وتعمل من خلاله كما أنه ـ وفي معظم النظم التعليمية ـ يتم تصنيفها حسب الزمن, فهناك معارف تهتم بدارسة الماضي, وأخري تهتم بالحاضر, بينما توجد معارف أخري تدور حول المستقبل ولكل نوع منها مناهجه وأساليب تحصيله, وطرائق تدريسه, كما أنه يتم تصنيفها من حيث درجة أهميتها, والتي تختلف باختلاف النظم التعليمية والسياقات التاريخية والمجتمعية التي تعمل من خلالها, وينعكس هذا علي المقررات الدراسية, حيث نجد مقررات لا يتم الامتحان فيها, أولا تحسب درجتها في المجموع الذي يحصل عليه الطالب, وغيرها من الأمور التي تتنافي ومفهوم التكامل بين المعارف. وهنا يفرض التساؤل نفسه هل المعرفة المدرسية التي يتم صياغتها في شكل مقررات دراسية يتم وضعها وفقا لما يراه التلاميذ والطلاب من أنها مناسبة لهم وقادرة علي اشباع حاجاتهم وميولهم ورغباتهم, أم يتم وضعها وفقا لرؤية النظام التعليمي, وما علي التلاميذ والطلاب إلا الالتزام بدراستها, وعلي المعلمين, أيا كانت درجاتهم العلمية والأكاديمية, الالتزام بتدرسيها وعدم الخروج عنها؟ وقد لا نكون بحاجة للإجابة عن التساؤل, حيث إنه.. ـ في معظم النظم التعليمية وإن بدرجات متفاوته ـ تقوم هذه النظم نيابة عن التلاميذ والطلاب بتحديد نوعية ما ينبغي عليهم دراسته وفي الغالب الأعم تستعين هذه النظم في هذا التحديد ووضع المقررات الدراسية بعدد ممن تطلق عليهم الخبراء في وضع المناهج الدراسية, والذين يتم اختيارهم من قبل هذه النظم وفقا لما تضعه هي من معايير معينة, لابد من توافرها فيهم, ومن أسس وتوجيهات ينبغي عليهم الالتزام بها, مهما كانت كفاءاتهم وخبراتهم الأكاديمية والمهنية. وهذا يعني ببساطة شديدة أنه يتم تحييد التلاميذ والطلاب أصحاب المصلحة الحقيقية في العملية التعليمية, فلا يحق لهم التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في تحديد نوعية المعارف المدرسية, وإنما النظام التعليمي وحده هو الذي له الحق في تحديد هذه المعارف, مستندا في هذا علي بعض الافتراضات, منها علي ـ سبيل المثال ـ أنه لا يمكن الاعتماد علي الخبرة الذاتية للمتعلمين من التلاميذ والطلاب في تحديد نوعية المعارف الدراسية, التي يجب عليهم دراستها, تحصيلها واكتسابها, لما يشكله هذا الأمر من مخاطر تتعلق بحجم ونوعية المعارف المدرسية المفيدة لهم في مستقبل حياتهم, وأيضا ما ينبغي توافره فيهم من مهارات ومواصفات معينة يتطلبها سوق العمل, واحتياجات المجتمع.. علي أي حال, ومهما تكن منطقية هذه الافتراضات, فإن هناك العديد من مفكري التربية أمثال: كيفين هاريس وباولوفرايري والعديد من المفكرين النقديين الذين يرون فساد هذه الافتراضات, بل ومنافاتها لطبيعة المعرفة, التي تفرض علي الفرد التفاعل المباشر مع ما يحيط به من ظواهر, ولن يتحقق هذا التفاعل إلا من خلال شعور الفرد بأن هذه المعرفة هي القادرة علي اشباع ميوله ورغباته وحاجاته الفعلية. وهذا يعني وببساطة شديدة أنه يجب علينا إعطاء المتعلمين من التلاميذ والطلاب فرصة اختيار المعارف المدرسية من خلال معايشتهم لمواقف حياتية حقيقية, يتفاعلون معها, ومن خلالها يستمدون معارفهم دون اجبارهم علي هذا من جانب النظم التعليمية, لأنهم عندما يجبرون علي دراسة شيء معين فإنهم يشعرون في قرارة أنفسهم بأنهم يتعلمون شيئا لم يراع احتياجاتهم, ولا هو نابع من مصلحتهم وإنما هو في مصلحة الآخر الذي قام بوضعه, وهو النظام التعليمي, فتحدث الفجوة والجفوة بينهم وبين ما يقومون بدراسته, بل ومن يقومون بالتدريس لهم, وللمدرسة بصفة عامة. وهنا نتساءل: هل يمكن أن نصل يوما ما لأن نعطي لهم حق تحديد نوعية المعارف المدرسية والمقررات الدراسية التي يرغبون في دراستها؟ الإجابة قد تدعو إلي التشاؤم في ظل النظم القائمة والثقافة السائدة, ومع ذلك فعلينا أن نجعل في الأفق بارقة أمل ولو علي المدي الطويل, ولتكن الخطوة الأولي هي التوسع في مجال اختيارات التلاميذ والطلاب لما يرغبون في دراسته من مقررات, وإعطاؤهم فرصة المشاركة الفعلية مع الخبراء ومتخذي القرار في تحديد نوعية هذه المعارف ووضع المناهج الدراسية ودخولهم كطرف أصيل في العملية التعليمية, من خلال الحوار والمعايشة الحقيقية للمواقف الحياتية. وهكذا بالتدريج يمكن أن نصل إلي اليوم الذي يكون للتلاميذ والطلاب وحدهم حق تحديد نوعية المعارف المدرسية القادرة علي اشباع حاجاتهم, ورغباتهم وميولهم, وأنهم بهذا أحق وأجدر من غيرهم.
|
ساحة النقاش