم العالي‏,‏ فثمة ضرورة ــ وفق ما يقترحه التقرير ــ إلي توجيه ما يتخذ من سياسات واجراءات اصلاحية نحو تحقيق ما يلي‏:‏ ـ
ـ الحد من الجمود الهيكلي في نظام التعليم العالي‏.‏
ـ تحسين التوجيه والتنسيق علي المستوي الوطني‏.‏
ـ توسيع نطاق الاختيارات المتاحة للطلاب‏.‏
ـ زيادة قدرة ومرونة سياسات مؤسسات التعليم العالي في ظل نظام أكثر تنوعا‏.‏
ـ تحسين توافر المعلومات لتوجيه الطلاب في اختياراتهم‏.‏
ـ تمويل النظام بأسلوب يتسم بمزيد من العدالة والكفاءة بما يسمح بالاستدامة المالية‏.‏
 

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 131 مشاهدة
نشرت فى 8 يوليو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,797,186