د. مبروك عطية يكتب: الإسلام وعلاج العمى (٢٣) رجب الفرد شهر الله الحرام ١٨/ ٦/ ٢٠١٠ |
مما يزيد الحياة نبضاً وجمالاً أن تكون فيها محطات عظيمة أشبه ما تكون بالصفقة الرابحة لتاجر تعتريه بين الحين والحين فإذا بها تنشطه، وتدعوه إلى تغيير متجره وتزيينه وتجميله، وقد كان الفلاحون من قديم يفرحون بموسم القطن، لأنهم بعد جنيه يحصلون على مبالغ قوية، ينتظرونها كل عام أو أعوام حسبما تسمح خريطة وزارة الزراعة بزرع أراضيهم قطناً، وهم طوال العام فى ستر من الله ونعمة، يأكلون ويشربون، ويذبحون يوماً بطة وآخر يذبحون فيه دجاجة، وثالثاً يشترون بعض اللحوم، لكنهم فى موسم القطن ينتعشون فيزوجون أولادهم، ويرفعون سقف بيوتهم ويكتسون ويعدون نساءهم وبناتهم بشىء من الحلى، وكذلك شهر رجب، شهر الله الحرام، وبقية الأشهر الحرم المتوالية: ذو القعدة، وذو الحجة والمحرم، ورمضان المعظم، فى حياتنا مواسم تتجدد مثلما كانت مواسم القطن تتجدد فتنعش، وإذا كان الانتعاش فى مواسم القطن والحصاد يسبب الرخاء المادى قبل أن يطغى سيل الحياة المادية الذى باتت فيه حياتنا لا تواسيها مواسم القطن، ولا الزيادة الزهيدة فى الرواتب التى توافقها زيادة مرعبة فى الأسعار فإن مواسم الأيام كذلك تسبب الانتعاش المعنوى، وأنا أؤمن وأبصر أن الانتعاش المعنوى لا يتسنى لأحد إذا لم يكن انتعاش مادى يصاحبه لما رواه الإمام ابن أبى جمرة فى كتابه «بهجة النفوس» عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن النفس إذا كان معها قوتها اطمأنت، والعبادة بدون اطمئنان أشبه ما تكون بحركات مضطربة»، وقد ثبت فى الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إذا حضر العَشَاء (بفتح العين) والعِشاء (بكسرها) فقدموا العَشَاء (بفتح العين)، أى إذا حضر الطعام وحضرت الصلاة، فتناولوا شيئاً من الطعام قبل الصلاة، لماذا؟ قال الفقهاء: حتى يصلى المسلم وهو غير مشغول بالطعام، يفكر فيه فى صلاته، فيكون أبعد عن روح الصلاة وعقلها، والخشوع فيها، فما بالك بمن حضرت همومه وأوجاعه وخوفه ورعبه حضوراً لا يغيب صبح كل يوم ومساءه، لكى يعالج النبى -صلى الله عليه وسلم- استقامة الإنسان فى صلاته قال له كُلْ، حتى لا تنشغل وأنت فى صلاتك بالطعام، فكيف نعالج الملايين من المسلمين وهم مشغولون بالطعام والشراب والمسكن والفواتير والضرائب، وما هو منتظر من سوء الأحوال! لا شك أن للإسلام منهجه فى معالجة ذلك من ضرورة العمل والاستثمار والتكافل الاجتماعى بشتى صوره من ركن يجب أداؤه وهو الزكاة، ومن نافلة كالصدقة، ومن واجب كالكفارات ومن تطوع بالليل والنهار، وما كلف الله -تعالى- عباده بشىء فى عموم القرآن الكريم إلا وسبق ذلك التكليف ما أنعم عليهم من واسع فضله، كل آيات الكتاب الكريم على ذلك، ومنه قوله -تعالى-: «لقد كان لسبأ فى مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور» فتأمل كيف قال «كلوا» قبل أن يقول: «واشكروا له» وكيف قال «بلدة طيبة» قبل «ورب غفور»، وقد صارت المناسبات الدينية مزعجة للناس، لا منعشة لأرواحهم، والدليل على ذلك ما تسمعه من أقوالهم نحو: «رمضان على الأبواب.. ربنا يستر»، و«العيد داخل وربنا يعلم»، وذلك لحاجة الناس فى تلك المناسبات إلى ضروريات الحياة، فلا يغرنك ما تشاهده على القنوات من عبارات التهنئة، والفوانيس، والخيم الرمضانية، والأمسيات الدينية، والتوقف أمام محال الياميش، فإن الناس ما زالوا فى حاجة إلى رغيف العيش، ويبقى رجب شهر الله الحرام الفرد ناقوساً يدق فى قلب كل مؤمن قادر على العطاء أن يرحم عباد الله الفقراء حتى يستعدوا لرمضان وهم يشعرون بأنه شهر كريم فعلاً، لأنهم يجدون ما ينفقون فيه، أودع الله قلوبهم الرحمة، وهدانا وإياهم إلى صراطه المستقيم. |
ساحة النقاش