فن الزجل .. هل يشهد نهايته؟! د. طلب: جاء مهاجراً من الصعيد إلي الثغر نجيب: نتوقع دراسات تناقش حالته الصحية خليل: فن التعبير عن المشاعر الشعبية |
إذا كان فن الزجل قد شهد في قصائد عبدالله النديم ذروة فنية متألقة. وأسهمت في أحداث الثورة العرابية بدور يصعب إغفاله. فإن الامتداد نجده في قصائد بيرم التونسي. ثم في أجيال متتالية من الزجالين: محمود الكمشوشي والسيد عقل ومحمود خطاب ومحمد مكيوي وكامل حسني ومحمد طعيمة.. وبداية من النديم وانتهاء بأحدث الأصوات الزجلية. فإن الساحة الحقيقية لفن الزجل هي الاسكندرية. في المقابل من خفوت صوت الزجل في بقية أقاليم مصر. يري الشاعر د. حسن طلب ان الزجل يوجد في الصعيد. وفي النجوع. ففي الليالي والحضرات والاحتفالات الدينية. يلقي فيها شعر فصيح وأزجال. وبخاصة في مواسم الحصاد. وفي الأفراح. الزجل هو فن القول للأدب الشعبي. وانتشاره في الاسكندرية حتي الآن مبعثه علاقة الثغر بمدن الصعيد. حيث نزح الكثير من أبناء الجنوب إلي الاسكندرية بثقافتهم. ومن مفرداتها فن الزجل. وكما نعلم فإن الاسكندرية مدينة متعددة الجنسيات. وقد ظهر فيها العديد من الشعراء الأجانب أمثال كفافيس. وكان للصفوة أشعارها وشعراؤها. أما الطبقة التحتية للأدب الشعبي فهي من مهاجري الصعيد. وهو بيئة طاردة. لأن واديه ضيق. وبه كثافة سكانية عالية. لقد اتجهوا إلي الاسكندرية يحملون ثقافتهم. والزجل فن الصعيد. وفن الواو في الصعيد الأعلي - قنا وأسوان - يقترب من فن الزجل. وهو تنويعة موسيقية. وقد جمعه عبدالستار سليم. ويشهد للصعيد أن البيئة التي أخرجت فن الزجل. تقوم أصلاً علي الموسيقي التي ترتد إلي بحر البسيط. فهذا البحر جاء من المرويات الشفوية. التي تعود للشعر الفصيح لو سيرة سيف بن ذي يزن وذات الهمة وعنترة. فالشعر الفصيح لو ترجم بالعامية يتحول إلي موال. وهو فن من فنون الأدب الشعبي الذي حملته موجات الهجرة من الصعيد إلي الاسكندرية. ويري الشاعر شوقي حجاب أنه كان يوجد زجالون في الصعيد والقاهرة. لكن جغرافية المكان بالنسبة للاسكندرية. جمعت الزجالين منذ ما قبل بيرم التونسي حتي الآن. الصعيد له جغرافيا. حيث التآلف والعلاقات الساخنة. وحيث يضع المكان مجتمعاته تحت تأثيره وزمان كان شعراء العامية يخجلون من أن يسموا زجالين. تصوراً ان الزجل أكثر تسطيحاً من الشعر. لكن صلاح جاهين قال في مقدمة أعماله الكاملة: أنا زجال. وكان بيرم يطلق علي نفسه "زجال". ثم جاءت مرحلة شعر العامية مجدي نجيب وفريد إلهامي وعبدالرحيم منصور. كانوا يتعالون علي كلمة الزجل. لأن درجات العمق في شعر العامية أكثر منها في الزجل. وعموماً فإن البلاد التي تقع علي البحر هي أكثر انفتاحاً وتفاعلاً مع كل الفنون. والاسكندرية مدينة مفتوحة. ومنطقي أن تكون الفنون فيها منفتحة. حيث نجد نسقها المعماري. وفنانيها التشكيليين من أمثال سيف وأدهم وانلي ومحمود سعيد. لهم نسقهم الفني لاحتكاكهم بالحضارات والثقافات الأخري. وهذا أوجد طابعاً خاصاً للشخصية السكندرية الفنية. وقد برز ذلك في إبداعهم. سواء جاء شعراً أو نثراً أو تشكيلاً فنياً. كما أن جو المدينة الجميل جعل للناس مزاجاً رائقاً. ثمة رحرحة الصيف والجلوس علي البحر. والإحساس بالزمن الذي يختلف عن الإحساس بالزمن في القاهرة. اليود والسمك والفوسفور وأفق البحر. كل هذا عمل حالة من الخيال الخصب. والقدرة علي التعبير.. والقول هذه الأيام بانحسار فن الزجل - والقول للباحث عبدالحميد حواس - يذكرنا بما كان يقال فترة الثمانينيات والتسعينيات ان مصر ليس فيها شعراء. وان الشعر في العراق. هناك ربط بين استنتاجات يطرحها بعض الأشخاص لسبب أو لآخر. لتحديد هويات وخصوصيات وتمايزات من واقع الأمر. هذا كلام مرسل لا يقوم علي الحقيقة الناتجة عن الدرس. ويشير حواس إلي أن الزجل كان دوماً ظاهرة موجودة وفاعلة في الحياة العامة. لأن الزجل لم يكن أبداً نتاج الصفوة. وما أعرفه عندما كانت الحياة السياسية نشطة. أن جزءاً من هذا النشاط هو إلقاء الزجل في المناسبات العامة. وقد شاهدت ذلك في طفولتي. وكان في قريتي زجال. ميزته أنه يبدع الزجل. ومثل نوعاً من التأريخ لما كان يحدث في القرية. يبدأ بأن فلانة تشاجرت مع فلانة. وكان الزجال يتناول الواقعة. لأن أبطالها لم يكونوا من أعيان القرية. حتي لا يعاقب علي التشهير بتلك الشخصيات النافذة في القرية. كان الزجل إبداعاً احتياجياً لهذه الفترة. ما يهمني هو حيويته. ووجود الزجل في الحياة العامة. وللأسف فإن المتعلمين مشغولون بكل ما يكتبه. وقد انتشر هذا الفن مع انتشار الصحافة. وانحسر مع انحسارها. وقد اشتهر مع شعر العامية حيث ظهر مجموعة من الشعراء الشبان مثل صلاح جاهين ومجدي نجيب وسيد حجاب والأبنودي وفؤاد قاعود. والآن لدينا شاعر عامية هو بهاء جاهين. لكنه لا ينشر قصائده في جريدة الاهرام التي يعمل فيها. فالزجل لم يعد مطلباً. والصفوة الثقافية لم تعد تتحدث عن هذا الفن. وظهر ما أطلق عليه قصيدة نثر العامية. وهي موجة جديدة يسرت الأمور لكثيرين من محبي الأدب. وصارت الدنيا زيطة. وخير ربنا كثير. هذا أسهل للشاعر من أن يكتب الزجل. والواقع ان مثل هذه الظواهر تنشط وتكبر. وتبقي بارزة علي السطح. أو تختفي. حسب الاحتياجات التي تمر بها الحياة الثقافية. ومتطلبات الناس. انقراض والزجل - في تقدير الشاعر والفنان التشكيلي مجدي نجيب - مثل الكاريكاتير. واجه أحدهما ما حدث للآخر من اتجاه نحو الانقراض. نتيجة فقد الفئات الشعبية ما كانت تتميز به من طعم قديم وأصيل. زحفت عليها المدنية الحديثة من كل مكان. مما جعل الحس الشعبي الذي يعتمد عليه الزجل يخفت. وثمة شيء آخر. هو عدم وجود مجالات للنشر. فلا الصحف تنشر هذا اللون من الفن. ولا هيئات الدولة تساعد علي انتشاره. وبالتالي فهو يعاني صعوبة الانتشار والازدهار. كانت هناك حركة كبيرة لأعضاء جمعية الزجالين. وكان هناك احتفاء بهذا الفن. حيث الروح الشعبية. وهذا ما جعل الاسكندرية مدينة للزجل. هناك الطقس والظروف الاجتماعية والجغرافية. وعلينا أن نتوقع دراسات جادة تتعمق في بحث أسباب ازدهار فن الزجل بالاسكندرية ولعل أساس ذلك هو وجود سيد درويش في الاسكندرية. وانطلاق بيرم التونسي من السيالة. والطابع اللماح في الأحياء الشعبية. وقد نجد الزجل في بعض قري الصعيد. وإن نسبت قصائده إلي شعر العامية. وليس الزجل.. ويري الشاعر المستشار محمد محمد خليل ان الزجل يوجد أيضاً في الصعيد. لأنه يمثل لهم التسلية والراحة والتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم. لانه هو السلوي والمتنفس. وهو ينتشر في الأحياء الشعبية. في الاسكندرية يوجد في حي بحري. حيث التقاليد الشعبية والعلاقات بين الناس. والتجمعات في المقاهي الشعبية المنتشرة هناك. وحيث التعبيرات الدارجة ضمن قاموس بعينه من الكلمات والتعبيرات. وفي بعض قري الوجه البحري فإن الزجل يظل هو فن التعبير عن المشاعر الشعبية. امتداداً لإبداعات بيرم التونسي وأحمد رامي الذي امتاح في أغنياته من العامية المصرية. حتي شوقي لم يحرم نفسه من أن يكتب قصائد له بالعامية. ومن أشهرها النيل نجاشي. الزجل هو فن التعبير عن الروح المصرية الأصيلة. ويجب ألا ننسي أغنيات سيد درويش. وما سجله في ثورة 1919. وأثناء نفي سعد زغلول وعودته. حيث سجل الزجل وقائع مشهورة. وعموماً فإن الزجل يعبر - من زمن بعيد - عن الشخصية المصرية.. أما الشاعر فارس خضر فيلاحظ ان هناك مجموعة من شعراء العامية المتميزين في الاسكندرية. هذه ظاهرة لافتة. لكنهم ليسوا زجالين. فعلي الجانب الآخر دائماً ما نجد ميلاً لفكرة الإيقاع الغنائي. كان بيرم التونسي شاعراً. وهو أيضاً زجال. والفيصل - في رأيي - هو الشعر. وليس الشكل أو المكان. وقد وضعت الأقدار السكندريين في حالة تنافسية مع الأقاليم. إدراكاً منهم بأنهم ينتمون إلي عاصمة مصر الثقافية. وهم محقون في مشاعرهم. لأن المدينة ولادة لطبقات مختلفة من الشعراء. حيث نجد الزجل متجاوراً إلي أحدث الأشكال الشعرية. المسألة ليست في الشكل أو المكان. لكنها هل يوجد شعر أم لا؟ |
المصدر: http://www.almessa.net.eg/
نشرت فى 5 يونيو 2010
بواسطة azazystudy
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,793,650
ساحة النقاش