كيف نتكيف مع أزماتنا وانفعالاتنا؟

  بقلم   د. عبد الهادى مصباح    ٢٥/ ٤/ ٢٠١٠

فى حديث مع أستاذى العزيز د. أحمد عكاشة، رئيس الجمعية العالمية للطب النفسى، سألته: دائما ما تذكر أن الصحة النفسية مرادف لجودة الحياة والسعادة، ووضعت تعريفاً لها ومقومات، فهل نحن بالفعل نفتقد السعادة وجودة الحياة؟ أجابنى د.عكاشة: الصحة النفسية تعرف بالآتى:

١- أن يشعر الإنسان بأن قدراته متواكبة مع تطلعاته.

 ٢- أن يستطيع الإنسان التكيف مع الأزمات.

 ٣- أن يستطيع أن يعمل ويعطى وينتج بكفاءة.

 ٤- أن يشعر بأن له دوراً وكلمة، وأن دوره إيجابى فى المجتمع الذى يعيش فيه.

 وللأسف الشديد نحن نفتقد جودة الحياة، والشعار المرفوع فى العالم كله الآن أنه: «لا صحة بدون صحة نفسية»، وأنت تعلم مدى تأثر جهاز المناعة بالحالة النفسية، فالجهاز المناعى عبارة عن مخ آخر يفرز نفس ما يفرزه المخ من إندورفينات وأفيونات طبيعية، ومواد وموصلات عصبية ومناعية، يتأثر كل منها بالآخر ويؤثر فيها، لذا فكل ما يؤثر على الحالة النفسية بالسلب يمكن أن يتسبب فى حدوث أمراض عضوية بدءاً من تكرار العدوى بالأنفلونزا وحتى الإصابة بالأورام.

تذكرت هذه الكلمات وأنا أحاول أن أفكر بشكل خاص فى النقطة الثانية وهى: كيف يستطيع الإنسان التكيف مع الأزمات والانفعالات التى أصبحت تحيط به من كل جانب؟ وما دور التدين الصحيح والإيمان الذى يسكن القلب ويصدقه العمل فى الحفاظ على التوازن النفسى والمناعى فى ظل ما يحيط بنا ونواجهه من فساد وتوتر وعدم انضباط، خاصة بعد أن أظهرت الدراسات المقارنة بين الانفعال والعوامل الأخرى التى تؤثر على صحة البدن بصورة مباشرة مثل التدخين والسمنة وغيرها، أن الانفعال هو أكثر هذه العوامل تدميرا لصحة ومناعة الإنسان؟ ولعل ما قاله «جورج فاليانت»، أحد علماء النفس بجامعة هارفارد، من أن الانفعال لا يقتل ولكن الذى يقتل هو عدم المقدرة على التكيف الناضج مع أسباب الانفعال وعدم تقبلنا لها- وهو ما نطلق عليه nature Coping Mechanism - لا يختلف كثيرا عما قاله د.عكاشة وما ورد فى ديننا الحنيف،

 فالله سبحانه وتعالى الذى خلق البشر يريد أن يحافظ على صنعته، لذا فقد وضع للإنسان قانوناً للصيانة البشرية يحميه ويحافظ عليه من خلال «افعل» و«لا تفعل»، وذلك حتى لا يهلك الإنسان نفسه بنفسه من خلال القدرة التى منحها الله له للاختيار بين البدائل، ثم أدخله اختباراً دنيوياً على طريقة اختيار الإجابة الصحيحة MCQ، وأعطاه عدة إجابات لكى يختار منها الإجابة التى تصونه وتحافظ عليه، وأملاه الإجابة النموذجية الصحيحة من خلال كتاب الله وسنة رسوله، ووضع بجانبها الإجابات الأخرى الخاطئة، وحذره من اختيار إحداها، إذن ليس عليك أيها الإنسان إلا أن تضع علامة «صح» أمام الإجابة الصحيحة فقط،

 وأعطانا رب العزة سبحانه الإطار العام للاختبار فى هذه الدنيا: «لقد خلقنا الإنسان فى كبد» أى تعب ومشقة، ثم فصل هذا التعب والابتلاء: «ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات» ثم لا يلبث أن يعطينا طريقة الإجابة والدرجة التى سوف يحصل عليها من يختارها: «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون» ماذا سينال هؤلاء الناجحون؟ «أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون».

ولكى يعيننا الخالق جل شأنه على التكيف مع الأشياء التى قد لا نرضى عنها جعلنا نوقن أنه يعلم ما لا نعلم، ويرى ما لا نرى، وأخبرنا أنه: «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون». ثم يطلب منا خالق النفس والأعلم بها أن نقنع ونرضى بما فى أيدينا، ولا ننظر إلى ما فى أيدى الآخرين: «ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض»، وفى الحديث القدسى يقول: «ياابن آدم عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك. لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع، إذا أصبحت معافى فى جسدك، آمنا فى سربك، وعندك قوت يومك، فعلى الدنيا العفاء» وهنا تجد أنه سبحانه وتعالى أوعز كثيراً مما نعانى منه من شقاء وتعب نفسى لعدم قناعتنا بما فى أيدينا وعدم الرضا بما قسم الله.

ثم يعطينا العفو الكريم الحافز والأجر للصبر على المرض والمكاره فى حديث شريف على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم «ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها خطاياه».

ثم يعطينا الطبيب النفسى الأعظم سبحانه الأمل دائما لأنه قريب يجيب دعوة الداعى إذا دعاه، ولكن بشرط.. ما هو؟ «فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون»، وتزيد الاستجابة بزيادة الأزمة والاضطرار «أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء»، وربما يصاب البعض باليأس والقنوط من أنهم يدعون الله ولا يستجيب إليهم!

فنجد الرد من رب العزة عز وجل فى الحديث القدسى: «يا موسى إن من عبادى من لو سألنى الجنة بحذافيرها لأعطيته، ومنهم من لو سألنى غلاف سوط لم أعطه.. ليس ذلك عن هوان له علىّ، ولكن أريد أن أدخر له فى الآخرة من كرامتى، وأحميه من الدنيا كما يحمى الراعى غنمه من مراعى السوء».

وأخيرا ينقلنا رب العزة سبحانه وتعالى من مرحلة الرضا والتسليم بما فى أيدينا إلى مرحلة الرضا والاطمئنان لما فى يده عز وجل، فليس منا من لا يقلق على أولاده ومستقبلهم، وربما كان هذا هو المصدر الأول لانفعالاته واكتئابه والتجائه إلى أساليب غير مشروعة لتأمينهم، فماذا كانت إجابته سبحانه وتعالى فى هذا الشأن؟ «وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا».

 من هذا المنطلق الإيمانى يستطيع الإنسان أن يتوازن مع نفسه، وأن يتكيف مع ما يواجهه من انفعالات وثورة وغضب، وأن يحافظ على قوامه النفسى والعضوى من خلال اتباع الإجابات الصحيحة التى أملاها علينا رب العزة جل وعلا، وكيف لا؟ «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير».

[email protected]

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 240 مشاهدة
نشرت فى 25 إبريل 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,795,380