الفصل الأول:

 التربية المقارنة: المفهوم،الهدف،المنهج

من الصعب الوصول إلى تعريف محدد للتربية المقارنة وهذا لأن البحث فيها ينقسم إلى بحوث أساسية وبحوث تطبيقية بالإضافة إلى تعدد محاولات التعريف لأن علم التربية المقارنة متعدد ومتداخل التخصصات فيمكن تعريفه من عدة زوايا.

1-   تعريف مارك أنطوان جوليان (1817)

التربية المقارنة هي الدراسة التحليلية التي تستند إلى الملاحظة الموضوعية وتجميع الوثائق عن النظم التعليمية في البلاد المختلفة، فالتربية مثلها مثل بقية العلوم تقوم على حقائق وملاحظات ينبغي تصنيفها في جداول تحليلية تسهل مقارنتها، وذلك بهدف استنتاج بعض القواعد المحددة. وبهذا نجد أن هدف جوليان هو الوصول إلى مبادﺉ  عالمية للسياسة التعليمية وهذا هو هدف التربية المقارنة الآن.

2-   تعريف كاندل :

عرف كاندل التربية المقارنة بأنها "الامتداد بتاريخ التربية حتى الوقت الحاضر"، ويؤكد كاندل على اكتشاف القوى والمؤثرات التي ساعدت على تشكيل النظم التعليمية بالطريقة التي عليها الآن، ويعبر كاندل بذلك عن المرحلة التي ينتمي إليها (مرحلة القوي والعوامل الثقافية) التي تعتمد أساساً على التحليل التاريخي؛ بمعنى أنه ينبغي على دارس التربية المقارنة أن يكون على علم بالنظريات السياسية وتاريخ التربية واقتصاديات التعليم..الخ.

3-   تعريف بيريداي :

رفض بيريداي تعريف التربية المقارنة على أنها التاريخ المعاصر للتربية  ونظرا لتأثره بعلم الجغرافيا عرف التربية المقارنة بأنها " الجغرافيا السياسية للمدارس من حيث عنايتها بالتنظيمات السياسية والاجتماعية من منظور عالمي، ومهمتها هي التوصل بمساعدة طرائق البحث المستخدمة في العلوم الأخرى إلى الدروس التي يمكن استنتاجها من الاختلافات في الممارسات التعليمية في المجتمعات المختلفة".

4-   تعريف هولمز:

يرى هولمز في التربية المقارنة أنها وسيلة لإصلاح أو تطوير النظم التعليمية، وفي نفس الوقت طريقة للبحث تهدف إلى نمو المعرفة في مجال التربية؛ فالتربية المقارنة علم نظري وتطبيقي من خلالها نصل إلى مبادﺉ أو حلول للمشكلات التي توجهنا كما يمكن أن نصل إلى تشكيل سياسات للإصلاح بالإضافة إلى التنفيذ الفعال للسياسات التعليمية والتنبؤ بإمكانيات نجاحها.

5-   تعريف هارولد نواه وماكس اكستاين:

أنها " مجال تطبيقي في التربية يخدم مجالات التقويم والإدارة المدرسية والإدارة التعليمية وصنع السياسة التعليمية، فهي مجال لاستخدام نتائج المقارنة لتدعيم أو معارضة برنامج محدد في التغيير " وبهذا فهدف التربية المقارنة هو اختبار الفروض لكشف العلاقة بين التربية والمجتمع وتفسيرها من خلال المادة العلمية عبر القومية. 

ويمكن اقتراح التعريف التإلى للتربية المقارنة

التربية المقارنة علم من العلوم التربوية يعنى بالسياق المؤسسي للنظم التربوية والعوامل المؤثرة فيها في السياق المجتمعي والعالمي بهدف الوصول إلى مبادﺉ ونظريات تفسر اتجاهات التغيير التربوي وعمليات إدارته في السياقات الثقافية المختلفة وذلك بغرض تجنب المشكلات الناتجة عن الصياغات الغير عملية للتغيرات التربوية وإدارتها وانعكاسات ذلك على الدول المختلفة.

وهذا التعريف يؤكد الجوانب التالية :

1)     التربية المقارنة عمل نظري تطبيقي متداخل ومتعدد التخصصات.

2)  أهمية التحليل الدقيق للسياق الثقافي للمؤسسات التربوية كالمدرسة والجامعة للتعرف على آلياتها وطريقة عملها وكافة جوانبها الداخلية، وربط ذلك بالسياق الثقافي للجميع والسياق العالمي للتأثيرات المتبادلة بينها.

3)  تركيز التربية المقارنة على البعد المستقبلي بالتأكيد على عمليات التغيير التربوي وإدارته والوصول إلى نظريات لتفسيره والتنبؤ بمدى نجاح هذا التغيير.

4)     لا يقتصر عمل التربية المقارنة على نظم التعلىم الحإلىة بل ترصد اتجاهات التغيير في النظم التعليمية والنظم المجتمعية الأخرى.

5)  سيطرة الهدف النفعي للتربية المقارنة ويتمثل في ضمان التنفيذ الفعال للسياسات التعليمية في الدول المختلفة من خلال دراسة نظريات التغيير في النظم التعليمية وصعوباتها ومعوقاتها وكيفية مواجهتها.    

6)     الهدف العالمي والدولي المتمثل في تحسين وتطوير نظم التعلىم في البلاد المختلفة لتحقيق التعاون والمفاهم الدولي والأمن والسلام العالمي.

7)     التأكيد على ضرورة تنوع الأساليب المنهجية في الدراسات المقارنة لتحقيق الجانبين النظري والعملي.

أهداف التربية المقارنة

الأهداف النظرية

1-         تنمية المعرفة بالنظريات والمبادﺉ المتعلقة التربية بصفة عامة وعلاقتها بالمجتمع بصفة خاصة.

2-    تحقيق فهم أفضل لأنفسنا من خلال فهم أفضل لماضينا، وتحديد وضعنا بطريقة أفضل في الحاضر وتحديد ما يمكن أن يكون عليه مستقبليا التربوي.

3-         التعرف على ما يحدث في الدول الأخرى، وتزيد من وعينا وفهمنا للمشكلات والتحديات المعاصرة للتربية في أنحاء العالم.

4-         توسيع فهمنا لنظمنا التعليمية من خلال معرفتنا بالأخر ومعرفتنا باستجابات المجتمعات الأخرى لمشكلات مشابهة لمشكلاتنا مما يفيد في حلها.

5-         الوصول إلى تعليمات من خلال اختبار افتراضات عن علاقات معينة بين التربية والمجتمع.

6-    معالجة التغير التربوي من أكثر من منظور مما يزيد من قدرة نظم التعلىم على الاسـتجابة للمتغيرات العالمية العميقة والمتصارعة مثل المنظور الفلسفي والمنظور المنطقي.

7-         تهدف إلى التنوير الثقافي للمجتمع بأكمله اعتمادا على إثراء المناهج والمداخل العلمية في التربية المقارنة وهذا لحل مشكلات الواقع.

الأهداف التطبيقية :

1.           تزود واضعي السياسة التعليمية والمخططين للتعلىم ببدائل رسم السياسة واتخاذ القرار على أساس سليم.

2.           تسهم التربية المقارنة في صنع القرارات المتعلقة بالقضايا الحيوية للتربية.

3.           نشر المعلومات التربوية والمساهمة الفعالة في برامج التطوير والإصلاح التربوي في مختلف دول العالم.

4.           تؤكد على إمكانية نقل الأفكار التربوية من دولة لأخرى فتكون نماذج عامة للتعلىم في الدول المختلفة.

5.           نقل النظم التعليمية مع ضمان نجاحها بالمواءمة والتكيف.

6.           تحديد القوى التي تحكم مسار التغيير في النظم التعليمية وتوجيه مستقبلها.

7.           تؤكد الدراسات المقارنة التطبيقية على مراعاة السياق الايكولوجي الدينامي المتحرك عن أصلاح النظم التعليمية في الدول المختلفة.

8.     للتربية المقارنة أهداف سياسية وأيديولوجية لها انعكاساتها التنفيذ في النظم التعليمية فالأيدولوجيا هي محور عمل التربية المقارنة لتخصص من التخصصات التربوية.

9.           هي وسيلة لوحدة الأمة والمصالحة السياسية خاصة في المجتمعات التي تتميز بالتنوع الثقافي والسياسي.

مراحل تطور منهجية البحث في التربية المقارنة

المرحلة الأولي: (النقل أو الاستعارة) أو المنهج الو صفي

تميزت هذه المرحلة بمحاولات متفرقة للتعرف على نظم حياة الشعوب وثقافتها بما فيها نظم تعليم أبنائها وهذا باستخدام منهجية وصفية تقوم على جمع المادة التي يغلب عليها الطابع الموسوعي وعدم التجانس ولا يحكمها نظام محدد.

كان هدف التربية المقارنة في هذه المرحلة هو نقل واستعارة النظم التعليمية.

يعد جوليان رائد هذه المرحلة، وقد ابتدع جوليان طريقة معينة تقوم على تشكيل لجنة أو لجان تعليمية مسئولة عن جمع وتصنيف المعلومات التربوية باستخدام استبيانات اقترحها جوليان ثم يتم ترتيب هذه المادة في خرائط تحليلية تسمح بالمقارنة والوصول إلى القواعد العامة التي تحكم مسار النظم التعليمية.

ومن رواد هذه المرحلة ماثيو ارنولد وهوراس مان وغيرهم. وما قدمه هؤلاء لم يتعد تقارير ودراسات عن التعليم في الدول الأجنبية وتنفيذ ما دعا إليه جوليان من ضرورة التوصل إلى قواعد عامة تحكم النظم التعليمية.

المرحلة الثانية ( مرحلة القوي والعوامل الثقافية )

يعد " سادلر " رائد هذه المرحلة كما يعد قنطرة للربط بين مرحلة الوصف والنقل والاستعارة ومرحلة التحليل والانتقاء والشمولية حيث يري أن النظام التعليمي جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع وليس نتاج لعامل تاريخي.

والسؤال الرئيسي الذي حاول سادلر الإجابة عنه كان: إلى أي مدى يمكننا أن نتعلم شيئا ذا قيمة عملية من دراستنا لنظم التعليم الأجنبية ؟ وسادلر لا يعني الإجابة باستخدام " الاستعارة المنتقاة " بل يعني المزيد من التحليل المتعمق للسياق المجتمعي في الدولة التي تريد أن تصلح نظامها التعليمي، وهذا ما يعنيه بمفهوم " الشخصية القومية " كأداة للتحليل . وكان لهذا المدخل السادلري العديد من الأنصار حتى وقتنا الحالي.  ومن أهم أنصار هذا المدخل من رواد التربية المقارنة:

أ-اسحق كاندل

كان كاندل مهتما بدراسة العلاقات بين النظم التعليمية والنظم السياسية في عدة مجتمعات خاصة مع تزايد تأثير القومية وظهور بوادر الدولية، وقد استخدم كاندل في دراسته لهذه العلاقات المدخل التاريخي لتحليل القوي والعوامل الثقافية السابقة والتي تؤثر على الشكل الحالي للنظام التعليمي، على اعتبار أن هذه العوامل والقوي الثقافية ( الماضية ) هي التي تفسر الاختلاف بين الدول وبين نظمها التعليمية.

ب- نيقلاس هانز

اتبع هانز طريقة كاندل وحاول البحث فيما أسماه العوامل المجددة المؤثرة في نظم التعليم ووضع مفهوما للأمة المثالية يقوم على خمس عناصر هي: وحدة الجنس، وحدة الديانة، وحدة اللغة، وحدة الأرض والسيادة السياسية. ولقد اهتم هانز بمفهوم " الشخصية القومية " . وحدد ثلاثة عوامل مؤثرة في نظم التعليم هي: أ- العوامل الطبيعية مثل: الجنس، اللغة، البيئة.    ب- العوامل الدينية مثل : الكاثوليكية، والبروتستانتية والانجليكية.       ج- العوامل العلمانية مثل: الإنسانية، الاشتراكية، القومية.

ج- مالينسون : أكد مالينسون على أفكار كاندل؛ ذلك أن لب منهج مالينسون يتمركز حول فكرته عن "النمط القومي" وتأثيره في تشكيل الطابع القومي للتعليم، والنمط القومي عند مالينسون يعني تكوينا عقليا ثابتا جماعيا يضمن للأمة هدفا مشتركا ويشكل سلوك أفرادها، وهذا النمط يعرفنا مقدار رغبة الأمة في التغير ومدى قدرة نظم التعليم على التغيير.

د-جوزيف لاوايز

هو من أبرز من ربطوا بين الأيديولوجيا والتربية،. وقد نقد منهج "النمط القومي" لكثرة عناصره وعدم دقتها فاختصر هذه العناصر في عامل رئيسي هو العامل الفلسفي أو الأيديولوجيي. وقد ربط لاواريز بين الجانب الفلسفي للأمة وبين التربية المقارنة ونظمها من حيث نوعية المدارس وكيفية تنظيمها وإدارتها ونوعية المناهج وأساليب وطرائق التدريس المتبعة.

تعليق على مرحلة القوي والعوامل الثقافية

ساعدت هذه المرحلة في تفسير العلاقة بين نظم التعليم وسياقاتها الثقافية، وهي بذلك تجيب على سؤال لماذا يكمن الاختلاف والتشابه بين النظم التعليمية، وجاءت الإجابة في "الشخصية القومية " و "النمط القومي" واختلاف القوى والعوامل الثقافية المؤثرة في نظم التعليم.

وترى هذه المنهجية أن نظم التعليم تابعة للنظم المجتمعية الأخرى في المجتمع وتتأثر بها دون أن يكون لها الحق في تغيير "الشخصية القومية" أو "النمط القومي" الحاكم أما مسألة إمكانية ( التنبؤ ) بنجاح عمليات النقل أو المواءمة فإن ذلك يعتمد على الإطار الثقافي الحاكم ومدى قدرته على التغيير أو اللاتغيير. هل تؤثر نظم التربية في المجتمع أم المجتمع هو الذي يؤثر في نظم التربية.

المرحلة الثالثة: (مرحلة المنهجية العلمية)

بدأت هذه المرحلة بإنتهاء الحرب العالمية الثانية (1945) حيث شهد العالم العديد من عمليات التغير والتطور التي انعكست على التربية المقارنة كمجال بحثي هام وضروري في تلك العمليات، وتحول هدف المنهجية العلمية في التربية المقارنة إلى زيادة قدرة التربية المقارنة كعلم على التنبؤ والتوجه نحو المستقبل، وبالتالي زيادة قدرة التربية المقارنة على أن تتحول إلى علم إيجابي يمكن أن تساهم بفعالية في التخطيط وصنع القرار التعليمي وعمليات تنفيذه

وهنا يمكن القول أنه إذا كان هدف المرحلتين هو الوصف ثم النقل والاستعارة ثم محاولة ضبط هذا النقل بالرجوع إلى القوى والعوامل الثقافية، فإننا نزعم أن هذه المرحلة كانت تحاول خدمة المستفبدبن في علاج مشكلات قائمة أما هذ المرحلة فهي تحاول التنبؤ بالمستقبل والتخطيط له للتغلب على ما قد يطرأ من مشكلات واللحاق بركب التقدم والمنافسة العالمية. 

أهم الرواد المعاصرين:

أ ) أرثر موهلمان

دعى موهلمان العلماء من التخصصات وثيقة الصلة بالدراسات التربوية المقارنة إلى أن يتعاونوا لفهم النظم التعليمية فهما أفضل وهذا بهدف " التحليل الدقيق للمشكلات المشتركة بين نظم التعليم في العالم، وتعتمد منهجية موهلمان على تشكيل إطار نظري " تُبني عليه عمليات التحليل وهذا بهدف التحليل المنظم للاتجاهات المعاصرة والعوامل طويلة المدى مما يضمن توجهات مستقبلية صحيحة، ويتم ذلك بعمل توازنات بين البراهين التجريبية المتاحة حاليا وتأثيرات القيم الثقافية المستمرة، ويسمي موهلمان ذلك بقانون الشكل أو التركيب الذي يساعد على دراسة النظم التعليمية ليس فقط كوحدة تاريخية متطورة.

وتقوم منهجية موهلمان على عدة مسلمات منها:

•    أن النظم التعليمية توجد بعمق في الثقافة.   

•     النظام التعليمي يتمثل بعمق في الثقافة الطبيعية

وبسبب ذلك هناك طريقين للدراسة:   

1- دراسة المجتمع الذي يشمل النظام التعليمي

2- دراسة مشكلات تتعلق بالنظام التعليمي.

والواقع أن نموذج موهلمان رغم محاولته إلى أن يكون عمليا، إلا أنه شديد التعقيد صعب التناول والتطبيق.

ب ) جورج بيريداي

يعتبر كتاب جورج بيريداي " الطريقة المقارنة في التربية " أول محاولة عملية جادة للبحث عن هوية للتربية المقارنة فقام بتعريفها من خلال طريقتها ومنهجها. ويعتبر بيريداي نقطة تقاطع هامة في تاريخ التربية المقارنة بين مرحلة سابقة تقوم على الوصف والمدخل التحليلي التفسيري الواسع ومرحلة أخرى تقوم على وضع فروض واختبار صحتها.

 المنطلقات الأساسية لمنهج بيريداي:         

1-    دراسة نظم التعليم الأجنبية تساعدنا على معرفة الشعوب الأجنبية وفهم أنفسنا أيضا .

2-     تعد التربية المقارنة تمهيد يسبق عمليات نقل النماذج الأجنبية من خلال قيامها بالتحليل الثقافي .

3-  في ضوء عمليات التحليل الثقافي يمكن القيام بعملية " التنبؤ " أي التنبؤ بنجاح أو فشل إصلاحات تعليمية ثبت نجاحها في ظروف وعوامل ثقافية مشابهة.

4-    الاهتمام بالتحليل الشامل ويعني دراسة التأثير الكلي للتربية على المجتمع من منظور عالمي.

5-    استناد منهج بيريداي إلى المنهج الاستقرائي .

6-   يميز بيريداي بين نوعين من الدراسات في مجال التربية المقارنة.

أ‌-     الدراسات المجالية أو المنطقية: تدرس منطقة صغيرة (بلد واحد) وقد تتسع لتشمل قارة بأكملها إذا كان بين بلادها خصائص مشتركة، وهذه الدراسات من المتطلبات الأولية الضرورية للدراسة التحليلية المقارنة ومهمتها تدريب وإعداد الباحثين في التربية المقارنة.

ب‌-   الدراسات المقارنة: وهي تتعلق بعدة دول أو مناطق في نفس الوقت وهي استكمال للخطوتين السابقين (الوصف والتفسير) بخطوتين أخرتين هما مرحلة المقابلة ومرحلة المقارنة.

 خطوات منهج بيريداي   

1-    الوصف: أو كما يسميها بيريداي "جغرافية التعليم" وتعتمد على جمع معلومات تربوية خالصة.

2-    التفسير (التحليل الاجتماعي): أي تطبيق طرائق العلوم الاجتماعية الأخرى لتفسير المعلومات والمعطيات التربوية .

3-    المقابلة: هي عملية ترتيب للمادة العلمية على أسس موحدة وإعدادها للمقارنة وفي نهاية المرحلة نصل إلى الفروض.

4-    المقارنة: وتأخذ المقارنة شكلان هما :

  ‌أ-    المقارنة المطردة: وهي عملية الانتقال من دولة لأخرى في جانب من جوانب المقارنة ثم العودة مرة أخري لتناول جانب أخر خاصة في الجوانب التي يمكن جدولتها مثل الإحصاءات.

  ‌ب-       المقارنة التصويرية: وتعتمد على عقد المقارنة بشكل عشوائي خاصة عندما يصعب إجراء المقارنة المطردة.

ويفرق بيريداي بين مدخلين للمقارنة في دراساته التربوية المقارنة:

1-  مدخل المشكلة: يتضمن اختيار موضوع واحد أو مشكلة واحدة لدراستها في النظم التعليمية المختارة (مثل مشكلة التدريب) ويساعد هذا المدخل الباحثين المبتدئين على إجراء دراسات مسحية مقارنة وهي ترتبط بالدراسة المجالية.

2-  مدخل التحليل الكلي: يتناول هذا المدخل جميع العوامل الرئيسية المؤثرة في نظم التعليم بهدف صياغة القوانين التي تساعد على فهم وتحديد العلاقات المعقدة بين النظم التعليمية ومجتمعاتها التي توجد فيها وذلك من منظور عالمي.

بيريداي والمنهج الاستقرائي

المنهج الاستقرائي هو المنهج الذي نبدأ فيه بجزئيات يقينية (تجريبية) لنصل إلى قضايا عامة كلية وخطواته كما حددها بيكون (رائد المنهج الاستقرائي ) :

1- الملاحظة والتجربة.  2- التعميم الاستقرائي.  3- تكوين الفروض.  4- محاولات التثبت من صحة الفروض.   5- أثبات صحة أو عدم صحة الفرض.    6- المعرفة.

وبفحص الخطوات الأربعة لمدخل بيريداي نجده يبدأ بخطوة الوصف وتعني عملية (الملاحظة). ثم الخطوة الثانية التفسير والخطوة الثالثة المقابلة والهدف منها الوصول إلى أساس المقارنة وهما تماثلان عمليتا (التعميم الاستقرائي) و (تكوين الفروض) ثم الخطوة الرابعة عند بيريداي وهي المقارنة فهي (محاولة التثبت من صحة الفرض). أما الهدف النهائي فهو الوصول إلى تعميمات أي (المعرفة).

وتظهر المنهجية الاستقرائية لبيريداي في تأكيده الدائم على أهمية البعد عن التعصب والذاتية وخطورة ذلك بالنسبة لباحث التربية المقارنة وهذا يتفق مع دعوة بيكون.

تقييم الطريقة المقارنة عند لبيريداي

¨        أهم نقاط القوة في منهجية بيريداي

(1)         تأكيد أهمية البعد عن التعصب والعوامل الذاتية.

(2)         تأكيد أهمية الترتيب المنطقي للمادة العلمية.

(3)         كان أول من أكد أن التربية المقارنة علم متداخل التخصصات يعتمد على تفسيره للظواهر التربوية على معطيات العلوم الأخرى.

(4)    تأكيده على التفرقة بين (معيار المقارنة) والفروض . فالأول يشير إلى ما يمكن تسميته بالفروض الأولية التي يمكن تعديلها والوصول إلى الفروض الحقيقية التي هي أساس المقارنة.

(5)         قام بيريداي بتطبيق مدخله وتوضيح خطواته على المشكلات تربوية ودراسات كلية لنظم التعليم من أشهرها:

•   الإصلاح التربوي في فرنسا وتركيا ( وهي مثال على نموذج حل المشكلة ).

•   التلقين والمدارس في دولة " بولندا " ( الدراسات المجالية في دولة واحدة )

¨        أبرز نقاط الضعف في منهجية بيريداي

1-  المنهجية لم تحدد كم ونوعية المادة التربوية المطلوب تجمعيها في الخطوة الأولي ( الوصف ) وإن كان بيريداي واعيا لهذه النقطة عندما قسم دراساته إلى دراسة لمشكلات تربوية يتم تحديدها وبالتالي فإن نوعية المادة المطلوبة يجب أن تكون وثيقة الصلة بالمشكلة موضوع البحث ومع ذلك فهذه نقطة ضعف في المنهجية.

2-   لم يحدد بيريداي كيفية إجراء التحليل الثقافي في ضوء ربط النظم التعليمية بسياقاتها المجتمعية وبالعلوم الأخرى.

3-  تأجيل وضع الفروض إلى الخطوة الثالثة وهذه النقطة من أخطر نقاط الضعف له فطالما أن المنهجية لا تبدأ بفروض ما فأنها تمثل مضيعة للجهد والوقت، والأخطر من هذا أن بيريداي يتحقق من فروضه في ضوء معلومات تتصل بماضي وواقع النظم التعليمية ليس في ضوء رؤية مستقبلية للنظام التعليمي أو في ضوء التحقق من المبادىء العامة التي توصل إليها.

يطرح المؤلف هنا من خلال عرضه لأحد النماذج التي استخدمت منهجية بيرايدي إمكانية إجراء التعديلات التالية في منهج بيريداي:

1-    أن تصبح خطوتا "الوصف" و "التفسير" خطوة واحدة، فلا يمكن وصف المعلومات التربوية دون محاولة تفسيرها وتحليلها.

2-  أن يتم وضع نموذج نظري لمنهجية البحث في الدول موضوع الدراسة بدلا من خطوة المقابلة والتي تشمل تنظيم المادة للمقارنة بينها لتكوين فروض محكمة ودقيقة مما يضمن اتساق المعلومات وعقد المقارنات.

3-    أن يبدأ الباحث من مشكلة على المستوي الصغير في النظام التعليمي بدلا من التحليل الكلي للنظام التعليمي.

4-  التأكيد على أنه ليس ضروري أن تتشابه العوامل والقوي المؤثرة في الظاهرة موضوع البحث كذلك يجب التأكيد على العوامل من داخل النظام ذاته مثل كيفية إدارته وتمويله . مع عدم إغفال العوامل الدولية العالمية.

 

الفصل الثاني: تعليم ما قبل المدرسة

أولاً: تطور تعليم ما قبل المدرسة

يرجع الاهتمام برعاية الأطفال الصغار إلى أكثر من قرنين من الزمان حيث أجريت العديد من الإصلاحات التي استهدفت تعليم الأطفال الصغار بصفة عامة والأطفال الصغار الذين يعيشون في بيئات فقيرة بصفة خاصة.

-       افتتح أولبرلين مدرسة للأطفال الصغار في فرنسا عام 1769.

-       أنشأ بستالونزي  مدرسته في سويسرا عام 1805.

-       أنشأ روبرت أوين مدرسة لأبناء النساء العاملات في إنجلترا عام 1816.

-   أنشأ فروبل أول روضة أطفال في بلانكبرج بألمانيا عام 1837. وأطلق اسم روضة أطفال على المدرسة المخصصة لتعليم أطفال ما قبل التعليم الابتدائي. وانتشر فكر فروبل بسرعة، فافتتحت روضة فروبل في بريطانيا العظمى عام 1851، وظل مجتمع فروبل لمدة عشرين سنة تالية. وأغلقت مدارس فروبل بألمانيا عام 1851 بأمر من الحكومة البروسية، مما دعا عدد من المهاجرين إلى إكمال العمل بأمريكا، ويرجع الفضل إليهم في إنشاء رياض الأطفال بأمريكا.

-   وانعكست التغييرات التي شهدها العالم منذ أوائل القرن العشرين على الاهتمام بالطفولة ورعايتها فتزايد الاهتمام بمرحلة ما قبل المدرسة، وأكدت المواثيق الدولية مبدأ التعليم للجميع والالتزام الجماعي بتوسيع وتحسين الرعاية والتربية على نحو شامل في مرحلة الطفولة المبكرة وخاصة لصالح أكثر الأطفال تأثراً وأشدهم حرماناً.

العوامل التي أثرت على الاهتمام بمرحلة ما قبل المدرسة، من أهمها:

أ- تطور الفكر التربوي المعاصر والاهتمام بالبحوث النفسية.

ب- المواثيق والاتفاقيات الدولية:

نظراً للتغييرات التي شهدها العالم في أوائل القرن العشرين من حروب عالمية، دفعت الجهود الدولية إلى ضرورة حماية المدنيين من مخاطر الحروب فاهتمت بالطفولة منذ عام 1934 بصدور إعلان جنيف لحقوق الطفل. وواصلت الأمم المتحدة جهودها بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، والإعلان العالمي لحقوق الأطفال عام 1959، واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل عام 1989. وحثت الأمم المتحدة الدول المصدقة على المواثيق والاتفاقيات تعزيز حقوق أطفالها وإصدار التشريعات التي تكفل ذلك.

جـ- المؤتمرات والندوات والحلقات الدراسية الدولية

د- التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية: 

أدت التغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي صاحبت الثورة الصناعية إلى خروج المرأة إلى العمل وخاصة في الطبقات الفقيرة والمتوسطة لتحسين أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية مما أظهر الحاجة إلى وجود هيئة اجتماعية تعاون الأم في رعاية أطفالها الصغار قبل سن الإلزام.ولهذا أصبحت مؤسسات ما قبل المدرسة ضرورة اجتماعية لرعاية الأطفال الصغار أثناء غياب أمهاتهم.

هـ- مبدأ تكافؤ الفرص

تحقيقاً لهذا المبدأ ظهرت ضرورة رعاية الأطفال الصغار أبناء الطبقات الفقيرة الذين لا تتوافر لديهم البيئة الصالحة والخدمات الأساسية. ومن ثم اتجهت الدول المختلفة إلى توفير أماكن بمؤسسات ما قبل المدرسة للصغار قبل سن السادسة وظهر اتجاه لبدء التعليم الرسمي في السنة الأخيرة من مدرسة الحضانة.

ثانياً: أنواع مدارس مرحلة ما قبل المدرسة:

تدخل ضمن مرحلة ما قبل المدرسة كل دار أو مدرسة تقوم برعاية الأطفال قبل سن السادسة وهي:

أ- دور الحضانة أو مراكز الرعاية النهارية:

وهي مؤسسات اجتماعية، تنشأ لرعاية الأطفال قبل سن الإلزام.

ب- مدرسة الحضانة:

مدرسة الأطفال في سن مرحلة ما قبل المدرسة (2-5 سنوات) وتهتم هذه المدرسة بصفة أساسية بمشاكل التدريب على العادات والتطبع الاجتماعي، ولكنها أيضاً تعطي قدراً من الاهتمام إلى التغذية وتربية الوالدين… الخ.

جـ- روضة الأطفال:

مؤسسة تعليمية أو جزء من نظام مدرسي، مخصص لتعليم الأطفال الصغار عادة من سن 4- 6 سنوات من العمر.

د- مدارس اللعب:

وهي مدارس للأطفال من سن الرابعة حتى سن السادسة أو السابعة وتقدم خدمتها لمدة ثلاث ساعات يومياً طوال أيام الأسبوع.

هـ- مدارس الأطفال:

هي جزء من نظام مدرسي يلتحق بها الأطفال من سن الخامسة، ومدة الدراسة بها سنتان من الخامسة حتى السابعة من عمرهم وهي إلزامية مجانية مشتركة وهي إما في أبنية مستقلة أو في أبنية مشتركة مع مدرسة الحضانة، أو مشتركة مع المدرسة الابتدائية.

 

 

ثالثاً: الاتجاهات المعاصرة لتعليم ما قبل المدرسة:

أ- الرؤية الموسعة لتنمية الطفولة المبكرة:

أرست المواثيق الدولية حق الطفل في التعليم كمعيار عالمي وتعهدت معظم الدول بتأييد هذا الحق وإصدار التشريعات اللازمة لتوفير التعليم المجاني لجميع الأطفال الصغار، وتمثل المادة 29 من اتفاقية حقوق الطفل عام 1989 رؤية أساسية شاملة لتنمية الأطفال ،وتتمثل الرؤية الموسعة لتنمية الطفولة المبكرة في: الاهتمام بالنمو الطبيعي للطفل وتقديم الخدمات الصحية للأم والطفل معاً، وتثقيف الوالدين والقائمين على رعاية الأطفال لإثراء إدراكهم وتعريفهم أسس رعاية الأطفال والعناية بهم والتدخل المبكر لمنع الإعاقة، ورعاية الطفل المعوق وتعزيز نموه الطبيعي.

ب- "التعاون بين مؤسسات ما قبل المدرسة والأسرة":

تشير الأدبيات إلى أهمية وضرورة التعاون بين المعلمات بمؤسسات ما قبل المدرسة والأسرة وعملهما معاً في رعاية الأطفال في هذه السن المبكرة فالعلاقة القوية بين المعلمات والأسرة تفيد الطفل في الاستفادة من الفرص التعليمية المتاحة له، كما أن المعلمة الأولى للطفل لها تأثير فعال في هذه المرحلة المبكرة من عمر الطفل.

وهناك بعض العوامل التي ساعدت على تحقيق التعاون بين مؤسسات ما قبل المدرسة والأسرة وتكوين رابطة وثيقة بينهما وهي:

·        تنظيم تعليم ما قبل المدرسة:

إن تنظيم تعليم ما قبل المدرسة وتنوع مؤسساته يساعد الآباء على حرية اختيار نوع الرعاية المناسبة لأطفالهم

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 95/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
32 تصويتات / 28650 مشاهدة
نشرت فى 15 يونيو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,312,090