الصيـــــــام والتنمية الإقتصادية.
*تقديم :
الإسلام منهج حياه ، دين ودولة ، عبادات ومعاملات ، شعائر روحانية وشرائع ربانية ، يوازن بين المادية والروحانية في إطار متوازن بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر ويظهر الإعجاز الإسلامى في أن لكل شعيرة جوانب اقتصادية مادية ، وأن النشاط الاقتصادى يرتكز على القيم الإيمانية والمثل والأخلاق ، ومن أجل ذلك يسعى المسلم للحصول على الرزق الطيب ليعينه على عبادة الله سبحانه وتعالى ، فقد ورد فى الأثر : " العمل عبادة " كما ورد أيضا " نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح " ولذلك خطأ ما يفهم من أن الإسلام دين صلاة وصيام وزكاة وحج فقط ولا دخل له بأمور الحياة سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم سياسية أو غير ذلك ، والصحيح أن الإســــــــلام نظام شامل فنحن عندما نقول " إياك نعبد وإياك نستعين " نعنى بها أننا نؤمن ونستعين بالله سبحانه وتعالى في جميع نواحى الحياة .
وتأسيساً على هذا المنهج الإسلامى نجد أن لشعيرة الصوم جوانب اقتصادية تتجلى في نواحى كثيرة تساهم فى تحقيق التنمية الإقتصادية ، سوف نتطرق إلى بعضها .
* الجوانب الاقتصادية في فريضة الصوم
كما أن لفريضة الصيام دور أساسى في التربية الروحية ، فهى تنمى عند المسلم القيم العقائدية مثل عقيدة التوحيد والامتثال والطاعة لامر الله واحتساب الاجر والثواب عند الله ، وهذا مستنبط من قول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسى : " قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به ...." ( رواه البخارى ) ، ويقول الإمام الغزالى الصيام زكاة النفس ، ورياضة الجسم ، وداع للبر ، فهو للإنسان وقاية ، وللجماعة صيانة ونية الصائم في رمضان إيمان واحتساب للأجر عند الله ، كما أن لشعيرة الصيام جوانب اقتصادية تعتبر متممة للجوانب الروحية التعبدية السابق بيانها ، وتنجلى في المسائل الآتية :
أولاً : الفدية المادية لمن لا يستطيع الصيام تساهم فى التنمية الإقتصادية :
يقول الله تبارك وتعالى: " فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له " ( البقرة : 184 ) ، ففى هذه الآية الكريمة ييسر الله سبحانه وتعالى على الذي لا يطيق الصوم لسبب شرعى أن يطعم مسكيناً من أوسط طعام الناس ، فقد أباحت الشريعة الإسلامية للمسنين الذين يشق عليهم الصوم أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً ، وكذلك يجوز الفطر للمريض إذا ألحق به الصوم ضرراً شديداً أو خاف زيادة المرض او طول مدته عليه ولا يرجى شفائه أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ، وكذلك الوضع بالنسبة للحامل والمرضع إذا خافتا على الولد ... وغير ذلك من هذه التيسيرات نجد أن الله سبحانه وتعالى قد مزج بين الجوانب الروحية لشعيرة الصوم والجوانب المالية والتى تتمثل في الفدية المالية التي ينفقها الصائم الذي يشق عليه الصوم وهذا يغرس عند المسلم أن ماله له جوانب تعبدية روحية وتصبح الغاية من هذا المال هى اعانته على طاعة الله عز وجل .
وتساهم هذه الفدية فى رفع مستوى الفقراء والمساكين وتعينهم على العمل والكسب وفى هذا تنمية اقتصادية لطبقة كبيرة من الناس .
ثانياً : دور الصدقات التطوعية فى رمضان فى التنمية الإقتصادية :
يحث الإسلام على الإنفاق في سبيل الله والتصدق على الفقراء والمساكين بصفة عامة وفى رمضان بصفة خاصة وذلك لسد حاجة المعوزين والتوسعة عليهم ، وإدخال الفرحة في قلوبهم حتى لا يشعروا بمرارة الحاجة والفقر ، وكان رسول الله e والصحابة رضوان الله عليهم يتسابقون في الصدقات وتقديم الطعام للصائمين .
ولقد كان رسول الله e جواداً وأكثر ما يكون في رمضان ، فقد روى البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : " كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فالرسول e كان أجود بالخير من الريح المرسلة " ( رواه البخارى )
فكثرة التصدق فى شهر رمضان تمكن الفقراء والمساكين من شراء مستلزمات الحياة وهذا بدوره يسبب حركة اقتصادية ، وهذا ما نشاهده في زيادة نشاط حركة التجار في رمضان .
ثالثاً : دور صدقة الفطر فى التنمية الإقتصادية :
يعتبر إخراج المال والتصدق به في نهاية شهر رمضان معاملة مالية ولكن لها جوانب روحية فقد فرض الرسول e زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمراً أوصاعاً من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين ، ويقول ابن عباس رضى الله عنهما : " فرض رسول الله e زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمه للمساكين " ( رواه أبو داود ) ، والحكمة من صدقة الفطر كما يقول فقهاء المسلمين الثقات سد حاجة الفقراء والمساكين وما في حكمهم وتقوية لروابط التكافل والتراحم بين المسلمين حتى يشعروا بالأخوة الإسلامية والحب في الله ، كما أنها تطهير للصائم من السيئات التي يكون قد ارتكبها أثناء صومه لأن للحسنات آثارها الطيبة في محو السيئات مصداقاً لقول رسـول الله e " واتبع السيئة الحسنة تمحهـــا " ( رواه احمد والترمذى )
إن إخراج زكاة الفطر بجانب أنها عبادة روحية ، فإنه يمثل حركة اقتصادية تتمثل في انتقال جزء من أموال الأغنياء وغيرهم ممن عنده قوت يومه إلى الفقراء وغيرهم لسد حاجاتهم المادية مثل المأكل والمشرب والملبس وهذا بدوره يمكنه من خلق قوة شرائية تزيد من النشاط الاقتصادي وهذا ما نشاهده في الأيام الأخيرة من شهر رمضان وفى أيام عيد الفطر حيث تزداد حركة المشتريات والمبيعات وهذه سنة الحياة ولن تجد لسنة الله تبديلا .
* مفاهيم اقتصادية خاطئة فى رمضان
- يظن كثير من الناس أن رمضان ، يؤدى إلى قلة الإنتاج ، وضعف الإنتاجية ، بسبب أن العمال الصائمين أقل كفاءة وإنتاجاً وهذا الفهم خاطئ تماماً ، بل يجب على العمال أن يكونوا أكثر إنتاجاً وكفاءة فى رمضان حتى يضاعف لهم الأجر ، ويكون لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة ، حيث كان عندما ينوى بغزوة كان يصوم.
- كما يظن الكثير من الناس أن الصيام يؤدى إلى زيادة نفقات الطعام والشراب وهذا يسبب إرهاقاً لميزانية البيت والدولة ، وهذا الفهم خاطئ لأن الإسلام يحرم الإسراف والتبذير والإنفاق المظهرى والترفى فى رمضان وغير رمضان ، بل يجب أن نستفيد من هذا الشهر فى تربية النفس على الصبر والجلد والتقشف .
* نداء إلى علماء الإقتصاد
ألم يأن لعلماء الإقتصاد إدراك الدور الاقتصادى لفريضة الصيام وكيف أنها تحقق تنمية اقتصادية لدى الفقراء والمساكين بجانب أن لها دوراً فى التنمية الروحية والاجتماعية .
ألم يأن لعلماء الإقتصاد أن يفهموا الإسلام فهماً صحيحاً والاستفادة مما فى القرآن والسنة وكتب الفقه من مفاهيم اقتصادية تساعدهم فى علاج المشاكل الإقتصادية للبشرية .
ألم يأن لهم أن يفهموا الإسلام منهج حياة شاملة ، وأن الله نزل القرآن شاملاً لكل شئ مصداقاً لقوله تبارك وتعالى : " ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين "(النحل: 89)