الخلاف المذهبي والصراع الموهوم(2 ـ2)
بقلم: د.احمدالطيب
الاختلاف بين مذاهب أهل السنة لايقل عن الاختلاف بينها وبين مذهب الشيعة, تشهد بذلك الألوف المؤلفة في فروع الطائفتين وأصولهما, فلماذا ندد المنددون منكم بالشيعة في مخالفتهم لأهل السنة.
ولم ينددوا بأهل السنة في مخالفتهم للشيعة؟ بل في مخالفة بعضهم لبعض, فإذا جاز أن تكون المذاهب أربعة, فلماذا لايجوز أن تكون خمسة؟ وكيف يمكن أن تكون الأربعة موافقة لاجتماع المسلمين, فإذا زادت مذهبا خامسا تمزق الاجتماع, وتفرق المسلمون طرائق قددا.
وهذا النص يعكس نوعا من الأدب الرفيع في حوار العلماء والاحترام المتبادل بين الفريقين, ويصور أن منتهي آمال الشيعة في التقريب في ذلك الوقت أن يعد المذهب الإمامي مذهبا خامسا علي قدم المساواة مع المذاهب السنية الأربعة في مصر وفي الأزهر الشريف, وقد تم ذلك بالفعل علي يد الشيخ شلتوت شيخ الأزهر في فتواه الشهيرة, كما طبعت وزارة الأوقاف المصرية كتاب: المختصر النافع في الفقه الإمامي, ولازال المذهب الإمامي يدرس ضمن مادة الفقه المقارن في كلية الشريعة في جامعة الأزهر إلي يومنا هذا, ولو رحنا نبحث عما أفاد السنة من دعوة التقريب فإننا لانجده فيما أعتقد شيئا يوازي مافعله الأزهر وشيوخه, وعلماء أهل السنة ـ والذي وجده أهل السنة في الأعوام الأخيرة شيئا يشبه حركات التبشير بالثقافة الشيعية في الساحة السنية حتي في بلد الأزهر, وبالأسلوب ذاته الذي ألمحنا إليه حيث انتشرت الكتيبات التي تحمل الدعوات السافرة إلي ترك المذهب السني والتمذهب بمذهب الشيعة, بأقلام مصرية وغير مصرية, وبعض هذه الأقلام يبدأ أحد الكراريس العقدية بعد البسملة بقوله والصلاة والسلام علي سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين, ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين, ويري أن محور وحدة الأمة هو حديث الثقلين, وأن الطريق لهذه الوحدة هو القول بعقيدة الإمامة, ولكم أن تقارنوا بين ما كتبه الإمام شرف الدين ومايكتب الآن ويروج بجوار الأزهر الشريف في طباعة أنيقة توزع مجانا أو بسعر رمزي.
إن مابين أيدينا من وثائق وكتابات يروج لها دعاة التشيع الجدد لايمكن أن يكون دعوة للتقارب بين المذاهب, ولاتقريبا بين المتمذهبين, بل هو إقصاء للمذهب السني, وقذف لأئمة الحديث عندهم وجرأة غير مسبوقة في الإساءة إلي رموزهم, وهو في عبارة موجزة طرح للمذهب الشيعي الإمامي باعتباره مذهب الأمة الوحيد وكل ما عداه هو خروج وابتعاد, وهنا تصبح لقاءات التقريب مضيعة للوقت والجهد والمال.
لقد كتب بعض المتشيعين الجدد يقول من هنا كانت رؤيتي لأهمية طرح مدرسة أهل البيت في الساحة لا علي أنها مجرد مذهب خامس ينبغي الاعتراف به, فالبعض من خصوم مدرسة أهل البيت لايمانع في تقديم هذا التنازل كحل وسط يهدف في النهاية إلي حصر أطروحة آل البيت في إطار لجنة تشريعية, وإنما كانت رؤيتي لأهل البيت ومدرستهم باعتبارهم قادة الأمة وطليعة التضحية والتغيير المستمر.
ويفصح الكاتب بوضوح عن هدفه النهائي قائلا: كيف يمكن لأمة تحلم بإقامة دولة إسلامية وهي لاتمتلك مشروعا فقهيا أو فقهاء مجتهدين؟ الجميع يعلمون أن المسلمين الشيعة وحدهم الذين يمتلكون هذا البناء الفقهي وهذه المدرسة المتكاملة.
انه حديث الإقصاء لا حديث الاثبات, حديث نفي الآخر وإنكاره ومصادرة مذهبه وعقيدته, وهل يقبل في منظور الدين ومنطق العقل أن يقول قائل لقد دونت كتب الصحاح التي يتحدثون عنها ـ أي أهل السنة ـ بعد قرنين من رحيل النبي الأكرم ولذا جاءت مدونات هذه الكتب خليطا من النصوص المبتورة عن مواضعها, والظروف المحيطة بها بالرغم من صحتها, وتلك النصوص المكذوبة علي رسول الله صلي الله عليه وآله وتلك النصوص المنتقاه التي لاترقي إلي مرتبة النص الشرعي مثل مقولة عبد الله بن عمر الشهيرة التي تتماشي مع المصالح الأموية ومع رغبات كل النظم الحاكمة, أليس هذا حديثا يلتقي فيه التشيع الجديد مع الاستشراق؟ ألم يردد جولد زيهر ولامانس نفس ماتذيعه هذه الأقلام التي تضرب فلسفة التقريب في مقتل وهل يظل التقريب الآن بسبب هذه الأقلام المسكوت عنها من المراجع الكبري هو طريق وحدة الأمة الإسلامية, والصيغة العلمية التي من أجلها رفعت راياته, وأنطوي تحتها الجهابذة المخلصون من فقهاء الفريقين ألا يبدو التقريب مؤخرا وكأنه انقلب من حركة علمية إلي أداة سياسية لتحقيق مآرب أخري خفية.
اننا إذا أردنا انقاذ التقريب وإعادة الثقة فيه يجب أن نتفق ـ وبصوت رسمي عال ومسجل علي:
1 ـ العودة بالخلافيات إلي أروقة الدرس ومجالس العلماء المغلقة, صيانة لهذه الأفكار الدقيقة من أن تصبح في متناول من لايملكون أدوات الفصل فيها, ولا يحسنون قواعد أدب البحث والمناظرة وحتي لاتتشوه تلك الأصول والخلافيات وتتحول إلي مادة خبيثة تشعل نار الفتنة بين المسلمين.
2 ـ تصدي علماء الأمة من جميع المذاهب وحسب خطة دقيقة للعابثين بتراث الأمة ومقدساتها, والتبرؤ المعلن والصريح من كل مايعكر صفو العلاقة ولحسابات سياسية حينا وحسابات خارجية حينا آخر.
3 ـ مازال الأزهر حتي هذه اللحظة يترفع عن الخوض في هذه المتاهات, ولايريد أن يصب مزيدا من الزيت علي النار, برغم مايتعرض له مذهب أهل السنة من لمز وهمز بل وإساءة صريحة.. وأخشي ما أخشاه أن تؤدي الاستفزازات المستمرة إلي أن يعدل بعض علماء الأزهر عن هذا النهج ويضطروا إلي خوض حرب إن فرضها عليهم إخوانهم, يجب الكف تحديدا عن الإساءة إلي خلفاء رسول الله صلي الله وزوجه الطاهرة المطهرة والصحابة رضوان الله عليه وسلم عليهم, وإلي الإمام البخاري وأيضا الكف عن الهجوم علي أصول المذهب الشيعي, ولمز التشيع وغمزه واتهامه بما هو براء منه.
ساحة النقاش