الإسلام وعلاج العمى (١٧) .. لحظة إبصار
٢٣/ ٤/ ٢٠١٠
جميل أن تطلع على من رغب فى انحرافك معه وهو يلقى مصيره السيئ، وقد نجاك الله ـ عز وجل ـ من صحبته التى كانت ستؤدى حتماً إلى المصير ذاته، أن تراه فى السجن وحده، ولولا أن الله نجاك لكنت معه، وأن تراه وقد نفذ فيه حكم الإعدام، ولولا رحمة الله بك لنفذ فيك الحكم نفسه قبله بدقائق، أو بعده بدقائق، أو أن تراه قاعداً يغشاه اللوم، وتقتله الحسرات بعد أن أنفق جميع ماله فى اللهو والإسراف، والتبذير، وكان يدعوك إلى مشاركته لتلقى هذه النتيجة، عندئذ تحمد الله، وأنت لا تكاد تصدق أن مالك لايزال فى جيبك، أو فى حسابك بالبنك، وقد تمتد يدك إليه بشىء يبل ريقه، صدقة وإحساناً، وقد تنضم إلى صفوف اللائمين، إن لم تكن إمامهم، الذى يحدو بهم إلى تعنيفه وتأديبه، ولومه، وعقابه، وقد تكون أول الشامتين فيه. وفى القرآن الكريم عرض لتلك الفكرة، حيث يتحاور أصحاب الجنة وهم فى نعيمها، يتذكرون أحوال الدنيا وما كانوا عليه فيها، فيقول أحدهم: «إنى كان لى قرين. يقول أإنك لمن المصدقين، أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنا لمدينون. قال هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه فى سواء الجحيم. قال تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربى لكنت من المحضرين». أى ينظر إليه ذلك الذى نجاه الله من تصديقه وسوء صحبته، فيراه فى وسط الجحيم. ولولا نعمة الله. عز وجل، لكان مثله مصاحباً له فى جهنم، نعم يحاول قرين الجن والإنس أن يردى صاحبه، لكنه معتصم بالله، فلم يستجب لهواه، ومضى على هداه صابراً مجاهداً، إن كان عنده ما يكفيه رضى به مادام من حلال، ولم يسل لعابه أمام المال الكثير، الذى هو من حرام، وإن كان فى ضيق المكان صبر، وأمام عينيه أن ضيق المكان أهون من عذاب النار. روى أن بنات عمر بن عبدالعزيز غطين وجوههن ذات ليلة، فسأل أبوهن عمر عن سبب ذلك، فقالت الخادمة: لقد تعشين بصلاً، وما أردن أن يؤذينك برائحته فقال رضى الله عنه - هذا أهون من أن يدخل أبوكن النار. والتعبير بـ«كاد» فى قوله - تعالى: «إن كدت لتردين» دليل على ضعف الإنسان، لأن «كاد» من أفعال المقاربة، بل هى أم هذه الأفعال، أى ما كان بين من هداه الله إليه، وبين أم المعاصى «الكفر وإنكار الآخرة» إلا القليل من الزمن، وهذا يدل على عظمة رحمة الله، التى لولاها ما نجى الله من يشاء من عباده، وهى هى فى آية الإسراء حيث يقول الله - عز وجل - لرسوله - وهو المعصوم - «ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً». وانظر إلى الآية بعدها، حين يقول ربنا - تعالى: «إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً». وتأتى «كاد» نفسها فى الآية بعدها «وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً». وهذا يفتح أعيننا أمام جواهر من المعانى، أهمها أن الإنسان ضعيف أمام المغريات، فلا يدعى أحد أنه من فولاذ، وأنه من المستحيل أن يقع فى الخطأ، مهما يكن، ومهما ومهما، ويبدأ فى سرد قصص العفاف والكرامات، التى عاشها أهله من قبل، حيث وقفوا فى وجه الشيطان، ورموا الماس والذهب تحت أقدامهم وأن.. وأن.. وأن. بل عليه أن يقر لله عز وجل بالفضل، وأنه لولا نعمة ربنا لهلك فى الهالكين، وانحط قبل المنحطين، ودخل النار مع الداخلين، والعياذ بالله. ومن جواهر تلك المعانى أن العبد إذا عرف ذلك كان عليه أن يفر من أماكن اللهو قبل أن يدخل فيها، وأن ينأى بنفسه عن مواطن الشبهات قبل أن يقع فيها، وألا يطيل الاستماع إلى مثل زكريا بطرس، الذى يصطاد الضعفاء فى العلم يوهمهم بأن فى الكتاب الكريم انحرافاً عن تراكيب العربية وأن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - كان إرهابياً مغتصباً للبنات، فإن بينه وبين الوقوع فى الأخطار (فركة كعب)، كما أن بين الموهومة بالحب وبين الزنى تلك المسافة، إن استجابت لنداء مدعى الحب، يناشدها بالله والنبى، وسيدنا الولى أن تزوره فى شقته التى يسكنها وحده أو مع الدنيا كلها، لأنه مريض، فلا تكمل سماعه، ولا تستمر فى خطابه فإن باب أهلها مفتوح للطاهرين، وعنوانها واضح، والسبيل إلى زواجها ميسر، وعلى ضعيف الحال ألا يكثر الدخول على الأغنياء، وأن يطيل النظر إلى من دونه، حتى لا يميل إلى ما عند الأغنياء فيحتقر ما عنده من نعم الله عز وجل، وأن يشكر الله - تبارك وتعالى - على ما وهبه من نعيم إذا نظر إلى من هم دونه فى المال والمتاع، وكل شىء وألا يكتفى بقوله «محال أن يغيرنى إنسان» أو قول البنت: أنا بمائة رجل، ولا يستطيع أحد أن يأخذ منى شيئاً، فهذا من وسوسة الشيطان والعمى. |
ساحة النقاش