بقلم: د. أماني قنديل
لفت انتباهي نتائج استطلاع للرأي, اجراه مركز استطلاعات الرأي العام بمجلس الوزراء في مارس2010, يتوجه إلي عينة من المواطنين(986 مواطنا ومواطنة).
حول مكانة المرأة في المجتمع المصري. من أهم ما يجعلنا نتوقف أمام النتائج, أن الجهة المذكورة كانت قد بدأت إجراء نفس الاستطلاع عن مكانة المرأة ـ سنويا منذ عام2006, حتي الأخير عام2010, ويعني ذلك إمكانية المقارنة, وتلمس مدي التغير في اتجاهات المواطنين تجاه مكانة المرأة, وتعني أيضا إمكانية تحليل الارتباط بين متغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية من ناحية وبين تغير اتجاهات عينة من المواطنين إزاء المرأة.
نحن أمام موضوع علي درجة عالية من الأهمية ليس فقط لتوافر إمكانات مقارنة اتجاهات الرأي العام إزاء مكانة المرأة, ولكن لأسباب أخري, تعكس ضرورة فتح هذا الملف من أوسع الأبواب, ومتابعته بكل جدية. أولها أن النهوض بالمرأة يرتبط بالنهوض بالمجتمع ككل, وأن التوجه إلي المرأة فقط لتمكينها( أي توفير عناصر القوة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لها, لن يحقق وحدة الأهداف المرجوة منه. ثانيها أننا أمام قضية ثقافية اجتماعية بامتياز, وقد ثبت من دراسات ميدانية في بعض محافظات وقري الصعيد أن التعليم لم يكن متغيرا رئيسيا لتغيير توجهات واتجاهات المجتمعات المحلية إزاء المرأة. وللأسف الشديد كان ذلك بين النساء أنفسهن. ثالثها أن السنوات السابقة, منذ مطلع الألفية الثالثة حتي2010, قد شهدت جهودا ضخمة للغاية ـ كان المجلس القومي للمرأة فاعلا رئيسيا فيها ـ لإنصاف المرأة. منها ما تعلق بالتشريعات, أو تقلد المرأة مواقع قيادية, وسياسية, ومنها ما تعلق بالتعليم, وحماية المرأة من العنف, وغير ذلك. وقد قامت منظمات المجتمع المدني بدور مهم لتفعيل حقوق المرأة, والدفاع عنها, والتثقيف والتوعية, والنهوض الاقتصادي والاجتماعي بالنساء.
هنا يصبح السؤال المحوري هو: هل أدت كل هذه الجهود إلي تحقيق تغيرات في اتجاهات المجتمع إزاء مكانة المرأة؟
إن الاستطلاع الذي أجراه مؤخرا مركز استطلاعات الرأي العام حول مكانة المرأة في مصر, وطرح نتائجه في إطار مقارن( مع استطلاعات سابقة له) يجيب ـ ولو جزئيا ـ علي السؤال السابق. وقبل إلقاء الضوء علي جانب من نتائجه الرئيسية, مهم الإشارة إلي أن استطلاع الرأي المذكور, قد تضمن ما يقرب من1000 مفردة, من الذكور والإناث, وفئات عمرية متنوعة من18 إلي60 سنة فأكثر, وخلفيات اقتصادية واجتماعية متنوعة. وان الأداة التي اعتمد عليها استطلاع الرأي حول مكانة المرأة في المجتمع المصري, هي الهاتف. وبالرغم من تحفظ البعض علي الأداة المستخدمة, أو غير ذلك, تبقي قيمة هذا الاستطلاع في الكشف عن اتجاهات المواطنين لهذا الموضوع المهم.
وسوف أتوقف في القراءة النقدية المقارنة, لنتائج هذا الاستطلاع, أمام نتائج ثلاثة رئيسية. الأولي آراء العينة تجاه عمل المرأة, حيث أشار63% من عينة الإناث, و45% فقط من عينة الذكور لأهمية عمل المرأة مقابل أجر. هنا من المهم الإشارة إلي أنه بالرغم من اتجاه آراء الذكور نحو تأييد عمل المرأة نحو الارتفاع ـ مقارنة بنتائج الاستطلاعات السابقة في نفس الموضوع ونفس السؤال ـ إلا أن نسبة الذكور المؤيدين لعمل المرأة, مازالت أقل من النصف. وفي الوقت نفسه, فإن النساء المبحوثات ضمن العينة, أيدت الغالبية منهن عمل المرأة.
إن اتجاه نسبة الذكور المؤيدين لعمل المرأة بأجر من35% في الاستطلاعات السابقة, إلي45% في استطلاع عام2010, قد يفسر بزيادة الوعي بأهمية دور المرأة وعملها, ولكن القراءة النقدية لنتائج الاستطلاع تكشف عن أن الضغوط الاقتصادية هي الدافع الرئيسي لزيادة نسبة تأييد عمل المرأة بأجر خارج المنزل. وتفسير ذلك أنه في المستويات الاقتصادية الدنيا أو المنخفضة ثم في المتوسطة, كان أكبر تأييد لعمل المرأة( سواء لدي الذكور أو الإناث). هذا بينما في المستوي الاقتصادي المرتفع انخفض التأييد لعمل المرأة. نحن هنا أمام نتائج تكشف عن اتجاه ثقافي اجتماعي, يركز علي أن عمل المرأة بأجر خارج المنزل يكون للضرورة الاقتصادية, وليس لاعتبارات أخري تتعلق بقيمة المرأة لذاتها, وإسهامها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. ويؤكد ذلك ضمن نتائج استطلاع الرأي العام المذكور, أن غالبية المبحوثين من الذكور والإناث, يرون أن الأفضلية أن تكون المرأة ربة منزل مادامت الظروف الاقتصادية للأسرة جيدة(84% من الذكور, و76% من الإناث).
ببساطة شديدة, يبدو لي من القراءة النقدية لنتائج استطلاع الرأي حول مكانة المرأة, أن الاتجاه العام الغالب لدي العينة ككل, وفي كل مستوياتها, ان العمل هو ضرورة اقتصادية بشكل أساسي, وأن ارتفاع نسبة المؤيدين من الذكور لعمل المرأة في استطلاع عام2010( مقارنة بالنتائج السابقة) قد جاء تحت ضغط الظروف الاقتصادية.
النتيجة الثانية, التي ينبغي التعليق عليها في هذا المقام, هي آراء المواطنين في تولي المرأة بعض المناصب القيادية. وسوف أركز علي قضية تولي المرأة منصب القاضي, وقد كان محورا للجدل والنقاش عقب رفض( أو تجميد) مجلس الدولة تعيين قاضيات, وأيضا بعد تولي المرأة منصب القضاء لأول مرة( عام2003) ثم تولي42 قاضية للمنصب حتي لحظة تطبيق الاستطلاع.
إن الخلفية السابقة عن تولي المرأة منصب القضاء منذ عام2003, لابد وأن تقودنا إلي نتيجة نعتقد أنها منطقية, وهي قبول مجتمعي أكثر لحق المرأة في تولي منصب القضاء. ولكن ما الذي تشير اليه القراءة النقدية للنتائج؟ لقد كشفت النتائج عن اتجاه عينة الذكور نحو رفض تولي المرأة لمنصب القاضي, وتزايد الرفض في استطلاع عام2010 عن استطلاعات الرأي السابقة, لنفس الموضوع( عام2006). واللافت للانتباه, وينبغي متابعته بدراسات ثقافية واجتماعية تحليلية, أن نسبة الذكور الذين رفضوا عمل المرأة في القضاء, تركزوا في المستويات التعليمية المرتفعة(66%) مقارنة بنسبة الرفض في مستويات التعليم المحدودة(38%), كذلك ارتفاع نسبة رفض الذكور في المستوي الاقتصادي المرتفع والمتوسط(60%) لعمل المرأة في القضاء, بالمقارنة مع ذوي المستوي الاقتصادي المنخفض(47%). وحين تواجهنا نتائج استطلاع رأي العينة, بأن أعلي تركز للذكور الذين رفضوا عمل المرأة في القضاء هم في الفئات العمرية, ما بين30 سنة إلي أقل من50 سنة, نصبح أمام معضلة ثقافية واجتماعية, وردة ثقافية, تعكس رؤية ذكورية لبعض المواقع والمناصب, وثقة محدودة في قدرات المرأة, لم يؤثر فيها التعليم أو الانتماء الاقتصادي والاجتماعي, وهو يطرح علينا تحدي التغيير الثقافي لعقلية مجتمعية تحدد وتقبل أدوار المرأة وأدوار الرجل, وفقا لادراكاتها. وتتزايد الحيرة أمامنا حين تقول لنا نتائج استطلاع مركز استطلاع الرأي العام بمجلس الوزراء, أن استطلاع عام2010 ترتفع فيه نسبة الإناث الرافضات لتولي المرأة منصب القاضي, في مستويات التعليم الجامعي فأعلي45%, وكذلك الأقل, وفي المستوي الأقتصادي المرتفع والمتوسط(37%,31% علي التوالي).
وأخيرا وليس أقلها أهمية, فإن النتائج تشير إلي اتجاه أكثر إيجابية إزاء قضية المشاركة السياسية للمرأة, حيث أيد67% من الذكور87% من الإناث, أهمية مشاركة المرأة في الحياة السياسية, وذلك في استطلاع عام.2010 ولكن بالرغم من هذا الاتجاه العام الإيجابي, فإن مقارنة هذه النتيجة بمثيلتها ـ في استطلاع عام2009 لنفس الموضوع ـ هناك حوالي10% أقل في نسبة المؤيدين للمشاركة السياسية, سواء بين الذكور أو الاناث.
في اعتقادي أن نتائج استطلاع رأي المواطنين حول مكانة المرأة في المجتمع المصري, والذي أجراه مركز استطلاعات الرأي العام بمجلس الوزراء( مارس2010), ونشر نتائجه مؤخرا, يدق ناقوس الخطر إزاء تراجعات مجتمعية في قضايا المرأة, خاصة ما ناقشه هذا المقال. هذه التراجعات لا تتناسب إطلاقا مع اللحظة الزمنية( نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة), ولا تتناسب مع جهود كبري للدولة, والمجلس القومي للمرأة, والمجتمع المدني, والإعلام. ماذا حدث للمصريين؟ كيف يفسر التحليل الثقافي والاجتماعي هذه الاتجاهات وهذه الآراء؟ هناك ضرورة للمراجعة الشاملة لما نبذله جميعا من جهود, وهناك احتياج سياسة ثقافية جديدة, تتجه إلي الذكور والإناث معا, وفي كل المستويات التعليمية والاقتصادية. لقد تألمت كثيرا من قراءتي النقدية لنتائج استطلاع الرأي. فماذا عنكم؟
المزيد من مقالات د. أماني قنديل
ساحة النقاش