|
|
المشروعات المائية فى عهد محمد على كان لها نصيب كبير من إهتمامه |
كشفت دراسة للدكتور محمد حسام الدين إسماعيل، تحت عنوان (المنشآت المائية فى عصر محمد على) عن أن مصر شهدت حالة من الخراب فى المدن والقرى منذ النصف الثانى من القرن الثامن عشر وحتى بدء ولاية محمد على باشا، وأن الكثير من الأراضى تعرض للبوار والكثير من الترع انسد وتوقفت الزراعة تقريبا نتيجة هجر المزارعين أراضيهم لكثرة النهب والسلب والضرائب والديون،
وأضافت أنه عندما تولى محمد على الحكم كانت الخزينة خاوية تقريبا فيما كان يتعين عليه إحياء ما امتدت إليه يد الإهمال والنهب، كما كان محمد على يريد موارد مالية ثابتة لمواجهة مطالب الجنود الألبان، فضلا عن مطالبات الدولة العثمانية لشراء رضاها لضمان بقائه فى منصبه، وأنه كان يتعين عليه التخلص من خصومه فى الداخل ومواجهة أى اعتداء من الخارج بعمل تحديثات للدولة وتحقيق الاكتفاء الذاتى.
وبدأ محمد على باشا، وفق الدراسة، فى خطة العمران وبناء مصر الحديثة إثر جلاء الإنجليز عام ١٨٠٧ ونجاحه فى حل مشكلة المماليك، ومع تزايد نشاطه التجارى وتطبيق سياسة الاحتكار أمكنه توفير المال المطلوب لتغطية نفقاته واحتياجات الدولة العثمانية منه فى إرسال حملة للحجاز للقضاء على الوهابيين الذين كانوا يمثلون مصدر إزعاج دائم لمصر وللدولة العثمانية حتى يمكن للباشا أن يبدأ فى إقامة دعائم دولته الحديثة والمستقرة.
وكان للمنشآت المائية، وفق الدراسة، نصيب وافر من أعمال محمد على فى إعادة تعمير البلاد وتحديثها فبلغت مبانى القناطر فى عهده ٤٨٨٠٠٠ متر مكعب فى الوجه البحرى و٤٧٥١٤ متراً مكعباً بمصر الوسطى والوجه القبلى كما حفر وأعاد حفر ١٢٦٥٣٦٦٤٧مترا مكعبا من الترع.
وكان من مظاهر الإصلاح التى قام بها محمد على إصلاحه ترعة الفرعونية بالمنوفية، لأنها كانت بين فرعى رشيد ودمياط، وكانت غير صالحة لتوصيل المياه الكافية إلى فرع دمياط فقام الباشا بإصلاحها عام ١٨٠٦، وكان يباشر أعمال التطهير بنفسه حتى أنه كان يقيم أثناء العمل حتى انتظمت المياه فى فرع دمياط، وأصبح صالحا للملاحة وعين من يقوم على صيانة ومتابعة ما أحدثه من إصلاح للترعة ثم حفر ترعة المحمودية، وكان موقعها هو نفس موقع الخليج الناصرى نسبة إلى (الناصر محمد بن قلاوون) والخليج الأشرفى نسبة إلى (الأشرف برسباى).
وقد حفرها محمد على ليختصر الوقت لوصول البضائع من الدلتا إلى الإسكندرية مباشرة لخدمة حركة التجارة فى محاصيل الزراعة وغيرها، وأمدت الترعة الإسكندرية بالماء العذب فضلا عن استعمالها فى رى الأراضى المزروعة بالمحاصيل الصيفية، وكان الباشا يتفقد أعمال الحفر بنفسه وانتهى حفرها فى ١٨٢٠ تحت إشراف المهندس باسكال كوست، كما أنشأ الباشا ميناء ملاحيا عند نهاية الترعة فى الإسكندرية.
أضافت الدراسة: إن محمد على باشا حفر أيضا الترعة البولاقية القبلية عام (١٨٢٧) وأشرف عليها محمود أفندى الميارجى، مدير القليوبية، والمهندس ثاقب باشا وكانت تمتد من منطقة قصر النيل الحالية إلى شبرا بطول (١٨٣٠٠) متر لرى أراضى ضواحى القاهرة وبولاق كجزيرة بدران ومنية السيرج وشبرا فى وقت الفيضان، ومكان هذه الترعة حاليا شارعا الجلاء والترعة البولاقية، كما أصلح جسر الإسكندرية بطول ١٢٤٣ مترا، والذى كان يرمم بين وقت وآخر، وأدى إصلاح محمد على لهذا الجسر إلى الحيلولة دون وصول مياه البحر المالحة إلى حوش عيسى فى البحيرة.
وأولى محمد على عناية خاصة بالقناطر سواء بغرض تنظيم الرى أو لنقل المياه فأصلح قناطر فم الخليج لضمان مصدر الماء العذب لقلعة الجبل، وكانت هذه القناطر متخربة مهجورة لأكثر من ٢٠ عاماً فحشد لها الصناع والعمال حتى تمت على يد محمد أفندى الودنلى ناظر المهمات.
كما جدد قناطر اللاهون التى كانت من إنشاءات عصر (بيبرس) وأراد الباشا أن ينظم الرى بمنطقة الفيوم فجددها فى ١٨٢٥ ثم بنى قنطرة أخرى إلى الشرق منها فى ١٨٤٤ ميلاديا ثم أنشأ القناطر المجيدة الخيرية (نسبة للسلطان عبدالمجيد) فى ١٨٣٤ لتنظيم فيضان النيل والتحكم فى توزيع الماء على أراضى الدلتا ثم الاستفادة بالمياه فى الصعيد بعد الفيضان. وأمر الباشا بإرسال طلاب مدرسة المهندسخانة إلى موقع العمل للتدريب العملى أثناء المشروع الذى توقف بسبب الطاعون عام ١٨٣٥ ثم استؤنف مرة أخرى فى ١٨٤٧، وكان قد انتهى بناؤها فى عهد حفيده الخديو إسماعيل.
ومن القناطر الأخرى التى نفذها محمد على فى النصف الأول من فترة حكمه، وفقاً للدراسة، قناطر التسعة بالزقازيق، وفى هذا يقول الجبرتى: (وانتشأ دنيا جديدة متسعة لم يكن لها وجود قبل ذلك). وهناك كلف ولده إبراهيم والمهندس الفرنسى باسكال كوست بتوفير المياه المنتظمة لزراعة هذا الوادى بالزيتون والتوت فحفروا ترعة الوادى فى خمسة أيام بثمانين ألف عامل من نواحى الشرقية، وكانت من (بحر موليس) غربا حتى بلدة نفيشة عند الإسماعيلية،
كما طهر ١٤٠٧٦ مترا من الترع القديمة وأدخلها فى الترعة الجديدة ليصبح طولها ٤٥ كيلومترا وبنى عددا من الجسور للحفاظ على مياه الترع، وكان محمد على بعد انتهائه من تربيع الأراضى أى قياسها وإنهاء نظام الالتزام ومعرفة ما يصلح منها للزراعة فى ١٨١٤ قد بدأ يستطلع الأراضى الصالحة للزراعة ولأى زراعة تصلح واستصلحها فذهب فى ١٨١٦ إلى رأس الوادى أو وادى الطليمات عند بلبيس،
وكانت هذه المنطقة تغمرها مياه الفيضان لفترة طويلة وتستحيل زراعتها وصنع محمد على أكثر من ألف ساقية من الخشب صُنعت فى بيت الجيجى بالتبانة)، (بيت الرزاز الآن)، ونقلت هذه السواقى على ظهور الجمال فى ١٨١٧ وأمر الفلاحين المعدمين باستيطان هذه المنطقة وجلب لهم متخصصين فى الزراعة من تركيا والشام.
هذا بعض ما ورد فى الورقة البحثية للدكتور محمد حسام الدين، وبالاطلاع على مصادر كثيرة أخرى تناولت المآثر النيلية والزراعية والملاحية لمحمد على باشا وجدنا إحصائية ضخمة ضمت عدد الترع التى أصلحها أو حفرها وإجمالى طولها، كما عرفنا عدد القناطر التى أنشأها، فعرفنا مثلا أن من الترع التى شقها محمد على أو قام بتطهيرها (المحمودية والخطاطبة فى البحيرة)
و(امتداد ترعة الجعفرية وترعة مسجد الخضر «الخضراوية» فى الغربية) و(البوهية والمنصورية والشرقاوية وأم سلمة ودويدة فى الدقهلية) و(النعناعية والسرساوية والباجورية فى المنوفية) و(ترعة الوادى والمسلمية وبحر مشتول والصادى وبحر الرمل وترعة بردين ومصرف بلبيس فى الشرقية)
و(الزعفرانية والباسوسية والشرقاوية والقرطامية والبولاقية القبلية وترعة قنبة ومصرف العموم فى القليوبية) و(وترعة البرانقة فى بنى سويف) و(ترعة الفشن فى المنيا) و(ترعة السبخة والمرعشلى فى جرجا) و(ترعة الشنهورية وتوسيع ترعة بلاجيا والرمادى والعقيلى والشال فى قنا وإسنا)، أما الجسور التى أمر محمد على بإنشائها، على شاطىء النيل فكانت من جبل السلسلة إلى البحر الأبيض لمنع طغيان المياه على الضفتين،
كما أنشأ جسورا أخرى فرعية منها جسر الرقة فى بنى سويف والطهنشاوى والقيسى والبرانقة فى المنيا، ودنهيا وفاو وبنى كلب والمحرق وكودية بأسيوط، وجسر مشطا والشباسات والوادية والمنشأة فى جرجا، وجسر فرشوط وأبودياب فى قنا.
|
ساحة النقاش