كيف تكون أسرة سعيدة | ||
" رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ " صدق الله العظيم 0
وأصلي وأسلمُ على خيرِ هادٍ سيدنا محمد الذي علمه ربُهُ فعَلِمَ وعلَّمَ ، وعلى آلهِ وصحبهِ ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين 0
فيسعدني ويشرفني التحاور معكم اليوم ، أهلا وسهلا بكم جميعا في رحاب الثقافة، كما يسعدني ويشرفني أن أتقدم بخالص الشكر للأستاذ/ سليم توفيق مدير القصر على إتاحة لي فرصة اللقاء مع حضراتكم، لنتحاور في بعض الأمور التي تشغل بالنا جميعا في خضم ما نراه حولنا من أحداث، فقد كنا بالأمس القريب نستنكر إيداع الآباء في بيوت المسنين، وفوجئنا اليوم بالابن الذي يستغل فرصة وجود والدته في الحج، فيقوم بالاستيلاء على منزلها بالكامل، ويلقي بها في قارعة الطريق إرضاء لزوجته، والأخطر من ذلك الابن الذي يقتل والده، والابنة التي تشترك في قتل والدها وإخفاء جثته، والزوجة التي تقتل زوجها والعكس، والشاب الذي يقتل آخر بسبب نصف جنيه، وهنا نتساءل ما الذي حدث في المجتمع؟ ماذا أصاب هؤلاء الناس؟ إلى من نتوجه؟ كيف يقتل الأبناء الآباء الذين قال عنهم الشاعر:
فإن رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماءمجموعة من التساؤلات التي يصعب الإجابة عنها، فقد أشارت أصابع الاتهام إلى جهات متعددة منها: أفلام العنف، والألعاب، والبطالة، والحالة الاقتصادية للبلد، وخروج المرأة للعمل ودعاوى التمدن0
وأيا ما تكون الأسباب فهذه مشكلة تحتاج إلى البحث والدراسة، وهنا نتساءل؛ من أين نبدأ؟
هيا نبدأ من الأسرة التي هي نواة المجتمع، وكلمة أسرة مأخوذة من الفعل أسر، والأسر معناه القيد، بمعنى أن تكوين الأسرة يضع قيودا على كلا الطرفين الالتزام بها، وقبل تكوين الأسرة علينا أن نسأل الشاب والفتاة: هل أعددت نفسك لمثل هذا اليوم؟ هل أنت مستعد لتحمل المسئوليات التي سوف تلقى على عاتقك أثناء الزواج؟ فالأسرة معناها التكليف، ليس التشريف، فالأساس الذي تبنى عليه الأسرة هو الزواج ]وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) [ [الروم:21] ومعنى السكن الاستقرار والطمأنينة، ولكي يتحقق ذلك يجب أن نحسن اختيار كل من الزوج والزوجة0
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ كيف يمكن الاختيار في ظل حرص كل طرف على الظهور في أجمل مظهر؟
والإجابة أن الإسلام وضع لنا قواعد الاختيار التي قد نستشفها من الظاهر، ومن خلال السؤال عن الطرف الآخر، ومنها:
لنبدأ أولا باختيار الزوجة، وقد سرد لنا الرسولr الأسباب التي من أجلها يختار الشاب شريكة حياته في أربعة أسباب حينما قال:" تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" وتربت يداك أي لصقت بالتراب إذا لم تفعل0
وعلى الرغم من أنه عدد أربع حالات لاختيار الرجل للمرأة، وهي المال والحسب والجمال والدين إلا أنه لم يأمر إلا باختيار ذات الدين دون غيرها، وليس معنى ذلك ترك الصفات الأخرى، ولكن إذا تعارضت الصفات نتمسك بذات الدين، لماذا؟
لأن المرأة عليها عبء تربية الأبناء، ورعايتهم لانشغال الأب بالعمل خارج المنزل، فالأم هي التي تزرع في أبنائها القيم والمبادئ التي تؤهلهم للتعامل مع أفراد المجتمع، فإذا كانت هذه الأم صالحة صلح المجتمع، والعكس، وفيذلك يقول الشاعر:
ماذا يحدث إذا كانت المرأة جميلة ولكن أخلاقها دون المستوى؟
قد تنسب الابن إلى غير أبيه، وقد تربي أبناءه تربية غير صالحة، وبالتأكيد سيكون زوجها في جحيم نتيجة شكه في تصرفاتها، لذلك حرم الإسلام الارتباط بين الزناة وبين المسلمين بآية صريحة، ففي عهد الرسولr أراد مرثد أن يتزوج بامرأة من البغاة اسمها عناق، وذهب إلى رسول اللهr وقال: يا رسول أتزوج عناق ثلاث مرات، فلم يجبه الرسولr ثم نزل عليه الوحي، فقال :" يا مرثد ] الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)[ [النور:3] لا تتزوجها0
وفي ذلك سوف أجد من يقول لي: إن الله يقبل التوبة لماذا لا نقبلها نحن؟، فأقول له: إن الله تعالى مطلع على ما في القلوب، ويعلم الجهر وما يخفى، أما نحن فمن أين نعلم أن التوبة صادقة؟ إذن فالمطلوب من المرأة أن تكون متدينة ذات خلق، وهذا لا يمنع أن تجمع من الصفات الأخرى بعض الصفات، أو تجمعها جميعها0
هيا بنا ننظر للطرف الآخر، كيف تختار الزوجة الزوج؟
أول مبدأ لاختيار الزوج التكافؤ في جميع الجوانب الاجتماعية، التعليمية، والاقتصادية، والأسرية، حتى يكون هناك خط فكري واحد بين الزوج والزوجة0
وهناك أخطاء تحدث في مجتمعنا عند اختيار الزوج منها: اختيار الزوج لماله، واختياره لفقره؛ فهناك مقولة شائعة بين الفتيات تقول:" لن أبيع نفسي"0
ولكي يتضح ضرر مثل هذا الاختيار هيا بنا نرى وجهة نظر الشاعرة ميسون زوجة الخليفة معاوية، وأم ولده يزيد فقد كانت فتاة بسيطة من البادية، تزوجت الخليفة، وسكنت في قصر الخلافة، ومع ذلك طلبت من زوجها العودة إلى البادية، فقال لها:" أنت في ملك لا تدرين قدره، وكنت قبل اليوم في عباءة" فماذا قالت له؟ قالت:
ولبس عباءة ويقر قلبيأحب إليَّ من لبس الشفوف
وأصوات الرياح بكل فجأحب إلىَّ من نقر الدفوف
وأكل كسيرة من خبز قوميأحب إلىَّ من أكل الرغيف
فما أبغي سوى وطني بديلافحسبي ذاك من وطني شريف
لو كان المال سبب السعادة لما كان هناك أسعد من زوجة الخليفة الذي يتمتع بالمال والجاه والحسب، وعلى الجانب الآخر هناك من تختار الرجل لفقره وتكون مخطئة؛ لأن هناك ضرورات للحياة لا يمكن الاستغناء عنها، كما أن الغنى والفقر ليس هو المحك على خلق الرجل، إذن كيف تختار المرأة الرجل المناسب؟
قال الرسولr :" إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، إذن فالمحك هنا هو الدين والخلق، كما أمرنا الرسولr ، وكما أمرنا الله تعالى] الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)[[النور:26]
والسؤال الآن؛ لماذا هذا النهي عن التعامل مع الزناة؟
والإجابة لعدة أسباب منها:
1. أن هذا الزاني ارتكب جريمة لا تغتفر، إتيانها دليل على أن مرتكبها ضميره في أجازة، وطالما أعطى ضميره أجازة في هذا الموقف لا يستبعد أن يعطيه أجازة في مواقف أخرى0
2. أن زوجة هذا الشخص قد تفاجأ بعد الزواج بوجود أبناء لهذا الزوج يشاركون أبناءها في الميراث0
3. أن هذا الزوج قد يحن لمن أخطأ معها، ويتزوجها على زوجته، وفي هذا ما فيه من الغيرة المعهودة بين النساء، حتى بين أمهات المؤمنين، فقد ذكر القرطبي أن الرسولr قد استقدم أسماء بنت النعمان ليتزوجها، فاتفقت السيدة عائشة ، والسيدة حفصة رضي الله عنهما، وقامتا بتمشيط العروس، وتجهيزها، وقلن لها: إن الرسولr يحب إذا دخلت عليه العروس أن تقول له: أعوذ بالله منك، وحينما قالت له ذلك قال لها: "أتستعيذي من معاذ" وطلقها، وإذا كان هذا حال أمهات المؤمنين حاشا لله من التشبيه، فكيف بحال المرأة العادية؟
4. أن هذا الرجل الذي تعود إتيان الرذيلة لا يخلو من الشذوذ الجنسي، فقد يلجأ إلى ممارسات جنسية لا تقوى عليها المرأة العفيفة مثل: الرضاعة، واللواط، ويكون هذا بؤرة خلاف تجعله يشعر أن المرأة الخارجية أفضل من زوجته فيسيء معاملة زوجته0
5. أن هناك أمراض معدية تصيب ممارسين الرزيلة 0
6. أن الشيطان يزين للرجل الخطيئة، ويكرهه في زوجته العفيفة؛ فتكثر المشكلات بينهما0
7. غياب القدوة الحسنة بالنسبة للأبناء0
8. السمعة السيئة التي تطارد الأبناء0
لذلك نهى الإسلام عن التعامل مع هؤلاء الأفراد نهيا صريحا حينما قال تعالى] الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)[[النور:3]0
نعود مرة أخرى لشروط اختيار الزوج، هل المطلوب في الزوج التدين فقط؟ لا، ولكن المطلوب فيه أيضا أن يكون قادرا على نفقات الزواج] الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (34)[[النساء:34] والقوامة معناها القيام بالأمر، وتدبيره، والقوة الجسدية، والعقلية، فالرجل بحكم بنيته أقوى من المرأة جسديا، ومطالب أن يكفل لها أمرين:
1) حمايتها من الجوع0
2) حمايتها من الخوف0
وهذا يذكرني بقول كانت السيدات قديما تطلقه، وكنت لا أفهم معناه، فحينما كانت العروس تذهب لبيت زوجها، وكانت السيدات تقلن على العريس"إنه لا يجعل الباب يرى طولها"وعندما كبرت فهمت أن معنى هذه المقولة أن الرجل لا يكلف زوجته بالعمل خارج المنزل، ويأتي لها بمن يخدمها، فهي ليست بحاجة للخروج من المنزل، أو حتى فتح الباب لمن يطرقه لوجود من يقوم بذلك0
وقد قال الرسولr" يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء"0
ولنا وقفة مع بعض ألفاظ هذا الحديث الشريف مثل: الباءة في اللغة أصلها الجماع مشتقة من المباءة، وهي المنزل، ثم قيل لعقد النكاح باءة لأن من تزوج امرأة بؤها منزلا، وقيل يراد بها مؤن النكاح0
وكلمة وجاء: أي حماية من الوقوع في الخطأ، فقد ثبت علميا أن الصوم يقلل من إفراز الخصيتين مما يقلل من الشهوة الجنسية عند الرجل0
وفي هذا الحديث أمر صريح من الرسولr للشباب الراغب في الزواج بأن يوفروا نفقات الزواج أولا، وإن لم يستطيعوا فليصوموا0
وهنا نتساءل أي نفقات الزواج يقصد؟ هل النفقات المقصودة هي المهر والشبكة أم النفقات الدائمة؟ هل كل عريس يأتي للعروس بمبلغ مالي، وبعد الزواج لا تجد ما تنفقه؟ أم المقصود أن يكون الرجل له دخل ثابت يستطيع من خلاله الإنفاق على البيت؟
هل من المعقول أن تكون المرأة موظفة، وعلى ذمة رجل يمارس عليها ضغوط" سي السيد" ويتركها تمد يدها لأهلها لأن بيتها خالي من النقود؟
بالطبع المقصود من الباءة في الحديث الشريف أن يكون الرجل له دخل ثابت ينفق منه على البيت، وقبل هذا الدخل يكون له مكان ثابت تقيم فيه الأسرة حسب التراضي0
والمطلوب باختصار أن تكون المرأة ذات خلق حسن، وأن يتمتع الزوج بالتدين إلى جانب القدرة المالية التي تسمح له بالإنفاق على المنزل، إضافة إلى التكافؤ بين الطرفين، وبعد ذلك تأتي تربية الأبناء على القيم والمثل المرغوبة من خلال:
1) القدوة الحسنة: فيجب أن يتحلى الأب والأم بالسلوكيات المرغوبة0
2) العدل بين الأبناء:يقول النعمان بن بشير: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة (أم النعمان): لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) [البخاري]قال فرجع فرد عطيته، لأن عدم العدل بين الأبناء يولد بينهم العداوة والبغضاء0
3) التصابي: من خلال التودد أو الهدايا أو إعطاء بعض المعلومات المؤثرة التي يحبها الطفل0
4) إشراك الابن في الأنشطة التربوية في المرات القادمة إن شاء الله0
ساحة النقاش