كيف تجعل من الطفل مسخاً؟ بقلم د. سحر الموجى ٣٠/ ٥/ ٢٠١٠ |
يسجل الطفل المصرى أعلى نسب ذكاء فى العالم حتى بلوغه سن المدرسة، ومن هناك يبدأ ذكاؤه فى التراجع، فنظن خطأ أن النظام التعليمى المصرى هو الوحيد المسؤول عن تلك المأساة. من المؤكد أن التعليم القائم على التلقين وتجاهل أنواع الذكاء المختلفة له يد فى قتل الإبداع وتراجع نسب الذكاء. لكن من بين أحد العوامل المؤثرة فى تلك المسألة هو العنف اللفظى الذى يحاصر به الطفل منذ سنواته الأولى. إن لم يكن حب الأبوين لطفلهما مصحوبا بوعى تربوى فعملية التنشئة معطوبة. ما معنى أن أحب ابنى لكننى أوجه له رسائل سلبية عن نفسه طوال الوقت؟! وأنا إذ أستبعد من هذا السياق شتائم يطلقها الأبوان بعفوية مثل «إنت حمار!» أو «يا حيوان. يا غبى» أركز فقط على مفاهيم لفظية تتردد فى العائلة المصرية بعفوية وحسن نية، جمل من عينة «هتفهم لما تكبر»، «يا عيل!»، «إيه السؤال الغريب ده»، «إنت بتستعبط!». نحن نبعث طول الوقت برسائل للطفل فحواها أنه لا يفهم لأنه صغير، وليس من حقه السؤال لأنه لن يفهم كل ما يقال له، وبدلا من التعامل معه بصبر والتفكير كيف نجيب عن أسئلته بما يتناسب معه، نلجأ إلى الاستسهال بدفعه جانبا والتقليل من شأنه. النتيجة الحتمية تتعلق برؤية الطفل لنفسه على أنه أقل لمجرد أنه أصغر وهو ما ينال من ثقته بنفسه وقدراته. وبعيدا عن المناهج وأساليب التدريس غير الشيقة، يتلقى الطفل فى المدرسة معاملة لا تختلف كثيرا عن معاملة البيت. التعليم فى مصر لا يتوجه للطفل بالتشجيع وتدعيم الثقة بالذات وإثبات النجاحات الفردية، فالمعلم المدفوع بالرغبة فى الانتهاء من المنهج الدراسى يلجأ إلى الصراخ فى وجه التلاميذ بـ«اسكت يا واد. اسكتى يا بنت» وغيرها من أساليب التعنيف اللفظى التى تجعل من المدرسة ثكنة عسكرية تلزم التلاميذ بالطاعة المطلقة وإلا العقاب. حكت لى صديقتى التى تعمل مدرسة فى الكويت كيف انتاب إدارة المدرسة الفزع من مدرسة مصرية التحقت بالعمل مؤخرا لأنها لا تستطيع مخاطبة التلميذات إلا بـ«يا جاموسة يا حمارة يا حيوانة». ويجدون صعوبة فى إقناع هذه المدرسة بخطئها إذ إنها لا ترى مشكلة فى استخدام هذه الألفاظ. بالإضافة إلى هدم ثقة الطفل بنفسه (هذا إن كان هناك أصلا أدنى قدر منها) فهو يكبر وقد تعوّد على تلقى الإهانات. وبالإضافة إلى البيت والمدرسة هناك سيل آخر من العنف اللفظى يسمعه الطفل المصرى فى الشارع وفى وسائل الإعلام. يكفى أن يركب هذا الطفل وسيلة مواصلات حتى يسمع فى الميكروباص إما أغنيات من عينة «بحبك يا حمار» أو أحاديث دينية تهدد العاصين بشتى ألوان العذاب فيكبر الطفل المسكين وتصوراته عن الله سبحانه وتعالى قائمة على الخوف أكثر منها على الحب والفهم. أما عن الإعلام فتتعدد الأمثلة على حرية إطلاق الشتائم بين ضيوف البرامج الفضائية التى يشارك فيها أحيانا مقدمو البرامج. يكبر هذا الطفل المحاصر بالعنف وقد عجز عن تعريف ما يدور حوله على أنه عنف. ومن ثم فهو يتلقى المزيد منه فى دوائر أخرى كما يمارسه ضد آخرين بنفس العفوية وحسن النية. |
ساحة النقاش