للمرأة قضايا تثار في كلِّ مجتمع مضطرب الموازين منحرف القيم أو جاهليٍّ أو ملحدٍ ، كان للمرأة قضيّة في العصر الجاهليّ في الجزيرة العربيَّة، وفي اليونان، وفي روما في عصور الانحلال والتفلّت. ولها قضيّة كُبْرى في الحضارة الغربيّة التي سحقت المرأة وسرقت شرفها، وحطّمت كرامتها ورمتها في فتنة الدنيا ووحول فسادها، مخدّرة لا تُحسُّ بحقيقة شقائها، خدّرتها الشهوة المتفلَّتة، أو الجري اللاهث وراء لقمة العيش، أو زهوة المراكز والمناصب والمسؤوليات.
ولكن لم يكن للمرأة مشكلة في عصر النبوة الخاتمة، ولا في عصر الخلفاء الراشدين، ولا في أيّ عصر ساد فيه حكم الكتاب والسنَّة وكانت كلمة الله فيه هي العليا.
ولكننا اليوم نعاني من هذه القضيَّة، قضيّة المرأة بعامة ومشاركتها في العمل السياسي بخاصة في الآونة الأخيرة، ونرى البعض يطلق مثل هذا الحكم:
" الإسلام لم يُفَرِّق بين المرأة والرجل في ممارسة الحقوق السياسية فهما على قدم سواء".
حكم عام يُطلق يكاد يوحي بأنه مستقى من نصّ من الكتاب والسنة، أو أنه يمثل ممارسة واضحة في التاريخ الإسلامي منذ عهد النبوّة.
إِنّ هذا النصّ العام المطلق على هذه الصورة الجازمة والتي يطلقها بعض العلماء المعاصرين دون أي قيود، لا تصحّ إلا بتوافر نصّ ثابت من الكتاب والسنة، أو بتوافر ممارسة واقعية ممتدّة في المجتمع الإسلامي الملتزم بالكتاب والسنة، والذي تكون فيه كلمة الله هي العليا. ولكننا لا نجد في الكتاب والسنّة أيّ نصّ يجيز هذا الحكم العام المطلق الخالي من أي قيود، ولا نجد كذلك أيّ ممارسة عمليّة ممتدّة له في حياة المسلمين والمجتمع الإسلامي الملتزم منذ عهد النبوة الخاتمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وحياة الخلفاء الراشدين، وسائر فترات التاريخ التي التزم فيها المجتمعُ الإسلامَ. نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يمارسن النشاط السياسيّ مساويات للرجال على قدم سواء، ولا نساء الخلفاء الراشدين، ولا نساء العصور التي تلت، ولا نجد هذه الدعوة التي يطلقها بعض العلماء إلا في العصور الحديثـة المتأخرة التي انحسر فيها تطبيق الإسلام ، وغزا الفكر الغربي ديار المسلمين.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا إلى زوجه أم سلمة ما حدث من أصحابه في الحديبية، فأشارت عليه برأيٍ استحسنه وأخذ به، فهذه حالة طبيعية في جوّ الأسرة المسلمة أن يُفرغ الرجل إلى زوجته بعض همومه، وأن يستشيرها في ذلك، وأن يستمع إلى رأيها، فإن وجد فيه خيراً أخذ به، وإن لم يجدْ تركه. هذه حادثة نتعلم منها أدب الحياة الزوجيّة في الإسلام، ونتأسَّى برسول الله صلى الله عليه وسلم ونسائه في ذلك، دون أن نعتبر ذلك نشاطاً سياسياً لنخرج منها بحكم عام مطلق ينطبق على جميع النساء في جميع العصور والأماكن في النشاط السياسي.
وأم سلمة بعد ذلك لم يُعرَف عنها أنها شاركت في النشاط السياسيّ مساوية للرجال على قدم سواء، وكذلك سائر النساء لم يُعرف عنهن هذه المشاركة المساوية للرجـال في المجتمع المسلم. فهذه حادثة تكاد تكون فريدة لا تصلح لإطلاق حكم عام.
وحين أنزل الله سبحانه وتعالى على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم قوله:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب: 28- 29 ].
لم يكن الأمر أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يتطلّعن إلى الزينة والحليّ والمتع الدنيوية، كما هو حال نساء الملوك والرؤساء حسب ما ذكر بعضهم. لقد كنّ يدركن وهن في مدرسة النبوة أن الإسلام نهج آخر، ولكن حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم كان فيها شدة وتقشف وزهد لم يكن في سائر بيوت المؤمنين، فأردن المساواة مع مستوى غيرهنّ من المؤمنات، لا مستوى الملوك والرؤساء.
وعندما ندرس هذه الآيات وما يتعلّق بنساء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فإنما ندرسه ليس من منطلق الرغبات الدنيوية الظاهرة في حياة الملوك، وإنما ندرسه منطلقين من القاعدة الرئيسة التي نصّ عليها القرآن الكريم من أنهنّ أُمهات المؤمنين، لهن هذه الحرمة والمنزلة العظيمة. فجاءت هذه الآيات الكريمة لتذكّر المسلمين ونساء النبيّ صلى الله عليه وسلم والنساء المؤمنات بعامة أن هناك نهجين مختلفين للحياة في ميزان الإسلام: نهج الدار الآخرة وما يشمله من قواعد وأسس ونظام ، ونهج الدنيا وما يموج فيه من أهواء وشهوات. نهجان مختلفان:

نهجـان قـد ميّـز الرحمن بينهمـا  *** نهج الضلال ونهج الحقّ والرشَـدِ
لا يجمـع الله نهج المؤمنـين على  *** نهـج الفساد ولا حقّـاً على فَنَـدِ

ولقد وَعَت أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- هذا التذكير، فاخترْن الله ورسوله والدار الآخرة، ليكُنّ بذلك القدوة للنساء المؤمنات أبد الدهر. ولا يتعارض هذا مع بقاء الطباع الخاصّة بالنساء، الطباع التي فُطرن عليها يهذّبها الإسلام ويصونها من الانحراف.
ولقد خلق الله المرأة لتكون امرأةً، وخلق الرجل ليكون رجلاً، وجعل سبحانه وتعالى بحكمته تكويناً للمرأة في جسمها ونفسيّتها، وجعل للرجل تكويناً متميزاً في جسمه ونفسيّته، ومازال العلم يكتشف الفوارق التي تظهر بين الرجال والنساء. وعلى ضوء ذلك، جعل الله للرجل مسؤوليات وواجباتٍ وحقوقاً، وللمرأة مسؤوليات وواجبات وحقوقاً، لتكون المرأة شريكة للرجل لا مساويةً له، حتى يتكامل العمل في المجتمع الإسلامي، حين يوفي كلٌّ منهما بمسؤولياته، وقد عرف كلٌّ منهما حدوده كما بيّنها الله لهم جميعاً.
وهناك حقوق مشتركة بين الرجل والمرأة. فالبيت المسلم هو ميدان التعاون في ظـلال المودّة والسكن والرحمة، دون أن يتحوّل الرجل إِلى امرأة أو المرأة إلى رجل. ومن حق المرأة أن تتعلم لأنَّ طلب العلم فريضة على كل مسلم، رجلاً كان أو امرأة ، " طلب العلم فريضة على كل مسلم"، (1) ومن حقّها وواجبها أن تكون مدرِّسة للنساء، وطبيبة للنساء، وفي كل نشاط مارسته النساء المؤمنات في مجتمعات يحكمها منهاج الله وكلمة الله فيها هي العليا، دون أن يتشبّهْن بالرجال:
فعن ابن عباس -رضي عنه- عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لعنَ الله المتشبّهات من النساء بالرجال، والمتشبّهين من الرجال بالنساء. "(2)
وعن عائشة -رضي الله عنها- عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " لعنَ الله الرَّجُلةَ من النساء " (3) .
وأمثلة كثيرة لا مجال لحصرها هنا تبيّن أن للإسلام نهجاً مختلفاً عن نهج الاشتراكية والعلمانية والديمقراطية، وتبيّن بالنصوص والتطبيق كما أسلفنا أن المرأة ليست مساوية للرجل في النشاط السياسي في الإسلام، إلا إذا نزعنا إلى نهج آخر أخذت تدوّي به الدنيا، وأخذنا نبحث عن مسوّغات له في دين الله .
ومن أهم ما أمر به الإسلامُ المرأة متميّزاً بذلك من غيره طاعتها لزوجها، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
) لو كنتُ آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدّي المرأة حقَّ الله -عزّ وجلَّ- عليها كلَّه حتى تؤدّي حقَّ زوجها عليها كله ، ...) (4)إلى آخر الحديث.
فعندما ندرس المرأة وحقوقها ومسؤولياتها في الإسلام فيجب أن ننطلق من حماية الأسرة ورعاية الأطفال وتربيتهم، فالأسرة والبيت المسلم هو ركن المجتمع الإسلامي وأساسه، وهو المدرسة الأولى التي تبني للأمة أجيالها، لا تتركهم للخادمات وغيرهن.
في الإسلام لابد من عرض التصوّر الكامل المترابط لنشاط المرأة، دون أن نأخذ جُزْءاً وندع أجزاءً، ونركّز على أمر لم يركّز عليه الإسلام، ولم يبرزه لا في نصوصه ولا في ميدان الممارسة. فالحياة الإسلامية متكاملة مترابطة في نهج الإسلام، لا تتناثر قطعاً معزولة بعضها عن بعض.
ولا يمنع شيء أن يخرج من بين النساء المؤمنات عالمات مبدعات شاعرات، مفتيات موهوبات. ولكن هذا كله ليس هو الذي يحدّد دور المرأة في الإسلام، فالذي يحدّده شرع الله بنصوصه الواضحة دون تأويل وبالممارسة الممتدّة الواضحة. والمرأة حين تكون عالمة أو فقيهة أو أديبة، فهي أحرى أن تصبح أكثر تمسّكاً بقوله سبحانه وتعالى:
(.... فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله...) [النساء: 34]
ومما يثير العجب حقّاً أن الرجل الشيوعي جوربا تشوف، أدرك خطورة غيـاب المرأة عن بيتها وواجباتها فيه، واجباتها التي ليس لها بديل. فلنستمع إلى ما يقوله:
" ... ولكن في غمرة مشكلاتنا اليوميّة الصعبة كدنا ننسى حقوق المرأة ومتطلباتها المتميّزة المختلفة بدورها أماً وربّة أسرة، كما كدنا ننسى وظيفتها التي لا بديل عنها مربّية للأطفال" .
ويتابع فيقول: " ... فلم يعد لدى المرأة العاملة في البناء والإنتاج وقطاع الخدمات، وحقل العلم والإبداع، ما يكفي من الوقت للاهتمام بشؤون الحياة اليومية، كإدارة المنزل وتربية الأطفال، وحتى مجرّد الراحة المنزليّة. وقد تبيّن أن الكثير من المشكلات في سلوكية الفتيان والشباب، وفي قضايا خلقية واجتماعية وتربويّة وحتى إنتاجية، إنما يتعلّق بضعف الروابط الأسرية والتهاون بالواجبات العائلية... "(5)
في دراستهم للمجتمع وللصناعة والإنتاج، انطلقوا كما نرى، ولو متأخرين، من البيت، من الأسرة، من دور المرأة في البيت، الدور الذي لا بديل له. ونحن المسلمين، وقد فصّل لنا الإسلام نظام حياتنا منطلقاً من تحديد مسؤوليات الفرد، الرجل والمرأة، ثم البيت والأسرة- تركنا ذلك وقفزنا لنبحث في حق المرأة أن تكون وزيرة أو عضواً في البرلمان أو رئيسة دولة، أو رئيسة شركة، ونضع من أَجل ذلك قانوناً عاماً مطلقاً دون قيود " :الإسلام لم يفرّق بين المرأة والرجل في ممارسة الحقوق السياسية!" وحسبُنا تطبيق الصحابة والخلفاء الراشدين، فهل كانت المرأة مساوية للرجل في الحقوق السياسية؟! أم أن الصحابة والخلفاء الراشدين أخطؤوا ولم يدركوا هذه الحقوق فظلموا المرأة وحرموها من حقوقها؟!
لا نقول: إِنّ المرأة عامة، أو أن النساء كلهن لا يصلحن للمهمات الكبيرة بحكم كونهنّ نساء. لا نقول هذا. ولكن نقول: إن الله الذي خلق الرجل والمرأة حدّد مسؤوليات الرجل والمرأة، ومارس المسلمون ذلك في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الخلفاء الراشدين، وفي عصور كثيرة أخرى.
وقد يكون بعض النساء أكبر موهبة أو طاقة من بعض الرجال، فهل هذا يعني أن تنزل المرأة معتركاً مختلفاً فيه أجواء كثيرة، وتترك قواعد الإسلام تأسّياً بنساء غير مؤمنات، أو مجتمعات غير ملتزمة بالإسلام.
وغفر الله لمن قال، كما نشرته إحدى الصحف: " إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان يعلم أنه سيظهر بين النساء أمثال جولدا مائير، أنديرا غاندي، تاتشر، ما قال حديثه الشريف: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) . فالمؤسف أنَّ من الناس من يعتبر أنَّ هؤلاء النساء أفلح بهنّ قومهن. عجباً كل العجب! هل أصبح الكفر وزينة الدنيا ومتاعها هو ميزان الفلاح! وأين قوله سبحانه وتعالى:
(وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) [ الزخرف : 33-35] نِعْمَ البيت الواسع والسرر المريحة للرجل الصالح. ونعمت القوّة والسلاح والصناعة للمؤمنين.
إننا نعتقد أنه لا يصح أن نستشهد بمجتمعات غير ملتزمة بالإسلام لنخرج بقواعد شرعية في الإسلام.
أما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة) ، فالحديث يرويه أحمد بن حنبل وأبو داود وابن ماجه والترمذي. ويأتي الحديث بألفاظ مختلفة ولكنها تجمع على المعنى والنص. وإنّ مناسبة الحديث ونصّ الحديث باللغة العربيّة يفيد العموم ولا يفيد الخصوص. ولا يعجز الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخصّ ذلك بأهل فارس لو أراد التخصيص. ولكن كلمة قوم نكرة تفيد العموم، وامرأة نكرة تفيد العموم، فلا حاجة لنا إلى تأويل الحديـث بما لا تحتمل اللغة، وربما لا مصلحة لنا في هذا التأويل.
وبما أنَّ المرأة مطالبة بعبادة الله وإقامة دينه، فإنها كذلك مكلفة مثلها مثل الرجل بتقويم المجتمع وإصلاحه! ولكنّ الله سبحانه وتعالى جعل للرجل تكاليف في ذلك ليست للمرأة، وجعل للمرأة تكاليف ليست للرجل. وذلك حتى في أركان العبـادة ـ في الشعائر ـ فصـلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في المسجد، وصلاة الرجل في المسجد خير من صلاته في البيت. والجهاد فرض على الرجال في ميدان القتال، وليس فرضاً على المرأة، وجهاد المرأة هو في بيتها ورعايته ورعاية زوجها:
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ! أنا وافدة النساء إليك! هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أُجروا وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون. ونحن النساء نقوم عليهم فما لنا من ذلك؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أبلغي من لقيتِ من النساء أنَّ طاعة الزوج واعترافاً بحقه يعدل ذلك، وقليل منكنّ يفعله) .
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار ليسقين الماء ويداوين الجرحى " (6).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "وفيه :" ... والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم ) . (7)
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله، أعلى النساء جهاد؟! قال: ( نعم ! عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة).(8)
وبصورة عامة فإن الإسلام جعل الميدان الأول للمرأة البيت بنص الآيات والأحاديث والممارسة والتطبيق، وجعل ميدان الرجل الأول خارج البيت، ويبقى للمرأة دور خارج البيت غير مساوٍ للرجل، وللرجل دور في البيت غير مساوٍ لدور المرأة.
ولا بد أن نؤكد أن للإسلام نهجاً متميّزاً غير نهج العلمانية والديمقراطية ومناهج الغرب في عمل المرأة والرجل. نهجان -كما ذكرنا- مختلفان.
نحن نمرّ بمرحلة فيها عواصف غربية وأمواج تكاد تكتسح. ما بالنا نريد أن نخرج المرأة المسلمة من مكانها الكريم الذي وضعها الإسلام فيه، لنجاري الغرب في ديمقراطيته وعلمانيته.؟! ونكاد نخجل من اتهام العلمانية لنا وادعائها بأن الإسلام حجر على المرأة. إن أفضل ردّ عليهم لا يكون بأن ندفع المرأة المسلمة إلى بعض مظاهر الغرب لندفع عن أنفسنا ادّعاءَهم . إن أفضل ردّ أن نقول لهم إن الإسلام أكرم المرأة وأعزها وحفظ لها شرفها وطهرها، وأنتم أضعتم المرأة وأضعتم كرامتها، ثمَّ نعرض الإسلامَ كما هو، وكما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، وكما مارسه المسلمون في عهد النبوة والخلفاء الراشدين.
المرأة المسلمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في أجواء النساء، حيث لا يستطع الرجل أن ينشط هناك إلا في أجواء الاختلاط التي لم يعرفها الإسلام لا في نصوصه ولا في ممارساته. وللمرأة المسلمة أنشطة كثيرة تقوم بها دون أن تلج في أجواء لم يصنعها الإسلام. المنافقات يقمن بإفساد المجتمع مع المنافقين جنباً إلى جنب سواء بسواء كما نرى في واقع البشرية اليوم. أما المؤمنات فيصلحن في المجتمع بالدور الذي بيّنه الله لهنّ، غير مساويات للرجال ولا ملاصقات لهن. دور بيّنه الله للنساء وللرجـال، لا نجده في الديمقراطية، ولا في العلمانية، ولا في تاريخ الغرب كله.
نعم! إن أول من صدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت زوجه خديجة رضي الله عنها. ولكنها بتصديقها لرسول الله صلى الله عليه وسلم التزمت حدودها في رسالته، فلم تنطلق خديجة -رضي الله عنها- في أجواء النشاط السياسي أو ميادين القتال أو مجالس الرجال. وكذلك كانت سميّة أول شهيدة في الإسلام رضي الله عنها، وكانت قبل استشهادها ملتزمة حدود الإسلام. والنساء اللواتي قاتلن في أُحد أو حنين، كان ذلك في لحظات طارئة عصيبة لا تمثل القاعدة الدائمة الرئيسة للمرأة في الإسلام، كما بيناها قبل قليل، فلم نَرَهنّ بعد ذلك في مجالس الرجال أو ميادين السياسة سواء بسواء كالرجال، وإنما كنّ أول من التزمن حدودهن التي بينها لهنّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
المرأة التي قامت تردّ على عمر -رضي الله عنه- في المسجد، كانت في مكان تعبد الله فيه وتتعلم. وهو جو يختلف عن المجالس النيابية اليوم، وكانت في مجتمع يختلف عن مجتمعاتنا اليوم. وهذه المرأة نفسها لو عُرِض عليها الأجواء المعاصرة لأبت المشاركة فيها، وكثير من المسلمات اليوم يأبين المشاركة في الأجواء الحديثة.
وأتساءل عن السبب الذي يدعو بعضهم إلى الحرص على إدخال المرأة المجالس النيابية العصرية! لقد أصبح لدينا تجربة غنيّة في المجالس النيابية تزيد عن القرن، فلننظر ماذا قدّمت للأمة المسلمة، هل ساعدت على جمعها أم على تمزيقها؟ وهل ساهمت في نصر أم ساهمت في هزائم؟ وهل هذه المجالس التي نريد أن نقحم المرأة المسلمة فيها هي صناعة الإسلام وبناؤه ، أم أنها مثل أمور أخرى غيرها استوردناها من الغرب مع الحداثة والشعر المتفلّت المنثور وغيره من بضاعة الديمقراطية والعلمانية؟!
وبصـورة عامة، فإنّ هذا الموضوع: مساواة المرأة بالرجل كما يقول بعضهم: " لقد قرّر الإسلام مساواة المرأة بالرجل"! هكذا في تعميم شامل، شاع هذا الشعار في العالم الإسلامي، وأصبح له جنود ودعاة ودول تدعو إِليه. وكذلك: "مساواة المرأة بالرجل في ممارسة الحقوق السياسية"، هذا كله موضوع طُرق حديثاً مع تسلل الأفكار الغربية إلى المجتمعات الإسلاميـة، مع تسلل الديمقراطية والعلمانية، كما تسلّلت قبل ذلك الاشتراكية.
هنالك عوامل كثيرة يجب أن تُدرس وتُراعى عند دراسة نزول المرأة إلى ميدان العمل السياسي الذي يفرض الاختلاط في أجواء قد لا يحكمها الإسلام من ناحية، ولا تحكمها طبيعة العمل نفسه. والاختلاط مهما وضعنا له من ضوابط، فقد أثبتت التجربة الطويلة في الغرب وفي الشرق إِلى انفلات الأمور، وإلى التورط في علاقات غير كريمة.
وكذلك فنحن لسنا بحاجـة لنزول المرأة إلى الميادين، ففي الرجال عندنا فائض، والرجال بحاجة إلى أن تـُدرس حقوقهم السياسية التي منحهم إياها الإسلام.
إن نزول المرأة إلى الميدان السياسي ذو مزالق خطيرة، فعندما يُطلق هذا ويُباح، فهل معظم النساء اللواتي سيمارسن هذا العمل نساء ملتزمات بقواعد الإِسلام كلّه، و بالحجاب واللباس عامة؟
إنَّ إطلاق هذا الأمر ونحن لم نَبْنِ الرجل ولا المرأة، والتفلّت في مجتمعاتنا واضح جليّ ومتزايد في الرجال والنساء، دون أن ينفي هذا وجود بعض النساء الملتزمات والرجال الملتزمين، إنَّ إطلاق هذا الأمر قد يقود إلى فتنة يصعب السيطرة عليها.
وإني لأتساءل: لأيّ مجتمع تصدر مثل هذه الآراء؟! لأيّ رجل وأي امرأة؟ هل المجالس النيابية الحاليّة تصلح ميداناً للمرأة المسلمة لتمارس النشاط السياسي؟ أين هو المجتمع الذي يطبّق شرع الله كاملاً، لتُطلق فيه مثل هذه الأمور؟ وهل هذه المجالس مجالس يسودها شرع الله؟!
وميادين العمل المباح للنساء واسعة جداً وكافية لهن، وكلها منضبطة بقواعد الإسلام مثل المدرسات والطبيبات، وكل عمل ليس فيه باب من أبواب الفتنة أو الاختلاط، مع توافر جميع الشروط الشرعية الأخرى عند مزاولة هذه الأنشطة.
لا بدّ من الاستفادة مما حلَّ بأقوام آخرين حين انطلقت المرأة في المجتمع في هذا الميدان أو ذاك. وإذا نزلت ميدان السياسة فما الذي يمنعها أن تنزل إلى المصانع وسائر الميادين الأخرى، كما نراها في العالم الغربي؟!
وكذلك أتساءل: لماذا هذه الضجّة الكبيرة عن المرأة وحقوقها؟ ألا تنظرون إلى الرجل وحقوقه؟ في عالمنا اليوم فَقَدَ كثير من الرجال حقوقهم، فلماذا تكون الضجّة على حقوق المرأة وحدها، ففي ذلك ظلم للمرأة وللرجل.
والإسلام في نهجه جعل الحقوق والواجبات متوازنة في الحياة كلها من خلال منهاج رباني أصدق من سائر المناهج وأوفى وأعدل.
وأخيراً أقول: قبل أن نطلق مثل هذه الآراء اليوم، فلنبن الرجل ولنبن المرأة ولنبن المجتمع المسلم.
فلنبنِ الأمة، فلنبنِ الرجل والمرأة، والبيت المسلم، والمجتمع المسلم الملتزم، ولنبنِ الأمة المسلمة الواحدة الملتزمة بالكتاب والسنة. حيث تكون كلمة الله هي العليا، فيكون هذا المجتمع أقدر على تحديد دور الرجل والمرأة.
إلى ذلك يجب أن تتجه الجهود متكاتفة بدلاً من أن تتمزَّق في قضايا جزئية لا تساعد إلا على تمزيق الأمة: أيها العلماء والفقهاء والدعاة والمسلمون، أقيموا الإسلام حقّ الإقامة أولاً في نفوسكم رجالاً ونساءً، وأقيموه في الأرض، كما يأمركم الله سبحانه وتعالى، وبلّغوه الناس وتعهّدوهم عليه، ثمَّ انظروا في حقوق المرأة والرجل تجدوها بيّنة جليّة لا تحتاج إلى فتوى، كما وجدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون المتقون في العصور كلِّها!

--------------------------------------------------------------------------------
(1)عن أنس وغيره من الصحابة . صحيح الجامع الصغير وزيادته رقم: 3913 أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، صحيح الجامع الصغير وزيادته 5100 .
(2)صحيح الجامع الصغير وزيادته رقم 5096 ، المشكاة : رقم : 4470 .
(3)عن عائشة رضي الله عنها، وعن عبد الله بن أوفى، ومعاذ بن جبل، وأنس بن مالك، رضي الله عنهم، في روايات متعددة كلها تتفق مع النصّ المذكور. أخرجه الإمام أحمد: الفتح الرباني : 16/227 وأخرجه ابن ماجه وابن حبان. وفي صحيح الجامع الصغير وزيادته : رقم : 5295 .
(4)جورباتشوف: البيروسترويكا والتفكير الجديد لبلادنا والعالم أجمع ، ص : 166 ترجمة أحمد شومان .
(5)مسلم : 32/47/1800 ، وأبوداود : 9/34/2531 .
(6)البخاري : 11/11/893 مسلم : 33/5/1829 ، الترمذي : 24/27/1705 .
(7)أحمد وابن ماجة.
(8)أبوداود : 34/6/4607 ، الترمذي 42/16/2676 ، ابن ماجة : المقدمة 35 .

المصدر: . عدنان علي رضا النحوي
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 979 مشاهدة
نشرت فى 3 يوليو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,878,813

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters