الوسائط الجديدة في نقل الثقافة
بقلم: د. سليمان إبراهيم العسكرى
برغم انتشار الوسائط الحديثة في الحياة اليومية لعدد كبير من الافراد في ارجاء الوطن العربي‏,‏ ممثلا في استخدام الحواسب الآلية‏,‏ وشبكة الإنترنت‏,‏ بما تضمه من آلاف المواقع في شتي شئون المعارف والحياة‏.
 
 

 

 وانتشار القنوات الفضائية‏,‏ والزيادة المطردة في عدد الصحف الإلكترونية‏,‏ التي تتعدد تخصصاتها‏,‏ وغير ذلك من مظاهر‏,‏ فاننا نلاحظ ان هذه الظاهرة المتنامية لاتعكس تطورا ثقافيا وتعليميا موازيا‏,‏ بل انها تتوازي مع نسب عالية من الامية الابجدية والثقافية‏,‏ الامر الذي يتسبب في فجوة كبيرة تبدو معها القوة البشرية في العالم العربي كأنها تستقل قطارا عملاقا‏,‏ تتعرض قاطرته لانفصال تدريجي عن باقي العربات‏,‏ وهو ما قد يهدد بكارثة حقيقية اذا لم يتمكن قادة القرار السياسي والتعليمي من احكام السيطرة عليها في السنوات القليلة المقبلة‏.‏
هذه الكارثة لا تتعلق بكون القاطرة تتقدم الي الامام‏,‏ علي حساب العربات الاخري‏,‏ بدافع من التطور والتقدم في استخدام الوسائط الحديثة في الثقافة والمعرفة وشئون الادارة وغيرها‏,‏ بل تتعلق بأن المؤشرات العديدة لما نسمع عنه ونتابعه‏,‏ الآن حول استخدام الشباب والمراهقين في العالم العربي لهذه الوسائط الحديثة تؤكد ان الاغلبية العظمي من مستخدمي هذه الوسائط لايقومون باستخدامها كوسيلة معرفية‏,‏ تتيح الاتصال بأهم المعارف العلمية والثقافية‏,‏ بقدر ما يستخدمونها في وسائل الترفيه والتسلية وبرامج المحادثات‏chating,‏ او بالاحري الثرثرة وفي البحث عن المواقع الإباحية‏,‏ التي لاتزيدهم إلا ضياعا‏,‏ وما شابه ذلك من استخدامات تندرج في اطار اضاعة الوقت فيما لاينفع‏.‏
ان التناقض هنا يأتي من استخدام وسيط حديث للاتصال والمعرفة‏,‏ في غير مكانه‏,‏ او لاهداف تتناقض مع جوهر عملية التنمية والتحديث‏.‏
من جهة اخري‏,‏ فإننا اذا سلمنا جدلا بقدرة الجهات القيادية والموجهة‏,‏ خاصة المؤسسات التربوية والإعلامية والتعليمية في ارجاء العالم العربي‏,‏ علي ترشيد استخدام الوسائط الحديثة‏,‏ وفقا لبرامج محددة‏,‏ فما مصير ملايين الأميين الذين مازالت أعدادهم ـ مع الأسف ـ تتزايد ـ في مناطق كثيرة في أرجاء واسعة من العالم العربي؟ وكيف يمكن ان تقام خطط تنمية وفقا لأسس تعتمد علي وسائط حديثة تقتحم عالمنا اليوم‏,‏ وعلينا ان نواكبها بكل ما نملك من قوة‏,‏ بينما نسب الأمية المخيفة تحيط بنا وتتكاثر كالأورام السرطانية في سرعة تكاثرها وتشكل عقبة أمام أي امكان لهذه التنمية في المستقبل القريب‏,‏ بل البعيد‏,‏ خاصة ان هذه الوسائط الحديثة تشهد ثورات من التطوير المتلاحق يوما بعد آخر في العالم الغربي‏,‏ وهو ما يهدد باتساع الفجوة بين العالم العربي والعالم المتحضر بشكل قد يكون من المستحيل مواكبتها إذا استمر الامر علي ما هو عليه‏.‏
علي صعيد آخر‏,‏ فان الكثير من مستخدمي شبكة الإنترنت من الشباب العرب يتعرضون كذلك للتضليل الذي تقوم به الكثير من القوي التقليدية والمحافظة التي تنشر افكارا ظلامية‏,‏ وتستخدم الإنترنت‏,‏ في اهدافها تلك في تناقض لاتخفي دلالته علي أحد‏,‏ فهذه القوي بالرغم من انها تقف ضد التقدم‏,‏ وتنادي باستخدام تلك الوسائط الحديثة في مشروعها هذا‏,‏ وغيره من وسائل التربح لنشر الخرافة والبدع ولإبقاء المواطن محدود العلم والوعي اسير افكارها وهيمنتها‏.‏
وبالتالي فإن هذه الوسائط الحديثة قد تؤدي كذلك الي عكس المأمول منها‏,‏ وهو ما يقتضي تضافر الجهات والمؤسسات الإعلامية والتربوية في ترشيد استخدام هذه الوسائط بتوعية مستخدميها وتوجيههم الي ما يفيدهم وينمي معارفهم وعقولهم وينبههم الي مخاطر ما تبثه مواقع الجهل ومصائد الفتنة‏.‏
ان برامج التعليم العربية التي بدأ الكثير منها في ادخال الحواسب الآلية في برامجها‏,‏ مازالت تتعامل مع هذه المناهج كأنها وسائل اضافية‏,‏ لا وفقا لمنهج يعتبرها وسيلة اساسية لتعلم لغة العصر الحديث في ارجاء العالم‏,‏ والاسباب التي تؤدي الي ذلك عديدة‏,‏ اولها تقليدية البرامج التعليمية العربية‏,‏ التي مازالت تعتمد التلقين اساسا لها‏,‏ بدلا من بناء وتطوير مهارات الفكر والعقل النقدي والعلمي‏,‏ وضعف مهارات المعلمين الذين لايمتلكون المعرفة‏,‏ هم انفسهم باستخدام الوسائط الحديثة‏,‏ بالاضافة الي ضعف امكانات بعض الدول العربية التي لاتوفر الاعتمادات المالية التي تحتاج اليها مثل هذه البرامج التعليمية المتطورة التي تعتمد علي الحواسب الآلية ووسائل التعليم الحديث بشكل عام‏.‏
ولاشك ان المؤسسات التعليمية‏,‏ بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالتنمية الاجتماعية والبشرية يمكن ان تقدم عددا من البرامج التي تشجع علي تعليم الشباب والمراهقين ممن تخلفوا عن قطار التعليم وتشجيعهم علي محو اميتهم في محاولة لتقليص الفجوة بين مجتمع الحداثة ومجتمع الجهل والتخلف في المجتمعات العربية بشكل عام‏.‏
كما ان المجتمعات الديمقراطية الحرة هي التي يمكنها ان تطور من العلم والبحث لديها بكل السبل والوسائل‏,‏ اضافة الي ان فكرة المنع والكبت تؤدي بالافراد الي البحث عن الممنوع‏,‏ علي حساب المعرفة‏.‏
إن شبكة الاتصالات الحديثة ادت الي ثورة في المعلومات وانسيابها بحرية لم تعرف لها البشرية مثيلا‏,‏ فتدخلت في معدلات تسارع ارباح البنوك والشركات بفضل سرعة الاتصالات‏,‏ وبالتالي سرعة اتخاذ القرارات‏,‏ وبفضلها ايضا ظهر العديد من مظاهر السلوك والانشطة التي يمارسها الافراد اليوم في المجتمعات كافة والتي يلعب فيها جهاز الكمبيوتر دور البطولة‏.‏
كما ان هذه الوسائط الحديثة احدثت ثورة في توفير الاتصال العولمي وازالت الحدود بين البشر مهما اختلفت ثقافاتهم وبعدت بينهم مسافات الجغرافيا عبر العديد من شبكات الاتصال الاجتماعية الجديدة مثل‏:‏ الفيس بوك‏,‏ وتويتر‏,‏ وغيرهما‏,‏ وهو ما يؤدي الي خلق نوع من ألوان الحوار المباشر او غير المباشر بين افراد مختلفين من ثقافات متعددة قد يكون من المستحيل ان تتوافر لاي منهم سبل التلاقي او الحوار لولا ظهور تلك الشبكات الاجتماعية الحديثة‏.‏
وهو ما سوف يؤثر بالتأكيد علي المنظومة الاخلاقية والفكرية والاجتماعية في مدي السنوات القليلة المقبلة‏,‏ مما يقتضي بحث الظاهرة وتحليلها للاستفادة من ايجابياتها وتجنب سلبياتها‏,‏ خاصة من قبل الاجيال الجديدة التي يتوقع ان يزداد عدد مستخدمي هذه الوسائط منهم بشكل غير مسبوق‏.‏
 

 

المزيد من مقالات د. سليمان إبراهيم العسكرى
المصدر: مؤسسة الأهرام
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 75/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 434 مشاهدة
نشرت فى 3 مارس 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,796,575