هذه صور من تاريخنا القديم الذي وضع المرأة في مكانها ومكانتها وما ينبغي أن تكون عليه.. لن أتحدث عن أم سيدنا موسي عليه السلام وهي تلقيه في اليم وتنظر إلي السماء تطلب منها الرحمة والحماية لوليدها من بطش فرعون وحاشيته.. ولن أتحدث عن السيدة العذراء عليها السلام وهي تحمل المسيح عليه السلام وتهرب به تطلب له الأمن والسلامة ولم تجد وطنا أكثر أمنا من مصر الكنانة.. لن أتحدث عن آل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام ومنهم من اختار مصر لتكون فيها أضرحتهم الطاهرة مواكب للنور بيننا حيث أقامت السيدة نفيسة والسيدة زينب رضوان الله عليهما.. لن أتحدث عن كوكبة من مبدعات مصر في عصر ثقافتها الذهبي بنت الشاطيء وحكمت أبوزيد وعائشة راتب.. وسهير القلماوي ولطيفة الزيات ونعمات أحمد فؤاد ولن أتحدث عن نجوم الفن الراقي والإبداع الأصيل في الغناء والسينما والمسرح.. هذه هي المرأة المصرية التي جسدت في رحلتها عبر الماضي والحاضر نموذجا فذا في التميز والعطاء.. المرأة المصرية الام التي قدمت لمصر مواكب من عظماء الرجال في كل المجالات عبر تاريخها الطويل فكانت هي المعلم رغم أميتها.. وكانت هي القدوة رغم بساطتها وكانت شريكا للرجل في كل مراحل نضاله ونجاحه وانكساراته وجلده.. هذه الام المصرية هي التي شيدت مسيرة الحضارة في هذا الوطن.. كانت هي الفلاحة التي وقفت بجانب أسرتها تنتج وتصبر وترعي وتقف كالشجرة الوارفة يلتف حولها الأبناء.. كانت تعطي بلا ثمن.. وتعلم الصبر كما تمنح الإرادة وتغرس الإيمان واليقين.. هذه الأم لم تكن تقرأ ولا تكتب ولكنها كانت تري ببصيرتها ما لا يراه المبصرون.. علي ضفاف هذا النهر الخالد كان العطاء مزدوجا دائما نهرا يفيض بالخير.. وامرأة تفيض بالمشاعر.. وما بين فيضان الماء وفيضان المشاعر كانت هذه المنظومة التي شيدها الإنسان المصري بمسيرته الحضارية التي سبق بها أمم العالم وشعوبه إنجازا عظيما في تاريخ البشرية.. لا يستطيع أحد أن يدعي أن مسيرة الإنسان علي ضفاف النيل كانت معركة خاضها الرجل وحده.. أو أنها رحلة ذكورية جامدة.. أو عطاء من طرف واحد.. وراء هذه الرحلة أمهات وزوجات وبنات وحبيبات وأخوات وعالم فسيح من المشاعر النبيلة الصادقة.. نعم إن الرجل كان يحمل حكمة العقل وبصيرته.. وكان يمثل القوة في أكمل صورها.. وكان يتعب ويشقي لكي يصنع الحياة السعيدة والمجتمع المتكافل.. ولكن علي الجانب الآخر كانت المرأة تحتوي كل هذا الكون في قلبها الصغير بأنبل المشاعر.. وربما لم تكن تملك قوة الجسد,ولكنها تملك قوة الروح وقبل هذا وذاك تملك جيوش الرحمة التي تستطيع دائما أن ترسي قواعد العدل والعدالة.. هل أدركنا يوما الفرق بين الكلمتين.. العدل.. والعدالة كان من الممكن أن تغني الكلمة الأولي عن الثانية.. ولكن العدل يعني الحسم.. والعدالة تعني الرحمة.. والعدل منفردا لا يغني عن العدالة لان الحسم بدون الرحمة سلطان بلا ضمير.. كانت المرأة دائما في الصدارة في كل المحن والأزمات.. ولم تكن يوما علي الهامش بإرادتها.. لقد تحكمت الظروف الاجتماعية والإنسانية في تحديد مسارها.. كثيرا ما ظهرت علي السطح وجمعت حولها البريق والأضواء والمجد كما فعلت كليوباترا.. وكثيرا ما اختارت الظل فكانت أما وزوجة واكتفت بان تقدم للأرض أجمل وأعظم فرسانها نبلا وطهارة.. وإذا كانت قد حكمت يوما بالسلطان فقد حكمت قبل ذلك كثيرا باليقين والإيمان.. إذا فتشت في أعماق كل رجل عظيم سوف تشاهد من بعيد طيف امرأة يضيء فتري في ملامحها معني العطاء والصدق والقوة والتجرد.. إن هذه المساحة الكبيرة من الضوء التي تنتشر داخلنا في أوقات الظلام وعصور الانحطاط والتراجع حملتها في حب أيدي امرأة.. وربما كانت أما أو زوجة أو أبنة.. إذا شاهدت يوما سفينة غارقة حاول أن تبحث عن أطلالها سوف تكتشف أن بين هذه الأطلال عدالة غابت.. وقوانين لم تحترم أقدار البشر.. قد يسألني سائل ولماذا كل هذه الخواطر الدامية ؟ أقول: لقد رضينا بألوان كثيرة من الظلم.. واعتدنا غياب العدالة برغم أننا نتحدث كل يوم عنها.. وساءت أحوالنا حتي صار رغيف الخبز حلما.. وأنبوبة البوتاجاز انتصارا.. ورأينا حولنا أطفال الشوارع وهم يموتون جوعا,ونحن لا نعرف لهم أما ولا أبا.. وأصبح الغني لا يري ولا يسمع.. وأصبح القادر تمثالا من الشمع الصامت.. وسط هذا كله فقدت الحياة توازنها فأصبح حق المرأة حراما.. وأصبح وجودها وهما.. وتنظر في قوائم المرشحين في مجلس الشعب فلا تري امرأة فائزة فلم يعد هناك مجتمع يدرك بوعي قيمتها.. ولم يعد هناك رجال يؤمنون بما قدمت أو أعطت, وتلجأ سلطة القمع الرجالي في الحزب الوطني إلي تحديد نسبة لتمثيل المرأة في مجلس الشعب بالقانون وليس بالاختيار.. ونتفاخر أن لدينا وزيرة أو مديرة أو ناظرة في مدرسة برغم أن هذا أبسط حقوقها,وعلي الكراسي مئات الرجال المتنطعين واللصوص وسارقي أموال الشعب في آلاف الوظائف والمناصب والرتب.. نخجل أن تعين المرآة قاضية ونحن الرجال الذين ورثنا القضاء لأبنائنا وحين وقف وزير العدل المحترم ممدوح مرعي مع العدالة وطالب بحماية الهيئة القضائية بتشريع حاسم يرفض الحاصلين علي تقدير مقبول للعمل في السلك القضائي ثارت الدنيا عليه,وخرج من يطالب رئيس الدولة بإعادة منظومة توريث القضاء الخاطئة,واغتيال القانون العادل وتغييره ولا أريد أن أطيل في هذه القضية فقد عانيت بسببها كثيرا نفسيا وصحيا ومازلت.. إن مجلس الدولة لم يظلم المرأة حين رفض تعيينها في القضاء لأن ما حدث من المجلس هو الشيء الطبيعي في هذا المجتمع الذي يدعي التحضر والاستنارة وهو غارق بأحزابه ومؤسساته وسياساته التي لا تعترف بالمرأة.. مازالت المرأة عندنا رفيقة الشيطان إذا ظهرت جاء.. وإن اختفي رحلت.. مازلنا نخفيها لأنها مازالت في نظرنا عورة.. وإذا لم تخف نفسها حياء وخجلا أخفيناها قهرا وتعسفـا.. إن حرية المرأة ليست بالشعارات البراقة أو المانشتات اللامعة, ولكن حرية المرأة أن نحرر عقلها ونمنحها فرصة الرجل في العلم والفكر والثقافة فهي ليست أقل منه حكمة وثقافة ووعيا.. في يوم من الأيام كنت أجلس في مكتب أستاذنا الراحل توفيق الحكيم في الأهرام ودار حوار ديني طويل شارك فيه يومها د.حسين فوزي.. ود.لويس عوض ود. بنت الشاطيء.. ود.زكي نجيب محمود ونجيب محفوظ وصلاح طاهر رحمهم الله جميعا,وأجمع هؤلاء علي رأي ما وموقف ما في قضية دينية شائكة لا أحب أن أذكرها.. ويومها انطلقت فيهم د. بنت الشاطيء وأقسم بالله أنني لم أسمع في حياتي حجة في الدين والفكر والاحتكام للعقل مثل ما قالت بنت الشاطيء.. يومها قلت لها والله أنك في هذا الموقف كنت بمائة رجل.. دفاعا عن الحق والدين والأمانة.. إنني أرفض تماما أي تجاوز في حق قضاة أفاضل في مجلس الدولة أحمل لهم تقديرا عميقا.. لأنهم رمز للعدالة التي نطالب بها ونحرص عليها ولكنني أقول إن المعركة التي نراها الآن ليست وليدة هذا القرار أو ذاك,ولكنها وليدة ظلم اجتماعي اعتدنا عليه,وأصبح أمرا عاديا في حياتنا وكانت أجهزة الدولة ومؤسساتها تحمي هذا الظلم بل وتمارسه حتي أصبح عملا مشروعا.. كنا نري أمامنا هذا الظلم البين واضحا في غياب تكافؤ الفرص وتوزيع المناصب لمن لا يستحقون.. ولم نتحرك.. وكنا نري هذا الظلم في توزيع ثروات الوطن علي اللصوص والمرتشين, ولم ندرك خطورة ذلك وكنا نري هذا الظلم في انقسام المجتمع إلي فئات وجماعات من أصحاب المصالح.. ولم نعترض من هنا لم يكن غريبا ألا تجد المرأة فرصتها في هذا المجتمع الظالم الذي اعتاد علي قهر مواطنيه, لقد اعتدنا أن تكون المرأة علي هامش حياتنا برغم خطورة دورها.. وأن نجد بعض الأشخاص ينعمون بكل شيء, بينما يقف المجتمع كل المجتمع ينظر إليهم صامتـا وهو لا يملك أي شيء, ولم يكن غريبا أن نوزع المناصب والألقاب ونسقط هذا تحت دعوي أنه غير لائق اجتماعيا أولا يصلح لأداء المهمة.. حين يصبح الظلم أسلوب حياه وفلسفة مجتمع لن يكون غريبا أن نري أمامنا ملايين الضحايا في مثل هذا المجتمع الظالم لأهله حيث لا حقوق لامرأة.. ولا حلم لشاب واعد ولا أمان لطفل نام في العراء ولم يجد الرحمة..
.. ويبقي الشعر وجه جميل.. طاف في عيني قليلا.. واستـدار فأراه كالعشب المسافر.. في جبين الأرض يزهو في اخضرار وتـمر أقـدام السنين عليه.. يخـبو.. ثـم يسقـط في اصفرار كم عشت أجري خـلـفـه رغم العواصف.. والشواطيء.. والقفـار هل آن للحلـم المسافر أن يكـف عن الدوار ؟ يا سنـدباد العصر.. إرجع لم يعد في الحب شيء غير هذا الانـتـحار ارجع.. فـإن الأرض شاخت والسنون الخضر يأكـلـهـا البوار ارجع.. فإن شواطيء الأحلام أضنـاها صراخ الموج من عفـن البـحار هل آن للقـلـب الذي عشق الرحيل بأن ينـام دقيقة.. مثـل الصغـار ؟ هل آن للوجه الـذي صلـبوه فوق قناعه عمرا بأن يلـقي القنـاع الـمستـعار؟ وجه جميل طاف في عيني قليلا.. واستـدار كان الوداع يطل من رأسي وفي العينين ساعات تدق.. وألف صوت للقطـار ويلي من الوجه البريء.. يغـوص في قلـبي فيؤلمني القرار لم لا أسافر بعد أن ضاقت بي الشطآن.. وابتعد المزار ؟! يا أيها الوجه الذي أدمي فؤادي أي شيء فيك يغريني بهذا الانتظار ؟ ما زال يسكرني شعاعك.. رغـم أن الضوء في عيني نار أجري فألمح ألـف ظل في خطاي فكيف أنجو الآن من هذا الحصار ؟ [email protected]
المزيد من مقالات فاروق جويدة |
ساحة النقاش