جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
رؤية لمستقبل الدور الروسي في الشرق الأوسط |
بقلم: د. هدي ميتكيس.. مدير مركز البحوث والدراسات السياسية جامعة القاهرة |
|
تثير التحركات السياسية والدبلوماسية النشيطة التي تشهدها الساحة السياسية الروسية في الآونة الأخيرة ـ بدءا بزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومرورا بزيارة وفد حركة حماس لموسكو وانتهاء بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. |
|
|
|
|
العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل الدور الروسي في السياسة الدولية بصفة عامة وفي الشرق الأوسط بصفة خاصة والقضية الفلسطينية بصفة أخص, بحيث يري كثير من المحللين صعوبة تجاهل الدور الروسي في الشرق الأوسط بحكم علاقات روسيا القوية بإيران وسوريا وأيضا مع مختلف القوي السياسية في لبنان وفلسطين, خاصة أنه بات من الصعب حسم أية قضية في المنطقة بدون التوافق مع هذه الأطراف. وبصفة عامة لا يخفي عن أعين المراقب للشأن الروسي أن السياسة الخارجية الروسية قد تطورت تطورا كبيرا في اتجاه استعادة هذه الدولة لدورها العالمي الذي فقدته بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والظهور كقطب عالمي فعال في إطار نظام عالمي متعدد الأقطاب وهو ما تبدي بشكل جلي منذ وصول فلاديمير بوتين إلي سدة الحكم عام2000 الذي نجح بدرجة كبيرة في تجاوز أزمات روسيا الداخلية والقيام بعملية إعادة هيكلة سياسية واقتصادية, وترسخ ذلك التطور أيضا مع وصول الرئيس الحالي ديمتري ميدفيديف إلي الرئاسة الروسية عام2008, حيث أصدر عدة مبادئ للسياسة الخارجية الروسية أو ما عرف بمبدأ ميدفيديف وهي خمسة مبادئ تنص علي إعطاء الأولوية للمبادئ الأساسية للقانون الدولي والسعي إلي بناء عالم متعدد الأقطاب, وعدم السعي إلي المواجهة مع دول أخري, وأن تحمي مواطنيها أينما كانوا, وتطوير روابط مع الأقاليم الصديقة, فضلا عن خطة رئيس الوزراء الحالي فلاديمير بوتين الاستراتيجية لإخراج روسيا من تحت الركام لتشكل ثقلا إقليميا ودوليا وهو ما يمكن تحقيقه بطبيعة الحال من خلال القيام بدور مؤثر وفعال في نزع فتيل قضايا الشرق الأوسط وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تمثل ـ وبحق ـ أهم قضايا الشرق الأوسط. وإذا كان هذا الدور مهم بالنسبة لروسيا لاستعادة مجدها مرة أخري علي الساحة الدولية فإن هذا الدور لا يقل في أهميته أيضا للأطراف العربية, إذ إن أهم ما يميز الدور الروسي في قضايا الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية تحديدا أنه يقوم علي تبني سياسة عادلة تجاه عملية السلام ومواقف متوازنة ومنصفة للأطراف العربية وهو ما أدي إلي تحسين العلاقات الروسية العربية والذي انعكس بوضوح في كم الزيارات المتبادلة للقادة العرب والروس في السنوات الأخيرة. هذا ويمكن القول أن الدور الروسي قد لا يحقق كل الآمال العريضة المعلقة عليه في ضوء وجود بعض العراقيل التي قد تعوق هذا الدور. لعل أهم هذه العراقيل أن الولايات المتحدة الأمريكية تبدو في القضية الفلسطينية أكثر ثقلا من روسيا باعتبار أنها أكثر تأثيرا علي الطرف الإسرائيلي الذي لن يقبل إلا بالوساطة الأمريكية. كما أن الولايات المتحدة لن تسمح لروسيا أن تلعب دورا علي حسابها باعتبار أن ذلك قد يؤدي إلي تنامي الدور الروسي علي حساب الدور الأمريكي في الشرق الأوسط. فضلا عن أن روسيا مازالت تواجه بعض المشكلات الداخلية التي من شأنها أن تعوق تأثيرها الخارجي ولعل أهمها بعض المشكلات الاقتصادية الداخلية, بالإضافة إلي عدم بناء نموذج ديمقراطي يحقق صلابة التحرك الروسي الخارجي. كما أن نجاح روسيا للقيام بدور مؤثر وفعال مرهون بدرجة كبيرة بقدرتها علي عقد المؤتمر الدولي للسلام والذي تدعو له روسيا منذ فترة طويلة, وبالطبع لن تتمكن من عقد هذا المؤتمر إلا إذا حدث تنسيق كامل مع الولايات المتحدة ووافقت إسرائيل علي ذلك. ويمكن القول إنه من الصعب أن تعطي الولايات المتحدة الفرصة لروسيا لعقد مثل هذا المؤتمر كما حدث قبل ذلك, حيث كانت الرباعية الدولية قد قررت في مؤتمرها في شرم الشيخ في نوفمبر سنة2007 عقد مؤتمر قمة للسلام في الشرق الأوسط في موسكو في مارس2008, ولكن المؤتمر لم ينعقد. ولو سلمنا جدلا أن روسيا قد تنجح في عقد هذا المؤتمر في المستقبل فإن مجرد عقد المؤتمر وإن كان له دلالة رمزية علي انتصار الدبلوماسية الروسية فإنه قد لا يمثل خطوة كبيرة في حل القضية الفلسطينية التي باتت أكثر تعقيدا في ظل الخلافات الحادة داخل الصف الفلسطيني وتبادل الاتهامات ضد بعض الأطراف العربية. من جهة أخري من المرجح أن روسيا لن تجد حليفا إقليميا يمكنها الاعتماد عليه بسبب حرص جميع دول الشرق الأوسط علي عدم إثارة حساسية الولايات المتحدة الأمريكية ولهذا يمكن تفسير التحركات الفلسطينية الأخيرة لاستدعاء الدور الروسي الداعم للمواقف الفلسطينية تهدف بالأساس إلي تحفيز الإدارة الأمريكية وإسرائيل لكي تتحرك بالجدية المطلوبة والواجبة. وإجمالا يمكن القول إنه برغم عدم إمكانية انكار أهمية الدور الروسي في القضية الفلسطينية باعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي واللجنة الرباعية الدولية وأن روسيا قد بدأت تستعيد جزءا من مكانتها الدولية, إلا أنه يمكن القول إن روسيا ما تزال أبعد ما تكون عن نفوذ وتأثير العهد السوفيتي والقيام بأدوار فعالة في القضايا الدولية والاقليمية وبالتالي لا يجب تعليق الكثير من الآمال علي الدور الروسي الذي لا يعدو أن يكون مجرد ورقة للمناورة والضغط علي الطرف الأمريكي والإسرائيلي.
|
المصدر: مؤسسة الأهرام
مع أطيب الأمنيات بالتوفيق
الدكتورة/سلوى عزازي
ساحة النقاش