محمد بن يحيى مفرح

لقد حث الإسلام على إحسان العمل حتى جعل أعلى درجات الإيمان هو الإحسان عندما يؤدي العامل عمله مستحضراً رقابة الله حتى ولو غاب رئيسه أو مشرفه في العمل.. قال تعالى: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين). وقال الرسول عليه السلام: "إن الله كتب الإحسان في كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته".
والرسول -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا بإتقان العمل حينما يخبرنا أن الطريق إلى محبة الله للعبد تمر بإتقانه لعمله: عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".. وبالتالي فإن إجادة العمل هي تلبية لأوامر الشريعة الغراء.. وضرورة تقتضيها مصلحة العمل.. وهذا يتطلب قدوة عملية تتمثل في القائد.. كما كان الرسول -عليه السلام- في هديه وسيرته مثلاً أعلى يُحتذى في جميع جوانب حياته؛ إذ إن إتقان العمل من ثوابت حياته.. فجاء الصحابة أفضل جيل وحقق أكبر الانجازات في التاريخ في زمن وجيز وبمستويات عالية من الأداء.

مدخل:

تعتبر القيادة ذات أهمية بالغة فيما يختص بإدخال وتنفيذ إدارة الجودة الشاملة. إن الملاحظ للوضع الإداري الحالي في ظل تنامي ظاهرة العولمة ودخول القيادات الإدارية في تحديات القرن الحادي والعشرين، وازدياد المنافسة، ليجد أن الأساليب الإدارية التقليدية لم تعد مجدية، وأن القائد الإداري لكي يظل متميزاً، ويبقي المؤسسة التي يقودها في إطار المنافسة فإنه سيطوي صفحاته التقليدية القديمة، ويبدأ بنهج الأساليب الإدارية الحديثة، والتي أثبتت التجارب نجاحها في القطاعات العامة والخاصة، إذا ما طُبقت بشكلها الصحيح ووفق منهجها العلمي والعملي، ولعل من أهم هذه الأساليب أسلوب إدارة الجودة الشاملة، وأسلوب إعادة هندسة نظم العمل وغيرها.

تحقيق الجودة.. يتطلب قائداً ذا جودة:

من المؤكد أن نجاح عملية إدارة الجودة الشاملة يعتمد بدرجة كبيرة على التزام كامل من الإدارة وتوفير النوع المناسب من القيادة. ويجب أن تخضع عملية اختيار قادة إدارة الجودة الشاملة بشكل خاص لمقاييس دقيقة بالنسبة لنوعيات القيادة.
ويجب أن تُناط قيادة عملية تنفيذ الجودة بشخص واعٍ تماماً بالجودة الشاملة، ويُفهم أن الجودة تشمل كافة الأنشطة والمهام. أي أن الشخص الذي سيقود الجودة يجب أن تتوفر لديه الشخصية المؤثرة والنشاط والرؤية الواضحة لعملية تحقيق الجودة، فبدون إعطاء مثال من خلال المثابرة والتصميم للحصول على الأشياء الصحيحة من البداية لا يستطيع قائد الجودة أن يوجد في الموظفين الإحساس المناسب بالجودة .
وتحتاج قيادة برنامج الجودة أيضاً للسمات العامة التي ترتبط بالقيادة، مثل: الخبرة والمنافسة والاستقامة والثبات على المبدأ والثقة العالية .

وبشكل أساس: الجودة جزء من مكونات القيادة الناجحة

أي أن القيادة وإدارة الجودة مفهومان مترابطان لا يمكن فصلهما عن بعض. ولا يمكن اعتبار عملية الجودة أنشطة منعزلة عن باقي أعمال المؤسسة بل تشكِّل جزءاً ضرورياً من أعمالها. ومن ناحية أخرى ، لا يمكن تحسين الجودة بدون قيادة فعَّالة مفوضة من الإدارة العليا.

من هم القادة الذين سيطبقون إدارة الجودة الشاملة؟ وما هي الخصائص التي يجب أن يتحلّوا بها؟ وما هي الصفات التي تمكنهم من التصدي لما يترقبهم من عواصف تطويرية وتحويلية؟ كيف سيقومون بدور التغيير ويساهمون فيه، وبأي سلاح سيتسلحون؟
توجد عناصر أساسية لا بد أن تتواجد في كل قائد، أي في كل متخذ قرار له مسؤولية وسلطة يؤثر في بيئته الداخلية والخارجية ويتأثر بها، عناصر سيكون وجودها مهماً لمواجهة ما يترقبنا من متطلبات وتحديات وطموحات.

شروط القائد الفعّال أو ما يُعرف بالقائد المدير:

• القدرة
• الرغبة
• الاعتراف الرسمي
• الاعتراف القاعدي

أولاً: القدرة على القيادة لتحقيق الجودة الشاملة تشمل عدداً من الصفات والخصائص:

(إن خير مَن استأجرت القوي الأمين)
1- القدرة على التحليل: ومصدر هذه القوة هو القدرة على جمع أكثر وأجود ما يمكن من المعلومات والقدرة على تحليلها واستعمالها لاتخاذ القرارات، وكلما ارتفعت جودة وكمية وحسن استعمال هذه المعلومات الكمية والنوعية الداخلية والخارجية قلت نسبة الخطأ (التي لا يمكن إلغاؤها؛ إذ الكمال لله وحده)، وقلّت بذلك نسبة عدم التأكد (ولا وجود لمستقبل في حالة تأكّد تام ولو كان على المدى القصير؛ إذ لا يعلم الغيب إلا الله) وقلّت بالتالي نسبة المخاطرة. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)[الحجرات: من الآية6]. قال تعالى: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) [النمل:27]. ).
2- القدرة على الابتكار والتغيير : الانتقال من مستوى جودة إلى مستوى أعلى منه يتطلب إبداعاً. "إن الإبداع يُعدّ من أبرز أسباب عطاء وتمايز مجمل الحضارات قديمها وحديثها، وبقدر حجم ودرجة الإبداع والاهتمام به في الأمة يكون بمستوى تلك الأمة وتطورها وقدرتها على المنافسة والتفوق". (الطريق إلى الإبداع.المشيقح. ص24).
قال الشاعر:

وإني وإن كنتُ الأخيرَ زمانُه
لآتٍ بما لم تستطعهُ الأوائلُ

3- بُعد النظر: من المهام الأساسية لكل قائد هو النظر للمستقبل والتنبؤ و التخطيط على المدى القصير والطويل يستعد لتنمية نظامه مستبقاً الأحداث، مدبراً لإجراءات وسياسات وإستراتيجيات جديدة؛ لتفادي العثرات والصعوبات. يقول (بيتر بلوك Beater Block) عن الرؤية أنها " تعبيرنا العميق عما نريده. إنها المستقبل الذي نفضله، الحالة التي نتمناها، الحالة المثالية، تعبير عن التفاؤل. إنها تعبر عن الجانب الروحي والمثالي للطبيعة البشرية. إنها حلم يكون في ساعات يقظتنا، يعبر عن كيف نريد من حياتنا أن تكون".
(قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) [يوسف:47].
"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً.. واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"
4- حسن اختيار وتشريك الطاقات البشرية: لا يمكن للقائد أن يقوم بمهامه منفردا؛ فهو بحاجة إلى مجموعة تساعده يتعامل معها ويتعاون". نؤكد على التركيز على فرق العمل في المؤسسات، فنحن نعتقد أن الفرق هي حجارة البناء الأساسية في المؤسسات، وعندما تعمل الفرق بشكل صحيح يعمل الأفراد والمؤسسة بشكل صحيح أيضا "( تطوّر المنظمات Organization Dev.. فرنش وجو نير frenshJonber ص 65). ولا يكفي حسن الاختيار ، فلا بد مع ذلك من تحفيزهم مادياً ومعنوياً، وأن يعترف لهم بقدراتهم . وأن " يحسن استعمالهم" بتشريكهم التشريك الحقيقي حسب مستواهم وإمكانياتهم في عملية اتخاذ القرار .. وإلا فحسن الاختيار وحده يؤدي إلى الإحباط ... والإحباط يؤدي إلى السلوك السلبي والهدام .. وللقائد أن يغرس فيهم حب الانتماء .. والالتزام .. والاستعداد على الإنجاز .. ويكون ذلك بوضعهم في المكان المناسب.. وفي الوقت المناسب.. وحتى يمكن الوصول إلى أداء ناجح أي فعّال وذي كفاءة وجدوى ... وهذا يؤدي حتماً إلى الاقتراب من أقصى مفعول التوافق الذي تتمناه كل مجموعة والذي يؤدي إلى نتيجة (2+2 لا 6 أو 7) بل أكثر ما يمكن من (4) .. "على المدير أن يضفي على قدراته الإدارية مزيداً من القيادة الوجدانية. وعلى القائد أن يعادل قدراته القيادية بمزيد من الإدارة العقلانية. (خلاصات شعاع".العدد231.ص1).
قال الشاعر:

تأبى الرماحُ إذا اجتمعْنَ تكسّراً
وإذا افترقْن تكسّرتْ آحادا

6- القدرة على التحدي والمخاطرة: بقدر تبني القائد للتحدي والمخاطرة في تبني مستويات أعلى من الجودة والتغيير للوصول إلى الأفضل بقدر ما تتحقق الجودة فعلياً.

ومَن لا يحبّ صعودَ الجبال
يعشْ أبدَ الدهرِ بين الحفر

وقلت أنا:

ومَنْ لم يصارعْ أمواجَ البحارِ
يعشْ كالضبِّ تحتَ القفارِ

7- الإشعاع: وإذا تحلّى القائد بكل الصفات الآنف ذكرها أصبح قادراً على التأثير على غيره، ويكون مثلاً يقتدي به في تحقيق مفاهيم ومتطلبات الجودة الشاملة من خلال التأثير الإيجابي في الآخرين.

ثانياً: الرغبة: لعله من العجب وحتى من التناقض أن نضع شرط الرغبة في تحمل المسؤولية – القيادة – لشخص توفرت فيه كل هذه الخصائص والصفات بدون استثناء، ولكنه -مع الأسف- يوجد أناس رغم قدراتهم المؤكدة – يتجنبون المسؤولية خوفاً منها أو من عواقبها. هذا الخوف يمكن أن يكون مأتاه إما بشرياً أو مادياً، داخلياً أو خارجياً، فيمكن أن يكون المعني بالأمر قدراته البدنية لا تسمح له بذلك، وهو يخشى العواقب المرضية من تحمل المسؤولية. أو يمكن أن تكون الضغوط الداخلية مثل الأسرية أقوى من شخصيته المهنية، وتحول دون تمكنه من حمل راية القيادة، أو الضغوط الخارجية. وعدم الرغبة تكون كذلك نتيجة لإحباط أصاب الشخص نتيجة رفض الرؤساء أو المرؤوسين للاعتراف بقدراته وتمكينه الفرصة من ممارسة حقه القيادي أو عدم توفر الدافع أو الحافز القوي الذي يرغبه في تولي زمام القيادة .

لا يعجز الجسد عما قويت عليه النية

ثالثاً: الاعتراف الرسمي: قد يخاف الرئيس من " المرؤوس القائد" فيعطيه المسؤولية رسمياً بدون منحه للسلطة الكافية للقيام بمهام تحقيق الجودة الشاملة، وبالتالي يصبح القائد مكتوف الأيدي يرجع في كل صغيرة وكبيرة إلى مصدر السلطة فيُبتلى بالإحباط. أو يمنحه السلطة الكافية، ويحرمه من الإمكانيات المادية والبشرية لإنجاز ما هو منوط به من تكليفات. قائد الجودة الشاملة لابد أن يملك كل المقومات والصلاحيات والإمكانيات المادية وغير المادية لتحقيقها في جميع جوانب المؤسسة.

حديث الرسول: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته

رابعاً: "الاعتراف القاعدي": القائد لا يمكن أن يمارس مهامه إلا إذا كانت المجموعة التي سيرأسها واعية وشاعرة بقدراته وإمكانياته في تحقيق الجودة الشاملة، ومعترفة له وقابلة المسؤولية التي سيتحملها والسلطة الأدبية التي يكسبها من خلال صفاته وخصائصه أولاً، والسلطة الرسمية التي سيفوضها له أصحابها ثانياً.
وإذا توفرت القدرة والرغبة والاعتراف القاعدي بدون أن تفوض له السلطة فيبقى القائد قائداً يمارس "مهمته" بصفة غير رسمية بإشعاعه ومساعدته للبشر ونصحه وتوجيهه، الشيء الذي لا يمكن لأحد أن ينفك عنه. ومن كلف رسمياً وفوضت له السلطة، وسلط على المجموعة دون أن تقبله هذه أو دون أن تتوفر فيه القدرة والصفات والخصائص الأساسية للقيادة، فسيكون مديراً، ويبقى مديراً لا قائداً؛ إذ لن يُسمع له ولن يُقتدى به كمثال، ولن يقدر على تحفيز الطاقات إلى العمل الإيجابي البناء.

الخطوات الأربع لدور القائد في إدارة الجودة الشاملة:

الخطوة الأولى: يقوم القائد بنشر فكرة عامة عن الجودة حيث يهدف إلى تعريف مفهوم المؤسسة للجودة، وما هي المواصفات والمقاييس التي تريدها.
الخطوة الثانية: يقوم القائد بتخطيط الجودة الإستراتيجية، وهذا يتطلب تحديد المجالات المختلفة للعمليات والنظم التي تحتاج للتحسين (مثل نظم المعلومات وتحليلها، التخطيط الإستراتيجي، تنمية الموظفين، العمليات التجارية أو الصناعية، نتائج المشروعات وإرضاء العملاء، الهيكلة، الاتصال.. وغيرها).
الخطوة الثالثة: متابعة برامج التعليم والتدريب لكل شخص في الشركة بداية من الإدارة العليا وحتى جميع الموظفين.
الخطوة الرابعة: الإشراف على برامج التحسين المستمر للعمليات والنظم ومتابعتها بنفسه وتنشيطها من وقت لآخر.

دور القائد في التطوير الإستراتيجي للجودة:

تتطلب قيادة برنامج إدارة الجودة الشاملة تحديد رؤية معينة يستطيع كل فرد أن يفهمها، وكذلك وضع أهداف فرعية يتوقع من الموظفين تحقيقها واقعياً. ويجب وضع الأهداف ضمن إطار عمل لجدول زمني محدَّد والذي يُشكِّل جزءاً من الخطة الإستراتيجية.
ويمكن تسهيل متابعة التقدم في تحسين الجودة باختيار عدد محدَّد من المؤشرات الأساسية. ويجب على قائد الجودة التأكد من وجود إجراءات واضحة وثابتة لمراقبة هذه المؤشرات.
ومن المهم استغلال التغذية العكسية في إجراءات الرقابة بشكل مناسب وإعلام الموظفين بالنتائج حتى تصبح عملية تحسين الجودة حقيقية بالنسبة لهم .
ويجب عرض النشاطات للموظفين في خطوات متسلسلة مدروسة، وأن يكون عدد هذه النشاطات المعروضة محدوداً ووصفها وعرضها بوضوح مع شرح كل نشاط نوعي بطريقة مختصرة وبمصطلحات عملية .

دور القائد في المحافظة على رضا العملاء كأحد أبرز متطلبات الجودة:

يتضمن التركيز على العملاء الاستماع إلى توقعاتهم، ويجب على موظفي المواجهة المحافظة على حوار حول الجودة مع العملاء الذين يقدمون لهم خدماتهم. ومن المهم رؤية شكاوى الزبائن من عدة زوايا مختلفة.. والمشكلة أنه قد لا يتوفر لدى جميع الموظفين الحافز للاستماع والفهم والتصرف تجاه شكاوى معينة .
وفي هذه الحالة يكون دور قائد الجودة دعم الموظفين وإيجاد الطرق المناسبة لمكافأة الأفعال التي تحسِّن الجودة والتأكيد الدائم على أهمية الاستماع للعملاء وإدراك حاجاتهم ورغباتهم.

الخاتمة:

لا بد أن يعكس القائد مفاهيم الجودة في سلوكه اليومي وقراراته وتوجيهاته ومتابعته لمرؤوسيه. فالله تعالى يرسل الرسل ليبلغوا الرسالة، ثم يعيشوا كنماذج عملية بشرية بين أقوامهم..
قائد الجودة لا يردد فقط مجرد عبارات وشعارات.. بل أقوال وأفعال.
قال مصطفى الرافعي:
إن لم تزد على الحياة شيئاً كنت زائداً عليها

كن قائداً ثبتَ الجنانِ رشيدا  
يبنى ويرفعُ للعلاء بنودا

إن القيادةَ حكمةٌ وأمانةٌ
 
ويرى بها رأيَ الرجالِ سديدا

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 64/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 11327 مشاهدة
نشرت فى 29 أغسطس 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,835,528

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters