التخطيط التعليمي والبطالة
إن العالم اليوم يشهد تطورات وتغيرات مستمرة في كل الميادين ومع هذه التطورات أصبحت التنمية البشرية تمثل أزمة وثقلا يقع على كاهل المؤسسات التعليمية التي صار لزاما عليها أن تطور من أدائها وأن تحسن من كفاياتها للإسهام بشكل فاعل في بناء الإنسان وإعداده ليتعامل مع المتغيرات والتحديات التي لا تسكن أبدا .
البحث في ميدان إصلاح التنمية البشرية يتطلب استثمار الحقائق والمعلومات المتوافرة من أجل تسليط الضوء على قضايا الإصلاح التي تستهدف تجديد وتطوير نظام التعليم ودور التخطيط التعليمي فيه (يعقوب أحمد الشراح 2002م ص12) . فالتخطيط عنصر أساسي لنجاح أي فرد أو مؤسسة, لأن الحظ أو الصدفة قد تلعب دوراً في حياة الأفراد أو المنظمات , لكن نادراً ما يكون النجاح دائماً راجعاً إلى الحظ الخالص . لذا نجد أن الخطط تلعب دائماً دوراً كبيراً في أي شيء ينجزه الفرد أو الهيئة . كما أن التخطيط ضرورة لازمة للإدارة الناجحة لان التخطيط العلمي يحدد ما يجب عمله في ضوء الأهداف المراد تحقيقها كما يبين كيفية العمل ومن يقوم به في مدى زمني محدد.
مفهوم التخطيط:
التخطيط لغة هو إثبات لفكرة ما , بالرسم أو بالكتابة , وجعلها تدل دلالة تامة على ما يقصد الصورة أو الرسم . و اصطلاحا تعددت تعاريفه .ويرجع سبب اختلاف التعريفات لاختلاف الفترة التاريخية واختلاف الأهداف للمجتمعات المختلفة واختلاف الأساس الأيديولوجي و الاقتصادي في الدول المختلفة واختلاف تخصص الباحثين وخلفياتهم واختلاف نوع و ميدان التخطيط وعمليات النشاط الاقتصادي والاجتماعي. لذلك فقد اتخذ التخطيط المعاني التالية :
التخطيط مجموعة من القرارات اللازمة للعمل في المستقبل .
التخطيط هو أسلوب تنظيم لعملية التنمية .
التخطيط هو اختيار للأولويات الاقتصادية .
التخطيط عملية لتحقيق أهداف مستقبلية .
التخطيط وسيلة لتوزيع الموارد المتاحة على الاستخدامات أو المتطلبات.
التخطيط هو عملية اختيار الوسائل المناسبة لتنفيذ المشروعات .
و يمكن استنتاج تعريف شامل للتخطيط بأنه مجموعة التدابير المعتمدة والموجهة بالقرارات والإجراءات العملية لاستشراف المستقبل , وتحقيق أهدافه من خلال الاختيار بين البدائل والنماذج الاقتصادية والاجتماعية لاستغلال الموارد البشرية والطبيعية والفنية المتاحة إلى أقصى حد ممكن لإحداث التغيير المنشود . ( فاروق شوقي البوهي ص11-15)
أنواع التخطيط :
يمكن تصنيف التخطيط :
حسب الأهداف : إلى بنائي أو هيكلي و وظيفي .
حسب المجال : إلى شامل وجزئي .
حسب الميادين التي يتناولها : إلى تخطيط طبيعي واقتصادي و اجتماعي .
حسب المستوى : إلى قومي و إقليمي و محلي .
حسب المدى الزمني : إلى تخطيط طويل المدى ومتوسط المدى و قصير المدى
حسب الأجهزة المشرفة على التخطيط : إلى مركزي (وزارات أو هيئات مسئولة في الدولة عن التخطيط) و لا مركزي .
تخطيط القوى العاملة:
تتطلب التنمية البشرية تخطيطا علميا، في وقت صار فيه تخطيط الموارد البشرية وسيلة لهذه التنمية، وبحيث لم يعد هذا التخطيط مجرد أداة للتنمية الاقتصادية، أو هدفا في ذاته.
إن أكثر المشكلات التي تعاني منها نظم التعليم في العالم تتعلق بعدم قدرتها علي إعداد الإنسان لمواجهة احتياجات سوق العمل، ومسايرة التبدلات الدائمة في هذه الاحتياجات . دول كثيرة ما زالت تعاني مشكلة البطالة بين المتعلمين نتيجة الزيادة العالية في أعداد الطلاب وما يترتب علي ذلك من توسع في التعليم وتضخم في مخرجاته .(يعقوب أحمد الشراح2002م ص332)
المجتمعات التي تواجه مشكلات البطالة بين المتعلمين تدرك خسارتها الفادحة في فقدان القوي العاملة المعدة والمدربة علي مهن رفيعة قد تتسابق دول أخري عليها للاستفادة منها . فالمشكلة في هذه الحالة ليست في ارتفاع المستويات العلمية والمهنية للقوي العاملة، إنما الأمر يتعلق في أنها تمثل فائضاً أو تضخماً تعليمياً لأنها فوق قدرة الاقتصاد علي استيعاب كل الخريجين فعندما يقوم مهندس بعمل كتابي أو أداري فإنه لا يساهم في زيادة الإنتاج بشكل مطلق، بل علي العكس، فإن هذه الظاهرة لها نتائج اجتماعية ضارة قد تتمثل في عدم الرضي والإحباط واللامبالاة والصراع الاجتماعي . لذلك لابد من التمييز بين رغبات الناس في اختيارهم للتخصصات التي قد لا يتوافر لها مجالات للعمل مستقبلاً وبين ما هو ممكن مهنياً واقتصادياً . بمعني أن الرغبة الاجتماعية للوظائف يجب أن تتمشي مع الإمكانات الاقتصادية المتاحة للدول، ولطبيعة أوضاع سوق العمل . فالرغبة الاجتماعية في دراسة الهندسة أو الطب أو الطيران مثلاً أو غير ذلك يجب أن تتوافق مع الإمكانية الاقتصادية . فما الفائدة من مخرجات تعليمية تتمثل في القانونيين والمهندسين والمحاسبين والتربويين لكنها تعمل بعد تخرجها كتبة وحراس وسائقي تاكسي.(يعقوب أحمد الشراح2002م ص333)
فالبطالة شكل من أشكال الهدر في الموارد البشرية تتصدر مسؤوليته نظم التعليم، لكن التعليم بطبيعة الحال يتأثر بجملة من العوامل الخارجة عن نطاقه وسيطرته كالتغيير المفاجئ في السياسات السكانية والاقتصادية، والتبدلات الدولية في ميادين التجارة والسياسة والعلاقات الدولية وغيرها. وفي مجتمعات كثيرة تتأثر أنظمة التعليم بضعف الربط بينها وبين أجهزة التخطيط العام، بخاصة في ميدان تخطيط القوى البشرية حيث لا يتوفر للتعليم المعلومات اللازمة عن الناس والدولة . وما لم توجد هذه الرابطة فان من المتعذر على جهاز التخطيط التعليمي أن يضع الخطط للقوى العاملة التي بها يمكن أن يشغل الفرد دورا وظيفياً منتجا بعد أن ينال مستوى معين من التعليم.
الاقتصاد لا ينمو إلا بربطه بالوظائف الفنية والمهنية و الصناعية، وهذا يتطلب التنسيق والتكامل مع نظام التعليم من أجل بناء المعارف والمهارات والمهن التي يحتاجها سوق العمل . فالدراسة للقوي العاملة علي خط التخطيط التعليمي ليس بمعتذر لتجنب العجز في القوي العاملة المطلوبة، وحتى في معالجة مشكلة الفائض في العمالة الذي يؤدي إلي البطالة بين المتعلمين أو هجرة العقول للخارج . .(مرجع سابق ص334)
قضية توجيه التعليم لغرض الإنتاج وتحسين الأداء والاقتصاد ليست كما يتصورها البعض مجرد علاقة رياضية بين المنتج وسوق العمل أو من الوظائف التي تستدعي بناء برامج تعليم جديدة، أو حجم ونوع المنشآت التعليمية المطلوبة، أو التوسع في التعليم المهني والفني، إنما المسألة تنحصر أساسا في صياغة فلسفة وأهداف تربوية تلبي الحاجات المستقبلية . فالمحتويات التعليمية والأساليب يجب أن يلبيا فلسفة البعد الكيفي للتعليم . فالتعليم لن ينجح إذا لم يكن وظيفياً، والطلاب يجب أن تنمي لديهم طريقة التفكير العلمي، واكتساب المهارات، وإدراك قيمة العمل . والتعليم الموجه نحو العمل المنتج يحتاج إلي امكانات مادية وبشرية تعينه علي السير في تنفيذ خطط إعداد القوي العاملة . وهذا يستدعي التنسيق مع القطاعين الاجتماعي والاقتصادي من منظور التوافق مع الفلسفة والأهداف التربوية .
كما أن تبادل المعلومات بين التربية وسائر القطاعات المجتمعية من خلال بناء نظام فاعل للمعلومات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لاشك يعطي صورة واضحة عن الأوضاع الاقتصادية، وبنية العمالة، ومشاكل سوق العمل، وأوضاع التعليم، وكل ما له علاقة بأهداف التنمية .
الكثير من مشاكل القوي العاملة يمكن معالجتها عن طريق التعليم . فالتخطيط التعليمي قبل كل شيء يتحتم عليه أن يرتب أوضاعه الداخلية، ويرفع من كفاءته، ويعيد النظر في برامجه وتنظيماته ونظم القبول للتخصصات المختلفة، ولابد أن يكون التعليم تعليماً مهنياً ومنتجاً وليس لمجرد الحصول علي الثقافة العامة، أو تخريج مثقفين كما تهدف إلي ذلك بعض مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي .وتدل الإحصائيات لمخرجات التعليم وعلاقتها بسوق العمل في الدول النامية أنها مخرجات غير منتجة، ولا تتناسب مع الأهداف الاقتصادية . فالتعليم الثانوي أصبح مثالاً واضحاً في هذه الدول كجسر عبور للجامعة، بينما دول متقدمة تعتبر التعليم الثانوي ميداناً مناسباً لسوق العمل والإنتاج. ونتيجة لتكاثر الخريجين الجامعيين في ميادين لا يحتاجها السوق مقابل تضاءل فرص العمل أمامهم فان الوضع ينذر مستقبلاً بمخاطر اجتماعية وسياسية وفكرية وأمنية .
أن التحدي الكبير الذي يواجه كل نظام تربوي هو في كيفية إيجاد توازنات بين الطلب الاجتماعي علي التعليم والاحتياجات الفعلية لسوق العمل .وقضية كهذه ليس من اليسير تحقيقها ما لم تتضافر جهود المجتمع علي المستويين الحكومي والشعبي . فالنظام التعليمي في كثير من الدول إذا نظر إليه في سياق أهدافه نحو إعداد القوي العاملة فإن هناك ثلاثة عوامل عامة مرتبطة بمشكلة هذه القوي العاملة وهي : النمو في الطلب الاجتماعي علي التعليم، والمعدلات المرتفعة للنمو السكاني، وضعف أو انكماش في النشاط الاقتصادي .وأمام هذا المثلث المؤثر علي برنامج إعداد القوي العاملة نجد اختلالات خطط التعليم وضعفها في إمكاناتها وقدرتها الذاتية، فضلاً عن الخلل المقاس في التنسيق بين التعليم وجهاز التخطيط القومي في الدولة .
لاشك أن أزمة العلاقة بين التعليم والعمل في الدول العربية أزمة طاحنة تستحق الكثير من الالتفات والعناية لما لها من آثار سيئة علي التنمية . فالعاملون، يختلفون حسب الأعمار والمستوي التعليمي والمهن التي يمارسونها .وأخطر الأوضاع المهنية هي التي لها علاقة بالعمال الأميين والقوي العاملة من الأطفال المحرومين من التعليم والمتعلم العاطل، وحرمان المرأة من التعليم، وهجرة الكفاءات العربية .
إن قضية محو الأمية في الدول العربية علي الرغم من الجهود المبذولة فهي مازالت متعثرة فليست هناك سياسات واضحة نحو محو الأمية الوظيفية بين الكبار، وخصوصاً أن الفئة العمرية للشباب بين سن (15-20) سنة التي لها وزن في حجم العمالة لا تلقي الاهتمام الكافي والجهود المضاعفة كما أن برامج محو أمية الكبار، والتعليمية والتدريبية، لا تتناسب مع الحاجات الوظيفية للكبار ولا تلبي رغباتهم . (مرجع سابق ص340-341)
ونتيجة لظاهرة البطالة المرتفعة بين المتعلمين في الدول العربية فان نسبة كبيرة منهم تسعي بكل الطرق لترك أوطانها من اجل العمل في الخارج . ولقد وجد أن نسبة المهاجرين من العرب بخاصة أصحاب التخصصات الطبية والهندسية والعلوم الطبيعية مرتفعة .وهذه ظاهرة لها أسباب متعددة ومتشعبة بعضها اقتصادي وبعضها سياسي واجتماعي، لكن التعليم مسئول عنها نسبيا.
لقد ترتب على هذا الوضع المخل في إعداد القوى العاملة أن فوارق الأجور بين الحاصلين على شهادات جامعية وثانوية عامة وفنية وغيرها أثرت على احتياجات السوق . فالشهادة الجامعية كالليسانس في الآداب والفلسفة والاجتماع يحصل حاملها على راتب يفوق راتب من يحصل على دبلوم التعليم التكنولوجي والمهني الذي يفضله السوق على الشهادة الجامعية ولقد أدت هذه الوضعية الغريبة إلى الحط من قيمة التعليم الفني والصناعي الذي هو عصب الاقتصاد في هذا العصر بعد أن أصبح ثانويا لا أهمية له أمام ليسانس الجامعة . (يعقوب أحمد الشراح2002م ص341-345)
التخطيط التعليمي :
هو عملية علمية منظمة و مستمرة لتحقيق أهداف مستقبلية بوسائل مناسبة تقوم على مجموعة من القرارات و الإجراءات الرشيدة لبدائل واضحة وفقا لأولويات مختارة بعناية بهدف تحقيق أقصى استثمار ممكن للموارد والامكانات المتاحة ولعنصري الزمن والتكلفة كي يصبح نظام التربية (التعليم ) بمراحله الأساسية أكثر كفاية وفاعلية للاستجابة لاحتياجات المتعلمين وتنميتهم الدائمة . (فاروق شوقي البهي ص23)
دواعي و مبررات الأخذ بالتخطيط التعليمي:
من الأسباب والدواعي التي أدت إلى قيام و الأخذ بالتخطيط التعليمي :
1/ قيام التخطيط الاقتصادي وشعوره بالحاجة الأساسية إلى التخطيط التعليمي لتلبية حاجة الاقتصاد من العنصر البشري .
2/ تحول النظرة إلى التعليم باعتباره خدمة استهلاكية إلى اعتبار أن التعليم مردوداً وتوظيفاً مثمراً لرؤوس الأموال .
3/الزيادة السكانية و ما ارتبط بها من تزايد الطلب على التعليم .
4/التغير في تركيب المهن و الوظائف و ما يتطلبه ذلك من مستويات مختلفة من المهارات والمهن والخبرات الضرورية المواكبة للتطور في هيكل العمالة وتغيره .
5/طول فترة إعداد القوة البشرية يستوجب تخطيط التعليم تخطيطا طويل المدى لضمان التأهيل المواكب للاحتياجات كماً وكيفاً.
6/ضرورة التخطيط لإيجاد حلول لمشكلة ارتفاع نفقات التعليم .
7/ ضرورة مجاراة التعليم للتقدم السريع والتغير السريع في ميدان العلم والصناعة خاصة.
8/ التكامل بين أنواع التعليم و مشكلاته مما يستلزم التخطيط لتقديم حلول شاملة.
9/ الإيمان المتزايد بالتخطيط وقيمته في السيطرة على المستقبل.
المداخل الرئيسة لتخطيط التعليم:
مداخل التخطيط هي الأسلوب العلمي الذي يمكن إتباعه عند وضع الخطة وتختلف الأساليب باختلاف القائمين علي التخطيط ومجالاته وأهدافه .
وتبين التجارب والاتجاهات التخطيطية المعاصرة أنه يمكن الجمع بين مدخلين أو أكثر لوضع خطة التعليم بهدف تنفيذها وتقوميها وجعلها أكثر ملائمة لظروف ومتغيرات التعليم وعلاقته بمجتمعه،
وهناك ثلاثة مداخل معروفة في التخطيط التعليمي يستخدمها رجال الاقتصاد هي مدخل إعداد القوى العاملة , ومدخل التكلفة والعائد , ومدخل الطلب الاجتماعي.
1/ مدخل إعداد القوي العاملة :
صاحب زيادة الطلب علي التعليم ,خاصة في الدول النامية , التوسع فيه لمقابلة الاحتياجات الثقافية والاجتماعية، مما أدي إلي زيادة العمالة غير المدربة تدريباً كافياً، وبالإضافة لما تعانيه دول العالم الثالث من سوء توزيع العمالة وضعف إنتاجيتها، فلقد أدي التوسع في التعليم إلي زيادة الخلل في القوى العاملة واضطراب سوق العمل وتأرجحه بين الزيادة والنقصان في تخصصات ومستويات عدة، وما ترتب علي ذلك من نتائج أهمها :
* بطالة المتعلمين .
* انخفاض الأجور.
* استخدام المؤهلات العليا في وظائف كتابية بسيطة .
* انخفاض إنتاجية العمالة وبالتالي انخفاض الإنتاج العام .
ويعزي ذلك إلي الاختلاف في سرعة نمو هيكل التعليم العالي وهيكل الاقتصاد ونتيجة تضخم التعليم وتخريج أعداد تزيد عن الطلب، وقد تبين أن التعليم في هذه الدول خصوصاً التعليم العالي ينمو بسرعة تزيد مرتين أو ثلاثة مرات عن معدلات فرص العمل في القطاع الاقتصادي .
لذلك تتجلي ضرورة تخطيط التعليم وفقاً للاحتياجات الفعلية من القوى وبدأ استخدام مدخل إعداد القوى العاملة في مسارات ضيقة وتطبيقات ميكانيكية معتمداً علي كفاية التعليم الخارجية التي تحصر ملاءمة ناتج نظام التعليم باحتياجات البلاد من زاوية إحصائية بسيطة، فانحصر هذا المدخل في عمل تقديرات لاحتياجات العمالة في القطاعات المختلفة للنشاط الاقتصادي والاجتماعي، وعرض لموازين العرض والطلب وفق تصنيفات مهنية كمية. وبالتالي أصبح هذا المدخل قيداً مفتعلاً علي توسع التعليم، وخاصة التعليم العالي الذي لا يصل مستواه إلي اكبر عدد من الناس . فضلاً عن أن التنبؤ المستقبلي بالاحتياجات من القوى العاملة قام علي أسس غير سليمة فأضر بالخطة وأدي ذلك إلي نوع من القصور في تحقيق الأهداف . ولذلك تركز الاهتمام حول تقنيات هذا المدخل فظهرت معايير ومقاييس وأسس تبني عليها إستراتيجية تنفيذ الخطط .
ولقد تعاظم الاهتمام بمدخل القوى العاملة لتخطيط التعليم كأسلوب رئيس مع الاستعانة ببعض المداخل الأخرى كأساليب معادلة له نتيجة عدد من العوامل أهمها :
1/ تزايد الطلب علي العمال الأكثر مهارة وتدريباً في جميع التخصصات وعلي جميع المستويات وخصوصاً المستويات الدقيقة والنادرة، مما استدعي تخطيط التعليم لتلبية هذه الاحتياجات .
2/ تغير طبيعة العمل ومستويات المهارة المطلوبة للمهن فرض الاهتمام بالتخطيط الكيفي للتعليم ليتلاءم محتواه مع مواصفات المهن والوظائف
3/ إعداد القوى العاملة عن طريق التعليم يتطلب فترة طويلة قد تمتد إلي عشرين سنة لذلك يجب تقدير الاحتياجات المباشرة من القوي العاملة كماً وكيفاً، ثم ترجمتها إلي احتياجات مهنية، واتخاذ ذلك وسيلة لتخطيط التعليم لفترة قادمة.
4/ الحاجة لمدخل إعداد القوى العاملة والوصول إلي التشغيل الكامل للعمالة يتطلب التخطيط التعليمي .
5/ استخدام مدخل القوى العاملة يقوي العلاقة بين التعليم والعمالة والعمل المنتج، باعتبار التعليم جزء أصيل من عملية التنمية الشاملة ويتوقف تحقيقها علي كفاية النظام التعليمي في تلبية الاحتياجات من العمالة المؤهلة والمدربة مما يضمن نشر التعليم وتحسين نوعيته وزيادة فاعلية العمل وضمان أقصي مساهمة للتعليم في عمليات التنمية .
6/ أدي التطور العلمي والتكنولوجي إلي حدوث تغيير في تركيب المهن والوظائف مما تطلب من التعليم الاهتمام بالتدريب المنظم والمستمر للحصول علي المهارة والخبرة اللازمة للانتقال بين المهن والوظائف . (فاروق شوقي البوهي ص 49-52)
2/ مدخل التكلفة والعائد :
يقوم علي أساس أن التعليم مجال من مجالات الاستثمار وان الفائدة الاقتصادية لمختلف مستويات التعليم يمكن مقارنتها بتقدير معدلات العائد أو المردود الفردي والاجتماعي منها.
3/ مدخل الطلب الاجتماعي :
يعني بالنظرة الإنسانية التي تري أن للتعليم أهداف أخري غير الأهداف الاقتصادية ومعياره هو تلبية الاحتياجات الثقافية للمجتمع برمته .
وهنا يعني التعرف علي الاحتياجات المستقبلية من التعليم تبعاً لمقدار الطلب الاجتماعي عليها، وتقدير هذا الطلب علي التعليم علي أساس سكاني أو ديمغرافي من حيث عدد الأماكن الدراسية المطلوبة في مختلف أنواع التعليم ومستوياته وتقدير نسبة التلاميذ الملتحقين بالمدارس أو المطلوب إلحاقهم بها . ويعني أسلوب الطلب الاجتماعي علي التعليم بتوفير مختلف أنواع التعليم لكل تلميذ حسب قدراته وإمكانياته ورغباته . وبينما يركز أسلوب متطلبات القوي البشرية علي حاجة الاقتصاد القومي من هذه القوي نجد أن أسلوب الطلب الاجتماعي يقوم علي أساس التخطيط لتوفير قوة بشرية متعلمة بصرف النظر عن متطلباته أو حاجة سوق العمل .
والنقد الذي يوجه إلي المداخل الثلاثة السابقة للتخطيط هو أنها معنية بالكم لا بالكيف في التعليم وتهمل ما يعنيه هذا الكيف بالنسبة للتنمية والنقد الثاني أن جميعها تهتم بالتعليم الرسمي الذي يتم في المعاهد والمدارس العامة ولا تعني بالأنواع الأخرى من التعليم غير الرسمي مثل الدراسة بالمراسلة والتلمذة الصناعية وتعليم الكبار .
تخطيط القوى العاملة والتنمية البشرية:
لقد انعكس الاهتمام بتخطيط القوى العاملة كمكون من مكونات التنمية البشرية في جهود العديد من المنظمات الدولية كاليونسكو ومنظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية والاتحاد الأوربي وتشجيعها تطبيق الأساليب الحديثة في التخطيط في هذا المجال.
كما تبنت التوجه إلى أن تخطيط التعليم والتدريب والتشغيل على أساس تقنيات قياس القوى العاملة ينبغي أن ينظر إليه كعمل متكامل في إطار التنمية بمفهومها الحديث، وأن أهداف قياس القوي العاملة تتمثل في قياس الطلب علي القوي العاملة وقدرة النظام التعليمي و نظام التدريب علي ترجمة أهداف خطة التنمية إلي متطلبات واحتياجات القوي العاملة، ووضع البرامج التعليمية والتدريبية اللازمة .
وهذا يؤكد علي أن الطلب علي القوي العاملة يعتبر متغيراً مستقلاً في عملية التنمية، وأن الغرض منها يمثل المتغير التابع، كما يبدو من مخرجات نظم التعليم النظامي وغير النظامي .
ومن هنا كانت أهمية تخطيط القوي العاملة في عملية التنمية، الأمر الذي يحتاج إلي تعاون بين مخططي التنمية ومخططي التعليم والقوي العاملة .
إن الاهتمام بربط تخطيط التعليم بالقوي العاملة مرده أن أية أمة تسعي إلي تنمية نفسها تنمية شاملة بما تعنيه هذه التنمية من تنمية اجتماعية وتنمية اقتصادية، لابد أن تأخذ في اعتبارها إعداد القوي البشرية اللازمة للتنمية .كما أن هذه القوي البشرية إذا ما كانت مدربة تدريباً عالياً أمكنها أن تقود الجهود التنموية اجتماعياً واقتصادياً، ليتطور المجتمع وتحقق أهدافه.
إن مدخل القومي العاملة يمكننا من رؤية، بل وتحديد، دور نظام التعليم، والتخطيط له في مقابل الاحتياطات اللازمة للتنمية من القوي البشرية .
وتعتمد التوقعات الاقتصادية التي تهم المخطط التعليمي في دوره الواسع في تخطيط تنمية القوي البشرية علي :-
1/ توقعات النشاط الاقتصادي ونمو الإنتاج والقيمة المضافة أو الدخل وهذا يتضمن إجمالي ثمن الإنتاج والخدمات التي ينتجها الاقتصاد القومي كما يقيسه الدخل القومي الإجمالي GNP .. ويحسب الناتج الكلي لكل قطاع رئيس من القطاعات الاقتصادية .
2/ توقعات السكان العاملون بالاقتصاد وقوي العمل، وتوقعات التوظف مصنفة بحسب قطاعات الاقتصاد، واحتياجات القوي العاملة حسب المهن والمستوي التعليمي .
3 / الإنتاجية أو الإنتاج بالنسبة للفرد مستخرجة من الإنتاج والعمل .ويؤخذ في الاعتبار عند حساب هذه التوقعات التقدم التكنولوجي وتغيرات الاستثمار في رأس المال، والتغيرات التنظيمية للمؤسسات المختلفة .
4/ توقعات أخري خاصة بالصناعات أو المهن ويرجع اعتماد المخطط التعليمي علي التوقعات الاقتصادية أساساً في :
أ/ وضع أهداف التعليم، ونظام التدريب.
ب/ وضع أهداف التعليم في صورة الطلب علي القوي العاملة .
ج/ تحديد متطلبات وتعليم وتدريب القوي العاملة في ضوء الطلب وتوقعات المخرجات التعليمية . (أحمد إسماعيل حجي، 2002م ص239ـ240)
متطلبات استخدام مدخل إعداد القوي العاملة في التخطيط التعليمي :
يرى فاروق شوقي البوهي أن مدخل إعداد القوي العاملة في التخطيط التعليمي يتطلب :
1/ إحداث تغييرات جوهرية في البناء الاقتصادي والاجتماعي والنظام التعليمي وذلك من خلال :-
أ/ خلق فرص عمالة جديدة (النظام الاقتصادي) .
ب/ يقوم التعليم بتوفير وإعداد الأيدي العاملة كماً وكيفاً .
2/ وضع استراتيجيات جديدة للتنمية تتصف بالشمول والنمو المتوازن .
3/ الاهتمام بتربية الإنسان باعتباره محور عملية التنمية .
4/ إعطاء أولوية للأهداف الاجتماعية خصوصاً عند الأخذ باستراتيجية التنمية البشرية المستدامة .
5/ تصحيح الخلل الناتج عن سياسة التوظيف والأجور وتسعير الشهادات .
كما أن هذا المدخل يتضمن مجموعة من العمليات والإجراءات المتداخلة والمتفاعلة فيما بينها وهي :
أ/ التنبؤ بالنمو الاقتصادي :-
يتم ذلك من خلال تحديد مسار النمو الاقتصادي ورصد توجهاته في الفترة السابقة علي الخطة من خلال حصر حجم الإنتاج ونوعه، الإنتاجية الحالية والمتوقعة، دلالاتها وقيمها المضافة في القطاعات الاقتصادية خلال سنوات الخطة، تقدير مستقبل قطاعات الاقتصاد المختلفة في ضوء اتجاهات نمو الاقتصاد القومي، وكذا تقدير اتجاهات النمو في الهيكل الوظيفي والمهني في مختلف القطاعات والأنشطة .
ب/ تشخيص الوضع الراهن :-
ويتضمن ذلك تقويم الحالة الراهنة لقطاع التعليم والعوامل الاقتصادية والاجتماعية ووضع القوي العاملة وجمع بيانات شاملة عن :
* تركيب السكان وإحصاءاتهم الحيوية (نسبة الزيادة السنوية ,الهرم السكاني , ......الخ) .
* تركيب هيكل القوي العاملة الحالية وحجمها وتوزيعها والتغير الذي طرأ عليها خلال الفترة أو الخطة السابقة .
* التركيب المهني لقوة العمل والحالة التعليمية في كل قطاع ومستويات المهنة .
* نظام التعليم والتدريب وكفايته الإنتاجية .
* سياسة التوظيف والأجور والحوافز .
ج/ التنبؤ بالاحتياجات من القوي العاملة :
يرتبط نجاح خطط التنمية بتوفير الاحتياجات اللازمة من القوي العاملة كماً وكيفاً وفي الوقت والمكان والمستويات المناسبة حالياً ومستقبلاً . وتصنف الاحتياجات إلي :
1/ احتياجات عاجلة يجب أن تتوافر في الأعوام القليلة القادمة .
2/ احتياجات متوسطة يجب أن تتوافر في زمن خطة خمسية واحدة أو خطتين .
3/ احتياجات بعيدة المدى ويجب أن تتوافر في فترة من 15-20 سنة .
وتوفير الاحتياجات العاملة والملحة يتم في الغالب عن طريق التدريب التحويلي والتدريب التجديدي أما التنبؤ بالاحتياجات بعيدة المدى فيتم ضمن استراتيجية شاملة، بحيث يتم عمل تقدير لشغل الوظائف والمهن الضرورية لتحقيق أهداف خطة التنمية، بحيث لا يزيد إجمالي الطلب من القوة العاملة علي إجمالي العرض.
د/ تقدير المعروض من القوى العاملة:
تعتبر هذه المرحلة ابسط المراحل إذ تعتمد على إحصاءات التعليم والتدريب ودراسات السكان، وجميع الإحصاءات والمعلومات التي يمكن استخدامها في التنبؤ بحجم ومستويات تغير العرض من قوة العمل للسنوات القادمة بدرجة عالية من الدقة.
ويتم تقدير العرض من القوى العاملة حسب المهن والمستوى التعليمي على أساس تقدير السكان في المستقبل، موزعا حسب العمر، النوع بالاعتماد على الإحصاءات الحيوية والهجرة، نسب المساهمة في النشاط الاقتصادي، نسب الاستيعاب في قوة العمل، بناء العرض المتوقع من أجهزة التعليم والتدريب لتحديد العجز أو النقص ثم تحديد العبء الملقى على النظام التعليمي للاقتراب من العرض المتوقع . ومن العوامل التي تؤثر على حجم العرض مايلي:
*الداخلون إلى قوة العمل ونوعيتهم عن طريق التعليم والتدريب.
*العوامل الحافزة من مهنة إلى أخرى مثل الأجور وغيرها.
*الترقي في السلم الوظيفي عن طريق التعليم ثم التدريب.
*الخارجين من قوة العمل بسبب التقاعد أو الوفاة أو المرض أو الهجرة والظروف المفاجئة الطبيعية والاجتماعية والسياسية.
*التقدم التكنولوجي ودوره في تقليص الدور المباشر للإنسان في عملية الإنتاج.
*العمالة الوافدة.
هـ/ الموازنة بين العرض والطلب من القوى العاملة :
وتتضمن مقارنة المتاح( العرض) من القوى العاملة بالاحتياجات منها (الطلب) بقصد تحديد الفائض أو النقص منها، ويتم بيان ذلك في فئات وظيفية ومهنية وترجمتها إلى مستويات تعليمية وتدريبية.
وفي حالة تحديد وتقدير الاحتياجات المستقبلية من القوى العاملة في كل مهنة وكل مستوى وظيفي وترجمتها إلى حاجات تعليمية يعبر عنها بعد ذلك بأهداف تربوية تمثل ناتج النظام التعليمي (مخرجاته). وهنا يتم التدخل المحسوب تخطيطيا لإعادة توجيه التعليم وتعديل سياسته للربط بينها وبين الاحتياجات للوصول إلى نوع من التوازن بين العرض والطلب من القوى العاملة.
و/ وضع خطة التعليم والتدريب :
تأتي هذه المرحلة بعد تقدير الطلب والعرض والموازنة بينهما من العمالة حسب كل مهنة ومستوى وظيفي حيث يتم ترجمتها إلى ما يقابلها من حاجات تربوية يتم إعدادها من قبل النظام التعليمي خلال الفترة المحددة للخطة للوفاء بالاحتياجات من القوى العاملة
ويتطلب وضع الخطة إلى جانب ما سبق ما يلي:
1/ تقدير العرض المتوقع من المستويات والمؤهلات التعليمية التي سوف تلتحق بسوق العمل، مع استبعاد معدلات الوفاة والخارجين عن قوة العمل والهجرة.
2/ تقدير الأعداد الإضافية التي يجب على خطة التعليم الوفاء بها وهذا يتطلب:
o معرفة الأعداد المطلوب تأهيلها وتدريبها خلال الخطة.
TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0cm 34.15pt 0pt 0cm; DIRECTION: rtl; TEXT-INDENT: -18pt; unicode-bidi: embed; TEXT