الفصل الرابع والثلاثون

 

ما نعرف(وما لا نعرف) حول تدريب الاستراتيجيات الإدراكية في حل المشكلات الفنية

 

ولزلي فوشاي    (Wellsely Foshay)

منظمة روش        (The Roach Org.Inc.)

رولنج ميدوز     (Rolling Meadows) ألينوي

 

 

دعنا نبدأ بتحديد معضلة جوهرية لأي ممارس للتطوير التعليمي*: إن نماذج التطوير التعليمي التي نعمل على أساسها تتميز بمنفعة عملية معتبرة، وهي نماذج عموماً مؤسسة تأسيساً جيداً في النظرية. ولكن مهمة ترجمة النظرية إلى تطبيق كثيراً ما تنطوي على مجازفة. وكما يشير كننجهام(Cannigham,1986):

يجب أن نخلص أنفسنا للأبد من فكرة أن العلم سينتج "حقيقة " ثابتة ومحصنة لجميع الأزمان. ويجب أن تتغير فكرتنا جذرياً عن التعميم. يجب أن نسمح لأنفسنا بعدم الارتياح الذي يحدث عندما نتحقق أننا أقل يقيناً حول الأشياء مما تصورناه سابقاً.

من وجهة النظر هذه، لا تقود النظرية من حيث المبدأ وعلى نحو سلس وخال من الغموض، إلى تعميمات توصيفية للتطبيق. وعلى العكس من ذلك، يجب أن يستخدم الممارسون النظرية "كوجهة نظر" أو وسيلة لتشكيل التوقعات حول سلوك المشكلات في العالم الواقعي. تساعد هذه التوقعات الممارس على فهم تعقيدات المشكلات في العالم الواقعي، كما تساعده على اتخاذ قرارات التصرف حيالها. وبينما يعد صحيحاً أن الخارطة ليست هي المقاطعة، إلا أنه صحيح أيضاً، أنه لكي تبحر في المقاطعة، فإنك بحاجة إلى خارطة: النظريات ما هي إلا تجريدات للواقع، ولكن الواقع لا يمكن فهمه إلا من خلال وجهة النظر التي توفرها النظرية.

وهكذا هو الحال حين ينشد مطورو التعليم دمج نظرية علم النفس الإدراكية لمعالجة المعلومات مع النماذج العملية لتصميم التعليم. وكما هو الحال دائماً، تكون الأبحاث غير مكتملة، وفي بعض حالات متناقضة. ولكن مع ذلك، ينبغي أن نسأل فيما إذا كان هناك نماذج وأنماط تحليل أو مبادئ توصيفية قوية بما يكفي لتحسين ممارسة المطور التعليمي الذي يستخدمها. الإجابة عن السؤال السابق هي"نعم" بنوعية عالية في رأي المراجعات الحديثة مثل مراجعتي فريد ريكسون (Fredericksen,1984) وأندري(Andre,1986). ولتحقيق هذه الآراء، من المناسب تقصي الكيفية التي يمكن أن يتغير بها تفكيرنا حول التصميم التعليمي لكي يدمج النظرية الإدراكية. وسيساعد هذا التقصي في تسليط الضوء على بعض الأسئلة البحثية التي تنتظر الإجابة، وتحديد بعض الأدوات التي سوف يحتاجها الممارسون لكي يكيّفون ممارساتهم التصميمات بفاعلية.

دعنا نتناول كنقطة انطلاق، موضوع تدريس الأعطال الفنية في الأجهزة(Trouble Shooting)، كما هي موجودة في موضوعات مثل تشخيص العطل في دائرة إلكترونية، وإصلاح نظام ميكانيكي، وتصحيح الأخطاء في برمجة حاسوب، أو التشخيص الطبي. إن عملية تشخيص الأعطال الفنية تتميز بميزة هي أنها موضوع شائع في مقررات التدريب. كما أنها موضوعاً شائعاً في الأبحاث الإدراكية. وعلى أية حال، يعتبر تشخيص الأعطال الفنية موضوعاً مبنياً بناءً محكماً على وجه العموم مقارنة بأنواع أخرى من مجالات حل المشكلة(مثل مهام التصميم)، وعليه فإن درجة التعميم لمهام إدراكية أخرى يبقى محل تساؤل.

سنتناول أولاً وبسرعة، ممارسات التصميم الشائعة (المعتمدة على النموذج السلوكي) في التدريب على تشخيص الأعطال الفنية. ثم نناقش بعض التوصيات المعتمدة على النظرية الإدراكية في تدريس حل المشكلة التي صدرت حديثاً، ونوضح كيف يمكن تطبيقها في تصميم التدريب على تشخيص الأعطال الفنية. أخيراً، سنحدد بعض الأسئلة العالقة والمهمة للممارسين الذين ينشدون دمج المبادئ الإدراكية في تصميماتهم التعليمية. وكجزء من المناقشة، سوف نشير إلى اختلافات جوهرية معينة بيـن نظرية التعلـم البنائية لسكانديـورا (Scandura) وبين نظريات أخرى.

 

تطبيقات التدريب على تشخيص الأعطال الفنية المبنية على التصميم السلوكي

يعد الأسلوب السلوكي لتدريس الأعطال الفنية أساساً أسلوباً لوغاريتمياً*. فعلى سبيل المثال، كثيراً ما تتضمن الأساليب الشائعة مثل أسلوب ميجر(Meger,1982) توصيات مثل:

           1.          حدد أكثر الأخطاء شيوعاً في النظام.

           2.          اشتق مبدءاً واحداً أو أكثر من اللوغاريتمات لتشخيص كل عطل فني شائع، باستخدام استراتيجية نصفية. ويشمل التحليل الكامل: تحديد الشروط والتصرفات والتغذية الراجعة لكل خطوة.

           3.          رتب التعليم لكل جزئية لوغاريتمية في تسلسل باستخدام قواعد تسلسل(مثل: درّس أجزاء المتطلبات السابقة قبل تدريس الكل).

           4.          درس كل لوغارتيمية (أو جزئية لوغارتيمية) بشكل منفصل، أي تدريس الخطوات في تسلسل متدرج. أسس التمرينات والتدريبات لكل خطوة بحيث تشمل:

·        حافزاً واقعياً(ظروف أو شروط)

·        استجابات واقعية.

·        تغذية راجعة فورية حول دقة الاستجابة، ثم استمر بالتطبيق حتى يتم تشكيل مرضي للسلوك.

قصور الأسلوب السلوكي: كانت استراتيجيات التصميم التعليمي التي تتضمن هذه الملامح تستخدم لأكثر من عشرين عاماً، وأثبتت فاعليتها بشكل متكرر. على أية حال، لم يسلم الأسلوب السلوكي من الانتقادات. على سبيل المثال، يقدم دانكان(Dunkan,1985) الانتقادات التالية:

         1-          يعد التحليل الإجرائي الموسع الذي يتطلبه الأسلوب السلوكي مكلفاً. وكل جزء في النظام يتطلب لوغاريتماً مستقلاً، أو جزءاً من لوغاريتم.

         2-          يقاوم الفنيون استخدام أسلوب لوغاريتمي كامل.

         3-          لأن اللوغاريتمات مرتبطة جداً بموقف محدد، لذا فإنها مكلفة بالنسبة لتحديثها.

         4-          يعد تذكر التفصيلات اللوغاريتمية مشكلة مستمرة، لأن أغلب الأعطال الفنية(واللوغاريتمات المرتبطة بها) من النادر مواجهتها، ولذا فهي نادرة التطبيق.

         5-          تعد إمكانية نقل مهارات تشخيص الأعطال الفنية إلى مواقف أو نظم جديدة أو إلى أعطال جديدة منخفضة نسبياً.

قد تكون الخبرة بجوانب القصور هذه القصور الممارسة الشائعة لاستخدام المعينات الوظيفية في تسجيل لوغاريتمات تشخيص الأعطال الفنية كلما كان ذلك ممكناً. فعندما يكون استخدام هذه المعينات الوظيفية في موقع العمل، فإن هذه المعينات تعوض مشكلة التذكر بفاعلية، كما أن الحاجة إلى نقل المهارات إلى موقف جديد تنخفض بدرجة كبيرة. وعلى أية حال، لا تزال كلفة التحليل والحاجة إلى التحديث المستمر باقية.

وتقترح الأبحاث الإدراكية بعض الطرق للتغلب على بعض أوجه القصور هذه. ولكي نعرف كيف يمكننا ذلك، دعنا نلخص فيما يأتي بعض نتائج الأبحاث.

 

المبادئ الإدراكية الرئيسة ذات العلاقة بتشخيص الأعطال الفنية

من بين العديد من مجالات البحوث الإدراكية، يبدو اثنان منها على جانب بالغ من الأهمية لمصممي التعليم الذين يدّرسون حل المشكلة هما: تمثيل المعرفة والأشياء التي يعرفها خبراء حل المشكلة. وبينما تعد هذه النتائج مألوفة، إلا أننا سنراجع كل منها لتسهيل المناقشة اللاحقة.

 

تمثيل المعرفة:

 يميل الباحثون الإدراكيون على وجه العموم إلى التمييز بين أنواع المعرفة. فعلى سبيل المثال،يميز أندري في الفصـل الذي كتـبه حول المشكلـة في كتـاب دراسي حديث (Andre,1986)، بين:

·        المفهوم أو البنية  التي تخزن كمجموعة من قواعد التمييز المتعددة وكأمثلة أولية.

·        وبين نظم الإنتاج بما في ذلك القواعد والمبادئ والمهارات التي تحدد العلاقات المشروطة بين المفاهيم.

بالإضافة إلى ذلك يقدم أندري تمييزاً مألوفاً بين:

·        المعرفة التصريحية التي تدعم قدرة التصنيف أو التعريف.

·        وبين المعرفة الإجرائية التي تدعم قدرة الأداء.

الاستثناء هو نظريـة التعلم البنائيـة (Structural learning Theory) لسكانديـــورا(Scandura,1986). في هذه النظرية، تندرج كل من المعرفة التصريحية والمعرفة الإجرائية تحت قاعدة بنائية واحدة. في بنية القاعدة، تندرج القواعد الأدنى تحت القواعد الأعلى، ولذا، فإن بنى المعرفة المنفصلة ليست أمراً مسلماً به.

 

معرفة الخبير:

عند دراسة الاختلافات بين حل المشكلة بوساطة الخبير وحلها بوساطة الشخص المبتدئ، يميز أندريا بين نوعين مهمين لأهداف هذا الفصل هما:

·        المعرفة التنقيبية (Heuristic): المعرفة التنقيبية أو نظم الإنتاج القابلة للتطبيق عموماً (ولكنها غير دقيقة)، يستخدمها الخبراء للتحكم بعرض المشكلة واختيار استراتيجية الحل.

·        المعرفة المرتبطة بمجال محدد: يتقن الخبراء مصفوفة واسعة من المعرفة المرتبطة بمجال محدد. قد تشمل هذه المعرفة ما يأتي:

-         نظم الرموز المستخدمة في المجال.

-         بنية النظام.

-         أنواع المشكلات.

-         لوغاريتمات حل المشكلة.

-         استراتيجيات تطبيق المعرفة التنقيبية للمعرفة المرتبطة بمجال محدد.

مرة أخرى، يوجد تباين بين هذه الأنواع من المعرفة ونظرية التعلم البنائية. فنظرية التعلم البنائية لا تعطي نطاقاً أوسع للمعرفة المرتبطة بمجال محدد، عدا آلية التحكم الوحيدة التي تتحكم بتوجيه الهدف، وهي مما يعد في صلب المعرفة وطبيعتها. وما يسميه الآخرون معرفة تنقيبية، ينظر إليها ضمن هذه النظرية على أنها قواعد ذات مستوى أعلى يمكن تطبيقها من أجل توليد قواعد ذات مستوى أدنى (أي مرتبطة بمحتوى محدد).

ظاهرة أخرى مهمة، هي ظاهرة الأوتوماتية، أو القدرة على معالجة أنواع معينة من اللوغاريتمات القياسية العالية بسرعة وبقليل من عبء المعالجة الإدراكية (Schneider & Shiffrin, 1977). ويوجد دليل متزايد على أن الأوتوماتية مهمة لأنها تحرر الطاقة الانتباهية وتوجهها للمهام الأكثر تعقيداً. ويعتقد إليو (Elio, 1986) أن هذا الأثر ينطبق على نظم الإنتاج وليس المفاهيم. وبعبارة أخرى، لا ييسر التذكر السريع للحقائق بالضرورة تعلم المفاهيم المتقدمة، وإنما الأداء السريع للمهارات الفرعية هو الذي ييسر تعلم المفاهيم المتقدمة. أخيراً، دُرست عملية تحليل المشكلة التي يستخدمها الخبراء، حيث وصف كل من إيلستين (Elstein) وشولمان (Schulman) وسبرافكا (Sprafka) (1978) عملية تحليل المشكلة التي يتبعها الطبيب بأنها افتراضية-استدلالية (استنتاجية)، وتعني أن الطبيب الخبير يصيغ عادة عدداً من الفرضيات في المراحل المبكرة من عملية حل المشكلة، ثم يجمع المعلومات التي تتصف بقوة التمييز بين الفرضيات المتنافسة. تعد هذه الطريقة أساساً شجرة بنائية من المهارات الاستنتاجية تتضمن تمييز تسلسلي لتلميحات متعددة. وعلى أية حال، يشير العمل الأحدث الذي قام به باتل وجورن (Patel & Gorn, 1986) إلى أن هذا النوع من التحليل القهقري ربما لا يستخدم عالمياً. وعلى الأقل في حالة المشكلات ذات الصعوبة المعتدلة، يبدو أن عملية التحليل التقدمي أكثر خصوصية للخبراء.

دعنا الآن – واضعين هذه المفاهيم نصب أعيننا – نلتفت إلى مشكلة تدريس عملية تشخيص الأعطال الفنية من خلال تناولها كمجموعة فرعية تحت القضية العامل لتدريس عملية حل المشكلة.

 


كيف ندرِّس عملية تشخيص الأعطال الفنية

عندما نتناول مهمة تصميم التعليم لتشخيص الأعطال الفنية باستخدام نموذج تصميم تعليمي قياسي، فمن المنطق أن نناقش أولاً تحليل المهمة، ثم نتناول اختيار الاستراتيجيات التعليمية المناسبة.

تحليل المهمة: تقودنا النظرية التي ناقشناها سابقاً إلى بعض التحولات المهمة عن عملية تحليل المهمة/المحتوى التقليدية. ربما تبدو إجراءات التحليل كما يأتي:

         1-          إذا كان الخبراء يستخدمون نظاماً رمزياً لوصف النظام، حدد هذا النظام الرمزي، ثم حلل خصائص النظام الرمزي من خلال التحليل التقليدي للمفهوم. هذه التوصية مبنية على النتائج التي تشير إلى أن معرفة النظام الرمزي المناسب، تمثل المستوى الأول لمعرفة الخبير المرتبطة بمجال محدد.

         2-          حدد – باستخدام هذا النظام الرمزي – مكونات النظام قيد المشكلة. وينبغي أن يكون المستوى التفصيلي للتحليل بطريقة تكون فيها أصغر وحدة تحليل مرتبطة بأصغر جزء سيجرى عليه عملية تشخيص العطل الفني. وينبغي أن يشمل التحليل على الأقل، مسمى وظيفة كل جزء من أجزاء النظام. ويرتبط ذلك بتحديد المفاهيم أو البنى في معرفة الخبير المرتبطة بمجال محدد، أو التسلسل الأدنى للقواعد في بنية القاعدة من نظرية التعلم البنائية.

         3-          لكل جزء، حدد أنماط الأعطال الفنية والاحتمالات والتكاليف المرتبطة بكل عطل، ثم صنف أنماط الأعطال في فئات. ويرتبط هذا بمعرفة الخبير لأنواع المشكلات التي تحدث. إن التوصية بتحديد الاحتمالات والتكاليف الخاصة بالأعطال ينسجم مع ما جاء في عمل إليستين وشولمان وسبرافكا (1978) ومع الجهود التي بذلت لتطوير بعض نظم الخبرة.

         4-          حدد – لكل فئة من الأعطال – الحل اللوغاريتمي لعزل المشكلة. إن اللوغاريتمات عبارة عن مؤشرات أو اختبارات محدد تعزل أعطال كل جزء من أجزاء النظام المستهدف. وهذه اللوغاريتمات ليست لوغاريتمات كاملة لتشخيص الأعطال الفنية في كامل النظام. وقد يكون من المفيد تحديد التكلفة النسبية والثقة لكل اختبار. وهذا ينسجم مع معرفة الخبير بلوغاريتمات (خطوات) حل المشكلة لكل نوع من أنواع المشكلات أو القواعد ذات المستوى الأعلى في نظرية التعلم البنائية. كذلك توجد بعض الأدلة من دراسات مثل تلك التي أجراها إليسـتـين وشولمـان وسبرافـكا (1978)، بأن الخبراء يضعون في الحسبان أيضاً، التكلفة ومقدار الثقة لكل اختبار عند وزن قيمة المعلومات لكل حل مقترح.

         5-          اشتق للنظام ككل، المعرفة التنقيبية التي يمكن تطبيقها لتوجيه عملية ربط لوغاريتمات الحل التفصيلي للوصول إلى عطل معين. هذا ينسجم مع معرفة الخبير باستراتيجيات حل المشكلة أو القواعد ذات المستوى الأعلى في نظرية التعلم البنائية.

عند مقارنة خطوات تحليل المهمة هذه بالتحليل السلوكي التقليدي للمهمة، فإن الطريقة الأولى أكثر شمولاً وفي الوقت نفسه أكثر سهولة في التنفيذ. كذلك تبين الطريقة المذكورة بنية النظام عدما يعمل وعندما يفشل في العمل. كما تبين هذه الطريقة نظم الإنتاج المستخدمة بوساطة الخبير عندما يقوم بتشخيص الأعطال على مستوى دقيق وتنقيبي. وعلى أية حال، لا تقوم الطريقة التي وصفناها أعلاه، بما تقوم به عملية التحليل السلوكية، فهي لا ترسم خارطة دقيقة للوغاريتميات (الخطوات) التي نحتاجها لتشخيص كل عطل معين في نظام محدد. وعلى العكس من ذلك، تفترض هذه الطريقة أن اللوغاريتمات التفصيلية لتشخيص الأعطال يتم بناؤها بوساطة الخبراء عندما يواجهون تلك الأعطال. وللقيام بذلك، يوظف الخبراء جميع أنواع المعرفة الخمسة المذكورة أعلاه. فإذا دُرِّست جميع تلك الأنواع الخمسة من المعرفة للمتعلمين بطريقة فعّالة، فإن الافتراض هو أنهم سيكونون قادرين على بناء تلك اللوغاريتمات كما يفعل الخبراء.

إن هذا الأسلوب لتحليل المهمة الإدراكية يختلف أيضاً عن الأسلوب الذي اقترحه براين ودتشستل (Brien & Duchastel, 1986). ففي أسلوبهما، يتم تطوير أهداف تعلم منفصلة لكفايات إعادة الإنتاج (التي من أجلها يتوقع من المتعلم تذكر اللوغاريتم)، وكفايات الإنتاج (التي ينبغي على المتعلم توليدها). وتتماشى كفايات إعادة الإنتاج مع لوغاريتمات (خطوات) تشخيص الأعطال المذكورة في البند (4) أعلاه. وعلى أية حال، لا يبدو أن براين ودتشستل مهتمان باستخدام منفصل للمعرفة التنقيبية كما يوصى بها في البند (5) أعلاه. وأكثر من ذلك لم يناقش المؤلفان التحليل البنائي للعلاقة بين القواعد في بنية المعرفة.

بعد اكتمال عملية تحليل المهمة، دعنا نناقش تصميم الاستراتيجية التعليمية.

الاستراتيجية التعليمية: يبدو من المنطقي تدريس كل نوع من أنواع المعرفة الخمسة المشار إليها باستخدام استراتيجية تعليمية منفصلة. وعلى أية حال، يوجد جدل كبير حول ما إذا كان ذلك فعّالاً. فعلى سبيل المثال، أشار دانكان (Duncan, 1985) إلى تحسن في كفاءة تشخيص الأعطال وليس دقة التشخيص عنما درست استراتيجيات متنوعة لتمثيل المشكلة. وحدث التحسن في الدقة نتيجة التمرين فقط. وبينت محاولة هيوسون وبوزنر (Huwson & Posner, 1984) لتمثيل نظم الإنتاج للطلاب الأطباء بشكل مباشر نتائج مختلفة. وتوصل آخرون إلى أن درجة أكبر من إمكانية نقل المهارات إلى مواقف جديدة، تحدث عندما تدرس المفاهيم ونظم الإنتاج بأسلوب مدمج كنظام تمثيل كامل. ويوافق سكانديورا (1986) – انطلاقاً من دليل نظري ومادي – على أن استخدام استراتيجيات تعليمية منفصلة هو أقل كفاءة وأقل فاعلية.

وبينما يمكن أن يكون التدريس المدمج للمفاهيم ونظم الإنتاج أفضل للمعرفة التصريحية، إلا أن العكس هو الصحيح بالنسبة لتدريس المعرفة الإجرائية مثل اللوغاريتمات (الخطوات) المحددة، والمعرفة التنقيبية العامة المعروفة من قبل الخبراء. وقد جادل شايكـلن (Chaiklin, 1984)، بأن التمثيل اللفظي للقواعد الإجرائية يساعد المبتدئين أثناء إتقانهم للقواعد، حتى على الرغم من أن التمثيلات اللفظية تتسرب عندما يستخدم الخبراء الإجراءات. وأكثر من ذلك، يجادل شايكلن بأنه حتى الخبراء يوظفون التمثيلات اللفظية للقواعد عندما يواجهون مشكلة صعبة.

إن هذه التوصيات بعيدة عن اليقين، وكل منها يمكن أن يواجه بنتائج بحثية متناقضة. وعلى أية حال، يبدو (على الأقل لهذا المؤلف) أن هذه التوصيات تمثل الخيارات الأكثر إقناعاً بين الجهود الحالية. وعندما تدمج هذه التوصيات مع توصيات الاستراتيجية التعليمية الأكثر شهرة، فإن ذلك يؤدي إلى الاستراتيجية التعليمية التالية لتدريس عملية تشخيص الأعطال الفنية:

         1-          أولاً، درّس نظام الرمز المستخدم لتمثيل المشكلة. إن نظام الرمز هو أساساً نظام للمعرفة التصريحية التي تتضمن المصطلحات والمفاهيم. إن الإجراءات المستخدمة في تدريس المصطلحات والمفاهيم باستخدام تسلسل التعريفات والأمثلة الإيجابية والسلبية، موثقة جيداً في الأدبيات، كما أنها موثقة حديثاً بوساطة تينيسون وكوتشيريلا (Tennyson & Cocchiarella, 1986).

         2-          ثم درّس النظام قيد الدراسة، بما في ذلك مكوناته وعلاقاتها السببية (الكيفية التي يعمل بها النظام). وهذا يتماشى مع التوصيات بتدريس المفاهيم ونظم الإنتاج معاً. وقد حدد إجراءات التدريس بهذه الطريقة كل من تينيسون وكوتشيريلا (1986).

         3-          استمر في تدريس النظام عن طريق تحديد أنماط العطل لكل نوع من مكونات النظام، وكيف يؤثر كل عطل بالنظام ككل (كيف يعمل عندما لا يعمل). مرة ثانية، هذا مثال على تدريس المفاهيم ونظم الإنتاج في الوقت نفسه، أي أن الإجراءات التعليمية هي نفسها المذكورة في الخطوة السابقة. وعلى أية حال، في هذه الحالة، يرتبط المحتوى مباشرة بأعطال النظام. وإذا رغب المصمم تدريس الاحتمالات والتكلفة لكل فئة من فئات الأعطال الفنية، فهذا يعني تدريس نوعين من خصائص المفهوم.

         4-          درّس اللوغاريتمات (خطوات حل المشكلة) لعزل كل نوع من أنواع العطل. هذه هي اللوغاريتمات المحددة التي توفر اختبارات محددة لعزل كل فئة من فئات العطل. وهذه يمكن تدريسها باستخدام استراتيجيات تدريس الإجراءات القياسية مثل تلك التي حددها ساليزبري وريتشاردز وكلين (Salisbury, Richards, &Klein, 1985).

         5-          درّس المعرفة التنفيذية لتشخيص الأعطال الفنية في النظام على وجه العموم، ثم استراتيجية التمارين التي تطلب من المتعلم تحديد المعرفة التنقيبية واستخدامها من خلال تطبيقاتها في تشخيص أعطال النظام. وبعبارة أخرى، سيتضمن التدرب على المعرفة التنقيبية الطلب من المتعلم أن يعبر عنها لفظياً أثناء توليدها، وتحدد اللوغاريتمات المحددة لتشخيص الأعطال المرتبطة بمشكلة معينة في نظام محدد. هذا تطبيق لتوصية شاكلين (Chaiklin, 1984) وكذلك منسجمـاً مع توصية جانييه (Gagne, 1954).

تدور التوصية العامة حول ما إذا كان على المتعلم - في كل خطوة – أن يستمر في التمرين حتى يحقق الأوتوماتية في التنفيذ. وكما أشرنا سابقاً، يشير موقف إليو (Elio, 1986) بأن الأوتوماتية تيسر تعلم نظم الإنتاج وليس المفاهيم، يشير إلى أن التمرين الموسع ينبغي توظيفه بدءاً من الخطوة الثانية وحتى الرابعة على الأقل، خصوصاً في التمارين التي تتطلب من المتعلم تطبيق نظم الإنتاج عن طريق تحديد العلاقات الوظيفية أو التنبؤ بها. وفي ضوء حل المشكلة التي أشار إليها دانكان (Duncan, 1985) في تقريره، يتوقع الفرد بأن التمرين الموسع سيؤثر فقط بدقة وسرعة حل مثل هذه التمارين.

كما ينبغي ملاحظة أن الخطوات من الثانية وحتى الخامسة تتضمن استخداماً مكثفاً للمحاكاة بغرض تدريس نظم الإنتاج والمعرفة التنقيبية, وينبغي تنظيم واقع هذه المحاكاة بعناية، وأن توفر المحاكاة فقط التطبيقات ذات العلاقة بكل خطوة. وبناءً على ذلك، يمكن أن تكون هذه التطبيقات نسبياً غير واقعية، مما يعني السماح لتدخلات مهمة في التدريس في المحاكاة. وهذا ينسجم مع توصية كل من منرو وفهلنج وتونز (Munro, Fehling & Townss, 1985) للمحاكاة المعتمدة على التدريس.

تمثل الاستراتيجية الموضحة أعلاه تطبيقاً ظاهرياً لبعض الاتجاهات المعاصرة. وعلى أية حال، يمكن أن تكون العديد من التوصيات مفتوحة أمام تحديات معتمدة على دراسات غير تلك التي تم التوصل إليها في هذا الفصل. وأكثر من ذلك، لم يتمكن المؤلف من تحديد أية أمثلة لنظم تدريسية حقيقية تستخدم جميع الاستراتيجيات الخمسة الموصى بها. ولشرح بعض التوصيات، سيصف الجزء القادم من هذا الفصل منتج تدريب تجاري يطبق بعض هذه التوصيات، ثم سنلخص في الجزء الأخير بعض نقاط الخلاف المحيطة بالاستراتيجية التعليمية المقترحة أعلاه.

 

صيانة نظام رقابة المنتفعين*: تطبيق عملي لمبادئ مختارة

طُوِّر منتَج نظام رقابة المنتفعين (Robbins&Connors,1987) بوساطة مؤسسة النظم المتقدمة كمدخل لمقررها في تدريس نظام برمجة تطبيقات نظام رقابة المنتفعين. ونفّـذ المقرر من خلال مزيج من الفيديو الخطي مصحوباً بكتاب عمل مطبوع (التعليم المعتمد على الفيديو)، ومن خلال المستوى الثالث من الفيديو التفاعلي مصحوباً بمادة مطبوعة وكتيب الجيب للمعينات الوظيفية (التعليم بالفيديو التفاعلي). ويتكون الجمهور المستهدف لهذا المقرر من مبرمجي التطبيقات ومحللي النظم المتمكنين الذي يدرسون نظام رقابة المنتفعين للمرة الأولى. وبينت عملية تحليل الحاجات أن المبرمجين المبتدئين في دراسة هذا النظام يكلّفون لتنفيذ مهام الصيانة أولاً ثم إصلاح الأخطاء أو إضافة خصائص لبرامج النظام الموجودة. وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد كتيب مرجعي أو منتجات تدريب تدرّس هذه المهارة بوضوح. وعلى العكس من ذلك، ينظر إلى نظام رقابة المنتفعين على نطاق واسع بوساطة الخبراء، أنه برنامجاً صعب التعلم، وليس من المعتاد إتقانه ما لم يكن لدى المبرمج سنوات من الخبرة مع هذا النظام. لذلك يختلف المقرر كثيراً عن التدريب التقليدي المعتمد على السلوك المدخلي بطريقتين على الأقل هما: أولاً، يعد المقرر محاولة ملموسة لتدريس المبتدئين مهارة يعتقد الخبراء بإمكانية تعلمها، ولكن لا يمكن تدريسها، وثانياً، يعد المقرر محاولة ملموسة لتدريس مهارة حل المشكلة على المستوى الأول.

إن المقرر ليس تنفيذاً كاملاً لاستراتيجية التحليل والتصميم المحددة سابقاً. وعلى أية حال، طبقت بعض المبادئ المحددة سابقاً في تدريس المقرر. هذه المبادئ موضحة على النحو التالي:

 

تحليل المهمة:

·        كان تحليل نظام الرمز في هذه الحالة تحليلاً للغة برمجة نظام رقابة المنتفعين ذاتها، باستخدام الطرق التقليدية لتحليل المفهوم.

·        تمثيل النظام قيد الدراسة: النظام قيد الدراسة هو برنامج نظام مراقبة المنتفعين كما نفذ في بيئات برمجة نموذجية. لهذا، اشتمل التحليل على تحديد بنى البرمجة النموذجية على هيئة وحدات لرمز النظام، كما حددت أمثلة تناظرية للغة برمجة كوبول (COBOL) أيضاً.

·        أنماط العطل: تشمل أنماط العطل الأخطاء شائعة الحدوث وطلبات الصيانة المتكررة. وقد حدد هذه الأخطاء والطلبات خبراء برمجة نظام رقابة المنتفعين، ثم صيغت في فئات. ولم يكن هناك محاولة لتحديد كل الأخطاء المحتملة وطلب صيانة شامل، وإنما فقط تحليل المشكلات شائعة الحدوث التي تعتبر فئاتها أمثلة نموذجية لتلك المشكلات.

·        لوغاريتمات (خطوات) الحل: لم تحدد لوغاريتمات حل محددة مثل اختبارات تشخيص الأخطاء أو إجراءات التعديل بشكل منفصل في عملية تحليل المهمة.

·        المعرفة التنقيبية (Hearistics): كل فئة فئة من فئات الأخطاء أو طلبات الصيانة، حددت القواعد التقريبية (Rules of thumb) الإيجابية والسلبية على هيئة منتجات صغير لفحص الأشياء أو النقاط الواجب وضعها في الاعتبار، ثم وضعت هذه القواعد في تسلسل على هيئة مخطط انسيابي (ثم اختيار نمط معين يألفه الجمهور المستهدف) على الرغم من أن النتيجة لم يمكن تقريرها بشكل كامل.

 

الاستراتيجيات التعليمية:

·        دُرِّس نظام الرمز مبكراً في المقرر، ففي الفيديو المصحوب بالتمارين المعتمدة على النص، استخدمت سلسلة لتدريس المفاهيم القياسية بما في ذلك العزل والعرض لخصائص المفهوم باستخدام سلسلة من الأمثلة الإيجابية والسلبية، واستخدام التمارين المشتملة على توليد شفرة بسيطة وتمييز الأمثلة الإيجابية والسلبية للمفهوم.

·        تدريس النظام قيد الدراسة نفّـذ من خلال تقديم البنى الأساسية للبرمجة الذي بوساطة تحليل وحدات شفرة نظام رقابة المنتفعين، وبوساطة التناظر مع لغة كوبول.

·        تدريس نمط العطل نفذ من خلال تقديم مخطط انسيابي للمعرفة التنقيبية في الفيديو التفاعلي. وفي أعلى مستوى لها، تمثل الخلايا في المخطط الانسيابي تصنيفاً للأنواع الحديثة من البرنامج. وقد درّس هذا التصنيف باستخدام الاستراتيجيات التقليدية لتدريس المفهوم.

·        نفّـذ تدريس المعرفة التنقيبية من خلال عرض لكل من نظم الإنتاج والقواعد التقريبية الذي يظهر في المخطط الانسيابي وله علاقة بكل نسخة حديثة من البرنامج. وكان التمرين على مستويين هما: أولاً، طلب من المتعلمين في التعليم المعتمد على الحاسوب، تحليل طلب صيانة نموذجي البرنامج نظام رقابة المنتفعين، واختيار نظم إنتاج تنطبق على مشكلات الصيانة تلك. ثم أعطى المتعلمون تمريناً نهائياً يشمل معالجة طلب صيانة بالمحاكاة وإعادة كتابة كتب شفرة نظام رقابة المنتفعين

لقد بنى المقرر على أساس تيسير الاتقان الذاتي للتعلم. على أية حال، لم يكن التمرين كافياً لكي يؤدي إلى أوتوماتية حقيقية في تنفيذ أي من المهارات التي درست. وبينما يعد هذا المقرر محاولة واعية لتطبيق المبادئ المحددة في هذا الفصل في ضوء المعوقات التي يمكن أن توجد في مشروع تجاري عملي، إلا أن ذلك لم يكن بدون تقديم تنازلات. فلكي يكمل المتعلم المقرر في حدود الوقت أو الميزانية المخصصين له، كان ينبغي اتخاذ العديد من قرارات التصميم التي لا تدعمها الأبحاث المذكورة أعلاه تدعيماً كاملاً. لذا، ساعدنا المشروع على تحديد عدد من الموضوعات ذات الاهتمام لمصممي التعلم، وهي موضوعات لا يبدو أن الأبحاث استكشفتها بشكل كامل سنناقش هذه الموضوعات في الجزء التالي.

 


ما الذي لا نعرفه حول تدريس تشخيص الأعطال الفنية

تقودنا الأبحاث المذكورة أعلاه، وخبرتنا مع مشروع نظام مراقبة المنتفعين إلى طرح عدد من الأسئلة التي لم تتوافر لها إجابة كاملة بعد في الأدبيات. هذه الأسئلة هي:

         1-          كيف ينبغي تمثيل المعرفة؟ في مشروع نظام رقابة المنتفعين المذكور، استخدمت مخططات الانسياب لتمثيل العملية التنقيبية حقاً. كذلك استخدمت المفاهيم التنقيبية في تحليل المفهوم. وعلى أية حال، استخدم مؤلفون آخرون أساليب كثيرة ومتنوعة لتمثيل المعرفة، خصوصاً لنظم الإنتاج والمعرفة التنقيبية وبنى القاعدة. وحتى الآن، لا يوجد توصيات قياسية لنظام يمثل المعرفة لاستخدامه في تحليل المهمة الإدراكية. يجادل سكانديورا (Scandura, 1986) بأن النظم المتنوعة لتمثيل المعرفة تتميز بنقاط قوة متفاوتة كما هو شأن اللغات المختلفة لبرمجة الحاسوب. فإذا كان هذا صحيحاً، إذاً، ما نحتاجه هو توصيات حول متى نستخدم كل نظام تمثيل للمعرفة؟.

         2-           هل ينبغي صياغة مكونات استراتيجية المهارة لفظياً وتدريسها بشكل مباشر، أو ينبغي تحصيلها استقرائياً من خلال التمرين؟ يعد شايكلين (Chaiklin, 1984) نموذجاً لأولئك المؤيدين للتدريس اللفظي المباشر للاستراتيجيات الإدراكية. ويجادل باحثون آخرون بضرورة توظيف النمذجة الاستقرائية (الاكتشاف) في تدريس الاستراتيجيات من خلال التمرين مصحوباً بقليل أو بدن الشرح اللفظي للاستراتيجيات.

         3-          هل تنطبق مبادئ تدريس الاستراتيجيات على الاستراتيجيات الإدراكية والتنقيبية؟ ربما تنطبق مبادئ تدريس الاستراتيجيات مثل تلك التي

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 369 مشاهدة
نشرت فى 17 يونيو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,797,635