تفسير النصوص المقدسة عمل بشري
بقلم‏:‏ د‏.‏ سمير تناغو .. أستاذ بحقوق الإسكندرية


‏1‏ـ نصوص الإنجيل لاتطبق نفسها بنفسها‏,‏ بل يقوم البشر بمحاولة فهمها وتفسيرها وتطبيقها‏,‏ بمجهود عقلي‏,‏ يهدف إلي الوصول إلي المعني الحقيقي لهذه النصوص‏,‏ وهو مجهود يستحق الاحترام والتقدير‏,‏ ولكنه مجهود بشري في آخر الأمر‏.‏

 

‏2‏ـ قول السيد المسيح في انجيل متي من طلق امرأته إلا لعلة الزني يجعلها تزني‏,‏ ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني‏,‏ يحتاج مثل غيره من النصوص إلي محاولة الفهم والتفسير‏.‏
‏3‏ ـ بالرغم من أن النص يبيح الطلاق في ظاهره‏,‏ لسبب الزنا‏,‏ إلا أن المذهب الكاثوليكي‏,‏ لم يأخذ بهذا المعني الظاهر للنص‏,‏ ورفض وقوع الطلاق لأي سبب بما ذلك الزنا‏,‏ وأجاز فقط الانفصال الجسماني‏,‏ مع بقاء الزواج قائما‏.‏ وقد أخذ في هذا الموقف بقول آخر للسيد المسيح‏,‏ وهو أن ماجمعه الله لايفرقه انسان‏.‏ وتغليب نص علي نص آخر هو اجتهاد بشري عملا بقاعدة التفسير المعروفة‏,‏ وهي أن النصوص يفسر بعضها بعضا‏.‏
‏4‏ـ المذهب القبطي الارثوذكسي في مصر‏,‏ أجاز الطلاق لعلة الزنا‏,‏ ولكنه أدخل تفرقة لم يرد ذكرها في النص‏,‏ وهي التفرقة بين الزوج الظالم المذنب‏,‏ والزوج المظلوم المجني عليه‏.‏ ورغم أن النص عام في أن من يتزوج مطلقة يزني‏,‏ إلا أن الكنيسة تسمح بزواج المطلقة أو المطلق‏,‏ إذا كان هو الطرف المظلوم‏,‏ ولاتسمح بزواج الطرف المذنب رجلا كان أو امرأة‏.‏
‏5‏ـ قول السيد المسيح جاء بصدد الطلاق بالإرادة المنفردة‏,‏ حسب شريعة موسي تعطي كتاب طلاق فتطلق‏,‏ وقد أراد السيد المسيح تقييد الإرادة المنفردة حتي لايقع منها الطلاق إلا لسبب قوي واضح هو الزنا‏.‏ ولكن السيد المسيح لم يتحدث اطلاقا عن التطليق الذي يقع بحكم القاضي أو الكاهن أو غيرهما‏,‏ ولايستطيع أحد القول بأن السيد المسيح لم يكن يعرف التفرقة بين الطلاق بالإرادة المنفردة التي قد يشوبها التحكم والانفعال‏,‏ وبين التطليق بحكم القاضي الذي لايصدر إلا بعد فحص وتمحيص‏.‏ فإذا أعملنا قول السيد المسيح الخاص بالطلاق في حالات التطليق‏,‏ فإننا نقوم باجتهاد بشري واضح‏,‏ لأن الفرق بين الطلاق والتطليق كبير جدا‏.‏
‏6‏ـ لم تشترط الكنائس المختلفة وقوع الزنا الفعلي‏,‏ الذي يصعب أو يستحيل إثباته‏,‏ بل اكتفت بما يسمي الزنا الحكمي‏,‏ الذي يعتبر قرينة علي وقوع الزنا الفعلي‏.‏ وقد ورد النص علي الزنا الحكمي في المادة‏(115)‏ من مشروع القانون الموحد الذي أعدته جميع الكنائس‏.‏ وقد نصت هذه المادة علي أن يعتبر في حكم الزنا كل عمل يدل علي الخيانة الزوجية كما في الأحوال الآتية‏:.....‏ وقد ذكر هذا النص ست حالات تعتبر في حكم الزنا مثل هروب الزوجة مع رجل غريب‏,‏ أو ظهور خطابات‏..‏ إلخ‏.‏ وقبول الزنا الحكمي هو اجتهاد بشري في تفسير النص‏.‏ وهو اجتهاد معقول للتيسير علي طالب التطليق‏.‏
‏7‏ـ الكنيسة تقبل المعني الواسع للزنا‏,‏ الذي يشمل الزنا الحكمي‏,‏ أما السيد المسيح فقد أخذ بمعني واسع جدا للزنا‏,‏ يتخطي بكثير الزنا الفعلي والزنا الحكمي وذلك عندما قال من نظر إلي امرأة ليشتهيها فقد زني بها في قلبه وهو مايمكن أن نطلق عليه اصطلاح الزنا بالقلب والنظر‏.‏ وبالطبع إذا نظرت امرأة إلي رجل لتشتهيه فقد زنت به في قلبها‏.‏ ولم يكن السيد المسيح يتحدث عن حالة افتراضية نادرة‏,‏ بل كان يتحدث عما يقع فعلا في المجتمع في كل وقت‏.‏ فهو يعرف طبيعة البشر‏,‏ وما يجول في خواطرهم‏.‏ ونحن نستطيع أن نجزم بأنه في كل أسباب التطليق المنصوص عليها في لائحة‏1938,‏ يحدث فيها الزنا بالقلب والنظر حتما‏.‏ لأن الزواج قد زال وانهار‏,‏ وأصبح كل من الزوجين عرضة لكل الاغراءات والشهوات‏,‏ خاصة إذا حرمنا كلا منهما أو احدهما‏,‏ من الحق في استرداد حريته والزواج مرة أخري‏.‏ وقد ذهب البعض إلي القول بأن رفض التطليق في الحالات المنصوص عليها في لائحة‏1938,‏ قد يؤدي إلي الزنا الفعلي‏.‏ ونحن لانقول بذلك‏,‏ ولكننا نؤكد أنه يؤدي حتما إلي الزنا بالقلب والنظر‏,‏ وهو نوع من الزنا الحقيقي حسب قول السيد المسيح‏.‏
‏8‏ـ القول بأن الزوج المطلق المذنب رجلا كان أو امرأة‏,‏ لايجوز تزويجه كنسيا مرة أخري‏,‏ وان خطيئة الزنا لاتقبل فيها التوبة أو المغفرة‏,‏ يراه البعض الآخر متعارضا مع العديد من نصوص الإنجيل‏,‏ حيث غفر السيد المسيح للمرأة الزانية‏,‏ وقال لجموع الشعب الذين تجمهروا حولها ليرجموها بالحجارة‏,‏ حسب شريعة موسي‏,‏ من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها أولا‏.‏ وكذلك فإن السيد المسيح تبادل الحديث الودي مع المرأة السامرية وقال لها إن الرجل الذي تعيشين معه ليس زوجك‏.‏ وقال لها وهي تملأ جرتها من ماء البئر‏,‏ من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا لا يعطش أبدا‏.‏ وقال السيد المسيح إن الله يغفر جميع الذنوب إلا التجديف علي الروح القدس‏.‏ ويقول المسيحيون في صلاتهم اليومية بناء علي تعاليم السيد المسيح اغفر لنا ذنوبنا‏,‏ كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا والمسيحية تقوم في جوهرها علي الفداء من أجل مغفرة الخطايا‏.‏
‏9‏ـ الدولة تحترم كل هذه التفسيرات‏,‏ ولكنها لاتستطيع وهي تشرع للمستقبل أن تأخذ ببعضها وتهمل الأخري‏,‏ ولاتستطيع أن تصدر عن طريق مجلس الشعب قانونا يضيق علي مواطنيها المسيحيين في أسباب الطلاب‏,‏ ويحصرها في الزنا الفعلي أو الحكمي وتغيير الديانة‏,‏ دون الأسباب الأخري التي تؤدي حتما إلي زنا القلب والنظر‏,‏ وهو زنا حقيقي حسب قول السيد المسيح‏.‏
والدولة لاتستطيع أن تسير ضد التطور التشريعي الذي حدث في كل الدول المسيحية في العالم‏,‏ والذي وصلت فيه ألمانيا إلي آخر الشوط‏,‏ عندما أصدرت المحكمة الألمانية الفيدرالية العليا حكما تاريخيا في‏11‏ أكتوبر‏2006,‏ قررت فيه أن أحكام الشريعة الكاثوليكية التي لاتجيز الطلاق‏,‏ تخالف النظام العام في ألمانيا‏.‏ وقالت المحكمة الألمانية الفيدرالية العليا في هذا الحكم التاريخي‏,‏ إن الزواج علاقة إنسانية‏,‏ لايجوز اجبار أي زوج علي الاستمرار فيها‏,‏ إذا فقد الزواج معناه‏.‏
‏10‏ـ التشريع المطلوب إصداره من الدولة أولا وقبل كل شيء هو تعديل المادة الثالثة من القانون رقم‏(1)‏ لسنة‏2000.‏ فهذه المادة في وضعها الحالي تسيء بشكل بالغ إلي النظام القانوني في مصر‏.‏ فهي تقرر تعدد الشرائع في كل مسائل الأحوال الشخصية بحسب الديانة‏,‏ بالرغم من أن القانون قد تم توحيده في معظم مسائل الأحوال الشخصية بالنسبة للمصريين جميعا‏.‏ وهذه المادة تقرر تطبيق الشريعة الإسلامية علي غير المسلمين في حالة الاختلاف في الملة أو الطائفة وهو حكم يتعارض مع قصد المشرع‏,‏ ومبادئ حقوق الإنسان‏.‏ وتعديل هذه المادة المعيبة يؤدي في سهولة ويسر إلي حل كل القضايا القانونية المعلقة بين الدولة والكنيسة‏.‏
وقد قامت لجنة مكونة من أكبر أساتذة القانون في مصر‏,‏ بوضع مشروع تعديل هذه المادة‏.‏ وهذا المشروع موجود تحت يد الدولة‏,‏ وقد جاء الوقت الآن لإصداره‏.‏
 

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 314 مشاهدة
نشرت فى 7 يوليو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,664