جودة الحياة‏..‏ وثقافة الانضباط
بقلم:د‏.‏ محمود عيسي
الحياة هي الناتج الأول للسنن الكونية فالتصميم الالهي المعجز لمفردات الكون ومخلوقاته انسانا وجمادا ونباتا وحيوانا هي التي أوجدت هذه الحياة‏,‏ كما ان معايير الانضباط في كل هذه المخلوقات هي امتداد لهذه السنن الكونية المبنية علي الانضباط المطلق والدقة والاتقان والجودة المطلقة‏
 
 

 

.‏ وجودة الحياة تعبير أصبح شائعا ومستخدما عندما نعني جودة كل ما يتعلق بشئون الفرد والمجتمع‏,‏ كما انها تعكس مدي امكانية استمتاع الفرد بحياته في إطار الالتزام المتبادل بينه وبين المجتمع‏.‏ وجودة الحياة لا علاقة لها بالثراء أو الفقر‏,‏ بل تعتمد علي مدي ما يتمتع به الفرد من خدمات صحية وتعليمية وحياتية ومشاركة مجتمعية وغيرها من الخدمات والتي يشارك في تنميتها بالفكر أو المال أو العمل أو بها جميعا لذا فإن جودة الحياة هي أساس لرفاهية الشعوب وتقدمها حضاريا واقتصايا‏.‏
ولشمولية جودة الحياة فإنها ترتبط بقوانين هذه الحياة ومعجزة الخلق وبما يحكمها من مقومات الانضباط‏.‏ فإذا نظرنا الي كوكب الأرض والتي تدور في فراغ هائل من بلايين السنين فإنها لو مالت جزءا من جزء من الدرجة عن محورها الذي تدور حوله زيادة أو نقصا لانتهت عليها الحياة‏.‏ كما انها لو خرجت ايضا عن مدارها حول الشمس جزءا من جزء من الدرجة لكان لها ولنا نفس المصير‏.‏ انها الدقة المطلقة والانضباط المطلق الذي دام منذ ذلك الحين‏.‏ لقد أعطي الانضباط المطلق لنا وللحياة قمة الروعة وآيات الجمال‏.‏ وإذا نظرنا الي ما في الانسان وما في الحيوان من خلق معجز ودقة واتقان والتماثل المذهل في الاجهزة الدورية والاعضاء في كل البشر وبما فيها من تماثل في المواصفات والآداء وهي المحكومة في ادائها بهذه الدقة وبما يعطيها مقومات الحياة‏.‏ فإذا فرج العضو عن ناموس خلقه وعن المواصفات الإلهية المزروعة فيه فإنه يمرض ويموت‏.‏ هذا في الانسان والحيوان والنبات‏,‏ وفي غيرها في ملايين الانواع من الكائنات كلها محكومة بمواصفات إلهية تؤدي دائما إلي دقة الانضباط واستمرار الحياة‏.‏
بالنظر الي مشاكل الشارع ومعاناة الزحام كأحد الأمثلة التي نعاني منها الآن تجدها في كل الاحوال سببها عدم الانضباط من السائق ومن عابر الطريق وفي بعض الاحيان من المراقب علي تصرفات كل هؤلاء‏.‏ فقيادة السيارة غير المنضبطة نتيجتها الحوادث وفقد الأرواح وتعطل الطرق بما يؤدي إلي مزيد من الحوادث ومزيد من الاعطال‏.‏ وكما تلوم السائق تلوم العابر للشارع نلوم صانع الطريق والمسئول عن اصلاحه والتي إن لم يتم تهيئتها لتكون صالحة للسائق ولا للعابر فإنه يجمع بين كل هؤلاء السلوك غير المنضبط الخالي من أي جودة أو إتقان‏.‏ لقد لخص الرسول الكريم كل ذلك في حديث شريف عميق المعني والذي يقول إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه وبقليل من التفكير والتأمل في هذا الحديث نجد أنه لو افترضنا ان كل فرد عمل بهذا الحديث لاختفت كل سلبيات السلوك وارتقت تلقائيا جودة الخدمة وجودة السلعة لأن الفرد هو الصانع‏,‏ وهو التاجر وهو السائق وهو العابر‏,‏ وهو اساس لكل الاعمال والافعال سواء كانت صغيرة أو كبيرة وبما يعني أن جودة الفرد هي اساس لتحقيق جودة السلعة وجودة الخدمة‏.‏
وعلي الشاطيء الآخر من هذا الحديث لو تخيلنا أسفا إن كثيرا من الناس لم تتبع ما في هذا الحديث سواء كليا أو جزئيا لانقلبت الموازين في السلعة وفي الخدمة وفي كل ما يتعامل معه المواطن ولم يعد هناك ما يتصل بأي صلة بجودة الحياة‏.‏ جودة الحياة ان تجد الجودة في كل ما تعلق بشئون الحياة‏,‏ فإذا فقدت سلوكيات الافراد الانضباط والدقة والاتقان فإنه يصعب أن تتحقق معايير الجودة علي المستوي العام من خلال هؤلاء الأفراد‏.‏ وكما نلزم الفرد بسلوكيات وثقافة الانضباط فإن المؤسسات سواء حكومية أو غير حكومية لا يمكن أن تقدم منتجات أو خدمات ذات جودة تنعكس علي جودة الحياة وهي تفتقر لسلوكيات الانضباط‏.‏ فتطبيق معايير الجودة في المنشآت والمؤسسات أكبر ضمان تحقيقها واستدامتها هو تميزها بسلوكيات الانضباط‏,‏ فهل يمكن تصور وجود مؤسسة أيا كان نوعها انتهاجية ــ تعليمية ــ صحية ــ يمكنها أن تتبني معايير جودة في غياب سلوكيات الانضباط‏.‏ وكما في الامراض فإن السلوكيات سواء كانت سلبية أو إيجابية تنتقل وتنتشر في المجتمع واذا لم تعالج تنتقل من سييء إلي أسوأ إلي أن يتم التعود علي السلوكيات غير المنضبطة مهما كانت بشاعتها‏.‏ والجودة والاتقان والانضباط في إنتاج السلعة أو الخدمة لا يمكن بناؤها في فئة دون اخري أو في مجال دون آخر‏.‏
والآن ما الذي يجب فعله للنهوض بجودة الفرد من خلال السلوكيات لتحسين جودة الحياة‏.‏ يجب أن تكون التوعية بسلوكيات الانضباط متزامنة مع مشروعات النهوض بالجودة سواء للسلعة أو الخدمة ليس هذا فقط ولكن يجب أن يتم اعتبار السلوكيات من محاور البنية الاساسية للجودة ووضع سياسات متوازنة للتحفيز علي السلوكيات المنضبطة والتركيز في جميع مراحل التعليم علي التدريب علي مادة عن السلوكيات‏.‏
إن جودة الحياة مسئولية الافراد والمؤسسات والشركات والهيئات والحكومات بضبط السلوك وتنمية الإيمان بالمسئولية المجتمعية والتي أصبحت علما ومعايير‏,‏ ولم تعد عملا خيريا تطوعيا بل سلوك مجتمعي واجب التنفيذ‏.‏ فبهذه المسئولية المجتمعية بصبح الفرد مؤسسة كاملة يسري عليه مايسري علي المؤسسات تعمل جميعها من اجل المجتمع ومن اجل جودة الحياة لكل من فيه‏,‏ لانها هي المحصلة النهائية لأداء كل افراد وكيانات المجتمع وهي مؤشر الاداء الجماعي لكل عناصره‏.‏ وعندما ينعم أي مجتمع بجودة الحياة فإنها تؤدي الي مزيد من تقدم صناعاته ونمو تجارته وصادراته وعلي المستوي الحضاري فهي مقياس أيضا لثقافته ومستوي تعليمه وقدره بين الشعوب كما تكون مؤشرا لكل المؤشرات‏.‏ كما تكون في نفس الوقت ثقافة تجمع كل الثقافات‏.‏ عندئذ يعتقد الكل انه يجب أن ينعم بها ليس نتيجة لجهد الآخرين‏,‏ سواء كانوا افرادا أو حكومات‏,‏ وأنه يجب ألاينتظرها‏,‏ بل يجب أن يعمل هو من أجلها علي أن يبدأ بنفسه في تبني ثقافة الانضباط وهي أبسط وأهم مسببات النجاح‏.‏ والدليل القاطع أن ما تتميز به المؤسسة العسكرية من نجاح وجودة أداء أعمالها عسكريا ومدنيا يرجع لسلوكيات الانضباط فيها لأن هذه السلوكيات إلزام والتزام من القائد مهما علت رتبته ومن الجندي مهما صغرت درجته‏.‏
 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 48/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 477 مشاهدة
نشرت فى 28 إبريل 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,795,445