ولتحديد مخاطر تفشي البطالة في البلدان العربية، وتشخيص انعكاساتها على المجتمع، وخاصة على المستوى الاجتماعي لا بد من تشخيص الأسباب التي تقف وراء ذلك التفشي، وهو ما يلخصه أحمد السيد كردي في أربع محاور رئيسة هي، التي تقف وراء تنامي الظاهرة في البلدان العربيــة:
1. إخفاق خطط التنمية الاقتصادية في البلدان العربية.
2. نمو قوة العمل العربية سنويا.
3. انخفاض الطلب على العمالة العربية عربيا ودوليا.
4. المنعكسات السلبية للمتغيرات الدولية على العمالة العربية.
من جانب آخر يرى طارق محمد، أسبابا أخرى، غير تلك التي أوردها كردي، هي التي تتسبب في تفشي هذه الظاهرة، وتغذي عوامل استمرارها واتساع نطاقها. ويميز محمد بين فئتين مختلفتين من أسباب البطالة، الاولى منهما مصدره «اقتصادي/سياسي»، في حين يعود الثاني إلى أسباب «اجتماعية».
جريدة النور للحزب الشيوعي الموحد، تذهب إلى أبعد من ذلك حين تلخص الأسباب التي تقف وراء استمرار تفشي البطالة في البلاد العربية، في «قلة الاستثمارات، وثقافة الكسل والتنبلة والاعتماد على التواكل وكراهية حب العمل المنتج، والبرامج التربوية النظرية التلقينية الكسولة التي لا تنمي حرية التفكير الذاتي لدى الطالب وإيجاد سيناريوهات الحلول المناسبة للمشكلات الحياتية الكثيرة والمتجددة. والنمو السكاني الانفجاري الكمي الذي يفوق النمو الاقتصادي المتذبذب أو المتقهقر. والإدارات المترهلة والفاشلة والفاسدة التي لا تجيد الإدارة، ولا تتخلى عنها. وغياب خيارات سيناريوهات فرص العمل، والجدوى الاقتصادية الممكنة لكل فرصة. وضعف هيبة الدولة، والاستقواء بالعشيرة، أو القبيلة، أو الأجنبي والتسابق في الإنجاب بين القوميات والعشائر والقبائل والطوائف على مبدأ:(أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً). والتسابق بين الزوجات الضرائر بالإنجاب حتى تأخذ حصة أكثر من الميراث. وقلة المتعلمين أو المهنيين المتميزين الذين تنفتح أمامهم فرص العمل أكثر. وهجرة العلماء والأطباء والمهندسين والفنيين والمبدعين المتميزين إلى حيث يجدون الفرص الأفضل لاختصاصاتهم ومؤهلاتهم ولحياتهم ولمستقبلهم».
كتاب آخرون حاولوا التأصيل للبطالة فحرصوا، من أجل معالجتها، على أن يقسموها إلى فئات مختلفة يمكن الإشارة إلى الأبرز بينها وهي: «البطالة الهيكلية، الناتجة عن النمو والتطور في بعض النشاطات الجارية على اقتصاد الدولة وفتور بعضها الآخر، وهذا يؤثر على نوعية اختيار المهارات. البطالة الاحتكاكية، هذا النوع من البطالة يحدث بسبب تنقلات العاملين المستمرة بين المناطق والمهن المختلفة ناتجة عن تغيرات الاقتصاد الوطني. البطالة الطبيعية عندما يكون هناك توازن بين العرض والطلب على المهارات البطالة الإقليمية أي أن تتدهور الحالة الاقتصادية لبعض الصناعات الموجودة في إقليم معين. البطالة الموسمية وهذا النوع يصيب بعض الأنشطة الاقتصادية التي هي بطبعها موسمية كالزراعة والبناء والسياحة. بطالة الفقر حيث لا يملك الأفراد المال اللازم لاستثماره في العمل. البطالة الظاهرة وهذا يعني ألا يجد الأفراد العمل الذي يتناسب مع مؤهلاتهم وتخصصاتهم. البطالة المقنعة وهي عائدة إلى سوء اختيار الأفراد للوظائف لا يجنى من ورائهم فائدة».
وعندما تتفشى البطالة، وتبدأ انعكاساتها السلبية تتمظهر في مختلف الأنشطة السكانية المنتجة، من الطبيعي أن تبادر السلطات المعنية بالبحث عن الحلول المناسبة، التي تحول دون استمرارها، والأسوأ من ذلك ارتفاع معدلاتها في صفوف القوى العامل، وعلى وجه الخصوص الشابة منها.
لكن الكاتب خالد النويصر يذهب إلى أبعد من ذلك عند معالجته لمشكلات البطالة في البلدان النامية، حيث يعتبرها «إفراز لمشكلة كبرى هي مشكلة التخلف، لوجود ثلاثة عوامل أساسية تتفاعل فيما بينها وهي فشل نموذج التنمية في الدول النامية، آثار أزمة المديونية الخارجية، والعولمة الاقتصادية».
أما منظمة الإسكوا، ففي سياق تشخيصها للبطالة كظاهرة عالمية ترى بعض الأسباب المختلفة، «منها عدم المواءمة بين مخرجات نظم ومؤسسات التعليم العالي وبين احتياجات الاقتصاد الوطني السبب توجه الطلاب إلى دراسة تخصصات نظرية وهناك تشبع منها وقلة في عدد الخريجين التخصصات العلمية».
وهناك الكثير من الاجتهادات في هذا الصدد، من بينها تلك التي سعت جريدة «الصباح» التونسية إلى الترويج لها أبان أزمة البطالة في تونس في منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، حيث دعت المسؤولين إلى المسارعة للأخذ بمجموعة من الإجراءات تحاشيا لانعكاسات البطالة السلبية على المجتمع التونسي، من بينها، «تشغيل الطاقات العاطلة الموجودة في مختلف قطاعات الاقتصاد القومي، وتوفير الحماية الاجتماعية للعاطلين والتوسع في مشروعات الضمان الاجتماعي، ودعم وتشجيع القطاع الخاص المحلي ليأخذ دوره في عملية التحول نحو اقتصاد السوق، والتوسع في برامج التدريب واعادة التدريب بمختلف الصناعات والمهن، وخلق فرص عمل منتجة من خلال زيادة حجم الاستثمارات بشكل متوازن في مختلف القطاعات، والارتقاء بمستوى التعليم والصحة والاسكان والرعاية الاجتماعية، واصدار القوانين الخاصة بجذب الاستثمار الاجنبي، وخلق صناعة سياحية، فالبلد يزخر بالمواقع السياحية المختلفة».
وفي حال تغاضي الجهات ذات العلاقة عن هذه الظاهرة، أو التعاطي معها من خلال معالجات ثانوية ربما تزيل الأعراض، لكنها لا تقتلع جذور الأسباب، تتحول البطالة إلى حالة مرضية يصعب شفاء المجتمع منها، فتلتهم على نحو متواصل وشره كل جهود الجهات المعنية في تحقيق النمو الذي تبحث عنه. هنا، تبدأ – البطالة -في إرسال إفرازاتها السلبية على المجتمع، وأكثرها خطورة تلك التي تمس السلوك الاجتماعي للأفراد، والقيم التي تنظم العلاقات فيما بينهم. حينها دون التقليل من الأخطار الاقتصادية والسياسية المرافقة، تتحول البطالة إلى قنبلة موقوتة، تهدد بنسف المجتمع وتدمير كل عناصر الاستقرار التي يبحث عنها من أجل تحقيق النمو والتقدم الذي لا يستغني عنه أي مجتمع يحاول أن يؤسس لمجتمع مدني معاصر.
نشرت فى 2 يوليو 2016
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,776,871