الاعلام.. كيف يكون صديقا للأطفال؟
رسالة بيروت: هــبة لــوزة
كيف يستطيع الاعلام أن يكون صديقا للأطفال يروج لحقوقهم ويدافع عن قضاياهم ويزودهم بالمعلومات والمهارات التي يحتاجونها ويمكنهم من التعبير عن آرائهم بحرية وينمي فيهم هويتهم العربية والثقافية ؟
وكيف يكون شريكا حقيقيا في المنظومة التي تعمل علي النهوض بالطفولة والتي تتكون من الحكومات ممثلة في الوزارات المعنية والمجتمع المدني والاطفال انفسهم تحت مظلة جامعة الدول العربية؟
للاجابة عن هذا السؤال عقد في بيروت مؤخرا منتدي الاعلاميين التمهيدي للمؤتمر العربي الرابع رفيع المستوي لحقوق الطفل الذي نظمته جامعة الدول العربية بالتعاون مع المجلس الاعلي للطفولة بالجمهورية اللبنانية تحت شعار الاعلاميون انصار حقوق الطفل بهدف تسليط الضوء علي أهمية دور وسائل الاعلام للدفاع عن حقوق الطفل وبحث اسهام الاعلام العربي في الترويج لهذه الحقوق وتوفير الحماية لضمان انفاذها وتبادل الخبرات والاستفادة من التجارب العربية الرائدة في هذا المجال والخروج بتوصيات تضاف الي التوصيات التي خرجت عن منتدي المجتمع المدني ودوره في انفاذ حقوق الاطفال الذي عقد بالقاهرة في فبراير الماضي والتوصيات التي سوف تخرج عن منتدي اليافعين واليافعات الذي سيعقد بدمشق الشهر المقبل لترفع توصيات المنتديات الثلاثة الي المؤتمر العربي الرابع رفيع المستوي لحقوق الطفل الذي سيعقد علي مستوي الوزراء المعنيين في مدينة مراكش المغربية في شهر سبتمبر المقبل. وهو المؤتمر الذي يمثل خطوة مهمة في مسيرة العمل العربي الاجتماعي المشترك لصالح الاطفال في المنطقة العربية.
تأتي هذه المنتديات في اطار التقييم نصف المرحلي للخطة العربية الثانية للطفولة(2004 ـ2015) التي وضعتها جامعة الدول العربية واعتمدت فيها علي عدد من المرجعيات الاساسية منها الميثاق العربي لحقوق الطفل واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والاعلان العالمي لرعاية الطفولة ووثيقة عالم عربي جدير بالاطفال وخطة العمل الاولي للطفل وغيرها من المواثيق الدولية والاقليمية والعربية, وترتكز أهداف الخطة علي النقاط التالية:
ـ تأمين الصحة والحياة الآمنة ورعاية الطفولة المبكرة.
ـ حق الطفل في النماء وتنمية القدرات.
ـ تمكين جميع الاطفال خاصة اليافعين واليافعات.
ـ تنمية قدراتهم للمشاركة في تقدم مجتمعاتهم.
ـ توفير الحماية للاطفال في كل الظروف الصعبة.
ـ اجراءات الرصد والمتابعة والتقييم علي المستوي الوطني.
فالتقييم بعد خمس سنوات من العمل يتطلب تقييم أداء الاطراف المعنية بقضية حقوق الطفل والتي تتمثل في المجتمع المدني والاعلام والاطفال واليافعين انفسهم لبحث ماتحقق والمتبقي لإنجازه خلال السنوات الخمس القادمة.
عقد المنتدي تحت رعاية وزير الشئون الاجتماعية اللبنانية وبحضور الأمين العام للمجلس الاعلي للطفولة في لبنان د.ايلي مخايل والسيدة مني كامل مديرة ادارة الاسرة والطفولة في جامعة الدول العربية وجورج شاهين مستشار الوزير وسهي البستاني مدير قسم الاعلام بمنظمة اليونيسيف وممثل عن المكتب الاقليمي وايمان بهي الدين منسق وحدة الاعلام عن المجلس العربي للطفولة والتنمية.
وشاركت فيه وفود اعلامية تمثل12 دولة عربية, وشاركت مصر بوفد اعلامي واكاديمي وقدمت وزارة الاسرة والسكان دراسة بعنوان رؤية تقييمية للتجارب الاعلامية الموجهة للطفل.. الاعلام المرئي نموذجا اعدتها د. ليلي عبد المجيد عميد كلية الاعلام جامعة القاهرة وعرضت فيها التجارب الخاصة بالاعلام بصفة عامة والاعلام المرئي بصفة خاصة الذي يتعرض له الطفل المصري مع توضيح الاحتياجات الاعلامية لهذا الطفل في كل سنين عمره مع التركيز علي بعض القضايا الخاصة بفئات مختلفة من الاطفال مثل المهمشين والعاملين وذوي الاعاقة والموهوبين والمتميزين لنتساءل في النهاية كيف يمكن استخدام الاعلام الحديث لاعداد الطفل ليكون مواطنا يستوعب الهوية الوطنية لبلاده ويكون قادرا علي التعامل مع العالم من حوله ليستطيع ان يلعب دورا ايجابيا في المجتمع, وتطرقت الدراسة ايضا الي واقع الطفل في اطار الاسرة ودورها المكمل لدور المؤسسات الاخري.
فمصر تلعب دورا فاعلا ومؤثرا باعتبارها عضوا في اللجنة التحضيرية للمؤتمر رفيع المستوي, كما يلعب المجلس القومي للطفولة والأمومة ووزارة الاسرة والسكان دورا كبيرا في دعم الاعلام باعتباره شريكا فاعلا في حملاتها العديدة لانفاذ حقوق الطفل وظهر ذلك الدور واضحا في مساهمة الاعلام في عرض وشرح تعديلات قانون الطفل وفي ابراز قضايا العنف الموجه ضد الاطفال وفي حملات مناهضة ختان الإناث, وزواج الاطفال وغيرها, مما يعتبر ترجمة حقيقية لمشاركة الاعلام الفعالة في تبني القضايا والحملات التي تهدف الي انفاذ حقوق الطفل التي نصت عليها اتفاقية الأمم المتحدة. كذلك لعبت الجامعة العربية دورا كبيرا في دعم قضايا الطفولة في العالم العربي, حيث وضعتها علي أجندة اولوياتها واصدرت عدة وثائق تعزز هذه الحقوق كان آخرها خطة العمل العربية الثانية التي تم وضعها لتسترشد بها الدول العربية في خططها الوطنية ومراعاة أن تكون مختلف السياسات والبرامج والآليات الخاصة بالاطفال في السنوات العشر التي حددتها الخطة منسجمة مع جملة المباديء العامة المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل, واعلنت السيدة مني كامل في كلمتها ان هذه الجهود قد توجت باقرار برلمان الطفل العربي في قمة سرت الاخيرة لدعم مشاركة الاطفال في القضايا التي تخصهم كترجمة حقيقية لمبدأ اتاحة الفرصة للأطفال للتعبير عن آرائهم والذي نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل والذي كان لمصر دور رائد فيها أيضا, حيث تحرص الوزيرة مشيرة خطاب وزيرة الاسرة والسكان علي اشراك الاطفال في كل المؤتمرات الخاصة بقضاياهم مثل اللقاءات التشاورية لمؤتمر مناهضة العنف الموجه ضدهم ومؤتمر افلاطون وغيرهما.
مبادرات مضيئة
فالمشاركة الحقيقية هي الطريق الي المواطنة التي نبحث عنها في الوطن العربي والتي مازال أطفالنا يفتقدونها لأن الاعلام لايمنحهم فرصة التعبير عن آرائهم أو عرض قضاياهم ويكتفي بوضع الاطفال في الخلفية ليظل الطفل دائما ممتثلا يحكي مايريده الكبار ان يقول فهو اعلام استهلاكي لايراعي المعايير الدولية لحماية الاطفال ولايوفر لهم المعلومات التي يحتاجونها ولايحميهم من مشاهد العنف التي تؤذيهم ولايوعيهم بحقوقهم وان كانت هناك بعض المبادرات المضيئة في هذا المجال لقناة الجزيرة للأطفال والبراعم ومبادرة اليونيسف باعتماد يوم عالمي لبث برامج للأطفال تسمح لهم بالمشاركة والتعبير عن أنفسهم وتتيح لهم فرصة انتاج واعداد وتقديم برامج خاصة بهم.
فالاعلام اليوم يعد إحدي الوسائل المؤثرة في تشكيل شخصية الطفل والبيئة الثقافية والاجتماعية الداعمة للقرار السياسي والقادرة علي احداث تغييرات من أجل الاطفال.
وبالرغم من اقتناعنا التام بأهمية احترام حرية التعبير في الاعلام باعتباره الصوت الحي للمجتمع فإننا يجب الا نغفل ضرورة ان يكون هناك ـ مقابل هذه الحرية ـ هامش للضوابط والرقابة علي بعض المواد التي قد تكون مؤذية بشكل مباشر للأطفال او التي تستورد مضمونا قيميا يغرب الطفل عن بيئته الثقافية العربية أو يشحنه بالعنف والعدوانية..فالاعلام ليس مجرد وسيلة للترفيه والتسلية لكن له دورا تثقيفيا وتنمويا وهو دور مطلوب ـ وفقا للخطة ـ لأنه يتيح فرص التعبير والتطوير والتمكين لكل افراد المجتمع.
كما تحتوي الخطة علي أهداف تريد من الدول العربية تحقيقها وأهمها مشاركة الاطفال في برامج من اعدادهم ليتحول الطفل من مجرد متلق الي شريك اساسي في العملية التنموية, وتؤكد اهداف الخطة أيضا علي حق الاطفال في الترفيه والتسليه ويتطلب ذلك الابتعاد عن التنميط في البرامج الموجهة لهم واحترام عقليتهم ونموهم والحياة الخاصة للطفل عندما يكون ضحية وتقديم صورة بناءة وايجابية محترمة لكرامته وخصوصيته وعدم نشر مايسيء الي سمعته أو نشر صورته وعدم استخدام صورة الطفل الحقيقية لجلب اعلانات.. وتتضمن الخطة ايضا بنودا تضمن حماية الطفل من كافة اشكال العنف ومن المعلومات والمواد الضارة بمصالحه وكسر حاجز الصمت بالنسبة لبعض القضايا التي يغلفها طابع الخصوصية مثل العنف المنزلي والاستغلال الجنسي للاطفال مع توعيتهم بحقوقهم.
الإعلامي محام ورقيب
ولكي يتحقق هذا يجب العمل علي اتاحة الفرصة للاعلامي لكي يكون محاميا عن حقوق الاطفال ورقيبا علي الأداء وتمكين وتدريب الاعلاميين علي الاتفاقيات الدولية ليكونوا شركاء مع الهيئات المسئولة عن الطفولة في الدول العربية.
ونجح المنتدي في خلق بيئة ثقافية اجتماعية سياسية داعمة للاعلام العربي ليسهل تنفيذ الخطوات العملية للخطة والنظر الي قضية اعلام الطفل العربي نظرة موضوعية, حيث تم حصر المشاكل والصعوبات التي تعوق انتاج برامج للأطفال ومشاركتهم فيها وابراز الحاجة الي مواثيق شرف اعلامية والعمل علي توظيف رأس المال العربي في الاعلام ليكون اكثر حضورا ومشاركة في قضايا الاطفال.
فالاعلام ليس العنصر الوحيد المؤثر ودوره ليس منعزلا عن بقية الادوار وانما هو جزء في منظومة العمل المشترك تحت مظلة جامعة الدول العربية ووسائل الاعلام في مجتمعنا هي الذراع التنفيذية للخطة ووسيلة ضعظ تملي القرارات علي السلطات لأنها شريك حقيقي وأساسي في تنفيذ أهداف الخطة.
وظهر خلال المناقشات وجود توجه واتفاق عام حول النقاط التالية:
- ضرورة فصل الانتاج الاعلامي الموجه للطفل عن اسلوب الربحية والتأكيد علي ضرورة ان يتعامل الاعلام مع الطفل كفاعل ومتواصل وليس كمتلق سلبي والاشادة بالمبادرات التي تم تنفيذها في عدد من الدول العربية والخاصة باعلام الطفل والعمل علي تعميمها عربيا والاستفادة منها.
وخلال الجلسة الختامية لاعمال المنتدي تم الاتفاق علي عدة توصيات من بينها:
- دعوة جامعة الدول العربية الي وضع مباديء ارشادية للتعامل الاعلامي مع قضايا الطفولة والي اضافة باب خاص باعلام الطفل خلال اعمال المؤتمر العربي الرابع رفيع المستوي لحقوق الطفل وتخصيص جائزة تمنح في مجال الاعلام الموجه للطفل. والي انشاء آليات وطنية تضمن اشراك الاعلاميين في الترويج والتنفيذ والمتابعة لخطة العمل العربية الثانية للطفولة.والي انشاء مراصد اعلامية وطنية وتشجيع مشاركة منظمات المجتمع المدني للمساهمة في متابعة وتقييم ورصد وسائل الاعلام. والي تعزيز مشاركة الأطفال في مناقشة ووضع المواثيق المتعلقة بهم والتأكيد علي مشاركتهم في البرامج والمنتديات التي تخصهم بالاضافة الي استطلاع آرائهم في الموضوعات المقدمة لهم.
- دعوة الدول الاعضاء الي تخصيص ميزانيات وتوفير آليات لتمويل ودعم الانتاج الموجه للاطفال.
- دعوة جامعة الدول العربية الي وضع الطفولة العربية كبند دائم علي جدول اعمال لجنة اعلام الطفل. وتشجيع انتاج برامج اعلامية عربية للأطفال ذات نوعية جيدة تعزز الثقافة العربية وتسهل تبادلها.
هكذا يمكن أن تقول أن المنتدي نجح في تحديد اطار العمل للاعلاميين ليكونوا بحق انصارا لحقوق الطفل.
ساحة النقاش