مفهوم العولمة
يظهر مفهوم العولمة في أدبيات العلوم الاجتماعية الجارية كظاهرة لوصف عمليات التغيير في مجالات مختلفة. وظاهرة العولمة هي عملية مستمرة يمكن ملاحظتها باستخدام مؤشرات كمية وكيفية في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والاتصال.
ويرى بعض الباحثين أن هناك أربع عمليات أساسية للعولمة، هي على التوالي:
1) المنافسة بين القوى العظمى.
2) والابتكار التقاني (التكنولوجي).
3) وانتشار عولمة الإنتاج.
4) والتبادل والتحديث.
1-1:تعريف العولمة
يمكن القول أن صياغة تعريف دقيق للعولمة تبدو مسألة شاقة، نظراً إلى تعدد تعريفاتها، والتي تتأثر بانحيازات الباحثين الأيدلوجية، واتجاهاتهم إزاء العولمة رفضاً أو قبولا(1) وقد شاع استخدام لفظ العولمة (Globalization) في السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين، وبالذات بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. ومع هذا فإن الظاهرة التي يشير إليها ليست حديثة بالدرجة التي قد توحي بها حداثة هذا اللفظ، فالعناصر الأساسية في فكرة العولمة تتمثل في ازدياد العلاقات المتبادلة بين الأمم، سواء المتمثلة في تبادل السلع والخدمات، أو في انتقال رؤوس الأموال، أو في انتشار المعلومات والأفكار، أو في تأثر أمة بقيم وعادات غيرها من الأمم. كل هذه العناصر يعرفها العالم منذ عدة قرون ، وعلى الأخص منذ الكشوف الجغرافية في أواخر القرن الخامس عشر، أي منذ ستة قرون(*).
وعلى صعيد تعريف العولمة ، تختلف التعريف باختلاف الأبعاد والتجليات والمؤشرات على أرض الواقع، ويتضح ذلك من خلال رصد الإحداثيات في هذا المجال وجود ثلاث مجموعات من تلك التعريفات هي:-
مجموعة تركز على البعد الاقتصادي: وهو البعد الذي يحتوي على مؤشرات واتجاهات ومؤسسات اقتصادية عالمية جديدة لم تكن موجودة في السابق، وتشكل في مجملها العولمة الاقتصادية.
مجموعة تركز على البعد الثقافي: وهو البعد الذي يشير إلى بروز الثقافة كسلعة عالمية يتم تسويقها كأي سلعة تجارية أخرى ، ومن ثم بروز وعي وإدراك ومفاهيم وقناعات ورموز ووسائط ووسائل ثقافية عالمية الطابع.
مجموعة تركز على البعد السياسي: الذي يشير إلى قضايا سياسية جديدة مرتبطة أشد الارتباط بالحالة الأحادية السائدة حالياً.
ويمكن تعريف العولمة أيضاً بأنها تعني بشكل عام اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة وانتقال الأموال والقوى العاملة والثقافات والتقانة، ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق. كما تعنى خضوع العالم لقوى السوق العالمية، مما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية وإلي التدخل في سيادة الدولة. والعنصر الأساسي في هذه الظاهر هي الشركات الرأسمالية الضخمة متخطية القوميات . وهذا المفهوم للعولمة يختلف عن مفهوم الاقتصاد الدولي، فهذا الأخير كما يتضح من التسمية يركز على علاقات اقتصادية بين دول ذات سيادة . وقد تكون هذه العلاقات منفتحة جداً في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، ولكن يبقى للدولة دور كبير في إدارتها وفي إدارة اقتصادها.
1-2: العولمة الاقتصادية :-
ويمكن تعريف العولمة الاقتصادية (Economic Globalization) بأنها تعني تحرر العلاقات الاقتصادية القائمة بين الدول من السياسات والمؤسسات القومية والاتفاقيات المنظمة لها بخضوعها التلقائي لقوى جديدة، أفرزتها التطورات التقنية والاقتصادية، تعيد تشكيلها وتنظيمها وتنشيطها بشكل طبيعي على مستوى العالم بأكمله كوحدة واحدة.
مهما كان أمر التعريف ، فإن هناك ما يشبه الاتفاق بين معظم من تناولوا العولمة في الدول المتقدمة [أو من نقلوا عنهم خارج تلك الدول] على أنها ظهرت مع بزوغ قوى جديدة عالمية التأثير ، بمعنى أنها فوق القومية (Supernational) أي ليس لدولة ما أو لمجموعة دول أي تدخل أو تحكم فيها. وأن هذه القوى قد أخضعت جانباً من العلاقات الاقتصادية والمؤسسات القائمة في العالم لتأثيرها التلقائي، وأنها ستؤدي إلى صياغة جديدة لنظام يحكم العالم كوحدة متكاملة الأجزاء بشكل طبيعي ودون حواجز أو حدود. ومن ثم فإن العولمة تعني أن تصير بلدان العالم المختلفة خاضعة لنظام عالمي مسير بقوانين طبيعية حتمية، فتنصهر فيه اقتصاديات هذه البلدان بلا سياسات قومية وبما يحقق مصالح الجميع.
ويكاد يكون هناك شبه اتفاق تام بين من تناولوا ظاهرة العولمة بالبحث، بأنها تعتمد على خمس قوى رئيسية وهي :-
* حرية الاستثمار في أي مكان في العالم: والتي اقترنت بحرية رأس المال الخاص في الحركة دون أي عوائق على المستوى العالمي.
* حرية إقامة الصناعة في أنسب الأماكن لها في العالم : وذلك بغض النظر عن الجنسية أو السياسة القومية لأي دولة.
* عالمية الاتصالات : التي ترتبت على تطور تقنيات وصناعة الأقمار الصناعية.
عالمية المعلومات : التي ترتبت على تطور تقنيات وصناعة الكمبيوتر جنباً إلى جنب مع تقنيات وصناعة الأقمار الصناعية.
* عالمية النمط الاستهلاكي : وحرية المستهلك في الشراء من المصدر الذي يختاره العالم.
وهذه القوى متداخلة معاً بطبيعتها ومتضافرة في تأثيرها على المستوى العالمي، فمثلاً حرية إقامة الصناعة في أنسب مكان ارتبطت بحرية الاستثمار أو بحرية حركة رأس المال . كما أن عالمية الاتصالات والمعلومات يسرت عملية انتقاء أنسب الأماكن لإقامة الصناعة، ويسرت اتخاذ قرارات الاستثمار وانتقال رؤوس الأموال، و اتاحت ترويج نمط استهلاكي على المستوى العالمي ، كما يسرت على المستهلك عملية الانتقاء من المصادر المختلفة(1).
1-3: العولمة المصرفية
أصبحت ظاهرة العولمة أكثر الظواهر التصاقاً بالنشاط الاقتصادي ، وترتبط العولمة أيضاً بالنشاط المصرفي بوصفها جزءاً من العولمة الاقتصادية. وقد اتخذت العولمة المصرفية أبعاداً ومضامين جديدة ، جعلت البنوك تتجه إلى ميادين وأنشطة غير مسبوقة ، وأدت إلى انتقالها من مواقف وتصورات نشاطية ضيقة إلى أنشطة وتصورات واسعة ممتدة، من أجل تعظيم الفرص وزيادة المكاسب المحققة، والتطلع إلى المستقبل.
ولما كانت البنوك والمصارف تصنع هويتها وشخصيتها من خلال توجهها الذي اختطته عبر تاريخها ومنذ إنشائها، فإن العولمة المصرفية قد جعلت من الرؤية المستقبلية بُعداً جديداً للدخول إلى عالم جديد من الكونية، عالم من الفرص الاقتصادية بالغة الضخامة.
في ظل العولمة وإعادة هيكلة صناعة الخدمات المصرفية زاد اتجاه البنوك وبخاصة البنوك التجارية ، إلى التحول نحو البنوك الشاملة Universal Banks. وهي تلك الكيانات المصرفية التي تسعى دائماً وراء تنويع مصادر التمويل والتوظيف، وتعبئة أكبر قدر ممكن من المدخرات من كافة القطاعات, وتوظيف مواردها في أكثر من نشاط وفى عدة مجالات متنوعة. وتفتح وتمنح الائتمان المصرفي لجميع القطاعات . وكذلك تعمل على تقديم كافة الخدمات المتنوعة والمتجددة التي قد لا تستند إلى رصيد معرفي(2). وفي ظل العولمة أصبحت البنوك تبتكر وتخلق عملاءها المتميزين ، وتقدم لهم مستقبلاً أكثر غنىً وثراءاً على مستوى الخدمات المصرفية . و يقوم هذا المستقبل على تكنولوجيا ابتكارية تملكها وتستخدمها فقط البنوك التي تعتبر قاسم مشترك في كل عمل يسعى إلى التقدم وإلى النمو والازدهار.
ومن هنا ارتبط مفهوم العولمة المصرفية بمفهوم الوفرة والإتاحة للخدمات التي تقدمها البنوك، فالنظرة الدقيقة الواعية لتقديم الخدمات المصرفية سواء كانت المتصلة بالودائع أو بالقروض أو بالأسهم أو بالسندات (باعتبارها خدمات تقليدية معتادة) ، أو كانت متصلة بعقود المشتقات المعقدة أو بغيرها من الخدمات الابتكارية المتطورة ، تدفع البنوك إلى التواجد بفاعلية في كافة ميادين النشاط الاقتصادي بامتداداته الجغرافية الواسعة . وفي الوقت ذاته فإن الارتباط العضوي بالتجمعات والتكتلات المصرفية يعتبر أساساً لوصول البنك إلى الحجم الاقتصادي الكبير الذي يتيح وفورات النطاق والسعة المصرفية. وقد أدى ذلك إلى ارتباط عمل البنك بالتكامل المصرفي الذي يقوم على التخصص وتقسيم العمل ، والذي يعظم من جودة الأداء ويرتقي بمستوى القدرة على الإشباع(1).
يمكن القول أن من التغيرات المصرفية العالمية التي عكستها العولمة على أداء وأعمال البنوك، هو ظهور ونمو كيانات مصرفية جديدة ، والتي تعتبر انقلاباً واضحاً في عالم البنوك(2). إذ أن الكيانات المصرفية العملاقة ، بحكم علاقات القوة الاقتصادية الضخمة والحجم الاقتصادي الكبير ، والأداء الاقتصادي الفائق , أصبحت تملك قدرة عالية على التأثير في شكل واتجاهات السوق المصرفي العالمي المتعاظم النمو والمتسارع في الانتشار والاتساع من خلال التواجد في كافة أنحاء العالم.
كما أن العولمة المصرفية لا تعني أبداً التخلي عما هو قائم وموجه إلى السوق المحلية الوطنية ، ولكنها تعني اكتساب قوة دفع جديدة ، والانتقال بتقديم الخدمة المصرفية من الداخل إلى الخارج . هذا مع الاحتفاظ بالمركز الوطني بصورة أكثر فاعلية وأكثر قدرة وأكثر نشاطاً، لضمان الامتداد والتوسع المصرفي.
إن العولمة ليست إطاراً للعمل فقط بقدر ما هي دافع ومحفز ومحرك للعمل أيضا ً. ومن ثم فإن العولمة المصرفية تستند إلى عدة أسباب يتعين معرفتها والإحاطة بها، وفي الوقت نفسه ربطها بالركائز الدافعة لنمو البنك وتوسعه وتفعيل قدراته(3).
(1) السيد يس ،مفهوم العولمة ،العرب والعولمة ،مركز دراسات الوحدة العربية ، الطبعة الثانية ،بيروت ،ديسمبر 1998م،ص 25.
(1) عبد الرحمن يسري، نحو سياسة اقتصادية موحدة للعالم الإسلامي في مواجهة العولمة، مؤتمر اقتصاديات الدول الإسلامية في ظل العولمة، القاهرة 17-19 محرم 1420هـ، مجلة الاقتصاد الإسلامي، بنك دبي الإسلامي، العدد 217، 17 يوليو 1999م، ص 54 – 56.
(2) عبد المطلب عبد الحميد، العولمة واقتصاديات البنوك، الدار الجامعية، 2001م، ص 28.
(1)محسن احمد الخضيري، عولمة النشاط المصرفي ، مرجع سابق، ص 172
(2)عبد المطلب عبد الحميد، مرجع سابق، ص51.
(3)محسن احمد الخضيري، عولمة النشاط المصرفي، مجلة اتحاد المصارف العربية ، العدد 222، يونيو 1999 ، ص 173.