نظرية الصرصار بقلم جمال الجمل ٢١/ ٥/ ٢٠١٠ |
نظرية «الصرصار» نظرية مصرية خالصة.. قد نجد لها صوراً أو أصداء فى مجتمعات أخرى، لكنها تظل إبداعاً «شعبياً» استلهمته جماعات المثقفين، وهى على عكس ما يوحى الاسم، ليست نظرية فى «علم الحشرات»، لكنها بدأت كنظرية فى النقد الأدبى، ابتدعها مثقفو المقاهى للسخرية من «التأويل التعسفى» الذى يستهدف الناقد من خلاله الوصول إلى نتائج مسبقة لمجاملة هذا أو الهجوم على ذاك. كيف نشأت هذه النظرية، ولماذا، وما سر التسمية الغريبة؟.. الإجابة بسيطة جداً، فقد ظهرت الحاجة إلى «نظرية الصرصار» بعد غياب النظرة الموضوعية للأمور، وشيوع الأحكام المسبقة والمتعسفة، وانطلقت تسمية النظرية من نكتة تقول إن واحد بلدياتنا جاء القاهرة للعمل، وطبعاً اصطدم بطوابير البطالة حتى أفلس، فدفعه الجوع لدخول مطعم، وتناول ما وجده من طعام، حتى فوجئ بفاتورة الحساب، وأراد أن يكسب بعض الوقت ليفكر فى وسيلة للخروج من المأزق، فسأل عن «دورة المياه»، واستغرق فى التفكير وهو يتأمل حركة الصراصير من حوله، ولمع الحل فى رأسه، فانحنى والتقط «صرصاراً» وخرج إلى مائدته وطلب طبقاً من «الملوخية»، ثم أخرج «الصرصار» ودسه فى الطبق وأخذ فى الصراخ محتجاً، فأقبل صاحب المطعم يعتذر حتى لا يسىء إلى سمعة المحل، وطلب منه الانصراف دون أن يدفع الحساب، وعندما عاد إلى بلدته أخذ يحكى مباهياً، ما دفع أحد «بلدياته» لاحتراف اللعبة وبدأ فى تجهيز أدواته، إذ رأى أنه من الذكاء تجهيز «الصراصير»، تحسباً لعدم عثوره عليها فى بعض المطاعم، وانطلق المتذاكى إلى القاهرة بغية تحويل «المصادفة العابرة» إلى طريقة حياة و«أسلوب» ودخل المطعم بثقة وطلب طعاماً فاخراً، وبعد أن شبع، طلب طبق الملوخية ليضع فيه «الصراصير» لكنه فوجئ بالعامل يقول له: «مفيش ملوخية»، فصرخ حائراً «أمال الصرصار ده أوديه فين؟». كتاب كثيرون يتناولون وقائع الحياة والشخصيات والقضايا وفى جيوبهم «الصراصير» المعدة سلفاً، بهدف الاحتيال والارتزاق أو الابتزاز، يفعلون ذلك وهم يتوارون عادة خلف شعارات النظافة والدقة والنظام والعدل وطهارة اليد، ويحولون المعرفة من «وسيلة تنوير وتطوير» إلى «وسيلة تكييف تاريخى» و«توظيف للتزييف» من أجل تحقيق مكاسب فردية صغيرة قد تتعارض مع مصلحة الجماعة، وإذا كان أمبرتو أيكو قد رأى أن كل قراءة هى خيانة للنص، فإننى أرى أن القراءات المتعسفة والملتوية للواقع هى فقط التى ترتكب فعل الخيانة، وتفرض علينا قضايا وموضوعات مفتعلة يمكن إسقاطها، لكنهم يصنعون أجندة خاصة للهروب من الحساب والأكل على حساب «صاخب المخل». للأسف، هكذا اعتنق الكثير من أفراد النخبة مفاهيم وآليات «نظرية الصرصار»، بحيث تجاوزت «النقد الأدبى» إلى مجالات السياسة والاقتصاد تحت شعار «احمل صرصارك واتبعنى». الأهداف واضحة و«الصراصير جاهزة».. وصمة فصرخة فـ«تسكيت»، بمعنى أن تصم شخصاً ما ثم تزعق «امسك حرامى أو مزور أو..» فيحاول أن يرضيك بعدم دفع الحساب، هكذا وجد الجهلاء طريقهم إلى الصعود، فانتفخت «البالونات»، وانتشر السراب، وزادت مساحات الوهم، ولمعت النجوم الزائفة.. ولنتأمل معاً ظاهرة الصعود والسقوط فى المجتمع المصرى، النجوم التى تهوى فجأة، والأوهام التى تتحول إلى حقائق، والنتائج المعروفة مسبقاً فى الانتخابات، وحركات تغيير أو تمرير القيادات أو فى حركة دوران الكلام فى فضاء مشحون بزحام هائل من الصور واللغة التراكمية التى لا تحقق لنا حضوراً يذكر، اللهم إلا إعادة إنتاج التخلف، وجمع أكبر كمية من «الصراصير» كخطوة أولى فى لعبة استخدام الفاسدين لشعار محاربة «الفساد»، أو حديث الفاشيين عن الديمقراطية.. وعندك هنا وااااحد ملوخية. |
ساحة النقاش