حصانة النفس في نصوص ومقاصد الشريعة
بقلم:د/ محمد عبدالسلام كامل
النفس الإنسانية موضع اعتبار في شريعة الإسلام, ومن ثم فليس لأحد مهما يكن أن يسلب إنسانا حق الحياة إلا بسلطان الشريعة, وبالإجراءات التي تقررها, وتستوي في هذه الحرمة نفوس كل البشر.
وقد جاء في سورة المائدة ما يفيد أن من يعتدي علي نفس إنسانية واحدة فكأنما اعتدي علي المجتمع الإنساني, كله, وأن من يحافظ عليها فكأنما حافظ علي المجتمع الإنساني كله, قال تعالي من أجل ذلك كتبنا علي بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.
وقد عنيت السنة النبوية الشريفة بحق الإنسان في الحياة عناية بالغة فأكثرت من النهي عن الاعتداء علي النفس الإنسانية, وحذرت من الإقدام علي ذلك صيانة للأرواح, وحفاظا علي الحياة.
وترقي حرمة النفس الإنسانية في بعض روايات السنة النبوية رقيا يجعلها أعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرفة نفسها, فقد روي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك, ما أعظمك وأعظم حرمتك, والذي نفس محمد بيده, لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك: ماله ودمه, وإن نظن به إلا خيرا.
وإذا كانت هذه الرواية تشير إلي حرمة النفس المؤمنة علي وجه الخصوص, فإن هناك رواية أخري في صحيح البخاري تشير إلي حرمة قتل النفس المعاهدة, ذلك أن صيانة النفس البشرية والمحافظة عليها يتساوي أمامها كل البشر.
أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما.
فالأصل العام في تقرير وضع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي مقارنا بوضع المسلمين, هو أن لهم ما للمسلمين من حقوق, وعليهم ما علي المسلمين من واجبات, إلا ما دلت النصوص الشرعية علي الاختلاف فيه بينهما, وذلك في أمور محددة مستثناة, مثل الأحكام الدينية, والأحكام الدنيوية ذات الصبغة الدينية, أو بالأصح ذات الصلة المباشرة بأحكام الدين, مثل أحكام الزواج,والطلاق, وما إليها.
وقد أخذت عناية الشريعة الإسلامية بحق الإنسان في الحياة عدة مظاهر, أهمها: حرمة وتجريم قتل النفس الإنسانية, وحرمة وتجريم الاعتداء علي جسد الإنسان, وتفصيل ذلك علي النحو التالي:
ـ حرمة وتجريم قتل النفس الإنسانية: حيث تحرم نصوص الشريعة الإسلامية اللجوء إلي الوسائل التي تفضي إلي إفناء الينبوع البشري, وتكشف عن فداحة العدوان علي النفس الإنسانية, سواء أكان بإزهاق صاحبها لها, أم بإزهاق الإنسان روح أخيه الإنسان عدوانا وظلما.
ففي التحذير من الانتحار الذي نهي عنه الله سبحانه وتعالي بقوله ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك علي الله يسيرا تبين السنة النبوية العاقبة الوخيمة للاجتراء علي الانتحار, وأن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار, فقد أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا مخلدا فيها, ومن قتل نفسه بسم تردي به فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها.
ذلك بيان يكشف عن مال المنتحرين في الآخرة, وهو يشير من ناحية أخري إلي ضرورة المحافظة علي استمرار الحياة الشرعية إلي ما شاء الله.
أما الاعتداء علي حياة الآخرين وإزهاق أرواحهم دون مقتضي شرعي, فقد بينت السنة النبوية حرمة ذلك, فقال النبي صلي الله عليه وسلم في خطبة الوداع: أيها الناس, إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.
وحذر النبي صلي الله عليه وسلم من الاعتداء علي المسلم في نفسه أو ماله أو عرضه, وذلك فيما أخرجه مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: كل المسلم علي المسلم حرام: دمه وماله وعرضه, وهذا التحذير أيضا ينطبق علي حرمة الاعتداء علي غير المسلمين الذين لهم ذمة وعهد سواء في أرواحهم أو ابدانهم أو أموالهم أو أعراضهم.
ولأن جريمة القتل بدون مقتضي شرعي هي أخطر الجرائم التي عرفتها الإنسانية علي الإطلاق, فقد وضع الله سبحانه وتعالي لها أقصي عقوبة إلهية, فقال تعالي ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما, وبينت السنة النبوية مدي فظاعة هذه الجريمة البشعة النكراء, فقال صلي الله عليه وسلم لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق.
وقد أورد القرآن الكريم النص علي عقوبة القتل العمد, وعلي عقوبة القتل الخطأ, فقال تعالي في شأن عقوبة القتل العمد يا أيهاالذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلي الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثي بالأنثي فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدي بعد ذلك فله عذاب أليم. ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون وقال تعالي في شأن عقوبة القتل الخطأ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلي أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلي أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما.
فالقتل الخطأ لا قصاص فيه, وإنما تجب فيه الدية والكفارة, أما القتل العمد فإنه ينشأ عنه حق في القصاص وهو قتل القاتل, ولا تجب الدية في القتل العمد إلا في حالة واحدة هي حالة نزول أولياء القتيل عن حقهم في طلب اقتضاء القصاص مقابل حصولهم علي الدية.
ولم تحدد نصوص القرآن الكريم مقدار الدية, وإنما تكفلت بذلك السنة النبوية, حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم في النفس الدية مائة من الإبل, وهذا النص يحدد دية القتل العمد إذا رضي الأولياء بالعفو عن القصاص وقبلوا الدية.
ـ حرمة وتجريم الاعتداء علي جسد الإنسان:
فإذا كانت نصوص الشريعة الإسلامية قد حرمت وجرمت قتل النفس الإنسانية, فإنها أيضا حرمت وجرمت الاعتداء علي جسد الإنسان بأي صورة كانت, وذلك لارتباط سلامة جسده وأطرافه بسلامة نفسه.
ومن نصوص السنة النبوية التي تشير إلي حرمة الاعتداء علي جسد الانسان ما أخرجه مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه.
ساحة النقاش