إن السمة الأساسية لاقتصاد البلاد تكمن في الاعتماد على مصدر واحد للدخل ناجم عن تصدير السلع الزراعية والحيوانية ثم دخل اخيراً النفط ويقابل ذلك اعتماد الاقتصاد بشكل عام على الاستيراد لمواجهة حاجاته والتزاماته المختلفة ولذا من المهم ان تسعى الدولة إلى تنويع مصادر الدخل بالتركيز على تطوير إمكانيات القطاعات الاقتصادية المختلفة وبالأخض القطاع الصناعي بحيث تضمن الاستفادة القصوى من العوائد الناجمة عن تصدير النفط والفوائد المالية المترتبة عليه في بناء دعائم راسخة للاقتصاد الوطني لمواجهة مرحلة ما بعد النفط لكي تضمن استمرار وجود دخل مناسب للفرد والحفاظ على مستوى المعيشة، ومن هنا تبرز اهمية التصنيع كسياسة اقتصادية مهمة تتطلب استراتيجية شاملة في ضوء المعطيات الحاضرة والمتغيرات المستقبلية ولعل ذلك التصور يقود إلى تشخيص عملية التصنيع للوصول إلى استراتيجية معينة لعملية التصنيع في البلاد.
* عوامل قيام الصناعة
اهمية القطاع الصناعي
يعتبر القطاع الصناعي القائد لكافة الانشطة الاقتصادية الاخرى، وكل قطاع يساهم في التطور كنتيجة حتمية لما يحصل من تطور القطاع الصناعي، فالقطاع الزراعي مثلاً ترتفع انتاجيته عندما يستخدم التكنولوجيا المتطورة بدءاً من حرث الأرض وانتهاء بجني المحصول وترتفع عائداته عندما يستفيد من تصنيع المحصول المنتج وتعليبه، ومن ثم تسويقه داخل او خارج الدول اضافة إلى مد الصناعة بالمواد الأولية اللازمة كما ان القطاع التجاري يشهد ازدهاراً في كافة مراحل تطور القطاع الصناعي من بداية استيراد السلع الانتاجية ومتطلبات نشوء الصناعة وقيامها إلى عملية التصدير للسلع المنتجة، كما ان قطاع الانشاء يحصل على نصيبه من ذلك التطور بانشاء الوحدات الانتاجية والسكنية التي تتطلبها قيام الصناعة وهكذا بالنسبة للقطاعات والانشطة الاخرى وعليه فان القطاع الصناعي اذا ما ارتفعت وتائر نموه فانه من البديهي يقود القطاعات الأخرى نحو التطور والازدهار اضافة إلى ذلك فان القطاع الصناعي يمكن تحديد افاقه المستقبلية لانه يخضع إلى متغيرات موضوعية اكثر من القطاعات الاقتصادية الاخرى كما ان العوامل الطبيعية المناخية لا تؤثر على مساره بالقدر الذي تؤثر على القطاعات الاخرى لانه يسير بخطط محسوبة.
* دراسة العوامل الاقتصادية قبل الانتاج
1. اجراء مسح شامل ودقيق للمواد الأولية المتوفرة بالدولة.
2. دراسة السوق المحلية واخذ مؤشرات كافية للتعرف على الطلب ونوعه من الداخل عبر سنوات عديدة ووضع تصور كامل للسلع التي تتأثر بطلبات السوق والمستهلك.
3. دراسة السلع التي تتأثر بحقل اعادة التصدير في التجارة الخارجية لامكانية انتاجها محلياً والاستفادة من الفرق في تكاليف الشحن والاستيراد من بلد المنشأ بالنسبة للدول المصدر اليها.
4. وضع أولويات بالمشاريع الاستراتيجية للصناعة والتي يفترض لها ان تقام بالدولة كنتيجة منطقية لوجود النفط الخام فيها.
5. التطلع إلى القطاعات الاقتصادية الاخرى للنظر في متطلباتها ومستلزماتها نهوضاً وما يمكن لها ان تستفيد على طول الفترة من مساهمة القطاع الصناعي في دعمها.
6. دراسة السوق الخارجية للتعرف على امكانية قيام صناعات معينة يمكن لتلك السوق ان تستوعب المنتج وبشكل اقتصادي يتميز بالتأثير على عاملي الكلفة والوقت، وهما عاملان ذا اهمية لأي اقتصاد يسير في طريق النمو.
7. دراسة الترابط بين الصناعات سواء كانت التكاملية منها او تلك التي تعتبر ضمن الطلب المتفق، وفي كلتا الحالتين يجري دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع واجراء مسح بمستلزمات قيامها.
* أهم المعالجات التي يمكن ان نصل من خلالها إلى استراتيجية
* معينة لعلمية التصنيع
* أولاً: التلقائية والتخطيط:
ان المنهج الاقتصادي الذي تسير عليه دولة ما يحدد الاطار العام الذي في ضوئه تنمو القطاعات الاقتصادية المختلفة وبالتالي يحصل كل قطاع على نصيبه من التطور في ضوء ما يخطط له او في مدى قوته التنافسية على الساحة الاقتصادية.
بالنسبة للسودان فان الفلسفة الاقتصادية التي تسير عليها الدولة تضمن احترام الملكية الخاصة والنشاط الاقتصادي للافراد بالشكل الذي لا يتعارض مع الصالح العام.
وهنا تبرز مسألة: هل تلجأ عملية الصناعة في السودان إلى اسلوب التخطيط ام الاسلوب التنافسي؟
ان الاجابة على هذه التساؤلات تقود إلى التمييز بين الاسلوبين على أساس من الواقع العلمي، وفيما بينها ولا يمكن الجزم بأن النشاط الاقتصادي في قطاع معين لا يؤثر على القطاعات الاخرى، بل ان في معظمها حركة متبادلة التأثير ومن ثم يمكن ان نقف على الملابسات التي يمكن ان يخلقها الاسلوب التنافسي المطلق فيها لو طرح على بساط التطبيق ومن اهمها:
1. التعارض بين مصالح المستوردين للسلع من الخارج والمنتجين المحليين وخلق نوع من التنافس الذي يؤدي في كثير من الاحيان لخروج المنتج المحلي من السوق بحكم القابلية التنافسية التي تتمتع بها السلعة المستوردة من حيث التأثير على السعر والمواصفات.
2. وجود عدة مشاريع تنتج ذات النوع من السلعة بهدف الحصول على ربح متوقع لطلب على السلعة ولكن قد يتبع ذلك ركود نتيجة قيامها دون دراسة علمية كما ان تعددها يخلق نوعاً من عدم التنسيق والترابط بين المشاريع على المستوى الاتحادي للدولة.
3. التوجه نحو المشاريع غير الاستراتيجية والتي لا تتطلب رأسمالاً كبيراً او مستوى عال من التكنولوجيا وتكون المحصلة النهائية تعدد المشاريع الصغيرة ذات نمط استهلاكي مما لا يساعد بعد ذلك على قيام قاعدة صناعية متينة ينظر لها من زاوية الاسهام الجدي في مكونات الدخل القومي.
اما اسلوب التخطيط المطلوب هو وضع اساس معين يرتبط بمراحل زمنية تتصل ببعضها لتؤدي في الامد البعيد إلى هيكل معين للقطاع الصناعي واضح المعالم مسبقاً، ولأجل بلوغ ذلك فان الدولة ينبغي ان تطرح ما يلي:
1. المشروعات الأساسية الاستراتيجية التي ترتبط بالمصلحة القومية.
2. المشروعات التي تتطلب رأسمالاً كبيراً ومستوى عال من التكنولوجيا يمكن للقطاع الخاص ان يستثمر فيها بمشاركة الدولة على اساس المشاريع المشتركة وذلك لمساعدة القطاع الخاص في تحل عبء التكاليف ومتطلبات المراحل التالية للمشروع.
3. المشروعات التي ترى الجهات المسئولة في قيامها دعماً للاقتصاد الوطني ويمكن ان يقوم بها القطاع الخاص وتسهم مستقبلاً في قيام صناعات اخرى تشكل نوعاً من التكامل والتوافق بينها وفي هذه الحالة تقوم الجهات المسئولة خلال صندوق التنمية الصناعية بدعم وتمويل هذه المشاريع.
وهذا يقودنا إلى ضرورة التأكيد على مسألة التنسيق وتوحيد القرارات من اجل تجنب الازدواجية في المشروعات والقضاء على العفوية في انشاء البعض منها.
ثانياً: المشاريع المتعددة داخل الدولة:
عملية التنسيق المطلوبة وتوحيد القرارات تؤدي إلى تحقيق تكامل اقتصادي حيث ان المشاريع الصناعية المقترحة يجب ان تكون مشاريع على مستوى الدولة لأنه يمكن تواجد عدة مشاريع في ولاية تنتج ذات النوع من السلعة بينما تفتقر مجالات اخرى إلى الاستثمار رغم اهميتها وضرورتها لذا ينبغى النظر إلى الولايات جميعها على اساس رقعة جغرافية واحدة وتتم على هذا الاساس دراسة فرص الاستثمار الصناعي في مختلف انحاء الدولة واجراء دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات الصناعية التي يعتزم القيام بها.
* ثالثاً: الدعم المشروط للصناعات واشكاله:
ان تردد رأس المال الخاص في الاستثمار في القطاع الصناعي ليس محدداً بارتفاع التكاليف الاساسية لقيام المشروع نفسه او بطء المردود فقط. وإنما هناك عوامل شتى تدخل في اطار المنافسة الشديدة بين المنتج المحلي والمستورد، وعليه فان دعم الجهات الرسمية للصناعة الوطنية يعتبر من الامور المهمة والحاسمة.
ان الدعم المطلوب هو الدعم المشروط فبعد ان يمنح المستثمر الموافقة المطلوبة لقيام المشروع الصناعي يشترط عليه مواصفات معينة لما ينتجه من سلع وهذه المواصفات تمثل الحد الادنى لما يجب ان تكون عليه السلعة المنتجة وفي حالة تدني المواصفات يحرم المشروع من الدعم وهناك عدة وسائل للدعم في مرحلة ما بعد الانتاج.
1. منح المنتجات المحلية معاملة تفضيلية في المشتريات الحكومية
2. ابراز الصناعة الوطنية في المعارض والاسواق الخارجية
3. دخول المنتجات المحلية ضمن مساعدات الدولة التي تقدمها للقطاعات الاخرى ولا سيما النامية منها بحيث لا تقتصر تلك المساعدات على مبالغ نقدية فقط بل تشمل على مواد عينية.
رابعاً طاقة السوق الاستيعابية:
التسويق يعد من ابرز النقاط التي تدخل في حسابات المشروع لذلك فان معالجة مشاكل السوق تستهدف تيسير انسياب السلع وعدم تعرضها للركود.
نعتقد ان السوق الداخلية في البلاد تكون مفتوحة للمنتج المحلي بعد حصوله على الدعم لانه سيؤثر على تكاليف المشروع مما سيجعله في ادنى حد حيث يكون سعر البيع للسلعة مناسباً ومعقولاً وتنافسياً لمثيلاتها من السلع المستوردة ومن جهة ثانية يجب السماح للمنتجات المحلية بالمعاملة التفضيلية في المشتريات الحكومية.
اما بالنسبة للسوق الخارجية فبالاضافة إلى الجودة والاسعار لابد من التفكير في انشاء سوق افريقية او عربية تخلق نوعاً من التخصص بين دول المنطقة واتاحة فرص التعاون بينها وتبادل الخبرات والايدي العاملة والتعاون في المجال الفني والتقني فيما بينهما.
* خامساً: الايدي العاملة ورأس المال
إن لظروف البلد وتركيبه السكاني اثر كبير في تحديد الاسلوب الأمثل للانتاج وفي ظل العوامل الديمغرافية الحالية وهجرة الايدي العاملة المحلية قد يتطلب الامر استخدام الاستثمار المكثف لرأس المال على مستوى الاقتصاد الوطني بشكل عام والقطاع الصناعي بوجه خاص.
ان العنصر البشري يكون حضوره ضرورياً ويختلف في مواصفاته وعدده من حالة لاخرى لذلك فان وضع استرايتجية معينة للاستفادة من عنصري العمل ورأس المال يتطلب تصوراً شمولياً لمختلف جوانب العملية الانتاجية والخطوة اللاحقة هي:
1. الاهتمام بالدراسة الفنية والتطبيقية بدءاً من التعليم الثانوي المتخصص حسب احتياجات التنمية.
2. ابتعاث الطلاب إلى الخارج للتدريب واكتساب الخبرة والمهارة.
هذه العناصر تقودنا إلى وضع استراتيجية بعيدة المدى نحقق من خلالها برنامج متكامل.
المصدر: صحيفة الايام اليومية
نشرت فى 27 أكتوبر 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,876,749