بقلم: د. أحمد يوسف القرعى
تحتفل اليوم الأمة العربية والإسلامية بذكري ليلة الإسراء والمعراج, بينما بيت المقدس لايزال أسيرا منذ وقوع العدوان الإسرائيلي علي الدول العربية واحتلال القدس في8 يونيو1967.
ويواكب احتفالنا بليلة الإسراء والمعراج هذا العام مرحلة من أخطر مراحل تهويد المدينة المقدسة, حيث تشرع اسرائيل حاليا في توسيع الأحياء اليهودية في المدينة علي حساب أراضي الضفة الغربية من ناحية, ومصادرة المزيد من أراضي ومنازل المقدسيين العرب من ناحية أخري لإقامة المزيد من المستوطنات واستيعاب المزيد من الوافدين اليهود, وتصبح القدس الكبري ـ لا قدر الله ـ بذلك مدينة المليون يهودي علي مساحة مائة كيلو متر مربع, بعد ان كانت رسميا7 كم2, وأكثر من هذا خطورة ما يجري علي أرض الحرم القدسي الشريف, ويكفي الاشارة الي بناء كنيس الخراب الذي يؤشر حسب النبوءة المزعومة ـ لاقدر الله ـ إلي قرب هدم المسجد الأقصي لبناء الهيكل الثالث.
وفي مواجهة هذا الواقع الأليم علي أرض القدس تبدو مسئولية الخطاب الديني للإسراء والمعراج في ربط دروس ذكري تلك المعجزة بمكانة القدس منذ ذلك الوقت في الفكر والتاريخ العربي والإسلامي. وايضا ربط الذكري بمسئوليات الأمة تجاه تحرير المدينة المقدسة وتأكيد عروبتها منذ الفتح الإسلامي للمدينة.
وفي العهدة العمرية أعطي الخليفة عمر أمانا لأهل ايلياء... أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم, لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها, ولايضار أحد منهم, ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود.
ومضي عمر بن الخطاب بعد أن دخل القدس يبحث عن موقع الصخرة المشرفة, ولكن صفرونيوس بطريرك القدس قاده أولا الي كنيسة القيامة, فتفقد عمر الكنيسة, وعندما حان موعد الصلاة رفض الخليفة أن يصلي فيها, لئلا يكون في ذلك سابقة لصلاة المسلمين في الكنيسة, وصلي في مكان قريب إزائها.
وعندما بلغ الخليفة الصخرة قام بتنظيفها ثم أمر بإقامة مسجد في ساحة الحرم الشريف, وعين علقمة بن مجزر حاكما علي القدس, وأقام الحسبة في المدينة بعد عشرة أيام, وفي رواية أخري بعد أربعة أيام, كانت فاتحة التاريخ الاسلامي العربي لبيت المقدس.
يعني هذا كله ان القدس هي مدينة الإسراء والمعراج وكانت القبلة الأولي لأكثر من ثلاث عشرة سنة وحتي السنة الثانية من الهجرة(610 ـ629 م) وظلت القدس منذ ذلك الوقت تحتل مكانتها المقدسة في قلوب وعقول الأمة العربية والاسلامية حتي وقعت تحت الاحتلال الصليبي(1099 ـ1187) ونجح صلاح الدين الايوبي في تحريرها ثم وقعت تحت الاحتلال الاسرائيلي منذ عام1967, حيث دخلت القدس دائرة الخطر بمحاولات تهويدها.
ومن هنا فإن ذكري معجزة الإسراء والمعراج ترتبط بالمدينة المقدسة أرضا وفضاء, مادة وروحا, ومن الأهمية ان يتواصل الخطاب الديني مع هذا السياق, فنحن كأمة عربية ـ إسلامية أصحاب قضية مقدسة, وللخطاب الديني مكانته ومسئوليته في تعبئة شعوب الأمة.
أكتب عن هذا بعد أن لاحظت ان الخطاب الديني طوال اسبوع الاحتفال لا يتطرق الي هذا التواصل المقدسي عبر العصور, حيث يتوقف دعاة ومتحدثون وإعلاميون عند معجزة الإسراء والمعراج دون محاولة دمجها في فصول تاريخنا العربي والاسلامي من هنا تبدو أهمية أن تحظي قضية احتلال القدس بنصيب أوفر في خطابنا الديني حتي يكتسب الاحتفال بالذكري معناه الحقيقي, باعتبار معجزة الإسراء والمعراج هي المرجعية الأولي لقدسية القدس العربية الإسلامية, أولي القبلتين وثالث الحرمين, ومن ثم فالخطاب الديني لذكري الإسراء والمعراج يعد في المقام الأول سندا قويا للحق العربي الإسلامي في القدس, هذا الحق الذي تعزز بالمنشأ والتكوين العربي للمدينة منذ خمسة آلاف عام, كما تعزز أيضا بالسيادة العربية الاسلامية علي المدينة المقدسة أطول فترات عصور التاريخ القديم والوسيط والحديث.
ولا شك ان التعريف بأبعاد قضية القدس التاريخية والدينية والحضارية والسياسية والقانونية في كل من الخطاب الديني ـ الإسلامي ـ المسيحي يسهم في تنوير الرأي العام الدولي بمكانة المدينة ووضعها المتميز كمهد للتعايش والتسامح بين مختلف الأديان السماوية, في ظل السيادة العربية, وهذا من شأنه كشف الوجه القبيح للاحتلال الاسرائيلي للمدينة ومخطط تهويدها.
إن معجزة الإسراء والمعراج لاتزال معانيها ودروسها المستفادة ماثلة أمامنا ونحن نحيي ذكري تلك الليلة العظيمة, ويبقي علينا توظيف تلك الدروس إعلاميا ونحن نردد مع قيثارة القدس الفنانة فيروز وهي تشدو كلماتها:
ياليلة الإسراء.. يادرب من مروا إلي السماء.. عيوننا إليك ترحل كل يوم.. وانني أصلي
وأخيرا.. يأتي احتفالنا بذكري الإسراء والمعراج هذا العام مواكبا لخلاف في الرأي بين عدد من رجال الدولة والعلماء والإعلاميين والمثقفين, وتركز الجدل من حيث المبدأ حول زيارة المصري( أو العربي) للقدس بتأشيرة اسرائيلية للتواصل مع المقدسيين العرب في المدينة المفروض عليهم حصارا في أحياء محددة ومغلقة, كما تفرض اسرائيل حظرا بين حين وآخر علي تجارتهم وأعمالهم.. الخ. ويري المؤيدون ويتقدمهم د.محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف ان زيارة القدس تعد دعما للمقدسيين العرب في المدينة ودعما للقضية الفلسطينية بصفة عامة, بينما يري المعارضون ان مثل تلك الزيارات تعد نوعا من التطبيع ودعما لاقتصاد اسرائيل.
والغريب بشأن هذا الخلاف ان يظهر علي السطح أخيرا حيث جري حسم هذا الخلاف بدعوة الزعيم المقدسي الراحل فيصل الحسيني( مسئول ملف القدس) مرارا وتكرارا لزيارة القدس قبل رحيله بسنوات بهدف دعم المقدسيين العرب بالمدينة, وناقشت هذه المسألة مع فيصل الحسيني وهو يحاضرنا قبل رحيله بجريدة الأهرام وفي اتحاد المحامين العرب وفي الدار البيضاء... الخ.
وعلي الرغم من اقتناعي بدعوته إلا انني آثرت عدم الزيارة لاقتناعي الخاص من ناحية وتحسبا لرفض اعطائي تأشيرة دخول القدس من ناحية أخري.
المزيد من مقالات د. أحمد يوسف القرعى<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
ساحة النقاش