هبة الله الغلاييني

في العقد الأخير، أفرزت التكنولوجيا سلالة جديدة تماماً من مصادر الإزعاج. أصبحت الحياة الآن تعج أكثر بالمزيد من ذوي الطباع الصعبة، من ثرثاري الهاتف المحمول، إلى مرسلي البريد الالكتروني المزعج، إلى المتطفلين على البريد الصوتي.
في أفضل الأحوال، يجعل هؤلاء الناس الحياة كئيبة ومسببة للضغط وفي أسوأ الأحوال، يمكنهم أن يعوقوك من تحقيق أهداف مهمة. ما من سبب يجعلك تسمح للأشخاص المزعجين أن يعترضوا طريق أدائك في العمل أو في حياتك الشخصية.

فمن هم ذوو الطباع الصعبة؟

ذوو الطباع الصعبة هم هؤلاء الأشخاص الذين لا تستطيع احتمالهم، والذين لا يفعلون ما تريدهم أن يفعلوه، أو يفعلون ما لا تريدهم أن يفعلوه، والذين لا تعرف كيف تتعامل معهم!
وأنت لست مضطراً لأن تكون ضحية لهؤلاء الأشخاص، وعلى الرغم من أنك لا تستطيع تغيير الأشخاص ذوي الطباع الصعبة فإنك تستطيع التواصل معهم بطريقة تجعلهم يغيرون من أنفسهم.
هناك 10 نماذج سلوكية مزعجة وغير مرغوب فيها، يلجأ إليها الأشخاص العقلاء عندما يشعرون بالتهديد أو المقاومة، والتي تمثل صراعهم مع (أو انسحابهم منها) الظروف غير المرغوبة.
 
الدبابّة:
يعتقد الدبابّة - العنيف القاسي، أو الصاخب القوي، أو صاحب القوة الهادئة والدقة الجراحية لشعاع الليزر - أن الغاية تبرر الوسيلة. فإذا تصادف وتواجدت في طريقه، فإنه سيتخلص منك.

القنّاص:
هذا الداهية الخفي يزدريك لسبب ما. وبدلاً أن يغضب أو يثور عليك، فإنه ينتقم منك عن طريق معرفة نقاط ضعفك واستخدامها ضدك من خلال الإعاقة، والثرثرة، والتحقير والإهانة.

القنبلة الموقوتة:
هذا الشخص ينفجر في نوبات غضب تبدو غير متناسبة مع الموقف أو الظروف الحالية ويجعل الآخرين يتراجعون بحثاً عن مخبأ من هجومه، ويتساءلون عن سبب كل هذه الثورة.

العلاّمة:
هذا الشخص يعلم 98% من كل شيء (اسأل فقط!) هؤلاء الأشخاص على استعداد لقضاء الوقت - ساعات طويلة في كل مرة! في إخبارك بما يعلمونه، ولكنهم ليسوا على استعداد لقضاء لحظة واحدة في الإنصات إلى " أفكارك واضحة التفاهة" من وجهة نظرهم.
 
المتعالم:
على الرغم من أن هذا النوع من الناس ليس لديهم نفس القدر من المعرفة، فإنهم لا يسمحون لهذا باعتراض طريقهم. فإذا كنت لا تعرف الكثير عما يتحدثون عنه، فإنهم قد يورطونك في المشاكل أو في مشروع محكوم عليه بالفشل.

الموافق دائماً:
هذا الشخص الموافق دائماً سريع في الموافقة، وبطيء في العمل، وكثيراً ما تكون لديه التزامات غير مكتملة ووعود مخلفّه. وعلى الرغم من أن مثل هؤلاء الأشخاص لا يرضون أي شخص فإنهم يبالغون في إلزام أنفسهم بالمهام من أجل الإرضاء فحسب.

المتردد:
عندما يواجه الشخص المترّدد قراراً مهماً ينبغي عليه اتخاذه، فإنه يقوم بتأجيله إلى ما بعد فوات الأوان. وفي النهاية، تكون هناك نقطة يتخذ القرار فيها نفسه. حينها لا يكون التأخير والإهمال مسؤولية أحد إلا هو.
 
الصامت:
لا يمكنك أن تعرف ما يحدث لأن الشخص الصامت لا يخبرك بأي شيء، لا استجابة من أي نوع، سواء كانت لفظية أو غير لفظية.

اليائس:
هنا الشخص يقول: " كل فرصة لابد أن تنطوي على مخاطرة، و" إنني لست سلبياً أو متشائماً، ولكنني أحاول أن أكون واقعياً ". الشخص اليائس الكئيب المحبط يقود الآخرين إلى اليأس.

الشكّاء:
هؤلاء الأشخاص ينغمسون في التحذير من الويلات والكوارث ولا يكفون عن الشكوى والنحيب، ويحبطون الآخرين بتعميماتهم التي تقول إنه ليس هناك شيء صحيح، كل شيء خاطىء، وستظل الأمور هكذا دائماً ما لم تفعل شيئاً حيال ذلك.
أولى خطوات تغيير موقفك الذهني تجاه أكثر 10 سلوكيات مزعجة غير مرغوبة هي فهم هذه السلوكيات. الأساس هو الأهداف أو النوايا الأربعة التي يستجيب بها الناس للمواقف في ظل اثنين من المتغيرات: مستوى الحسم وموضع الاهتمام.
يتراوح الناس بين سلبي (الأقل حسماً) وعدواني (الأكثر حسماً) وكثيراً ما يتأثر مستوى الحسم بالموقف نفسه: في أوقات التحدي، أو المصاعب، أو الضغط، يميل الناس إلى الخروج من " منطقة ارتياحهم " الطبيعية ليصبحوا أكثر سلبية أو أكثر عدوانية.
يمكن أن ينصب الاهتمام في موقف ما بشكل رئيسي على المهمة المطلوب انجازها: التركيز على المهمة، أو على العلاقات الإنسانية: التركيز على الناس. وفي أوقات المصاعب أو الضغط، يركز معظم الناس أكثر على " المهمة " أو على " الناس ". وهناك أربعة أهداف عامة تقرر الكيفية التي يستجيب بها الناس في أي موقف:
• إنجاز المهمة
• إنجاز المهمة بشكل صحيح
• الانسجام مع الآخرين
•  كسب التقدير
ليست تلك هي كل النوايا والأهداف التي تدفع الناس وتحركهم، ولكنها تلعب دور إطار عمل مفيداً في فهم السلوكيات المزعجة والتعامل معها.
وعندما تتعرض تلك النوايا أو الأهداف للمقاومة أو التهديد أو الإحباط، تنشأ المتاعب. يمكن دفع السلوكيات إلى أقصى درجات التطرف مما قد يؤدي إلى ظهور السلوكيات الصعبة المزعجة التي ذكرناها.
إن الأهداف تتغير باستمرار، حسب الشخص والموقف، وهو ما يؤدي إلى تغيرات في السلوك، لذا يجب علينا أن:

نفهم الأهداف الأربعة:
جميع تلك الأهداف لها أوقاتها ومواضعها المناسبة في حياتنا. وعندما نحافظ على التوازن في استخدامها، غالباً ما تكون النتيجة مزيداً من النجاح وقليلاً من الضغط.
لا تكن صعب المراس:
عندما تتعرض أهدافك للمقاومة أو التهديد، قد تصبح أنت نفسك من ذوي الطباع الصعبة. وكلما زاد ما تعرفه من أسباب تصرف الناس بالطريقة التي يفعلون بها، كنت أكثر قدرة على تغيير نفسك.

● تفهّم الهدف الأول:
إنجاز المهمة:

هل احتجت من قبل إلى إنجاز عمل ما، والانتهاء منه، وإلقائه وراء ظهركِ؟ عندما تحتاج إلى إنجاز المهمة، تركّز على المهمة التي تريد الانتهاء منها. وعندما تحتاج حقاً إلى إنجاز المهمة، تزيد من سرعة الأمور، وتركّز على العمل، وتكون حاسماً. بل إنك قد تصبح عدوانياً ومندفعاً وغير مبالٍ بأحد، تتقدم بلا حذر، وتتكلم بلا تفكير. ويصبح الناس من حولك بعيدين وهامشيين.
وعندما يتم إحباط تلك المحاولة لإنجاز المهام، فإنها يمكن أن تحرف منظور الناس للمواقف. وفجأةً، يبدو وكأن الآخرين يضيّعون الوقت، أو ينحرفون فجأةً عن المسار، أو يستغرقون وقتاً أطول مما ينبغي فحسب. وهنا يزيد الهدف قوة وشدة ويصبح السلوك المترتب على ذلك أكثر ميلاً للسيطرة والتسلط.
وتوجد سلوكيات السيطرة الثلاثة الأكثر صعوبة لدى أنماط الدباّبة والقنّاص والعلاّمة.

الدبّابة:
عندما يكون في مهمة لإنجاز بعض الأعمال، لا يكون الدبّابة قادراً على إبطاء إيقاعه، ويمكن أن يضغط عليك أو يسحقك بقدميه سحقاً أثناء العملية. ليست لدى الدبّابة أي موانع تجاه تمزيقكَ شخصياً، إلا إنه ليس هناك أي شيء شخصي على الإطلاق: كل ما في الأمر أن حظك العسر أوقعك في طريقه. وفي محاولة للسيطرة على العملية وإنجاز المهمة، يتراوح سلوك الدبّابة بين الضغط البسيط إلى العدوان المباشر الصريح.

القنّاص:
عندما لا يتم إنجاز الأمور بالصورة التي يرضى عنها، يحاول القنّاص السيطرة عليك من خلال الإحراج والتحقير والسخرية. أن معظم الناس يعيشون في خوف من التعّرض للإحراج على الملأ، وهي حقيقة يستخدمها القنّاصون لمصلحتهم، عن طريق إلقاء عبارات محمّلة بالمعاني الخفية وعبارات تهكمية ساخرة في الأوقات التي تكون فيها في أضعف حالاتك.
العلاّمة:
يسيطر العلاّمة على الأشخاص والأحداث عن طريق الهيمنة على المحادثة بواسطة ادعاءات وعبارات مطولة مهيبة، ويتخلص من المقاومة أو المعارضة عن طريق العثور على العيوب والأخطاء ونقاط الضعف التي تكون كفيلة بتشويه ورفض وجهات النظر الأخرى. ولأن العلاّمة يكون بالفعل شخصاً مطلعاً ومثقفاً وكفئاً، فإن معظم الناس يتأثرون بسرعة بتلك الاستراتيجية، ويستسلمون في نهاية الأمر.
تتغير الأهداف مع مرور الوقت. فقد تبدأ مهمة ما بهدف إنجازها بشكل صحيح، ثم تجد أن الوقت ينفذ منك وأن عليك التحّول إلى هدف إنجاز المهمة بأي حال. وعندما تعمل في وظيفة جديدة، قد تكون أكثر ميلاً إلى الانسجام مع الآخرين، ولكنك مع مرور الوقت تركّز على كسب التقدير.

● تفهّم الهدف الثاني:
إنجاز المهمة بشكل صحيح:

إنجاز المهمة بشكل صحيح هو هدف آخر يركّز على المهمة ويؤثر على السلوك. هل سعيت من قبل لتجنب خطأ ما عن طريق فعل كل شيء ممكن لمنعه من الوقوع؟ عندما يكون إنجاز المهمة بالشكل الصحيح هو أولى أولوياتك، فإنك تبطئ سير الأمور بما يكفي لتتمكن من رؤية التفاصيل. إنك على الأرجح تنظر نظرة طويلة متمعنة قبل اتخاذ أي إجراء: إذا اتخذت أي إجراء أصلاً. قد تتجنب اتخاذ أي إجراء لأنك تشعر بالشك وعدم الاطمئنان تجاه ما يمكن أن يحدث نتيجة هذا الإجراء.
وعندما تتم مقاومة أو تهديد هدف إنجاز المهمة بشكل صحيح، يبدو لهذا الشخص أن كل شيء حوله عشوائي ومهمل ولا معنى له. ولتزداد الأمور سوءاً، يبدو الناس كأنهم يتعاملون مع تلك المخاوف والهموم بأسلوب غامض ومشوش.
وعندما تصل الأمور إلى درجة كافية من الشدة تكون النتيجة هي سلوك مُتزايد التشاؤم والسعي وراء الكمال، والشكّاء، واليائس، والصامت جميعهم يجسّدون هذا السلوك
الشكّاء:
يعتقد الشخص الشكّاء إنه عاجز تماماً عن صنع أي تغيير في هذا العالم غير المثالي. يتجاهل الشكاءون، المحملون والمثقلون بكل الشك والغموض الذي يحيط بالأمور التي يمكن إلا تسير على خير ما يرام، أي تفكير في الحلول. وبدلاً عن ذلك، وبينما يتزايد الشعور باليأس، فإنهم يركّزون على أي مشكلات يمكن استخدامها كدليل على التعميم الضخم الذي يلجئون إليه. يبدءون في الانتحاب: " لا شيء صحيح. كل شيء خطأ " وبالطبع فإن هذا يقود الآخرين إلى الجنون، ويؤدي الموقف الآخذ في التدهور إلى إثارة المزيد من الشكوى والنحيب.
البائس:
على عكس الشكّاء، لا يشعر الشخص اليائس بالعجز في مواجهة الأمور التي لا تسير على النحو الصحيح، وإنما يشعر باليأس. هؤلاء الأشخاص اليائسون، الواثقون بأن الخطأ لن يمكن تصحيحه أبداً، ليس لديهم مانع في إطلاع الآخرين على شعورهم باليأس: يقولون: انسى الأمر، لقد جربنا هذا من قبل، ولم يفلح في الماضي، ولن يفلح الآن، وسوف تخدع نفسك إذا صدّقت أي شخص يقول لك خلاف هذا. تخلّ عن الأمر ووفّر على نفسك الجهد الذي ستضيّعه في قضية خاسرة". ذلك الموقف اليأس الشبيه بالثقب الأسود يجذب الآخرين إلى حفرة اليأس لهذا الشخص اليأس.
الصامت:
عندما لا تصل الأحداث لمستوى الكمال، يصبح بعض الناس محبطين تماماً لدرجة تجعلهم ينسحبون كلياً. وقد تكون هناك صيحة أخيرة يطلقها هؤلاء الأشخاص محذرين من الإخفاق في إنجاز العمل بشكل صحيح: " عظيم! افعلها بطريقتك إذن، ولكن لا تأتي إليّ باكياً عندما لا يفلح الأمر!" وبعد هذه النقطة لا يقولون ولا يعقلون أي شيء.

● تفهّم الهدف الثالث
الانسجام مع الآخرين:

الهدف الثالث هو الانسجام مع الآخرين. هذا الهدف مهم إذا كنت ترغب في إنشاء وتطوير العلاقات. عندما يكون هناك أشخاص ترغب في الانسجام والتآلف معهم، قد تكون أقل حسماً بينما تعتبر أن احتياجاتهم واهتماماتهم أهم من احتياجاتك واهتماماتك. وبعبارة أخرى، تكون الرغبات الشخصية أقل أهمية من هدف الانسجام مع شخص آخر.
والمشكلة هي إنه عندما يشعر الأشخاص الذين يضعون تركيزهم على الانسجام مع الآخرين بالشك في مشاعر الآخرين تجاههم، فإنهم يميلون إلى أخذ ردود الأفعال، والاستجابات، والتعليقات، وتعبيرات الوجه على محمل شخصي. ويصبح السلوك أكثر توجهاً نحو كسب الاستحسان وتجنب الرفض. وأصحاب سلوكيات البحث عن الاستحسان الأكثر صعوبة هم الشخص السلبي الصامت والموافق دائماً والمتردد غير الحاسم.
الصامت:
الشخص الصامت الذي يركّز على الانسجام مع الآخرين هو شخص خاضع وجبان، ولا يشعر بالارتياح، ولا يشعر بالاطمئنان، وبارع في إمساك لسانه، وحيث إنه ليس لديه شيء لطيف يقوله، فإنه لا يقول أي شيء على الإطلاق. وفي أسوأ حالاته، لا ينطق ببنت شفه طوال الوقت تقريباً. ومن نواحٍ عديدة تكون تلك هي الاستراتيجية المثالية لديه لتجنب الصراع، وتجنب جرح مشاعر شخص آخر، وتجنب إغضاب أي شخص ولكن حيث أن هذا الشخص لا يستطيع الارتباط بالناس بصدق أو التحدث معهم بصراحة فإنه حقاً لا ينسجم فعلياً مع أي شخص.
الموافق دائماً:
هؤلاء الأشخاص يحاولون الانسجام مع الآخرين عن طريق محاولة إرضاء الجميع. الشخص الموافق دائماً يوافق على جميع الطلبات، بدون التفكير في العواقب. وبعد وقت قصير، يكون الموافق دائماً قد أفرط بالفعل في منح الوعود وأخفق في تحقيق ما وعد به لدرجة تجعل الأشخاص الذين كان يريد الانسجام والتآلف معهم أنفسهم يستشيطون غضباً. وفي الأحوال النادرة التي يحافظ فيها على وعوده، لا تكون حياة هذا الشخص ملكاً له، لأن جميع خياراته وقراراته تتمحور حول مطالب الآخرين. وهذا يُحدث قلقاً عميقاً وكثيراً من الأشياء والغضب في نفس الموافق دائماً بل إنه قد يؤدي إلى أفعال تخريبية غير واعية.
المتردّد:
الشخص المتردّد يتجنب الرفض عن طريق تجنب القرارات فعلى أي حال، القرار الخطأ يمكن أن يُغضب شخصاً ما، ومن تراه سيتلقى اللوم غيره؟ والحل هو تأجيل اتخاذ القرار، والتهرب والمراوغة إلى أن يتخذ شخص آخر القرار، أو يتم اتخاذ القرار تلقائياً. وكما هي الحال مع جميع السلوكيات المزعجة الأخرى، فإن هذا السلوك يطيل عمر المشكلة التي يحاول حلها، عن طريق التسبب في الكثير جداً من الإحباط الضيق والإزعاج لدرجة تجعل العلاقات القوية الراسخة مع الآخرين هدفاً بعيد المنال عن الشخص المتردّد.
● تفهّم الهدف الرابع
كسب التقدير:

هذا الهدف الرابع يتطلب قدراً أعلى من الحسم، ويتطلب كذلك التركيز على الناس، بفرض كسب انتباه واهتمام وتقدير الآخرين. أن الرغبة في الإسهام مع الآخرين والحصول على التقدير عن هذا الإسهام هي أحد أكثر الدوافع قوة. توضّح الدراسات أن الأشخاص الذين يحبون وظائفهم - وكذلك الأزواج والزوجات السعداء في زواجهم - يشعرون بالتقدير لذواتهم ولما يفعلون.
عندما يصبح هدف كسب التقدير محرّفاً ومشوّهاً، يجتمع الافتقاد إلى التقييم الإيجابي في عقل الشخص مع ردود أفعال، واستجابات، وتعليقات، وتعبيرات وجه الآخرين، ويميل الشخص إلى أخذها على محمل شخصي ويزداد هدف كسب التقدير قوة وشدة بالارتباط مباشرة مع غياب التقييم الذي يحمل التقدير ويصبح السلوك الصعب المزعج هو السعي المتزايد لجذب الانتباه.
وأكثر سلوكيات جذب الانتباه الناتجة عن الرغبة في كسب التقدير صعوبة وإزعاجاً هي سلوكيات القنبلة الموقوتة، والقنّاص، والمتعّالم.
القنبلة الموقوتة:
هؤلاء الأشخاص يشعرون أنهم لا يحصلون على أي تقدير أو احترام. وعندما يسود الصمت الرهيب، احذر نوبة الغضب المزاجية المتنامية لدى القنبلة الموقوتة: " لا أحد هنا يبالي! تلك هي مشكلة العالم اليوم. لست أدري حتى لماذا أزعج نفسي وأهتم بأي شيء! "
( في حين يستخدم الدبابة نيراناً مركزة في اتجاه واحد، بناءً على شحنة معينة، فإن القنبلة الموقوتة تصنع انفجارات خارجة عن نطاق السيطرة في أي وكل اتجاه: فقد تكون نوبات غضبه المتفجّرة غير مرتبطة على الإطلاق بالموقف أو الظروف المحيطة). وحيث أن هذا السلوك اليائس يولّد انتباهاً سلبياً واستياء، فإن احتمالات انفجار القنبلة الموقوتة عند أول مثير تالٍ تزداد بشدة.
القنّاص الودود:
هذا القنّاص الذي يختلف عن القنّاص العدواني الذي يحاول إضعاف مكانتك وتقويض سيطرتك على نفسك - يشعر نحوك بالإعجاب في واقع الأمر، وأسلوبه في السخرية والتهكم ليس أكثر من مجرد طريقة " مرحة " لجذب الانتباه. كثير من الناس لهم علاقات مع هذا النوع من الأشخاص. وبطبيعة الحال، فإن أفضل وسيلة دفاع هي هجوم بارع، لأن الهجوم المضاد لن يكون بمثابة إهانة في هذه الحالة وإنما سيفهم على إنه علامة على التقدير. ولكن إذا كان المتلقي لا يعفي أو يستقبل التقدير بهذا الأسلوب فإنك قد تراه يضحك في وجهك ولكنه لا يشعر بالألم والجرح داخلياً.
المتعالم:
هذا الشخص متخصص في المبالغة، وذكر أنصاف الحقائق، واستخدام لغة فنية مبهمة، وتوجيه نصائح غير مفيدة، وتقديم آراء لم يتم طلبها. هذا الشخص - صاحب الشخصية الكاريزمية الساحرة المتحمسة - الذي يحتاج بشدة إلى الانتباه له تستطيع إقناع وتضليل مجموعة كاملة من الأشخاص البسطاء أو السذج وتوريطهم في مشاكل خطيرة. وإذا تجادلت مع الشخص المتعالم، فإنه سيرفع نبرة صوته ويتشبث بموقفه في عناد، ويرفض التراجع عنه إلى أن يستفزك وتبدو كأحمق مثله.
وأخيراً:
أنصت لكي تفهم:

عندما يعبر الناس عن أنفسهم لفظياً، فإنهم على وجه العموم يريدون دليلاً على شيئين على الأقل: أولاً، أن الطرف الآخر قد استمع إليهم، وثانياً، إنه قد فهمه المتواصل الجيد يحاول أولاً أن يكون منصتاً جيداً. وهناك خمس خطوات نحو الإنصات الجيّد الفعّال: الخطوة الأولى نحو تحقيق الإنصات الجيد هي التآلف. كيف يعرف الطرف الآخر أنك تنصت وتفهم؟ يحدث ذلك في الأساس من خلال الطريقة التي يبدو عليها مظهرك وصوتك أثناء تحدثه. فبدلاً من أن تشتت الشخص المزعج بنظرات حائرة، أو مقاطعات، أو عبارات اعتراض، ساعده على أن يعبّر بشكل كامل عن أفكاره ومشاعره. يمكنك أن تفعل هذا عن طريق الإيماء برأسك موافق، أو إصدار بعض الأصوات التي تنم عن الفهم بين الحين والآخر. يجب أن تعطي كل خلجة من خلجاتك - بداية من وضع جسدك وحتى طبقة صوتك - انطباعاً بأنك تنصت وتفهّم.
وعندما يبدأ الشخص المزعج الذي تتعامل معه في تكرار ما قاله سابقاً بالفعل، تكون تلك إشارة على أن هذا هو الوقت المناسب للانتقال إلى الخطوة الثانية: التكرار. يعني هذا تكرار بعض الكلمات التي استخدمها الشخص الآخر أثناء حديثه، وهو ما يبعث برسالة واضحة مفادها أنك تنصت وأنك تعتقد أن ما يقوله الشخص الآخر مهم. أما ترجمة أو إعادة صيانة ما قاله الشخص الآخر بالضبط فهو أمر غير مفيد وقد يترك انطباعاً بأنك لم تنصت جيداً ولم تفهم حقاً ما قاله.
وبعد الإنصات لما يريد الشخص قوله، تكون الخطوة التالية هي الاستيضاح. وعند هذه النقطة، تبدأ في جمع المعلومات حول معنى ما تم توصيله لك. وجه للشخص الآخر بعض الأسئلة التي تتطلب شرحاً وتوضيحاً، وهو ما سيتيح معرفة السبب وراء السلوك المزعج لهذا الشخص، وكذلك معرفة الهدف الذي يحاول تحقيقه بواسطة ذلك السلوك.
ليس من الممكن دائماً أن تفهم السبب وراء غضب شخص ما. أن العواطف يمكن أن تحجب القدرات العقلية المنطقية للعديد من الأشخاص لدرجة أن عقولهم تصبح منفصلة تماماً عن مشاعرهم. وعلى الرغم من استمالة التفاهم العقلي مع شخص سيطرت عليه عواطفه، فإنك لازلت تستطيع أن توضح من خلال مظهرك وصوتك أنك تفهم، وتتابع جيداً ما يقوله، ثم تصبح شغوفاً بما يكفي لأن تطرح بعض الأسئلة.
الخطوة الرابعة:
هي تلخيص ما سمعته. هذا يتيح لك التأكد من إنك أنت والشخص المزعج الذي تتقابل معه بتقابلات مع نفس التقنية. وعندما تفعل هذا، يحدث شيئان: أولاً: إذا أغفلت نقطة ما أو لم تنتبه لها، فإنه يستطيع أن يزودك بالتفاصيل الخاصة بها، وثانياً: أنك تكون قد أوضحت - مرة أخرى - أنك تبذل جهداً حقيقياً لكي تفهم بشكل كامل. وهذا يزيد احتمالات كسب تعاون هذا الشخص بداية من هذه النقطة.
بعد أن تنصت باهتمام وانتباه، تكون قد وصلت إلى نقطة اتصال مهمة وحاسمّه مع الشخص المزعج. ولكن قبل أن تتابع تقدمك، تأكد من الشخص المزعج إنه يشعر بالرضا عن التعبير بشكل كامل عن مشكلته. اسأله عما إذا كان يشعر بأنك فهمت مشكلته ومشاعره أم لا. اسأله أيضاً عما إذا كان هناك أي شيء آخر يرغب في طرحه ومناقشته معك.
عندما يتم جمع قدر كاف وصادق من الإنصات، والاستفسار، والاهتمام، والتذّكر معاً، عادة ما تكون النتيجة هي تحقق الفهم، وتحّول الشخص المزعج إلى شخص أقل إزعاجاً وأكثر تعاوناً.
أنصت وأفهم أولاً، وبذلك ستفتح أبواب عقول الآخرين



المصدر : الباحثون العدد 38 آب 2010
  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 2671 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,719,971

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters