دروس في اللسانيات الحديثة

الدرس الاول

مبدأ التعميم
في نظرية النحو التوليدي التحويلي


يفهم من صفة التعميم في منهج المدرسة التوليدية أنّها لا تقصر الوصف والتفسير اللسانيين على لغة خاصّة، بل تجعل النظرية الواصفة المفسّرة معمّمَة على الظّاهرة اللغويّة البشريّة، في كافّة اللغات
وتدعى النظرية اللسانية الواصفة والمفسرة، للغة البشرية قاطبةً، بنظرية النحو الكلّيّ (Universal Grammar)
والقول بقواعد النحو الكلي هو قول بظاهرة التعميم أي تعميم مجموعة من المبادئ العامّة على سائر الأنحاء الخاصة، وهو قول بأن اللغات الخاصة التي توصف بتلك الأنحاء الخاصة، تحكمها قواعد عامة كلّيّة، هي قواعد النحو الكليّ، ولا بدّ من ظاهرة التّعميم (Generalization) في جسم النظرية حتى يصحّ نعتُها بأنها نظرية لسانسة عامّة أو كلّيّة تقوم على وجود ثوابت عميقة تحكم الظواهر اللغوية – أصواتها، وتراكيبها ، ومعجمها ، وصرفها ، ودلالاتها – وقواعد لغوية ترتد إليها الأجزاء والآحاد ،و لا بدّ لكي تتحقق صفة التعميم والكلّيّة في النظريّة من اطراح عوامل الاختلاف والتنوع في اللغات، التي هي عناصر محلية لا انتساب لها إلى المبادئ والقواعد الكلية ، وإنما هي محكومة بقواعد أخرى تؤول المختلفات وتفسرها بمتغيرات القاعدة الكلية الواحدة وتنوع أوجهها، وتسمى هذه المتغيّرات التي تفسر الخصوصيات بالوسائط أو الباراميترات (Parameters)
قواعد النحو الكلّيّ قواعد كلية مستقرة في مخزون المتكلمين قاطبة ،الذين لا يفزعون إلى هذه القواعد إلا لانتقاء ما يناسب لغاتهم ، ويوسّطون في الانتقاء وسائط لتثبيت القيم المناسبة ، تنتهي بالمستعمل اللغوي إلى تنزيل مبادئ النحو الكلي ومقاييسه على لغته الخاصة، فيتم الانتقال من الكليات إلى الجزئيات والأنواع


انظر:
- من قضايا الأشباه والنّظائر بين اللغويات العربية والدّرس اللساني المعاصر، د. عبد الرحمن بودرع، نشر: حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، الرسالة:227، الحوليّة:25، مارس2005
- نظرية النحو الكلي والتراكيب اللغوية العربية دراسات تطبيقية، د. حسام البهنساوي، مكتبة الثقافة الدّينية، 1998
- Formal Parameters of Generative Grammar, I: Yearbook 1985 by Ger de Haan, Wim Zonneveld, Author(s) of Review: Thomas F. Shannon
********, Vol. 62, No. 4 (Dec., 1986)






الدرس الثاني ::


نظرية القوالب في المدرسة التوليدية التحويلية


القولبة أو القالبية نظرية يُفهَم منها معنى التعدد؛ ينصرف مفهوم القالبيّة أو القولبة إلى إفادة معنى التّعدّد في جسم النظريّة اللغوية، وقد جاءت المدرسة التوليدية التحويليّة بتصور جديد هو تصور التعدّد أو القولبة، فخالفت بهذا التّصوّر مبادئَ اللسانيات السابقة كالمدرسة البنيوية التي كانت تقوم على فكرة الثنائيات وليس التعدّد؛ كالثنائية بين الدّالّ والمدلول، والسمعي والذّهني، والمتكلّم والمستمع...
جاءت المدرسة التوليدية بمفهوم جديد هو التعدّد أو القولبة أو القالبية، و هذا اصطلاح غير مألوف في الأدبيات اللسانية:
القولبة (Modularity) مفهوم يتعلق بتعدد القوالب في جسم النظرية اللغوية، أي إن النظرية اللغوية التي تُعنى بوصف البنيات اللغوية وتفسيرها تقوم على تعدد الأنسقة أو تعدّد الأنظمة التي تنضوي تحت النظرية العامة. وهذا أمر جديد في التصوّر اللّساني . ويذهبُ النحو التوليدي إلى أن النظرية اللسانية العامة تخصص مجموعة من الأنحاء الممكنة لوصف اللغة، وهذه الأنحاء عبارة عن عدد من الأنساق الفرعية التي تتفاعل فيما بينها، فأما المكونات الفرعية للنحو فهي:
1- المعجم (lexicon)
2- التّركيب (Syntax)
3- المكوّن الصّواتي (Phonological Component)
4- المكوّن الدّلالي/المنطقي (Logical form)

وأما الأنساق الفرعية أو القوالب (Moduls) فهي:

1- نظرية العامل (Government theory)
2- نظرية الحالات الإعرابية (theory Case)
3- نظريّة العُقَد الفاصلة (theory bounding)
4- نظرية الربط الإحالي (theory binding)
5- نظرية المراقبة (theory Control)
فوصف ظاهرة لغوية ما يقتضي اللجوء إلى أنساق مختلفة من القواعد تضبطها مبادئ مختلفة وبسيطة، ولكنّ الواصف يحتاج إليها مجتمعةً. وقد دُعِيَ هذا الاتّجاه في تصوّر العلاقة بين مكوّنات النّظريّة اللغوية والطّريقة التي تعمل بها، بالقولبَة (Modularity)
وأريد أن أضيف–إلى مفهوم التعدّد التّعدّد في الملَكَة اللغوية، أي علاقة المَلَكة اللغوية ببقية الملكات الذهنية المتعدّدة، فالذهن مكون من مجموعة قوالب متفاعلة أثناء الإنجاز اللغوي ومن بينها:
- قالب النحو، وهو الجهاز الذي يصدر الجمل ويولّدها
- قالب التصورات والمفاهيم والاعتقادات التي يحملها الإنسان عن العالم
- القالب التداول الذي يضع الخطاب اللغوي في سياق المتكلم والمخاطب .
انظر في هذا المعنى:
N.CHOMSKY, Lectures On government and Binding, Dordrecht

اللسانيات واللغة العربية، نماذج تركيبية ودلالية، د.عبد القادر الفاسي الفهري، دار توبقال للنشر، البيضاء، ط.1، 1985، الجزء 1

الدرس الثالث::
قضايا اللسانيات التّداوليّة (Pragmatic Linguistics)

اشتغلت التداوليات بمجموعة من الإشكالات والقضايا التي تعدّ من صميم موضوعها، مثل: ماذا نفعل عندما نتكلم؟ ماذا نقول عندما نتكلم؟ من يتكلم؟ ومَن يُكلّم المتكلّمُ؟ ولماذا يتكلم على هذا النّحو؟ كيف يمكن أن يُخالِفَ كلامُنا مقاصِدَنا؟ ما هي أوجه الاستخدام الممكنة للغة؟...
أجابت التداوليات عن هذه الأسئلة بطريقة تتناسبُ والطابعَ المتجدد لهذا الحقل اللساني باعتباره حقلا يعيد النظر في المبادىء التي تتأسس عليها الأبحاث اللسانية السابقة، وهي:
- أولوية الاستعمال الوصفي والتمثيلي للغة.
- أولوية النسق والبنية على الاستعمال.
- أولوية القدرة على الإنجاز.
- أولوية اللسان على الكلام
Armengaud, Françoise, La pragmatique, Que-sais-je?,
PUF, 1985, p:7

من هذا المنطلق، يمكن القول إن التداوليات حقل لساني يهتم بالبعد الاستعمالي أو الإنجازي للكلام ويأخذ بعين الاعتبار المتكلم والسياق.

أما المعنى التّداولي أو المعنى البراغماتي :
فهو المعنى الذي يتعلّق بوظيفة الكلام، وهي الرّبط بين بنية اللسان الطّبيعيّ ووظيفتِه الأساس، هذه الوظيفة الأساس هي التّواصل داخل مجموعة لغويّة محدّدة، واللسانيات التداولية تدرس علاقات البنية اللغوية بالمتكلم والمُخاطَب. أي المعاني التي تدور في فَلَكِ الحوار ودائرة المُحادَثات أو التّواصُل الكلاميّ بين أطرافِ الكلام.
إنّ اللسانيات التّداولية تركّزعلى البعد العملي للمعنى أي معنى المحاورة بين أطراف الكلام.
وتعمل التداوليات بحكم كونها لسانيات ذات اهتمامات عمليّة براغماتيّة، على وصف فعل المحادثة وتفسيرها؛ مستخدمةً في ذلك مجموعة من المبادئ والمفاهيم الوصفية، كمبدإ التعاون ومبدإ الاحترام ، وغيرها من المبادئ التي تضبط سير المحادثات بين المتكلِّمين
ملاحظة: تم رفع هذه الدروس لتعميم الفائدة فقط مع عدم وجود صاحبها او الجهة التي قدمت بها

اللغة العربية قبل عصر التدوين


اللغة ظاهرة بشرية ووسيلة اتصال وتبادل المشاعر والأفكار وهي مجموعة رموز صوتية منطوقة ومسموعة متفق عليها – بعدما كانت محاكاة – لأداء هذه المشاعر والأفكار ، وهذه الرموز تجتمع فيما بينها فتكون مقاطع ومفردات وجملا تؤدي عاني شتى حسب ما يريدها الباث للرسالة اللغوية ، وفهم المتلقي يعني إدراك العلاقات التي تقوم بين الأصوات ومدلولاتها ، وبين الكلمات بعضها ببعض . وهذه المواضعة هي "الأمر الأساسي الذي تستمد منه الكلمة مقومات دلالتها ، يضاف إليها بعد ذلك سياق الكلام والمقام الذي يقال فيه"
اللغة العربية من اللغات السامية، لم تولد كاملة، فقد مرت كغيرها من اللغات لأطوار لم يدركها عصر التدوين، والمهم أنها نمت نموا طبيعيا بعد زمن طويل، والشواهد ترجع وجود كتابتها إلى القرن الثاني الميلادي، وقد ظهرت فيها نهضات نوعية بسبب احتكاك الأفكار بالاختلاط الذي كان يتم أثناء مواسم الحج، أضف إلى هذا أثر الهجرة التي اقتضتها عوامل الطبيعة، وبذلك تعرضت لكثير من الطوارئ قبل أن تدون وتضبط في القرن الثاني للهجرة . وهكذا لم يصل إلينا – حسب كثير من الأقوال – إلا لغة الحجاز، وقد وجدت مجموعة كبيرة من اللغات التي تعرف آنذاك باللهجات .
وفي القرن الأول، والثاني قبل الإسلام، حدثت نهضة لغوية بنزول الأحباش والفرس في اليمن على اثر استبداد ذي يزن ملك اليمن ولما فتح الفرس اليمن، أقاموا فيها واختلطوا بأهلها، وكانوا يحجون إلى الكعبة ، وأهل الكعبة يتاجرون في اليمن، وسبب هذا في ظهور اختلاط في اللسان .

ومهما يكن فإن كثيرا من المصادر تشير إلى أن العربية مثلها مثل اللغات الأخرى ، عرفت طفولة ، فقد مرت بعدة أطوار قبل لأن ينزل بها القرآن الكريم ، وهذه الأطوار هي :

أطوار اللغة العربية

الطور الأول : كانت فيه مزيجا من اللهجات ، والبداية تعود إلى لهجتين: لهجة قبائل بني عدنان في شمال الجزيرة العربية ، ولهجة قحطان الحميرية ، وقد أفادت العدنانية من الحميرية وصارعها حتى تغلبت عليها.

الطور الثاني : بدأت عند اجتماع القبائل ، واختلاط بعضها ببعض في الحروب والحج والأسواق، وهنا كان لقريش السيادة الدينية ، حيث كانت تأخذ من لغات الشام واليمن وفارس والحبشة، ما تدخله في لغتها بعد تهذيب متقن ، وزادت ثروتها اللغوية

الطور الثالث : بدأت بنزول القرآن الكريم ، فأتم لهذه اللغة سيادتها وشرفها ، فكانت شيئا مهما ، وكان للحديث النبوي الشريف أثر واضح في تهذيبها ، وهنا اتسعت أغراض هذه اللغة بتأثير الدين ، ودخلتها الألفاظ الجديدة ، وتغيرت معاني بعض الألفاظ حسب طبيعة تطور المجتمع المدني آنذاك

في هذا الوقت بدأ اللحن يظهر عند العرب بفعل احتكاكهم بالمستعمرين ، وشاع في بداية العصر الأموي41-132 هـ الموافق لـ 661-749هـ ، واستنكر العرب هذه الظاهرة ، فانبرى أبو الأسود الدؤلي وتلامذته لوضع رسم إعراب القرآن عن طريق النقط، والشكل ، ووضع قواعد النحو ، وتواصل العمل في العصر العباسي 132-656 هـ الموافق لـــ : 750 -1258 هـ ، بشكل مكثف نظرا لاستعانة الحكام العباسيين بالفرس ، وازدياد انتشار الإسلام ، وكان من نتائج ذلك تأثير واضح في اللغة ، حيث ظهر الاعتماد على القياس والتعليل ، واعتماد مناهج جديدة في اللغة، ونسجل هنا ظهور علماء أفذاذ في اللغة مثل أبو عمرو بن العلاء ، وعيسى بن عمر الثقفي ، والخليل بن أحمد ، وسيبويه ، والكسائي ... فكانت كتبهم النواة الأولى لتأسيس لغة عربية لها مقوماتها التي تقوم عليها أية لغة من منهج ، قواعد ، تراث ... وزاد اختلاف العلماء فيما بينهم في أمور اللغة إلى إنشاء مدارس لغوية ، لكل منها مناهجها ، وطريقتها ، وهذا كله أدى إلى ضرورة الاعتماد على التدوين


جمع اللغة والأسباب الباعثة على ذلك :

لم يكن المجتمع الجاهلي في حاجو إلى دراسة أو روايتها ، حيث كانت على لسان العربي فطرة ، وكان صدره وعاءا لها ، وكانت الوسيلة التي بها كان يفاخر بأمجاد قبيلته ويحي عصبيته . ولما جاءت الدعوة المحمدية ، التف الناس حولها لفهم رسالة الإسلام التي نلت باللسان العربي المبين ، وكان عجزهم وتحدي القرآن لهم مدعاة إلى البحث فيه لفهم أسراره ، والعمل على نشره

نشأة الرواية اللغوية :

لقد كان المجتمع الجاهلي مجتمعا أميا لا يأخذ اللغة إلا بالحس " وكانت القبائل كأنها سجل زمني في إحصاء الأخبار والآثار" ومع ظهور الدين الإسلامي ، كانت اللغة ذات أوجه ومستويات كثيرة ، وكان ذلك دافعا لنشاط لغوي وافر بسبب إعجازه


تفسير القرآن :

لقد ورد في القرآن من الغريب ما وجد تعزيزا في التراث الشعري الجاهلي ، فكانت العودة إلى هذا الأثر مستمرة وذلك من أجل دعم مضمون الآية، انطلاقا من اللفظة الغريبة. كما جاء في القرآن من المجاز ما كان يبعث على البحث المستمر في الشعر القديم للتأكد من عدم الخروج عن الاستعمالات الحقيقية أو المجازية التي الفتها العرب في كلامها ، إلى جانب بعض التراكيب القرآنية المختلفة كالتقديم والتأخير والحذف والإضمار ... ولقد كان الشعر الجاهلي قمة ما وصلت إليه العرب من قوة الأسلوب، وروعة التعبير ، غير أنه كان يقف فاشلا أمام أسلوب القرآن الكريم ، فكان الإبقاء عليه لتأكيد إعجاز هذا القرآن عن طريق الموازنة ، وبذا كان كتاب الله الداعي الأول لرواية اللغة إلى جانب النزعات القومية التي ظهرت فيما بعد

تيقظ النزعات القومية :

لقد كانت دولة الأمويين كما يقول الجاحظ تـ 254/868 م دولة أعرابية ، نظرا لعصبيتهم للعرق العربي واتخذت هذه العصبية ألوانا شتى، حيث كانت الرواية اللغوية وسيلة لها إذ حاول الأمويون إبراز محاسن العرب ردا على الفرس، فدرسوا اللغة وتفننوا فيها، حتى أصبحت تطلب غاية في حد ذاتها ، بعدما كانت تطلب لفهم القرآن الكريم

وهكذا كانت دوافع جمع اللغة لا تخرج عن ثلاثة عوامل هي :

1- الخوف من القرآن من اللحن
2- الرغبة في ضبط اللسان العربي وحفظه من اللحن
3- التفاخر في التراث

الأخذ عن الإعراب :

لقد شافه أهل البصرة أعرب البادية للأخذ عنهم، وتعد لغة البادية أوثق نص لغوي وصل العرب ، وهي مثال جيد لتدوين اللغة وجمعها، وذلك لبعدهم عن بلاد العجم من جميع جهاتهم ونقلوا عنهم كثيرا من الشاذ والدخيل والمتروك، هذا يعني أنهم كانوا يدونون اللغة انطلاقا من المجموعة اللغوية الناطقة بها ، وفي محيطها الطبيعي ، وهذا يستلزم بالضرورة أن المدونة كانت أمينة وصادقة في تحديدها للحيز المكاني ، وتحديد البيئة أمر جدير بالتقدير ، وكان الرواة يجمعون ما يسمعون من القبائل المختلفة اللهجات، فكان من الضروري أن يوجد في اللغة الترادف والمشترك والأضداد . وإن جمع اللغة من "عوامل نمو اللغة وإثراء ألفاظها نظرا لما كان في لهجات القبائل من اختلاف في اللفظ ومدلولاتها، فجمع الرواة ما جمعوا من هذه اللهجات وبهذا ظهر واضحا أن اختلاف لهجات القبائل على أنواعها أدى إلى وجود ألفاظ ومعان مغايرة مستعملة عند قبيلة أخرى" ومع ذلك فاللغة لا تؤخذ إلا من الرواة الثقات ذوي الصدق والأمانة ويتقى المظنون . وقد بقيت لغة البادية على صفائها إلى آخر القرن الرابع الهجري

الرحلة إلى البادية :

لقد كان أهل البصرة والكوفة عربا كلهم في القرن الأول، إلا الموالي منهم ، وكان أولئك العرب من قبائل مختلفة وكلهم باق على فطرته ، فلم يكن الرواة في حاجة إلى البادية لأنهم لم يكونوا قد بلغوا الغاية في تعليل النحو وتفريعه ، ومن أقدم الذين رحلوا إلى البادية : الخليل بن احمد تـ 170 هـ/786 م ، وخلف الأحمر تـ 180 هـ/796 م ، يونس بن حبيب الضبي تـ 182 هـ/798 م ...
ولا شك أن ذهاب المجموعة إلى البادية كان سببه تفشي اللحن في الحضر والألتجاء إلى الأعراب الذين لم يظهر على ألسنتهم اثر الاحتكاك بالأعاجم فأخذوا عن قيس ، تميم ، وأسد ، وهؤلاء هم الذين أخذ عنهم الكثير ، وعليهم اعتمد في الغريب وفي الإعراب والتصريف ، وتأتي بعد هذه القبائل هذيل ، وبعض كنانة ، وبعض الطائيين ، ولم يؤخذ عن غيرهم . وفي الحق أن هذا التحديد المكاني والزماني كان من الضرورة أن يكون من الجاهلية إلى نهاية القرن الرابع لتكون المدونة واسعة ، إلا أن هذا التحديد يحتاج إلى دقة أكثر ، وينبغي دراسة مستويات اللهجات على حدة لكل قبيلة لكي لا يقع الخلط بين القبائل الستة ، ولكي لا يؤدي ذلك إلى الفوضى اللغوية ، ومجافاة روح البحث العلمي ، وبعد هذه الطبقة ، وهي الطبقة الثالثة من النحاة تأتي الطبقة الرابعة ، ومن أقدمهم النضر بن شميل تـ 818 هـ ، وقد أخذ عن الخليل وعن بعض الأعراب الذين أخذت عنهم الطبقة الثالثة ، وأقام في البادية أربعين سنة، ثم الكسائي تـ 189هـ وقد خرج إلى بوادي الحجاز ونجد وتهامة ، وقد أخذ أيضا عن الخليل واستمرت الرحلة إلى البادية حتى نهاية القرن الرابع ، ثم فسدت سليقة العرب ، وانقطعت المادة اللغوية اكتفاءا بالتوارث عن كتب الأسلاف

بعض وجوه نشاط الرواة :
كانت المواضيع التي كتب فيها الرواة القدماء مما يقع تحت بصر العربي ، وهم في كتاباتهم هذه لا يخرجون عن نطاق جمع اللغة، ولقد كانت موضوعاتهم في التبويب والتصنيف شاملة ، حيث أنها تتناول ما يوجد في الطبيعة من حشرات ونبات وإنسان وهناك كتب الصيغ التي كانت كتب تصنيف وبحث ، والى جانب كتب لجمع اللغة . فكتبوا في المؤنث والمذكر ، وفي المقصور والممدود و وغير ذلك

نشاط الرواية في البصرة :
لقد كان علماء البصرة يأخذون اللغة عن الأعراب ، وقد كانوا يضعون لهم أسئلة بطريقة خاصة ليمتحنوا سليقتهم ، وقد كان جلهم يتشدد في اختيار ما يصدر عن الشعراء مخافة ظاهرة اللحن ، فلقد حدد عبد الله بن أبي اسحق الحضرمي تـ 117 هـ الفصاحة بانتقاء اللغة التي يدرسونها ، والقبائل التي يأخذون عنها هذه اللغة، وبحكم نشأته غير بعيد عن السليقة العربية ، دفعه للرحلة إلى البادية فسن هذه السنة ، ومن تلاميذه يونس بن حبيب وعيسى بن عمر تـ 149 هـ، وقد رحل هذا الأخير لمشافهة الأعراب الفصحاء فلقد كانت حلقة البصرة يحضرها الأعراب ، وطلاب العلم أمثال سيبويه ، وهكذا تشدد البصريون في تحديد رقعة الفصاحة ، والقبائل الفصيحة على خلاف الكوفيين الذي يعتدون بلغات عربية كثيرة

نشأة الرواية في الكوفة :
لقد كانت الرواية فيها مقصورة على الشعر ، لإشباع نزوع العنصر العربي من الشعر ، فرحل علماؤها إلى البادية للسماع عن الشعراء ، والرواة ، ومن أقدم رواتهم : الخثعمي أبو البلاد الكوفي ،ثم حماد الراوية ، والمفضل الضبي 170هـ/ 786 م والكسائي ، وأبو عمر الشيباني تـ 206 هـ/ 821م .
ورأى كثير من اللغويين أن الشعر بالكوفة أكثر وأجمع منه بالبصرة ، إلا أن أكثره مصنوع ومنسوب إلى من لم يقله. وإن أكثر آثار الرواة تحاول جمع الثروة الأدبية في صميم المجتمع الكوفي، فيقال في حماد الراوية أنه جمع السبع الطوال، واختار المفضل مجموعة كبيرة من الشعر عرفت باسم المفضليات ، كما وضع كتابا في الأمثال ، وعمل الأصمعي كتابا على شاكلة المفضليات سماه الأصمعيات وهي سبع وسبعون قصيدة ... ومهما يكن من أمر، فإن الكوفيين أكثر توسعا في الرواية، ومن آثار الرواية عندهم: النوادر ، ومعاني القرآن ...

ويمكن أن نجمل ما قلناه في مسألة جمع اللغة أنها مرت بهذه المراحل :
1- مرحلة جمع أوائل العلماء الشواهد كيفما كانت ونظموها على شكل رسائل صغيرة في موضوع صغير
2- مرحلة تأليف الكتب في الموضوع كفعل سيبويه في النحو
3- مرحلة تأليف الكتب الضخمة الشاملة الجامعة للموضوع أو شرح الكتب السابقة

إذن اختصت المرحلة الأولى بجمع الكلمات، تدوين كل شيء والمرحلة الثانية جمع الكلمات المتعلقة بموضوع ما ، والمرحلة الثالثة كانت على شكل معجم شامل، يشمل الكلمات على نمط خاص
وفي الحقيقة أنه نشأت الرواية اللغوية من العلوم العربية الأخرى وكانت مرتبطة بعلوم الدين ، حيث كان الالتفات إلى فهم القرآن الكريم الداعي الأول للبحث اللغوي ، ثم استقل بعد ذلك، ونضج على يد البصريين والكوفيين ، رغم الاختلافات في طريقة رواية اللغة ، حيث نجد أن مدونة الكوفة أكثر توسعا من البصرية ، ولكن البصرية أكثر منطقية وتحكما في الأسلوب العلمي الدقيق . غير أن هذا النشاط يمكن اعتباره جهدا قيما في مرحلة معينة ، وفي إطار تاريخي واجتماعي وسياسي خاص ، كان من الأحرى أن يتطور هذا الجهد ، لتترقي به اللغة

 

تعرف اللغة العربية التي نتحدث بها حاليا باللغة الباقية ، وقد نشأت هذه اللغة ببلاد الحجاز ، ثم انتشرت في كثير من المناطق التي كانت تشغلها من قبل أخواتها السامية والحامية وإن طفولة هذه اللغة مجهولة في كثير من جوانبها ، وأقدم ما وصل هي بعض النقوش والأمارات التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني الميلادي ، وأقدم ما وصل من آثارها الراقية الشعر والنثر الجاهليين ، وجمعا في القرن الأول للهجرة ويمثلان اكتمال هذه اللغة ، التي تغلبت لهجة من لهجاتها واستأثرت بميادين الأدب في مختلف القبائل مع فروق دقيقة ، لأنه متى انتشرت اللغة في مساحة واسعة وتكلم بها الناس استحال عليها الاحتفاظ بوحدتها الأولى ، فلا تلبث أن يحدث فيها تغيير .

نص كثير من المصادر على أن قوانين التغلب اللغوي ساد في الجزيرة العربية ، فبعد صراع اللهجات المحلية، كانت لغة قريش مهيأة للتغلب على اللهجات الأخرى، وقد ساعدها على ذلك العامل الديني، لأنه كان لقريش السلطان الديني على بقية القبائل الأخرى وبجانب ذلك كان هناك سلطان اقتصادي ، حيث كانت التجارة في يد القرشيين الذي كانوا يتنقلون بتجارتهم في مختلف بقاع الجزيرة العربية من الشام شمالا إلى أقاصي اليمن جنوبا ، وأشهر تبك الرحلات التجارية رحلات الشتاء والصيف ، وبفضل هذين العاملين تحقق للغتها النفوذ الاستعمالي ، والتغلب اللهجي على باقي اللهجات الأخرى ، ومن المقر أن اللهجة التي يتاح لها التغلب تصبح آجلا لغة الآداب فتصطنع وحدها في الكتابة والتأليف والأدب شعره ونثره . ومن المصادر التي جمعت عنها اللغة، وقننت على ضوئها هي :

1- القرآن الكريم :
نزل القرآن بلسان عربي مبين ، في الوقت الذي استفحل فيه اللسان القرشي ، ولم يعد للهجات الأخرى سلطان على الآداب . ومن هنا يمكن أن نقول على أن اللسان العربي المبين يعد ذلك اللسان الذي تنطقه الجماعة الكبيرة من أهل الجزيرة العربية . وهكذا كان لنزول القرآن بهذا اللسان تقوية وتدعيم سلطانها على الألسنة، أضف إلى ذلك تنقيحها ، والنهوض بها إلى أرفع المستويات الأدبية .

وقد اتسعت العربية بفضل القرآن أيما اتساع ، وذلك في الأغراض والمعاني والأخيلة والأساليب والألفاظ ، و قد فتح القرآن أبوابا كثيرة من فنون القول لم يكن العرب يعرفونها – رغم أنهم قوم بلاغة – وما تحديه لهم إلا من باب تلك الأساليب الجديدة التي لم يألفها العرب سابقا، "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضكم لبعض ظهيرا" الإسراء 88 "وإن كنتم في ريب مما نولنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين" البقرة 23 ، والقرآن معجز في الجديد الذي أتى به ، فلم يكن معجزا في ألفاظه ، وقد نزل بلغتهم إنما الإعجاز في نظمه وطريقة أساليبه وهكذا كان الثر واضحا ، فقد تجردت كثرا من الألفاظ من معانيها العامة ، وأصبحت تدل على معان خاصة ، أضف إلى ذلك قضاؤه التام على كثير من الألفاظ العربية الجاهلية التي تدل على نظم حرمها الإسلام ، مثل:المرباع / الصفايا / النشيط /الفضول ...

والقرآن أضاف إلى العربية أغراضا كثيرة، عملت على ارتقائها لتتبوأ المكانة الكبيرة التي شرفها بها ، ومن ذلك غدا القرآن المدونة الصحيحة التي يرجع إليها في جمع اللغة لنع منزه عن الخطأ ، وقد نزل بلسان عربي مبين. وهند جمع اللغة أضحت الضرورة قصوى للاحتجاج به في صحة أو فساد قاعدة لغوية، وقد ألفت حوله كثير من الدراسات اللغوية في معانيه وغريبه ، وأوجد لها علماء اللغة التخريجات المختلفة لما ورد فيه مخالفا للمألوف ، وقد اتخذتها مدرسة الكوفة دليلا لمخالفتها رأي البصرة في بعض الآراء النحوية ، وقاست عليها على أن ما ورد في القرآن بمختلف قراءاته حجة ولا يطعن فيه

ومن هنا عد القرآن المصدر الأساس أثناء جمع اللغة ، فكلما يقع خلاف يرجعون إلى القرآن للفصل فيه

2- الشعر القديم :
إن الأدب الجاهلي لم يدون إلا بعد الإسلام بأكثر من مائة عام وظل مدة طويلة يروى شفويا ، وغني عن التذكير أن ما يروى شفهيا يأتي زمن يناله التحريف، ويندس فيه ما لم يكن منه. ونذكر بعض المصادر أن كثيرا من الأعراب يخلقون القصائد وينسبونها لشعراء الجاهلية ، إرضاء لرغبة اللغويين - الموردون - الذين كانوا يلحون عليهم ويطلبون المزيد ، وذكروا أن حمادا الراوية كان ينحل وأن خلف الأحمر وغيره اخترعوا من الشعر ما لم يكن له وجود وكذبوا على الشعراء .

ومهما يكن الأمر فإن المنحول من ذلك الشعر ، لا يقل أهمية عن الصحيح لأن قائليه كانوا قريبي عهد بالعصر الجاهلي ، فجاء ذلك الشعر يحاكي أنماط الشعر الجاهلي في كل أحواله .
وهكذا عد الشعر القديم النواة الأولى أو المصدر الأساس للغة العربية ، والذي حفل بهذا الكنز الضخم الذي لا نقل خصائص اللغة ومقوماتها العامة . وقد كان الأنموذج الذي يحتذى ، وبه يستشهد عند إشكال أمر من الأمور ، لأنه الوثيقة الرسمية الذي حمل اللسان العربي الصحيح ، وكل خروج عن أنماطه يعد شذوذا أو خرقا للقاعدة ، وزاد من صحة ذلك الشعر نزول القرآن الكريم بمعظم قوالبه، ونظمه

ولما جاء عصر التدوين تهافت جماع اللغة للنزول إلى البادية - الوبر- على أن ملكتهم مازالت بها السليقة العربية ، وأن العربي يمتلك اللغة الصحيحة التي ينطق بها سليقة ، وما يقوله لا يحتمل على الخطأ لأنه رضع لغته من محيطه الأصلي . وقد اتحذت على أساس أنها النموذج الصحيح ، وعليها القياس ، وقد عدت لغة العرب في البادية كلها صحيحة إلى نهاية القرن الرابع الهجري ، وبعده لم تبق الفصاحة في الجزيرة العربية بفعل عوامل الاختلاط ، وتطور المجتمع العربي وبفعل الإسلام الذي دخلت أقوام فير عربية اللسان. والذي يهمنا في هذا المقام أن لسان العربي في ذلك العصر حجة ، وثقة ، وأنه لا ينطق الا الصحيح من لغته، وتأبى عيه نفسه النطق الخطأ ، وقد حاول بعض النحاة أن يصطنعوا بعض الأخطاء، وأعطوها للعرب الذي تؤخذ عنهم اللغة فرفضوها بدعوى أنها ليست من لسانهم. ومهما يكن من أمر فإن اللسان العربي عد أنموذجا يحتذى أثناء جمع اللغة، واليه يرجع في القياس والاحتجاج اللغوي ، وما ورد على لسانهم فهو منه وكان الشعر والنثر الجاهليين النماذج التي يرجع إليها ، لأنهما المادة اللغوية الباقية على لغة ذلك العصر

3- الحديث النبوي الشريف :

لقد تحرج اللغويون الأوائل من الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف على أساس أن بعضا منه روي بالمعنى، وبعضه انقطع سنده وبعضه طعن في رواته ... ومن ذلك لم يحتج بالحديث النبوي الشريف إلى غاية القرن الخامس الهجري ، حيث استشهد الزمخشري بها وواصل ابن مالك الاحتجاج بع في ألفيته في القرن السباع ... على أن هذا التحرج كان من قبل النحاة واللغويين الأوائل خوفا مما اصطبغه الرواة على الحديث من تحريف وما وضعته كثير من الفرق الإسلامية للتشيع للمواقف التي تخدم أغراضها الخاصة ... ومهما يكن من أمر فإن هذا مدعاة إلى الاحتياط والتريث في الأمر والتحقق من مدى صدق الراوي، وثقته والتمييز بين الحديث الصحيح والمشكوك فيه ، لأن الحديث دون متأخرا والرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( من دون عنب شيئا فليمحه ) ، وهو الذي قال كذلك : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) ، على أن التحرج صدر منه، ومن هنا تحرج النحاة واللغويين كثير من الاحتجاج بالحديث خوف ما يطرأ عليها من تحريف . فكان طبيعيا هذا التشدد وكله من أجل بقاء اللغة الفصيحة لا تشوبها شائبة .

ومع كل ذلك أعيد النظر في الأمر ، ورأى النحاة واللغويون الذين جاؤوا من بعد أن الحديث النبوي الشريف يحمل ثروة لغوية هامة كان من الأحرى الرجوع إليه والاستفادة منه على أساس أنه لسان عربي مبين وكيف وهو الذي صدر عن الرسول الذي لا ينطق عن الهوى ، وكيف يكون الاحتجاج بأولئك الأعراب الذين يبولون على أعقابهم ولا يحتج بحديث الرسول المعصوم ... وقد وقع في العصر الحاضر البت في هذه المسألة على أن ما ورد في الكتب الصحاح يحتج بها دون جدال

إن القرآن الكريم ، والحديث النبوي الشريف أضافا إلى رصيد العربية ثروة هائلة من المصطلحات ، فنجم عن ذلك اتساعها في الأغراض والاتقاء في المعاني والأخيلة والأساليب ، فقويت على تجلية المعاني الدقيقة، واستخدمت فيها الحجج العقلية والبراهين الفلسفية ودخلت فيها عناصر جديدة للخيال والتشبيه ، وتهذيب أساليبها وتشكلت في صورة الأساليب العلمية . ومن هنا عدا من المصادر الثلاثة التي جمعت منها اللغة - بعد الشعر الجاهلي

تعريف المعجم لغة واصطلاحا


النص :
يقول ابن جني : " اعلم أن عجم وقعت في كلام العرب للإبهام والإخفاء وضد البيان والإفصاح ، فالعجمة الحبسة في اللسان ، ومن ذلك رجل أعجم وامرأة عجماء ، إذا كانا لا يفصحان ولا يبينان كلامهما ، والأعجم الأخرس ، والعجم و العجمي غير العرب لعدم إبانتهم أصلا ، واستعجم العربي القراءة ، لم يقدر عليها لغلبة النعاس عليه ، والعجماء البهيمة لأنها لا توضح ما في نفسها ، واستعجم الرجل : سكت ، واستعجمت الدار عن جواب سائلها سكتت ...
اعلم أن أعجمت وزنه أفعلت و أفعلت هذه وان كانت في غالب أمرها تأتي للإثبات والإيجاب نحو أكرمت زيدا أي أوجبت له الكرامة ، فقد تأتي أفعلت أيضا ويراد بها السلب والنفي ، وذلك نحو أشكيت زيدا أي أزلت له ما يشكوه ، وكذلك قولنا أعجمت الكتاب أي أزلت عنه استعجامه " .

ابن جني : سر صناعة الإعراب . ج 1 ص 40




التحليل

يتضح لنا من استعمال مشتقات كلمة عجم أنها لا تفيد الوضوح إنما تدل على الغموض ، فكيف يكون المعجم من مشتقاتها ؟ والمعروف أن من أهدافه الأساسية التيسير والتسهيل ؟
جمع ابن جني في هذا النص مشتقات كلمة عجم محددا معانيها بـ:

عجم : وقعت في كلام العرب للإبهام والإخفاء و ضد البيان والإفصاح
العجمة : الحبسة في اللسان
رجل أعجم ، امرأة عجماء : إذا كان لا يفصحان لا يبينان كلامهما
الأعجم : الأخرس
العجم ، العجمي : غير العرب لعدم إبانتهم أصلا
استعجم القراءة : لم يقدر عليها لغلبة النعاس عليه
العجماء : البهيمة لأنها لا توضح ما بنفسها
استعجم الرجل : سكت
استعجمت الدار عن جواب سائلها : سكتت

فباستقرائنا لمعاني كل هذه الكلمات يتبين لنا أنها تدل على :

عدم البيان والفصاحة ، على عدم القدرة ، على السكوت ، عدم التوضيح . وكلها إذن تشترك في دلالتها على عدم الوضوح أي على الغموض ، فكيف يكون المعجم من مشتقاتها ، مع العلم أننا نستعمل المعجم لتوضيح معاني الكلمات ؟

لكن ابن جني يوضح لنا في الجزء الثاني من النص أن أعجمت على وزن أفعلت التي تدل على معنى :

أ ـ الإثبات: أكرمت زيدا أي أوجبت له الكرامة
ب ـ النفي : أشكيت زيدا أي أزلت له ما يشكوه
أعجمت الكتاب أي أزلت عنه استعجامه

المعنى الاصطلاحي لكلمة المعجم :

هو كتاب يضم أكبر عدد من مفردات اللغة مقرونة بشرح معناها واشتقاقها وطريقة نطقها وشواهد تبين مواضع استعمالها



حصة تطبيقية حول تحليل مادة معجمية


يحلل المعجم معنى الكلمات بالنظر إلى مستوياتها اللغوية المختلفة وهي مستويات تمثل مجموعة من المعلومات التي يتوقع أي طالب أن يقدمها له المعجم :

أ ـ المعلومات الصوتية: وهو تمثل صوتي دقيق يمثل الحرف في الكتابة رمزا كتابيا واحدا مستقلا كأن تصف حركات الكلمة و مدها واعجام الحروف وإهمالها .

ب ـ المعلومات الصرفية : يقدم المعجم تحديد المبنى الصرفي للكلمة إذا كانت اسما أو صفة أو فعلا ، وهذا غالبا ما يحدث في صيغ صرفية محايدة مثل فاعل ( بكسر العين ) تقال لصفة فاعل والأمر من فاعل نحو قاتل .
ج ـ المعلومات النحوية: حينما يسوق المعجمي شواهد الكلمة عادة ما يورد بعض الإشارات النحوية، وذلك بعرض بعض القواعد النحوية وذكر معناها الوظيفي في فهم المعنى.

د ـ المعلومات الدلالية : يكون شرح المعنى بذكر المعاني المتعددة التي يصلح كل واحدة منها لسياق معين ، وذلك :

ـ بعرض الأشكال التي تستعمل في عصر واحد مثل : بكة ومكة
ـ تخصيص مدخل لكل اشتقاق من اشتقاقات المادة
ـ يتجنب الشرح بالمرادف .
ـ الاستشهاد على كل معنى من المعاني التي يوردها المعجم للكلمة إذ يساعد في تركيبها



نموذج تطبيقي على معجم تاج اللغة وصحاح العربية :


ينتمي إلى معاجم الألفاظ ، ويمثل المدارس التي اعتمدت على نظام القافية ، أي الترتيب الألفبائي للكلمات مع اعتبار أواخر الأصول

مؤلفه هو أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري المتوفي سنة 400ه . تتلمذ على يد أبي علي الفارسي ، وأبي سعيد السيرافي . ويدلنا عنوان المعجم على أن صاحبه قصد إلى أرقى الألفاظ والصحيح منها بصفة خاصة. يقول في مقدمته: "أودعت هذا الكتاب ما صح عندي من هذه اللغة التي شرف الله تعالى منزلتها"
ترك الجوهري نظام ترتيب الحروف على المخارج ، ونظام ترتيبها على الألف باء . وابتدع نظاما جديدا


منهج المعجم


راعى فيه ترتيب الألفاظ حسب أواخرها ، فالمعجم عنده ينقسم إلى ثمانية وعشرين بابا ، كل واحد منها يتناول الألفاظ المتحدة الحرف الأخير ، فباب لما آخره همزة ، وباب لما آخره باء ، وباب لما آخره تاء ، وهكذا تتوالى الأبواب إلى آخر الحروف .
ثم قسم كل باب من هذه الأبواب إلى فصول معتمدا على الحرف الأول من الكلمة ومرتبا لها على الألف باء أيضا . فباب الهمزة مثلا يحوي فصل الهمزة ، ففصل الباء ... إلى آخر الحروف والفصول، وهذه الفصول تحوي جميع الألفاظ الثنائية والثلاثية والرباعية.

سار على طريقة الصحاح معاجم كثيرة ، أشهرها :

1 ـ لسان العرب لابن منظور ت سنة 711ه
2 ـ القاموس المحيط للفيروز آبادي ت سنة 817ه
3 ـ تاج العروس للزبيدي سنة 1205ه

كيفية استخدامه : إذا أردنا مثلا البحث عن معنى كلمة استكتب : جردناها من الحروف الزائدة وهي همزة الوصل والسين والتاء ، فيكون أصلها كتب ، فنبحث عنها في باب الباء فصل الكاف .


نموذج من المعجم

مادة عق ( باب القاف فصل العين )

العقيقة : صوف الجذع . وشعر كل مولود من الناس و البهائم الذي يولد عليه : عقيقة وعقيق وعقة أيضا بالكسر . قال ابن الرقاع يصف حمارا :


تحسرت عقة عنه فأنسلها
واجتاب أخرى جديدا بعدما ابتقلا


ومنه سميت الشاة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه : عقيقة . وقال أبو عبيد : العقة في الناس والحمر ولم نسمعه في غيرهما
وعقيقة البرق : ما انعق منه ، أي تضرب في السحاب وبه شبه السيف . قال عنترة :

وسيفي كالعقيقة فهو كمعي
سلاحي لا أفل ولا فطارا


وكل انشقاق فهو انعقاق . وكل شق وخرق في الرمل وغيره فهو عق . ويقال انعقت السحاب ، إذا تبعجت بالماء .

والعقيق ، ضرب من الفصوص . والعقيق واد بظاهر المدينة . وكل مسيل شقه ماء السيل فوسعه فهو عقيق والجمع أعقة .

وعق بالسهم إذا رمى به نحو السماء ، وينشد للهذلي :

عقوا بسهم ثم قالوا صالحوا
ياليتني في القوم إذا مسحوا اللحى


وذلك السهم يسمى عقيقة ، وهو سهم الاعتذار وكانوا يفعلونه في الجاهلية . فان رجع السهم ملطخا بالدم لم يرضوا إلا بالقوة، و إن رجع نقيا مسحوا لحاهم وصالحوا على الدية . وكان مسح اللحى علامة للصلح، قال ابن الأعرابي: لم يرجع ذلك السهم إلا نقيا. ويروي عقوا بسهم، بفتح القاف، وهو من باب المعتل وينشد:


عقوا بسهم فلم يشعر به أحد
ثم استفاءوا وقالوا حبذا الوضح



وعق عن ولده يعق : إذا ذبح عنه يوم أسبوعه ، وكذلك إذا حلق عقيقته . وعق والده يعق عقوقا ومعقة فهو عاق وعقق ، مثل عامر وعمر ، والجمع عققة مثل كفرة . وفي الحديث ( ذق عقق) أي ذق جزاء فعلك
يا عاق .
أعق فلان : إذا جاء بالعقوق . أعقت الفرس : أي حملت فهي عقوق ، ولا يقال معق إلا في لغة رديئة، وهو من النوادر ، والجمع عقق مثل لرسول رسل .

ونوى العقوق : نوى رخو تعلفه الإبل العقق ، وربما سموا تلك النواة عقيقة .
والعقاق الحوامل من كل حافر ، وهو جمع عقق مثل قلص وقلاص وسلب وسلاب . والعقاق بالفتح : الحمل ، يقال أظهرت الأتان عقاقا وكذلك العقق ...


المطلوب : حدد المعلومات التي ذكرها الجوهري لمادة ( عق ) .

الإجابة : لقد شرح الجوهري المادة ( عق ) بذكره لمجموعة من المعلومات نفصلها بـ:

أ ـ المعلومات الصوتية : أورد الجوهري طريقة نطق بعض الكلمات مثل قوله : عقة أيضا بالكسر وعقوا بسهم بفتح القاف ، العقاق بالفتح .

ب ـ المعلومات الصرفية : قدم لنا مجموعة من اشتقاقات الجذر ( عقق ) ، ابتداء من الفعل الماضي عق في قوله: عق بالسهم ، أعق ، العقاق ، العقوق إضافة لذكر بعض الجموع مثل الجمع عقق وعققة. وبعض أبواب الفعل في قوله : عقوا بسهم هو من باب الفعل المعتل .

ج ـ المعلومات الدلالية : شرح الجوهري معاني الكلمات المشتقة من الفعل ( عقق)، كتعريفه للعقيق : بأنها ضرب من الفصوص والعقاق : الحوامل من كل حافر.
الشواهد : استعان مؤلف المعجم لتحديد معاني بعض الكلمات بمجموعة من الأبيات الشعرية لشعراء يعتد بفصاحتهم اللغوية .


تمرين :

1 ـ رتب هذه الكلمات على حسب طريقة عرضها في معجم الصحاح :

أ ـ ندم ، علم، سلم، وهم، قدم، ردم، ثلم
ب ـ عنف ، عكف ، عفف ، عاف ، عقف ، عسف ، عرف

2 ـ اقرأ سورة القارعة :

"باسم الله الرحمان الرحيم. القارعة ، ما القارعة. وما أدراك ما القارعة، يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش. فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية، وما أدراك ماهيه ، نار حامية ".

المطلوب :

استخرج معاني المفردات التالية من معجم الصحاح أواللسان ، أو تاج العروس ، أوالقاموس المحيط ، مبينا نوع المعلومات التي يقدمها كل معجم :
القارعة، المبثوث، العهن، المنفوش، هاوية

 

 

 

 

 

 

 

التحميلات المرفقة

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 1267 مشاهدة
نشرت فى 15 يونيو 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,604,991